بالفيديو.. موعد نتيجة الثانوية العامة 2025 وبشرى سارة للطلاب    هل حسمت القائمة الوطنية من أجل مصر 100 مقعد بمجلس الشيوخ؟    «الأرصاد» تحذر: طقس اليوم شديد الحرارة على معظم الأنحاء    «حقوق القاهرة» تنظم دورة قانونية متخصصة حول الاستثمار العقاري    أسعار الأسماك اليوم السبت 19 يوليو في سوق العبور للجملة    سعر صرف الدولار في البنوك المصرية صباح اليوم السبت 19 يوليو 2025    أسعار البيض اليوم السبت 19 يوليو 2025    أسعار حديد التسليح فى مستهل تعاملات اليوم السبت    هيجسيث يؤكد تدمير المواقع النووية الثلاثة في إيران بضربات أمريكية    دخول الحزمة ال18 من عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا حيز التنفيذ    مجزرة إسرائيلية جديدة.. 30 شهيدا و70 مصابا من منتظرى المساعدات برفح    بيسكوف: لا معلومات لدينا حول لقاء محتمل بين بوتين وترامب وشي جين بينج    الزمالك يواجه الشمس وديًا اليوم    «الأرصاد» تعلن حالة الطقس غدًا الأحد 20 يوليو| إنفوجراف    متخصصة فى الذكاء الاصطناعى.. شروط التقدم لمدرسة أبدا الوطنية للتكنولوجيا    تعرف على الحالة المرورية بالطرق السريعة بالقليوبية| اليوم    هيو جاكمان يظهر في الجزء الجديد من فيلم Deadpool    مين عملها أحسن؟ حديث طريف بين حسين فهمي وياسر جلال عن شخصية "شهريار" (فيديو)    بحضور سيدة لبنان الأولى ونجوم الفن.. حفل زفاف أسطوري لنجل إيلي صعب (فيديو)    نائب وزير المالية للبوابة نيوز: دمج المراجعتين الخامسة والسادسة من البرنامج المصرى مع "النقد الدولي"غير مقلق    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 19 يوليو 2025    بعد التوقف الدولي.. حسام حسن ينتظر استئناف تصفيات أفريقيا المؤهلة لكأس العالم    زينة.. عام سينمائي غير مسبوق    الكرملين : لا معلومات بشأن لقاء بين بوتين وترامب والرئيس الصيني في بكين سبتمبر المقبل    «مرض عمه يشعل معسكر الزمالك».. أحمد فتوح يظهر «متخفيًا» في حفل راغب علامة رفقة إمام عاشور (فيديو)    بكام طن الشعير؟.. أسعار الأرز «رفيع وعريض الحبة» اليوم السبت 19 -7-2025 ب أسواق الشرقية    أول ظهور ل رزان مغربي بعد حادث سقوط السقف عليها.. ورسالة مؤثرة من مدير أعمالها    الحرف التراثية ودورها في الحفاظ على الهوية المصرية ضمن فعاليات ثقافية بسوهاج    ترامب يتوقع إنهاء حرب غزة ويعلن تدمير القدرات النووية الإيرانية    عيار 21 يترقب مفاجآت.. أسعار الذهب والسبائك اليوم في الصاغة وتوقعات بارتفاعات كبيرة    «شعب لا يُشترى ولا يُزيّف».. معلق فلسطيني يدعم موقف الأهلي ضد وسام أبوعلي    رئيس حكومة لبنان: نعمل على حماية بلدنا من الانجرار لأي مغامرة جديدة    كل ما تريد معرفته عن مهرجان «كلاسيك أوبن إير» ببرلين    مصدر أمني يكشف حقيقة سرقة الأسوار الحديدية من أعلى «الدائري» بالجيزة    عميد طب جامعة أسيوط: لم نتوصل لتشخيص الحالة المرضية لوالد «أطفال دلجا»    "صديق رونالدو".. النصر يعلن تعيين خوسيه سيميدو رئيسا تنفيذيا لشركة الكرة    ستوري نجوم كرة القدم.. ناصر منسي يتذكر هدفه الحاسم بالأهلي.. وظهور صفقة الزمالك الجديدة    تطورات جديدة في واقعة "بائع العسلية" بالمحلة، حجز والد الطفل لهذا السبب    مطران نقادة يلقي عظة روحية في العيد الثالث للابس الروح (فيدىو)    تحت شعار كامل العدد، التهامي وفتحي سلامة يفتتحان المهرجان الصيفي بالأوبرا (صور)    بشكل مفاجئ، الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يحذف البيان الخاص بوسام أبو علي    داعية إسلامي يهاجم أحمد كريمة بسبب «الرقية الشرعية» (فيديو)    مصرع طفلة غرقًا في مصرف زراعي بقرية بني صالح في الفيوم    «زي النهارده».. وفاة اللواء عمر سليمان 19 يوليو 2012    5 أبراج على موعد مع فرص مهنية مميزة: مجتهدون يجذبون اهتمام مدرائهم وأفكارهم غير تقليدية    انتهت.. عبده يحيى مهاجم غزل المحلة ينتقل لصفوف سموخة على سبيل الإعاراة    أحمد كريمة عن العلاج ب الحجامة: «كذب ودجل» (فيديو)    انتشال جثة شاب غرق في مياه الرياح التوفيقي بطوخ    تعاني من الأرق؟ هذه التمارين قد تكون مفتاح نومك الهادئ    أبرزها الزنجبيل.. 5 طرق طبيعية لعلاج الصداع النصفي    ما حكم رفع اليدين بالدعاء أثناء خطبة الجمعة؟.. الإفتاء توضح    "القومي للمرأة" يستقبل وفدًا من اتحاد "بشبابها" التابع لوزارة الشباب والرياضة    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بين سيارتين بالقليوبية    وزير الخارجية اللبنانى لنظيره الأيرلندي: نطلب دعم بلدكم لتجديد "اليونيفيل"    5 طرق فعالة للتغلب على الكسل واستعادة نشاطك اليومي    أصيب بنفس الأعراض.. نقل والد الأشقاء الخمسة المتوفين بالمنيا إلى المستشفى    عبد السند يمامة عن استشهاده بآية قرآنية: قصدت من «وفدا» الدعاء.. وهذا سبب هجوم الإخوان ضدي    هل مساعدة الزوجة لزوجها ماليا تعتبر صدقة؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البيئة الثقافية
نشر في صوت البلد يوم 25 - 03 - 2017

الثقافة فاكهة شجرة المجتمع. ومتى كانت التربة غير ملائمة، ولا راع يحرص على العناية بها، تظل الشجرة واقفة بلا ثمار، وتبدو أوراقها ذابلة بلا حياة، تنغل فيها الحشرات، ويجترئ عليها النمل والهوام.
لا يمكننا الحديث عن الثقافة بدون تناول البيئة التي تحيط بها، ومتعهديها بالصيانة والحدب عليها لتعطي ما يرجى منها. أقصد بالبيئة الثقافية المجال الذي يوفر الاتصال والتواصل والعمل. وحين نتأمل أغلب الوجوه الثقافية المغربية التي أعطت الكثير في مجال الفن والفكر والأدب، نجدها قد تكونت في بيئة ثقافية ملائمة: دور الشباب، والأندية السينمائية، ومكتبة المدرسة، وفضاءات الفرجة في الساحات العمومية (الحلاقي). هذه هي الفضاءات التي كنا نفتح أعيننا عليها، ونقصدها في ساعات الفراغ، ومنها جاءتنا هموم الانخراط في الساحة الثقافية.
كانت دور الشباب في مختلف أحياء المدن الكبرى، وكانت فعالياتها تمتد من الشطرنج والموسيقى والرياضة إلى الجمعيات الثقافية المختلفة. كما كانت الإعدادية والثانوية تضم «قاعة الانتظار» والمكتبة. كانت قاعة الانتظار تستوعبنا متى تغيب أستاذ، أو تأخر عن الحضور. يراقبنا فيها إداري، وننشغل بمراجعة دروسنا. كما أننا في الساعات الفارغة بين الدروس نذهب إلى المكتبة. وفي المناسبات الوطنية كنا نعد الأغاني والمسرحيات. وتلك نافذة الانتقال إلى دور الشباب لتأسيس الجمعيات الثقافية المختلفة. وفي السبعينيات وحتى أواسط الثمانينيات كان مسرح الهواة والأندية السينمائية والجمعيات الثقافية والموسيقية نتاج هذه البيئة الثقافية، التي كانت امتدادا للأنشطة الكشفية التي رعتها الحركة الوطنية إبان الاستعمار. وكانت الساحات العمومية في الأحياء الشعبية تتسع للحلقات الشعبية التي كانت تتنوع أنشطتها وفعاليتها الفرجوية.
كان من نتائج هذه البيئة الثقافية بروز ظاهرة ناس الغيوان وجيل جيلالة، وظاهرة الثنائيات الساخرة (بزيز وباز مثلا)، وحركة مسرحية ناضجة مع الطيب الصديقي والبدوي، وعبد الرؤوف، ومع مسرح الهواة وتياراته الفكرية والفنية، وتطور اتحاد كتاب المغرب وفروعه المختلفة، وحركة تشكيلية نشيطة، وبروز حركة نشر يضطلع بها المثقفون وجرائد ومجلات ثقافية لا حصر لها، تعرض الكثير منها للمنع. وبداية تشكل ممارسة جنينية للإنتاج السينمائي.
جاءت مذكرة منع النشاط الجمعوي بذريعة كونه لم يعمل سوى على تفريخ اليسار وتوطيد المعارضة. كما تم حظر الحلاقي في العديد من الساحات التي أقيمت فيها العمارات، بل ومنعت المواسم القروية التي كانت تقام في الصيف. ولما كان المسجد فضاء مفتوحا يقوم بدور خاص في الجانب الديني، فقد تعرض بدوره للإغلاق، وصار لا يفتح إلا في وقت الصلاة، بعد تفاقم استغلاله من لدن بعض الدعاة والوعاظ للتحريض، منذ بدايات السبعينيات. لم يخلق بديل عن هذه البيئة التي تربينا فيها ثقافيا، ومختلف فضاءاتها. صارت المدرسة للمقررات، والشارع للتسكع، والتلفزيون للمسلسلات، إنها البيئة البديل. لكن كل هذه الفضاءات كانت بلا روح ولا معنى ولا نتيجة.
مع التطور، صارت القنوات الفضائية البيئة «الثقافية» التي توسع دائرة العين على مشاهدة ما لم تتعرف عليه من قبل. وصار الإشهار سيد الموقف، فسادت ثقافة استهلاك ما يأتي من الخارج، فقل الإنتاج الفني والمسرحي والغنائي، وحتى الرياضة لم تصبح متصلة إلا بالهزائم المتوالية في مختلف أصنافها. ومع اتساع دائرة الوسائط الجديدة، حتى البيت لم تبق له حرمته ولا سلطته. صارت لكل فرد لوحته وهاتفه، وهو منخرط في عالمه الافتراضي الخاص. وتعددت البيئات «الثقافية» التي ينهل منها الفرد ما يشكل وعيه، أو يبلور رؤيته للحياة، بدون توجيه ولا رعاية ولا آفاق.
فما هي البيئة الثقافية التي هيأناها للأجيال الجديدة بعد اندثار البيئة القديمة؟ لقد تركناهم للوسائط الجديدة يتلهون بها ويضيعون الوقت، وللقنوات الفضائية يتابعون مسلسلاتها ومبارياتها، فصارت نماذجهم «نجوم» الغناء والكرة، فبدا ذلك في الأزياء وتسريحة الشعر؟ تركناهم لبيئات المحلات التجارية والإشهار، فباتوا يتنافسون على الأكلات السريعة وملابس الموضة. وتركتهم المدرسة «الجديدة» لا يفكرون إلا في الحصول على الدرجات والنقاط بدون بذل أي جهد، ونيل شهادات عليا مؤدى عنها، بلا تكوين حقيقي، وحلم الحصول على وظائف سامية بمرتبات خيالية. كل ذلك يتم بلا تكوين معرفي حقيقي، وبلا هاجس وطني وإنساني.
يتساوى في هذه الصورة أبناء الأغنياء والفقراء، رغم الفروق الاجتماعية، لذلك لا عجب أن نجد غياب البيئة الثقافية الملائمة التي تسهم في خلق المواطن، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى التطرف بمختلف صوره وأشكاله: التطرف في حب المظاهر، في الاستهلاك، في المخدرات، في ممارسة العنف الاجتماعي. وما التطرف الديني سوى وجه آخر من أوجه العنف الاجتماعي الذي يتشكل في تربة غير طبيعية ولا ملائمة. ولقد ساهم غياب دور الشباب والأندية السينمائية وفضاءات الرياضة والفرجة الشعبية ومكتبة المدرسة ومكتبة البيت، والحوار الإيجابي، وسيادة الفكر النقدي، بين مختلف مكونات المجتمع في إشاعة روح الاستهلاك والتواكل والانتهازية والفساد.
إذا لم نهيئ التربة المناسبة للثقافة وللعمل الثقافي الجاد بقصد خلق المواطن القادر على التفاعل مع عصره بكيفية إيجابية، لا يمكننا إلا أن نخلق أجيالا كأنها أعجاز نخل خاوية؟
...
٭ كاتب مغربي
الثقافة فاكهة شجرة المجتمع. ومتى كانت التربة غير ملائمة، ولا راع يحرص على العناية بها، تظل الشجرة واقفة بلا ثمار، وتبدو أوراقها ذابلة بلا حياة، تنغل فيها الحشرات، ويجترئ عليها النمل والهوام.
لا يمكننا الحديث عن الثقافة بدون تناول البيئة التي تحيط بها، ومتعهديها بالصيانة والحدب عليها لتعطي ما يرجى منها. أقصد بالبيئة الثقافية المجال الذي يوفر الاتصال والتواصل والعمل. وحين نتأمل أغلب الوجوه الثقافية المغربية التي أعطت الكثير في مجال الفن والفكر والأدب، نجدها قد تكونت في بيئة ثقافية ملائمة: دور الشباب، والأندية السينمائية، ومكتبة المدرسة، وفضاءات الفرجة في الساحات العمومية (الحلاقي). هذه هي الفضاءات التي كنا نفتح أعيننا عليها، ونقصدها في ساعات الفراغ، ومنها جاءتنا هموم الانخراط في الساحة الثقافية.
كانت دور الشباب في مختلف أحياء المدن الكبرى، وكانت فعالياتها تمتد من الشطرنج والموسيقى والرياضة إلى الجمعيات الثقافية المختلفة. كما كانت الإعدادية والثانوية تضم «قاعة الانتظار» والمكتبة. كانت قاعة الانتظار تستوعبنا متى تغيب أستاذ، أو تأخر عن الحضور. يراقبنا فيها إداري، وننشغل بمراجعة دروسنا. كما أننا في الساعات الفارغة بين الدروس نذهب إلى المكتبة. وفي المناسبات الوطنية كنا نعد الأغاني والمسرحيات. وتلك نافذة الانتقال إلى دور الشباب لتأسيس الجمعيات الثقافية المختلفة. وفي السبعينيات وحتى أواسط الثمانينيات كان مسرح الهواة والأندية السينمائية والجمعيات الثقافية والموسيقية نتاج هذه البيئة الثقافية، التي كانت امتدادا للأنشطة الكشفية التي رعتها الحركة الوطنية إبان الاستعمار. وكانت الساحات العمومية في الأحياء الشعبية تتسع للحلقات الشعبية التي كانت تتنوع أنشطتها وفعاليتها الفرجوية.
كان من نتائج هذه البيئة الثقافية بروز ظاهرة ناس الغيوان وجيل جيلالة، وظاهرة الثنائيات الساخرة (بزيز وباز مثلا)، وحركة مسرحية ناضجة مع الطيب الصديقي والبدوي، وعبد الرؤوف، ومع مسرح الهواة وتياراته الفكرية والفنية، وتطور اتحاد كتاب المغرب وفروعه المختلفة، وحركة تشكيلية نشيطة، وبروز حركة نشر يضطلع بها المثقفون وجرائد ومجلات ثقافية لا حصر لها، تعرض الكثير منها للمنع. وبداية تشكل ممارسة جنينية للإنتاج السينمائي.
جاءت مذكرة منع النشاط الجمعوي بذريعة كونه لم يعمل سوى على تفريخ اليسار وتوطيد المعارضة. كما تم حظر الحلاقي في العديد من الساحات التي أقيمت فيها العمارات، بل ومنعت المواسم القروية التي كانت تقام في الصيف. ولما كان المسجد فضاء مفتوحا يقوم بدور خاص في الجانب الديني، فقد تعرض بدوره للإغلاق، وصار لا يفتح إلا في وقت الصلاة، بعد تفاقم استغلاله من لدن بعض الدعاة والوعاظ للتحريض، منذ بدايات السبعينيات. لم يخلق بديل عن هذه البيئة التي تربينا فيها ثقافيا، ومختلف فضاءاتها. صارت المدرسة للمقررات، والشارع للتسكع، والتلفزيون للمسلسلات، إنها البيئة البديل. لكن كل هذه الفضاءات كانت بلا روح ولا معنى ولا نتيجة.
مع التطور، صارت القنوات الفضائية البيئة «الثقافية» التي توسع دائرة العين على مشاهدة ما لم تتعرف عليه من قبل. وصار الإشهار سيد الموقف، فسادت ثقافة استهلاك ما يأتي من الخارج، فقل الإنتاج الفني والمسرحي والغنائي، وحتى الرياضة لم تصبح متصلة إلا بالهزائم المتوالية في مختلف أصنافها. ومع اتساع دائرة الوسائط الجديدة، حتى البيت لم تبق له حرمته ولا سلطته. صارت لكل فرد لوحته وهاتفه، وهو منخرط في عالمه الافتراضي الخاص. وتعددت البيئات «الثقافية» التي ينهل منها الفرد ما يشكل وعيه، أو يبلور رؤيته للحياة، بدون توجيه ولا رعاية ولا آفاق.
فما هي البيئة الثقافية التي هيأناها للأجيال الجديدة بعد اندثار البيئة القديمة؟ لقد تركناهم للوسائط الجديدة يتلهون بها ويضيعون الوقت، وللقنوات الفضائية يتابعون مسلسلاتها ومبارياتها، فصارت نماذجهم «نجوم» الغناء والكرة، فبدا ذلك في الأزياء وتسريحة الشعر؟ تركناهم لبيئات المحلات التجارية والإشهار، فباتوا يتنافسون على الأكلات السريعة وملابس الموضة. وتركتهم المدرسة «الجديدة» لا يفكرون إلا في الحصول على الدرجات والنقاط بدون بذل أي جهد، ونيل شهادات عليا مؤدى عنها، بلا تكوين حقيقي، وحلم الحصول على وظائف سامية بمرتبات خيالية. كل ذلك يتم بلا تكوين معرفي حقيقي، وبلا هاجس وطني وإنساني.
يتساوى في هذه الصورة أبناء الأغنياء والفقراء، رغم الفروق الاجتماعية، لذلك لا عجب أن نجد غياب البيئة الثقافية الملائمة التي تسهم في خلق المواطن، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى التطرف بمختلف صوره وأشكاله: التطرف في حب المظاهر، في الاستهلاك، في المخدرات، في ممارسة العنف الاجتماعي. وما التطرف الديني سوى وجه آخر من أوجه العنف الاجتماعي الذي يتشكل في تربة غير طبيعية ولا ملائمة. ولقد ساهم غياب دور الشباب والأندية السينمائية وفضاءات الرياضة والفرجة الشعبية ومكتبة المدرسة ومكتبة البيت، والحوار الإيجابي، وسيادة الفكر النقدي، بين مختلف مكونات المجتمع في إشاعة روح الاستهلاك والتواكل والانتهازية والفساد.
إذا لم نهيئ التربة المناسبة للثقافة وللعمل الثقافي الجاد بقصد خلق المواطن القادر على التفاعل مع عصره بكيفية إيجابية، لا يمكننا إلا أن نخلق أجيالا كأنها أعجاز نخل خاوية؟
...
٭ كاتب مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.