رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    رسميا بعد الهبوط الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 23 أغسطس 2025    تشيلسي يكتسح وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي الممتاز    محمد الشناوي خارج مباراة الأهلي وغزل المحلة.. هاني رمزي يكشف السبب    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    ابنة سيد مكاوي عن شيرين عبدالوهاب: فقدت تعاطفي بسبب عدم مسؤوليتها    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    وزير الدفاع الإيراني: صواريخ جديدة برؤوس حربية متطورة لم تُستخدم في حرب ال12 يومًا    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    تشيلسي يدمر وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي.. فيديو    الحوثيون يعلنون تنفيذ 3 عمليات ضد أهداف في تل أبيب    تنسيق الشهادات المعادلة 2025، قواعد قبول طلاب الثانوية السعودية بالجامعات المصرية    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    أمم إفريقيا للمحليين - المليوي يقود المغرب إلى نصف النهائي.. ومدغشقر تقصي كينيا    فالنسيا من قمم المجد إلى هاوية النسيان.. حين تقودك الإدارة إلى اللعنة    تقرير: ليس فينيسيوس فقط.. أنشيلوتي يستبعد رودريجو من قائمة البرازيل    محمود وفا حكما لمباراة الاتحاد والبنك الأهلى والسيد للإسماعيلى والطلائع    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    سليم غنيم يحافظ على الصدارة للعام الثاني في سباقات الحمام الزاجل الدولية    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    في لحظات.. شقة تتحول إلى ساحة من اللهب والدخان    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    قطع المياه عن بعض المناطق بأكتوبر الجديدة لمدة 6 ساعات    خطة عاجلة لتحديث مرافق المنطقة الصناعية بأبو رواش وتطوير بنيتها التحتية    تحت عنوان كامل العدد، مدحت صالح يفتتح حفله على مسرح المحكي ب "زي ما هي حبها"    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    خيرى حسن ينضم إلى برنامج صباح الخير يا مصر بفقرة أسبوعية على شاشة ماسبيرو    ميرهان حسين جريئة وليلى علوي بإطلالة شبابية.. لقطات نجوم الفن في 24 ساعة    حدث بالفن| أول تعليق من شيرين عبد الوهاب بعد أنباء عودتها ل حسام حبيب وفنان يرفض مصافحة معجبة ونجوم الفن في سهرة صيفية خاصة    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    كتر ضحك وقلل قهوة.. طرق للتخلص من زيادة هرمون التوتر «الكورتيزول»    نجاح عملية جراحية دقيقة لاستئصال ورم ليفي بمستشفى القصاصين فى الإسماعيلية    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. الدفاع الروسية: سيطرنا على 9 بلدات فى أوكرانيا خلال أسبوع .. وزيرة خارجية سلوفينيا: المجاعة مرحلة جديدة من الجحيم فى غزة.. إسرائيل عطلت 60 محطة تحلية مياه فى غزة    نتيجة تنسيق رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي الأزهر الشريف 2025 خلال ساعات.. «رابط مباشر»    أخبار × 24 ساعة.. موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    القضاء على بؤرة إجرامية خطرة بأشمون خلال تبادل النار مع قوات الشرطة    ضبط 1954 مخالفة ورفع كفاءة طريق «أم جعفر – الحلافي» ورصف شارع الجيش بكفر الشيخ    الزمالك يواصل استعداداته لمواجهة فاركو بتدريبات استشفائية وفنية    محمد طاهر: الكرة من أفضل أدوات التسويق ورعاية للزمالك لدعم الأندية الشعبية    منها الإقلاع عن التدخين.. 10 نصائح للحفاظ على صحة عينيك مع تقدمك فى العمر (تعرف عليها)    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    رئيس جهاز القرى السياحية يلتقي البابا تواضروس الثاني بالعلمين (صور)    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحُبُ في أروقة الفلاسفة
نشر في صوت البلد يوم 03 - 04 - 2017

لا تقتنع الفلسفة بالوقوف عند الجزئيات بل هي نشاط عقلي يريدُ ربط الظواهر المتفرقة لتقديم رؤية كلية حول الحياة وإستخلاص أفكار وتصورات من التجارب التي يمرُ بها الإنسانُ، لذلك فإن مقاربة الفلاسفة للمعطيات الوجودية تتميز بالعمق والإبتعاد عن التبسيط والآنية، بل يؤثرون مناقشة القضايا المختلفة على ضوء المفاهيم التي يتوصلون إليها، وما هو جوهري وثابت بنظر الفلاسفة السؤال الذي بفضله يحافظ العقل على نشاطه ولا ينزلق إلى مهاوي الركود.
لذا لا يستثني الفلاسفة تجاربهم الذاتية على المستوى العاطفي من مطارحاتهم الفكرية وبذلك حتى الحب الذي عرفناه بسيطاً مرحاً تُصْبحُ مسألة لا تخلو من التعقيدات في الحقل الفلسفي، إذ يتضحُ هذا الأمر أكثر في كتاب "الفلاسفة والحب . الحب من سقراط إلى سيمون دي بوفوار" من تأليف الكاتبتين الفرنسيتين ماري لومونييه وأودلا نسولان حيث ترجمته إلى لغة الضاد دينا مندور.
تكمن أهمية هذا المُؤَلَف في ربطه بين مذاهب الفلاسفة وسيرورة حياتهم على حد تعبير (آلان باديو)، يتصدرُ الكتابُ ما يشبه تمهيداً لعرض تصورات الفلاسفة إذ هناك اهتمام بسؤال الحب في عصرنا والإنفصال بين الحب الجسدي والحب العاطفي ما أسفر عن مكننة الحب وتشوه العاطفة على حد تعبير أدورنو.
ومن ثم ذكرت المؤلفتان آراء فلاسفة الآخرين حول العلاقة القائمة بين اللذة الحسية والحب ربما أجمل ما ورد في هذا السياق هو تفسير الفيلسوف الألماني نيتشه، فالأخير يعتقدُ بإن الإشباع الجنسي بالنسبة للعاشقين لا يُعدُ شيأً إنما مجرد رمز وليس أكثر.
هنا موضوع الحب يتم تناوله على المستوى الأشمل، ولا يكون قيد التصورات الناتجة عن ردات فعل سريعة وتجارب عاطفية عارضة، صحيح فإن آراء الفلاسفة التي يضمها الكتاب هي وليدة لتجاربهم لكن ما يميزُ رؤية هؤلاء هو التحفز لتضفير الحب مع موضوعات أخرى مثل مصير الإنسان ودور الحب في الآلام التي يعانيها الكائن الإنساني، هل يصحُ تجاهل نداءات الحب خوفاً مما تنطوي عليه التجربة العاطفية من العذاب.
وإذا نظرنا إلى الأمور من هذا المنطلق فهل يوجد فرق ذكر بيننا وبين الأحجار والأموات التي تحظى بالراحة والسكون على حد قول مونيك ديسكو.
يكشف لك هذا الكتابُ عن اتجاهين أحدهما يزهدُ أصحابهُ عن تذوق الحب لاسيما الحسي أو ينسف الجسر الموصول إلى تتويج التجربة بالعلاقة الدائمة مثل كيكجارد فهو فضل فكره الذي بمثابة روحته وحياته على حبيبته ريجيبن.
يتداخل لدى الفيلسوف الدانماركي الحبُ مع قضايا عقائدية ويتأثر في قراراته بهذا الشأن بما ورد في نصوص دينية عن تضحية النبي إبراهيم بإبنه، كما أن كانط هو أيضاً سجل حياته يكاد يكونُ خالياً من العلاقات العاطفية بحيث جديرُ أن يوصف بالفيلسوف الناسك إذ تعتبر الحياة الجنسية لصاحب نقد العقل الخالص من أخطر المسائل الميتافيزيقية في الغرب.
ويعللُ كانط بقاءه عازباً بأنه حين احتاج إلى المرأة لم يمتلك ما يطعمها وحين إمتلك المال لم يعد يشعر بالحاجة إلى المرأة.
بخلاف هذا الإتجاه ثمة من كانت المرأة حاضرةً بقوة في حياته حيث تعددت تجاربه وأقام شبكة من علاقات عاطفية خارج مؤسسة الزواج إذ يُمثلُ مارتن هاديغر نموذج الفيلسوف التائق لإرتياد قلب العالم النابض عبر الحب، على حد تعبير عشيقته حنة أرندت.
بين هذا وذاك يوجدُ من ظلَّ موقفه ملتبساً حيال المرأة والحب، لعل الفيلسوف المُتشائم آرثر شوبنهاور يكونُ أبرز مثال بسلوكياته المتناقضة عن عدم الوضوح والضبابية في علاقته بالمرأة فهو من جهة يحملُ الأنثى مسؤولية إستمرارية حياة خالية من المعنى ويعتبرُ الحب ليس إلا فخاً ومن جهة أُخرى لم يزهدْ من إقامة علاقات حميمية مع أكثر من إمرأة.
بجانب ذكر أطروحة نخبة من الفلاسفة المُحدثين عن الحب يلتفت هذا الكتابُ إلى ما دار حول الموضوع نفسه لدى فلاسفة الإغريق من النقاشات، هنا يُشير إلى رأي أرستوفان؛ فبنظر الأخير كان الذكر والأُنثى متحدين في كيان واحد وبما أن ذلك يشكل مصدر خطر على الآلهة لذا عاقب زيوس الجنسين بالإنفصال، فبالتالي يولدُ إيروس من الشعور بالحاجة إلى النصف الآخر.
ويُعدُ إيروس إلها عظيماً لم يسبقه إلا العدم حسبما ورد ذكره في الميثولوجيا اليونانية، الأكثر من ذلك تحدثت مؤلفتا (الفلاسفة والحب) عن اقتران الجمال بالحب عند إفلاطون وإزدراء صاحب الجمهورية للحب الجسدي واصفاً إياه بأنه المرحلة الأولى في رحلة الإنسان نحو عالمه الروحاني.
وفي هذا الإطار يتم ذكر علاقة سقراط بزوجته كسانتيب التي ألقت بدلو الماء على زوجها ولم يسعَ سقراط إلا أن يقولَ "كم من مطر خفيف على رياح عاتية" يعتقدُ الفيلسوف الألماني نيتشه بأن سقراط ما كان سيصبح أكبر مُجادل في أثينا لولا مناكدات زوجته.
تختارُ صاحبتا الكتاب في لوكريس لدى الرومان قبل الإنتقال إلى العصر الوسيط وإفراد فصل كامل لرؤية مونتاني عن الحب، يرى الشاعر الروماني لوكريس 55 ق. م بأنَّ الحب لا ينفصلُ عن عذابات أبدية إذ تجسدُ أسطورة تتالوس مثالاً واضحاً عن المعاناة الناجمة من الحب مُضيفاً إلى أن "تجنب شرك الحب أهون من الوقوع فيه". كما يقدم حلاً لتخفيف من حدة آلام الحب ب "محو الجراح القديمة بندوب جديدة" والبحث عن الحب الجديد لنسيان متعة قديمة.
ولا يختلفُ تصور الشاعر الإيطالي تيشزاري بافيزي عن رأي لوكريس حيث يعتقد الأول بأن الحب سبب للإنتحار، كون الحب يكشفُ عري الإنسان وبؤسه ويظهره أعزل وسط العدم، وهذا ما حدا به فعلاً لأن ينتحرَ ويصبح أحد ضحايا الحب.
إذا انصرفنا إلى مونتاني المبدع في كتابة فن المقالة والدبلوماسي المحنك نلاحظ بأنه أكثر إهتماما بالإيروتيكية إذ نشأ مونتاني محروماً من حنان الأم مما جعله ان لا يكون مستقراً في علاقاته العاطفية، فهو بدلاً من أن يتباهى بالفروسية والخيل كمعظم أبناء عصره فضل أن يكون منكباً على تفاصيل العلاقات الحميمية.
يتسلسل الحديث عن الفلاسفة إلى أن تتوقف عند جان جاك رسو الذي يقول في كتابه "إميل" بأن ممارسة العلاقات الحسية دون وجود الحب ليست إلا نوعاً من العبودية، واعترف في الوقت نفسه بإن الحب لا يكون دون العذاب والآلام.
وفي الفصل المخصص لروسو يتم التطرق إلى رأي لاروشفكو الذي يفسرُ تفسيراً إجتماعياً لظاهرة الحب مشيراً إلى أن هناك أناساً ما أصبحوا عشاقاً أبدا، ولولا أن سمعوا من يتكلم عن العشق.
هكذا يتجول بك الكتاب في ثنايا أفكار الفلاسفة إلى أن يختم بقصة العلاقة الإستثنائية بين سيمون دي بوفوار وجان بول سارتر، فالأخير يعتقدُ بأن الحب هو أن تمتلك العالم من خلال امرأةً. يُذكر حاله كحال هاديجر كانت له علاقات نسائية متعددة تأتي يتفردُ هذا الكتاب في عرضه لوجه آخر للفلاسفة بحيث يصحح لك بعض تصورات نمطية عن فيلسوف مثل نيتشه الذي لم يكن معادياً للمرأة، بقد ما أراد امرأة تكون ندا له في صرامة الفكر وتقديس الحياة.
كذلك بالنسبة لكيكجارد الذي عاش حياة متصوفة باحثاً عن لذة أبدية لإن الحب الحسي كما قال مثل الموسيقى التي ليس لها أثر إلا في حالة العزف.
يحق أن نتسائل بعد معرفة كل هذه المواقف المتضاربة هل يصح أن نمشي في درب الفلاسفة في البحث عن الحب أو نكتفي بالترديد مع أندريه بريتون بأن الحب هو الحل الوحيد أو نتبنى ماقاله نزار قباني بأنه "لا غالب إلا الحب"؟
لا تقتنع الفلسفة بالوقوف عند الجزئيات بل هي نشاط عقلي يريدُ ربط الظواهر المتفرقة لتقديم رؤية كلية حول الحياة وإستخلاص أفكار وتصورات من التجارب التي يمرُ بها الإنسانُ، لذلك فإن مقاربة الفلاسفة للمعطيات الوجودية تتميز بالعمق والإبتعاد عن التبسيط والآنية، بل يؤثرون مناقشة القضايا المختلفة على ضوء المفاهيم التي يتوصلون إليها، وما هو جوهري وثابت بنظر الفلاسفة السؤال الذي بفضله يحافظ العقل على نشاطه ولا ينزلق إلى مهاوي الركود.
لذا لا يستثني الفلاسفة تجاربهم الذاتية على المستوى العاطفي من مطارحاتهم الفكرية وبذلك حتى الحب الذي عرفناه بسيطاً مرحاً تُصْبحُ مسألة لا تخلو من التعقيدات في الحقل الفلسفي، إذ يتضحُ هذا الأمر أكثر في كتاب "الفلاسفة والحب . الحب من سقراط إلى سيمون دي بوفوار" من تأليف الكاتبتين الفرنسيتين ماري لومونييه وأودلا نسولان حيث ترجمته إلى لغة الضاد دينا مندور.
تكمن أهمية هذا المُؤَلَف في ربطه بين مذاهب الفلاسفة وسيرورة حياتهم على حد تعبير (آلان باديو)، يتصدرُ الكتابُ ما يشبه تمهيداً لعرض تصورات الفلاسفة إذ هناك اهتمام بسؤال الحب في عصرنا والإنفصال بين الحب الجسدي والحب العاطفي ما أسفر عن مكننة الحب وتشوه العاطفة على حد تعبير أدورنو.
ومن ثم ذكرت المؤلفتان آراء فلاسفة الآخرين حول العلاقة القائمة بين اللذة الحسية والحب ربما أجمل ما ورد في هذا السياق هو تفسير الفيلسوف الألماني نيتشه، فالأخير يعتقدُ بإن الإشباع الجنسي بالنسبة للعاشقين لا يُعدُ شيأً إنما مجرد رمز وليس أكثر.
هنا موضوع الحب يتم تناوله على المستوى الأشمل، ولا يكون قيد التصورات الناتجة عن ردات فعل سريعة وتجارب عاطفية عارضة، صحيح فإن آراء الفلاسفة التي يضمها الكتاب هي وليدة لتجاربهم لكن ما يميزُ رؤية هؤلاء هو التحفز لتضفير الحب مع موضوعات أخرى مثل مصير الإنسان ودور الحب في الآلام التي يعانيها الكائن الإنساني، هل يصحُ تجاهل نداءات الحب خوفاً مما تنطوي عليه التجربة العاطفية من العذاب.
وإذا نظرنا إلى الأمور من هذا المنطلق فهل يوجد فرق ذكر بيننا وبين الأحجار والأموات التي تحظى بالراحة والسكون على حد قول مونيك ديسكو.
يكشف لك هذا الكتابُ عن اتجاهين أحدهما يزهدُ أصحابهُ عن تذوق الحب لاسيما الحسي أو ينسف الجسر الموصول إلى تتويج التجربة بالعلاقة الدائمة مثل كيكجارد فهو فضل فكره الذي بمثابة روحته وحياته على حبيبته ريجيبن.
يتداخل لدى الفيلسوف الدانماركي الحبُ مع قضايا عقائدية ويتأثر في قراراته بهذا الشأن بما ورد في نصوص دينية عن تضحية النبي إبراهيم بإبنه، كما أن كانط هو أيضاً سجل حياته يكاد يكونُ خالياً من العلاقات العاطفية بحيث جديرُ أن يوصف بالفيلسوف الناسك إذ تعتبر الحياة الجنسية لصاحب نقد العقل الخالص من أخطر المسائل الميتافيزيقية في الغرب.
ويعللُ كانط بقاءه عازباً بأنه حين احتاج إلى المرأة لم يمتلك ما يطعمها وحين إمتلك المال لم يعد يشعر بالحاجة إلى المرأة.
بخلاف هذا الإتجاه ثمة من كانت المرأة حاضرةً بقوة في حياته حيث تعددت تجاربه وأقام شبكة من علاقات عاطفية خارج مؤسسة الزواج إذ يُمثلُ مارتن هاديغر نموذج الفيلسوف التائق لإرتياد قلب العالم النابض عبر الحب، على حد تعبير عشيقته حنة أرندت.
بين هذا وذاك يوجدُ من ظلَّ موقفه ملتبساً حيال المرأة والحب، لعل الفيلسوف المُتشائم آرثر شوبنهاور يكونُ أبرز مثال بسلوكياته المتناقضة عن عدم الوضوح والضبابية في علاقته بالمرأة فهو من جهة يحملُ الأنثى مسؤولية إستمرارية حياة خالية من المعنى ويعتبرُ الحب ليس إلا فخاً ومن جهة أُخرى لم يزهدْ من إقامة علاقات حميمية مع أكثر من إمرأة.
بجانب ذكر أطروحة نخبة من الفلاسفة المُحدثين عن الحب يلتفت هذا الكتابُ إلى ما دار حول الموضوع نفسه لدى فلاسفة الإغريق من النقاشات، هنا يُشير إلى رأي أرستوفان؛ فبنظر الأخير كان الذكر والأُنثى متحدين في كيان واحد وبما أن ذلك يشكل مصدر خطر على الآلهة لذا عاقب زيوس الجنسين بالإنفصال، فبالتالي يولدُ إيروس من الشعور بالحاجة إلى النصف الآخر.
ويُعدُ إيروس إلها عظيماً لم يسبقه إلا العدم حسبما ورد ذكره في الميثولوجيا اليونانية، الأكثر من ذلك تحدثت مؤلفتا (الفلاسفة والحب) عن اقتران الجمال بالحب عند إفلاطون وإزدراء صاحب الجمهورية للحب الجسدي واصفاً إياه بأنه المرحلة الأولى في رحلة الإنسان نحو عالمه الروحاني.
وفي هذا الإطار يتم ذكر علاقة سقراط بزوجته كسانتيب التي ألقت بدلو الماء على زوجها ولم يسعَ سقراط إلا أن يقولَ "كم من مطر خفيف على رياح عاتية" يعتقدُ الفيلسوف الألماني نيتشه بأن سقراط ما كان سيصبح أكبر مُجادل في أثينا لولا مناكدات زوجته.
تختارُ صاحبتا الكتاب في لوكريس لدى الرومان قبل الإنتقال إلى العصر الوسيط وإفراد فصل كامل لرؤية مونتاني عن الحب، يرى الشاعر الروماني لوكريس 55 ق. م بأنَّ الحب لا ينفصلُ عن عذابات أبدية إذ تجسدُ أسطورة تتالوس مثالاً واضحاً عن المعاناة الناجمة من الحب مُضيفاً إلى أن "تجنب شرك الحب أهون من الوقوع فيه". كما يقدم حلاً لتخفيف من حدة آلام الحب ب "محو الجراح القديمة بندوب جديدة" والبحث عن الحب الجديد لنسيان متعة قديمة.
ولا يختلفُ تصور الشاعر الإيطالي تيشزاري بافيزي عن رأي لوكريس حيث يعتقد الأول بأن الحب سبب للإنتحار، كون الحب يكشفُ عري الإنسان وبؤسه ويظهره أعزل وسط العدم، وهذا ما حدا به فعلاً لأن ينتحرَ ويصبح أحد ضحايا الحب.
إذا انصرفنا إلى مونتاني المبدع في كتابة فن المقالة والدبلوماسي المحنك نلاحظ بأنه أكثر إهتماما بالإيروتيكية إذ نشأ مونتاني محروماً من حنان الأم مما جعله ان لا يكون مستقراً في علاقاته العاطفية، فهو بدلاً من أن يتباهى بالفروسية والخيل كمعظم أبناء عصره فضل أن يكون منكباً على تفاصيل العلاقات الحميمية.
يتسلسل الحديث عن الفلاسفة إلى أن تتوقف عند جان جاك رسو الذي يقول في كتابه "إميل" بأن ممارسة العلاقات الحسية دون وجود الحب ليست إلا نوعاً من العبودية، واعترف في الوقت نفسه بإن الحب لا يكون دون العذاب والآلام.
وفي الفصل المخصص لروسو يتم التطرق إلى رأي لاروشفكو الذي يفسرُ تفسيراً إجتماعياً لظاهرة الحب مشيراً إلى أن هناك أناساً ما أصبحوا عشاقاً أبدا، ولولا أن سمعوا من يتكلم عن العشق.
هكذا يتجول بك الكتاب في ثنايا أفكار الفلاسفة إلى أن يختم بقصة العلاقة الإستثنائية بين سيمون دي بوفوار وجان بول سارتر، فالأخير يعتقدُ بأن الحب هو أن تمتلك العالم من خلال امرأةً. يُذكر حاله كحال هاديجر كانت له علاقات نسائية متعددة تأتي يتفردُ هذا الكتاب في عرضه لوجه آخر للفلاسفة بحيث يصحح لك بعض تصورات نمطية عن فيلسوف مثل نيتشه الذي لم يكن معادياً للمرأة، بقد ما أراد امرأة تكون ندا له في صرامة الفكر وتقديس الحياة.
كذلك بالنسبة لكيكجارد الذي عاش حياة متصوفة باحثاً عن لذة أبدية لإن الحب الحسي كما قال مثل الموسيقى التي ليس لها أثر إلا في حالة العزف.
يحق أن نتسائل بعد معرفة كل هذه المواقف المتضاربة هل يصح أن نمشي في درب الفلاسفة في البحث عن الحب أو نكتفي بالترديد مع أندريه بريتون بأن الحب هو الحل الوحيد أو نتبنى ماقاله نزار قباني بأنه "لا غالب إلا الحب"؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.