5 دول لن تشهد انتخابات مجلس الشيوخ.. سوريا والسودان وإسرائيل أبرزهم    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بالخصوص    الرئيس الإيراني يبدأ زيارة رسمية إلى باكستان السبت لتعزيز التعاون الثنائي    ملك المغرب يعطي تعليماته من أجل إرسال مساعدة إنسانية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني    الرئاسة الفلسطينية: مصر لم تقصر في دعم شعبنا.. والرئيس السيسي لم يتوان لحظة عن أي موقف نطلبه    فرنسا تطالب بوقف أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" بسبب "شبهات تمويل غير مشروع"    القوات الأوكرانية خسرت 7.5 آلاف عسكري في تشاسوف يار    البرلمان اللبناني يصادق على قانوني إصلاح المصارف واستقلالية القضاء    تقرير: مانشستر يونايتد مهتم بضم دوناروما حارس مرمى باريس سان جيرمان    عدي الدباغ معروض على الزمالك.. وإدارة الكرة تدرس الموقف    خالد الغندور يوجه رسالة بشأن زيزو ورمضان صبحي    راديو كتالونيا: ميسي سيجدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    أبرزهم آرنولد.. ريال مدريد يعزز صفوفه بعدة صفقات جديدة في صيف 2025    مصر تتأهل لنهائي بطولة العالم لناشئي وناشئات الإسكواش بعد اكتساح إنجلترا    جنوب سيناء تكرم 107 متفوقين في التعليم والرياضة وتؤكد دعمها للنوابغ والمنح الجامعية    تحقيقات موسعة مع متهم طعن زوجته داخل محكمة الدخيلة بسبب قضية خلع والنيابة تطلب التحريات    محافظ القاهرة يقود حملة لرفع الإشغالات بميدان الإسماعيلية بمصر الجديدة    نيابة البحيرة تقرر عرض جثة طفلة توفيت فى عملية جراحية برشيد على الطب الشرعى    مراسل "الحياة اليوم": استمرار الاستعدادات الخاصة بحفل الهضبة عمرو دياب بالعلمين    مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات مهرجان الصيف الدولي في دورته 22 الخميس المقبل    ضياء رشوان: تظاهرات "الحركة الإسلامية" بتل أبيب ضد مصر كشفت نواياهم    محسن جابر يشارك في فعاليات مهرجان جرش ال 39 ويشيد بحفاوة استقبال الوفد المصري    أسامة كمال عن المظاهرات ضد مصر فى تل أبيب: يُطلق عليهم "متآمر واهبل"    نائب محافظ سوهاج يُكرم حفظة القرآن من ذوي الهمم برحلات عمرة    أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقوموا الصلاة.. فيديو    ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟ أمين الفتوى يجيب    القولون العصبي- إليك مهدئاته الطبيعية    جامعة أسيوط تطلق فعاليات اليوم العلمي الأول لوحدة طب المسنين وأمراض الشيخوخة    «بطولة عبدالقادر!».. حقيقة عقد صفقة تبادلية بين الأهلي وبيراميدز    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    لتسهيل نقل الخبرات والمهارات بين العاملين.. جامعة بنها تفتتح فعاليات دورة إعداد المدربين    محقق الأهداف غير الرحيم.. تعرف على أكبر نقاط القوة والضعف ل برج الجدي    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية توقّع مذكرة تفاهم مع الوكالة الوطنية للمراقبة الصحية البرازيلية    قتل ابنه الصغير بمساعدة الكبير ومفاجآت في شهادة الأم والابنة.. تفاصيل أغرب حكم للجنايات المستأنفة ضد مزارع ونجله    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    ليستوعب 190 سيارة سيرفيس.. الانتهاء من إنشاء مجمع مواقف كوم أمبو في أسوان    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    كبدك في خطر- إهمال علاج هذا المرض يصيبه بالأورام    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السينما المصرية لم تستطع مواكبة أشكال السرد المختلفة
نشر في صوت البلد يوم 15 - 03 - 2017

تعالج د. سعاد شوقي في كتابها "الزمن في السرد السينمائي" بشكل أساسي مشكلة علاقة البناء الزمني بشكل السرد السينمائي في السينما المعاصرة، أي كيف تناول السينمائي المعاصر بنية الزمن في تشكيله لتتابع الصور المرئية والمواقف، التي تعبر عنها تلك الصور في الوقت ذاته؟ وما هي تلك الأشكال المعاصرة من السرد السينمائي؟ وكيف ترتبط تلك الأشكال ببنية زمانية في الفيلم؟ وبالتالي فإن المشكلة يمكن إعادة صياغتها على شكل آخر هو "ما موقف السينمائي المعاصر من طريقة السرد الفيلمي وموضوعه الكيفية التي يتم بها تشكيل ذلك السرد".
ترى د. سعاد أن السينما ليست شكلا واقعيا مثل بقية الفنون لأنها تقوم على خلق شكل مصطنع قائم على الزمان والمكان، لأن الزمان والمكان السينمائي دائما خاضعين لإرادة المخرج، ويمكن التعامل معهم بحرية تامة سواء في فصلهم أو ارتباطهم ببعض. وأن الشكل الكلاسيكي للفن السينمائي اختفى تقريبا عندما ظهرت المؤثرات الخاصة والمونتاج الخلاق، ولم يعد هناك ضرورة للتمسك باستخدام واقعية الحبكة مثلا أو التسلسل المحدد للأحداث وترابط الزمان والمكان.
ثم جاءت السينما الحديثة لنرى الزمن السينمائي متداخلا ومرتبطا بالحلم وجاءت الذاكرة لتعمل على كسر حدود الزمان والمكان، لذلك أصبح النبذ أو التخلي عن طرق السرد العادية والشكل الواقعي المباشر للأفكار سمة من سمات الفن المعاصر، وابتعدت الافلام عن السببية أو اعتدنا عليها من وجود بداية ووسط ونهاية وهنا تغير شكل السرد الروائي والفيلمي، لقد أصبحت حكايه الفيلم تروى أو تسرد بشكل ربما لا يحكمه منطق عقلاني، وأصبح الزمان والمكان عنصرين مهمين يشكلان جوهر عملية السرد السينمائي.
وتشير إلى أن السرد السينمائي المعاصر يقوم على مجموعة من العلاقات ويقوم الحكي عامة على دعامتين أساسيتين أولهما أن يحتوي على قصه تضم أحداثا معينة، وثانيهما أن يحدد الطريقة التي تحكي بها تلك القصة، وتسمى هذه الطريقة سردا، ذلك أن قصة واحدة يمكن أن تحكى بطرق متعددة، ولهذا السبب فإن السرد هو الذي يعتمد عليه في تمييز أنماط الحكي بشكل أساسي.
وتقول "إن السرد هو الكيفية التي تروي بها القصة عن طريق قناة تربط بين الراوي والمروي له وما تخضع له من مؤثرات بعضها متعلق بالراوي والمروي له، والبعض الآخر متعلق بالقصة ذاتها، ومن المعروف أن القصة عبارة عن سرد للأحداث مرتب وفق السياق الزمني، ومصطلح الحبكة يعني في المقام الأول التأكيد على علاقات السببية وهو ما ينطبق على الفيلم الروائي المعاصر المعتمد على شكل البناء الزمني للأحداث في الفيلم، والذي سيتحول لعرض تفاصيل العناصر المحيطة بالحدث باهتمام أكبر من تلك العناصر من ربط تلك العناصر بعضها ببعض وتصبح عمليه تدفق تلك العناصر هي المشكله في الاساس للتتابع المرئي المشكل لعملية السرد السينمائي، وهنا سيتم تجاوز الأزمنة المترابطة بعلاقات التتالي المنطقي والسببي، وتتحول البنية الزمنية في تلك الحالة إلى تتابع زمني تم تكثيفه للتعبير عن ذلك التدفق الزمني للتتابع القصصي دون التقيد بعلاقات التوالي الزمني التي تفرضها الحبكة، ولعل تلك الرؤية قد تستمد أصولها من الحياة، والتي تقدم لنا في الواقع سلسلة من الحوادث غير المترابطه، تلك الأعمال التي قد نقف أمامها في حيرة وارتباك قد تكون في غاية الوضوح في مجتمعات أخرى، إذ يلعب المكون الثقافى دورا مهما في عملية التلقي في تلك".
يجئ الكتاب في ثلاثة فصول الأول بعنوان "البنية الزمانية في الفيلم السينمائي" وفيه تناولت الباحثة المفاهيم الخاصة بالسرد السينمائي وملامحه العامه في السينما المعاصرة، ودور البناء الزمني في تشكيل تلك الملامح متعرضة لجذوره في الأدب وارتباطه بالتطور في السرد السينمائي مع التعرض لمفهوم الزمن وأشكاله المختلفة.
وهنا تؤكد أن السرد السينمائي هو جوهر العمل السينمائي فمن خلال تتابع المشاهد ومرور الأزمنة المختلفة في محيط مكان وفي ارتباطه بالحدث المحكي من خلال الشخصيات ثم تتابع اللقطات في عمليه المونتاج يؤكد لنا أهمية عنصر السرد الفيلمي أسلوبه وإيقاعه، لأن الايقاع الدرامي في الفيلم يتحول إلى إيقاع مرئي عن طريق تتابع الصور، وتتوقف سرعه الإيقاع في الصورة السينمائية على سرعه تطور دراما الحدث نفسه داخل الفيلم.
وتضيف د. سعاد شوقي أن المحيط الثقافي العام مثلما يؤثر على صانع العمل فهو أيضا يؤثر على تلقى هذا العمل، وهذه المشكله هي ما تسبب غياب المشاهد المصري عن تذوقه أو إقباله على العديد من الأعمال الوافدة إلينا والتي تحمل شكلا سرديا يجعل هناك فجوة متسعة بين الجمهور وبين صانع الفيلم السينمائي سواء في مصر أو في أغلب بلدان المنطقة العربية.
وتدرس الباحثة في الفصل الثاني "السرد السينمائي المعاصر" الأشكال المختلفة للزمن في السرد السينمائي بالتطبيق على نماذج من أفلام بلدان مختلفة بالإضافة إلى دراسة أهم نقاط الكلاسيكية، الحداثة، الكلاسيكية الجديدة، أو ما بعد الحداثة، نشأتهم وارتباطهم بالسينما والأدب، المناخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي خاصة بعد الحرب العالمية الثانية التي كانت هي نقطة البداية والتطور للأشكال التقليدية من السرد السينمائي.
وهنا توضح شوقي أن تغيير شكل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية أفرز مشاهد أو جمهورا مختلفا تماما لم يعد يبحث عن قصة رومانسية أو حكمة أو أسطورة خيالية، وتقول إن ما يشغله أو ما يجذب انتباه في السنيما تغير فأخذ يبحث عن شكل آخر من السينما، ربما الأفكار أو الأشخاص وأحوالهم المختلفة في أماكن مختلفة لم يكن من قبل ممكن ان يتطرق إليها خياله، فالحرب رغم أهوالها وكوارثها قاربت بين الناس في مختلف بقاع العالم.
وتلفت إلى أن الحداثيين الجدد المبتكرين محطمي التقاليد في القرن العشرين لديهم سينما تتحدى كل الأشكال والأفكار والمشاعر، ربما غنائية أو غامضة وأحيانا قوية الإرادة، لقد أصبح مجال السينما الحداثية أكثر اتساعا، فلقد حظيت أفلام أكيرا كروسوا وأندريه تاركوفسكي وأندريه فايدا وغيرهم بقوة أي فيلم آخر جدير بالمناقشة والعرض والنقد.
إن سينما الحداثة الجديدة نشأت من سينما أوروبا الغربية والولايات المتحدة، حيث ارتبطت بالحداثة الغربية والرأسمالية، ولقد أكد جان لوك جودار على وجود أربع سينمات قومية فقط هي الروسية والإيطالية والألمانية والأميركية، أما الآن فيجب أن نصحح هذا المفهوم بإضافة بلدان أخرى من أوروبا الشرقية واليابان حتى نستطيع أن نكون رأيا عادلا في سينما هذا البلدان ودور وأهمية السرد وأشكاله في السينما الحديثة والمعاصرة.
وقامت الباحثة بشرح وتحليل أشكال السرد في عدد من الأفلام منها "المواطن كين" لأورسون ويلز، "راشمون" لأكيرا كيروسوا، و"الفراولة البرية" لإنجمار سرجمان و"هيروشيما حبيبتي" لآلان رينيه، و"المرأة" لأندريه تاركوفسكي.
وفي نهاية الفصل تتعرض للتطور التكنولوجي وتأثيره على السرد السينمائي الحديث مع ظهور أجهزة الكمبيوتر والعديد من البرامج التي ساعدت صناع الأفلام لتحضير سيناريوهاتهم وتقسيمها وخلق ميزانيات وجداول بالإضافة إلى أشكال أخرى من النماذج التي تساعد على التحضير للتصوير.
أما الفصل الثالث والأخير في هذا الكتاب وهو الجزء التطبيقي فيقوم على اختيار نماذج مختلفة من أفلام السينما العالمية، وذلك بتحليل تلك الأفلام ودراسة أشكال السرد المختلفة وعلاقتها بالزمن، الأفلام هي "الساعات" اخراج ستيفين دالدري، وميمينتو إخراج كريستوفر نولان، و"حدث ذات مرة في أميركا" إخراج سيرجي ليوني، و"نهاية علاقة" إخراج نيل جوردون، واجري لولا إخراج توم تيكفور.
تستعرض سعاد شوقي هذه النماذج السابقة من خلال استعراض بانورامي لأشكال متنوعة من السرد الحداثي الذي يقوم على تفتيت الزمن في معظم جوانبه، حيث تلاحظ أنه في كل فيلم من الأفلام الخمسة ينطلق التجديد أو التطوير في السرد على أساس درامي مختلف من فيلم لآخر يدفع صناع الفيلم هذا الشكل المتطور في السرد. ففيلم "الساعات" أحد نماذج السرد الزمني الحداثي والذي يحتوي على شكل معقد جدا للسرد، فالبناء السردي للفيلم يقوم على تضافر لثلاث قصص تحدث في أزمنة وأمكنة مختلفة بشكل متوازي لثلاث سيدات مختلفات، وكل قصة من القصص الثلاث تلقي بظلالها على القصتين الأخريين بشكل أو آخر، إلا أنهم جميعا يشتركون في كل من القصص الثلاث تبحث عن نفسها وتحاول اكتشاف نفسها من خلال العالم من حولها.
وقد توصلت الباحثة إلى أهمية دراسة العناصر الدلالية العامة المتعلقة بالثقافة المصرية والعربية وربطها بالعناصر الدلالية للسينما بحيث تؤدي لوضع أسس لغة سينمائية قومية، كي تتميز السينما العربية والمصرية كسينما لها خصوصيتها عن غيرها تبعا لنسقها الدلالي، واضعة في الاعتبار العادات والتقاليد الخاصة، إذ أن السينما تختص دون بقية الفنون بمفردات لغتها المتنوعة بالإضافة إلى أنها فن سمعي بصري مثل: حركة الكاميرا البناء الزمني المونتاج تصميم شريط الصوت العلاقة بين الصوت والصورة بناء الكادر السينمائي بعناصره التشكيلية المختلفة مثل التكوين والإضاءة وما إلى ذلك.
كما توصلت د. سعاد شوقي إلى ان السينما المصرية لم تستطع مواكبة أشكال السرد المختلفة، مثل السينما العالمية، رغم استخدامها كل التقنيات الحديثة إلا أن المشاهد المصري العادي.. أقصد تحديدا القاعدة العريضة من المشاهدين لم يعتادوا هذه النوعية من السينما ذات السرد المختلف.
تعالج د. سعاد شوقي في كتابها "الزمن في السرد السينمائي" بشكل أساسي مشكلة علاقة البناء الزمني بشكل السرد السينمائي في السينما المعاصرة، أي كيف تناول السينمائي المعاصر بنية الزمن في تشكيله لتتابع الصور المرئية والمواقف، التي تعبر عنها تلك الصور في الوقت ذاته؟ وما هي تلك الأشكال المعاصرة من السرد السينمائي؟ وكيف ترتبط تلك الأشكال ببنية زمانية في الفيلم؟ وبالتالي فإن المشكلة يمكن إعادة صياغتها على شكل آخر هو "ما موقف السينمائي المعاصر من طريقة السرد الفيلمي وموضوعه الكيفية التي يتم بها تشكيل ذلك السرد".
ترى د. سعاد أن السينما ليست شكلا واقعيا مثل بقية الفنون لأنها تقوم على خلق شكل مصطنع قائم على الزمان والمكان، لأن الزمان والمكان السينمائي دائما خاضعين لإرادة المخرج، ويمكن التعامل معهم بحرية تامة سواء في فصلهم أو ارتباطهم ببعض. وأن الشكل الكلاسيكي للفن السينمائي اختفى تقريبا عندما ظهرت المؤثرات الخاصة والمونتاج الخلاق، ولم يعد هناك ضرورة للتمسك باستخدام واقعية الحبكة مثلا أو التسلسل المحدد للأحداث وترابط الزمان والمكان.
ثم جاءت السينما الحديثة لنرى الزمن السينمائي متداخلا ومرتبطا بالحلم وجاءت الذاكرة لتعمل على كسر حدود الزمان والمكان، لذلك أصبح النبذ أو التخلي عن طرق السرد العادية والشكل الواقعي المباشر للأفكار سمة من سمات الفن المعاصر، وابتعدت الافلام عن السببية أو اعتدنا عليها من وجود بداية ووسط ونهاية وهنا تغير شكل السرد الروائي والفيلمي، لقد أصبحت حكايه الفيلم تروى أو تسرد بشكل ربما لا يحكمه منطق عقلاني، وأصبح الزمان والمكان عنصرين مهمين يشكلان جوهر عملية السرد السينمائي.
وتشير إلى أن السرد السينمائي المعاصر يقوم على مجموعة من العلاقات ويقوم الحكي عامة على دعامتين أساسيتين أولهما أن يحتوي على قصه تضم أحداثا معينة، وثانيهما أن يحدد الطريقة التي تحكي بها تلك القصة، وتسمى هذه الطريقة سردا، ذلك أن قصة واحدة يمكن أن تحكى بطرق متعددة، ولهذا السبب فإن السرد هو الذي يعتمد عليه في تمييز أنماط الحكي بشكل أساسي.
وتقول "إن السرد هو الكيفية التي تروي بها القصة عن طريق قناة تربط بين الراوي والمروي له وما تخضع له من مؤثرات بعضها متعلق بالراوي والمروي له، والبعض الآخر متعلق بالقصة ذاتها، ومن المعروف أن القصة عبارة عن سرد للأحداث مرتب وفق السياق الزمني، ومصطلح الحبكة يعني في المقام الأول التأكيد على علاقات السببية وهو ما ينطبق على الفيلم الروائي المعاصر المعتمد على شكل البناء الزمني للأحداث في الفيلم، والذي سيتحول لعرض تفاصيل العناصر المحيطة بالحدث باهتمام أكبر من تلك العناصر من ربط تلك العناصر بعضها ببعض وتصبح عمليه تدفق تلك العناصر هي المشكله في الاساس للتتابع المرئي المشكل لعملية السرد السينمائي، وهنا سيتم تجاوز الأزمنة المترابطة بعلاقات التتالي المنطقي والسببي، وتتحول البنية الزمنية في تلك الحالة إلى تتابع زمني تم تكثيفه للتعبير عن ذلك التدفق الزمني للتتابع القصصي دون التقيد بعلاقات التوالي الزمني التي تفرضها الحبكة، ولعل تلك الرؤية قد تستمد أصولها من الحياة، والتي تقدم لنا في الواقع سلسلة من الحوادث غير المترابطه، تلك الأعمال التي قد نقف أمامها في حيرة وارتباك قد تكون في غاية الوضوح في مجتمعات أخرى، إذ يلعب المكون الثقافى دورا مهما في عملية التلقي في تلك".
يجئ الكتاب في ثلاثة فصول الأول بعنوان "البنية الزمانية في الفيلم السينمائي" وفيه تناولت الباحثة المفاهيم الخاصة بالسرد السينمائي وملامحه العامه في السينما المعاصرة، ودور البناء الزمني في تشكيل تلك الملامح متعرضة لجذوره في الأدب وارتباطه بالتطور في السرد السينمائي مع التعرض لمفهوم الزمن وأشكاله المختلفة.
وهنا تؤكد أن السرد السينمائي هو جوهر العمل السينمائي فمن خلال تتابع المشاهد ومرور الأزمنة المختلفة في محيط مكان وفي ارتباطه بالحدث المحكي من خلال الشخصيات ثم تتابع اللقطات في عمليه المونتاج يؤكد لنا أهمية عنصر السرد الفيلمي أسلوبه وإيقاعه، لأن الايقاع الدرامي في الفيلم يتحول إلى إيقاع مرئي عن طريق تتابع الصور، وتتوقف سرعه الإيقاع في الصورة السينمائية على سرعه تطور دراما الحدث نفسه داخل الفيلم.
وتضيف د. سعاد شوقي أن المحيط الثقافي العام مثلما يؤثر على صانع العمل فهو أيضا يؤثر على تلقى هذا العمل، وهذه المشكله هي ما تسبب غياب المشاهد المصري عن تذوقه أو إقباله على العديد من الأعمال الوافدة إلينا والتي تحمل شكلا سرديا يجعل هناك فجوة متسعة بين الجمهور وبين صانع الفيلم السينمائي سواء في مصر أو في أغلب بلدان المنطقة العربية.
وتدرس الباحثة في الفصل الثاني "السرد السينمائي المعاصر" الأشكال المختلفة للزمن في السرد السينمائي بالتطبيق على نماذج من أفلام بلدان مختلفة بالإضافة إلى دراسة أهم نقاط الكلاسيكية، الحداثة، الكلاسيكية الجديدة، أو ما بعد الحداثة، نشأتهم وارتباطهم بالسينما والأدب، المناخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي خاصة بعد الحرب العالمية الثانية التي كانت هي نقطة البداية والتطور للأشكال التقليدية من السرد السينمائي.
وهنا توضح شوقي أن تغيير شكل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية أفرز مشاهد أو جمهورا مختلفا تماما لم يعد يبحث عن قصة رومانسية أو حكمة أو أسطورة خيالية، وتقول إن ما يشغله أو ما يجذب انتباه في السنيما تغير فأخذ يبحث عن شكل آخر من السينما، ربما الأفكار أو الأشخاص وأحوالهم المختلفة في أماكن مختلفة لم يكن من قبل ممكن ان يتطرق إليها خياله، فالحرب رغم أهوالها وكوارثها قاربت بين الناس في مختلف بقاع العالم.
وتلفت إلى أن الحداثيين الجدد المبتكرين محطمي التقاليد في القرن العشرين لديهم سينما تتحدى كل الأشكال والأفكار والمشاعر، ربما غنائية أو غامضة وأحيانا قوية الإرادة، لقد أصبح مجال السينما الحداثية أكثر اتساعا، فلقد حظيت أفلام أكيرا كروسوا وأندريه تاركوفسكي وأندريه فايدا وغيرهم بقوة أي فيلم آخر جدير بالمناقشة والعرض والنقد.
إن سينما الحداثة الجديدة نشأت من سينما أوروبا الغربية والولايات المتحدة، حيث ارتبطت بالحداثة الغربية والرأسمالية، ولقد أكد جان لوك جودار على وجود أربع سينمات قومية فقط هي الروسية والإيطالية والألمانية والأميركية، أما الآن فيجب أن نصحح هذا المفهوم بإضافة بلدان أخرى من أوروبا الشرقية واليابان حتى نستطيع أن نكون رأيا عادلا في سينما هذا البلدان ودور وأهمية السرد وأشكاله في السينما الحديثة والمعاصرة.
وقامت الباحثة بشرح وتحليل أشكال السرد في عدد من الأفلام منها "المواطن كين" لأورسون ويلز، "راشمون" لأكيرا كيروسوا، و"الفراولة البرية" لإنجمار سرجمان و"هيروشيما حبيبتي" لآلان رينيه، و"المرأة" لأندريه تاركوفسكي.
وفي نهاية الفصل تتعرض للتطور التكنولوجي وتأثيره على السرد السينمائي الحديث مع ظهور أجهزة الكمبيوتر والعديد من البرامج التي ساعدت صناع الأفلام لتحضير سيناريوهاتهم وتقسيمها وخلق ميزانيات وجداول بالإضافة إلى أشكال أخرى من النماذج التي تساعد على التحضير للتصوير.
أما الفصل الثالث والأخير في هذا الكتاب وهو الجزء التطبيقي فيقوم على اختيار نماذج مختلفة من أفلام السينما العالمية، وذلك بتحليل تلك الأفلام ودراسة أشكال السرد المختلفة وعلاقتها بالزمن، الأفلام هي "الساعات" اخراج ستيفين دالدري، وميمينتو إخراج كريستوفر نولان، و"حدث ذات مرة في أميركا" إخراج سيرجي ليوني، و"نهاية علاقة" إخراج نيل جوردون، واجري لولا إخراج توم تيكفور.
تستعرض سعاد شوقي هذه النماذج السابقة من خلال استعراض بانورامي لأشكال متنوعة من السرد الحداثي الذي يقوم على تفتيت الزمن في معظم جوانبه، حيث تلاحظ أنه في كل فيلم من الأفلام الخمسة ينطلق التجديد أو التطوير في السرد على أساس درامي مختلف من فيلم لآخر يدفع صناع الفيلم هذا الشكل المتطور في السرد. ففيلم "الساعات" أحد نماذج السرد الزمني الحداثي والذي يحتوي على شكل معقد جدا للسرد، فالبناء السردي للفيلم يقوم على تضافر لثلاث قصص تحدث في أزمنة وأمكنة مختلفة بشكل متوازي لثلاث سيدات مختلفات، وكل قصة من القصص الثلاث تلقي بظلالها على القصتين الأخريين بشكل أو آخر، إلا أنهم جميعا يشتركون في كل من القصص الثلاث تبحث عن نفسها وتحاول اكتشاف نفسها من خلال العالم من حولها.
وقد توصلت الباحثة إلى أهمية دراسة العناصر الدلالية العامة المتعلقة بالثقافة المصرية والعربية وربطها بالعناصر الدلالية للسينما بحيث تؤدي لوضع أسس لغة سينمائية قومية، كي تتميز السينما العربية والمصرية كسينما لها خصوصيتها عن غيرها تبعا لنسقها الدلالي، واضعة في الاعتبار العادات والتقاليد الخاصة، إذ أن السينما تختص دون بقية الفنون بمفردات لغتها المتنوعة بالإضافة إلى أنها فن سمعي بصري مثل: حركة الكاميرا البناء الزمني المونتاج تصميم شريط الصوت العلاقة بين الصوت والصورة بناء الكادر السينمائي بعناصره التشكيلية المختلفة مثل التكوين والإضاءة وما إلى ذلك.
كما توصلت د. سعاد شوقي إلى ان السينما المصرية لم تستطع مواكبة أشكال السرد المختلفة، مثل السينما العالمية، رغم استخدامها كل التقنيات الحديثة إلا أن المشاهد المصري العادي.. أقصد تحديدا القاعدة العريضة من المشاهدين لم يعتادوا هذه النوعية من السينما ذات السرد المختلف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.