وزيرة التخطيط تلتقي المديرة التنفيذية لمركز التجارة الدولية التابع للأمم المتحدة    الاتحاد الأوروبي مستعد للرد برسوم على السلع الأمريكية التي تبلغ قميتها 109 مليارات دولار إذا فشلت المحادثات    البرازيل تعتزم الانضمام لدعوى الإبادة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية    السيطرة على حريق وحدة سكنية في العاشر من رمضان    بالفيديو.. الأرصاد تحذر: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد وتستمر حتى الثلاثاء المقبل    ضبط تجار مخدرات بحوزتهم مواد تقدر ب26 مليون جنيه في عدة محافظات    وزير الثقافة يلتقي نظيره الأردني لبحث التعاون في مجالات التراث والموسيقى والمسرح    مهرجان الغردقة لسينما الشباب يطلق مسابقة للفيلم السياحي    مقتل 11 مدنيًا في معارك مسلحة بين تايلاند وكمبوديا    مصر و9 دول: لا سيادة لإسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة    تفاصيل عملية دهس قرب بيت ليد.. تسعة مصابين واستنفار إسرائيلي واسع    إيران تتمسك بتخصيب اليورانيوم وسط تهديدات أمريكية بضربات جديدة    إيكيتيكي ينضم لمعسكر ليفربول في هونج كونج    "لم أر سوى الخير من جماهير الزمالك".. مصطفى شلبي يعلن نهاية رحلته مع القلعة البيضاء    أول نتائج عمل لجنة المحترفين.. ثلاثي ليفربول وأرسنال وأوكسير في معسكر منتخب 20 عاما    فيريرا: هدفنا هو نفس هدف جماهير الزمالك.. ونتحسن يوما بعد يوم    رئيس جامعة أسيوط يعلن فتح باب التقديم الإلكتروني للمدن الجامعية لعام 2025/2026    إقبال على العنب والموز.. ارتفاع أسعار الفاكهة بالمنوفية اليوم الخميس 24 يوليو 2025    جامعة القاهرة تطلق مؤتمرها الأول للذكاء الاصطناعي في أكتوبر القادم    إصابة رئيس محكمة و3 من أفراد أسرته في حادث انقلاب سيارة بطريق أسيوط الغربي    ضبط صاحب مكتبة بتهمة بيع وتوزيع كتب دراسية خارجيه بدون تصريح    ضبط 5 أشخاص بعد مشاجرة بسبب خلافات الجيرة في مدينة بدر    «التضامن» و«ويل سبرنج» تنظمان يومًا ترفيهيًا وتوعويًا لفتيات مؤسسة العجوزة    17 شهيدا بنيران وقصف الاحتلال بينهم 3 من منتظري المساعدات منذ فجر اليوم    «تطوير التعليم بالوزراء» وأكاديمية الفنون يطلقان مبادرة لاكتشاف وتحويل المواهب إلى مسارات مهنية    هيئة الرعاية الصحية: تعاون مع شركة Abbott لنقل أحدث تقنيات علاج أمراض القلب    تعليم الغربية: لا إجبار في اختيار نظام الثانوية العامة والبكالوريا اختيارية    "الجبهة الوطنية" يعقد أول لقاء جماهيري بالإسماعيلية لدعم مرشحته داليا سعد    استقرار أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 24 يوليو 2025    محافظ الغربية: التعليم الفني قادر على تخريج أجيال تنهض بالمجتمع    وزير الري يبحث حالة المنظومة المائية وموقف المرحلة الثانية من تطهيرات الترع    رئيس اقتصادية قناة السويس يوقع 3 عقود صناعية جديدة مع شركات صينية    رئيس الوزراء يستعرض جهود وزارة الأوقاف في مواجهة الشائعات وبناء الوعي المجتمعي    غدا.. تامر حسني والشامي يشعلان ثاني حفلات مهرجان العلمين    حسين فهمي ضيف شرف الدورة الثانية من جوائز الباندا الذهبية بالصين    الدفاع الجوي الروسي يدمر 39 مسيرة أوكرانية    حملة «100 يوم صحة» تقدم 12 مليون و821 ألف خدمة طبية مجانية خلال 8 أيام    من اكتئاب الشتاء إلى حرارة الصيف.. ما السر في تفضيل بعض الأشخاص لفصل عن الآخر؟    وزير الخارجية والهجرة يلتقى الجالية المصرية فى مالى    سيناء في «قلب جهود التنمية»    «لولا الإهمال لما وقع الانفجار القاتل».. حيثيات حكم تأييد حبس المتهمين ب واقعة خط الغاز بالواحات    أحد الزملاء يخفي معلومات مهمة عنك.. حظ برج الدلو اليوم 24 يوليو    «كتالوج»... الأبوة والأمومة    مدنية الأحكام وتفاعلها مجتمعيًّا وسياسيًّا    «صفقة قادمة».. شوبير يشوّق جماهير الأهلي حول المهاجم الجديد    أرخص الجامعات الأهلية في مصر 2026.. المصروفات الكاملة وطرق التقديم (القائمة المعتمدة)    إصابة 4 عمال إثر سقوط مظلة بموقف نجع حمادي في قنا.. وتوجيه عاجل من المحافظ- صور    علي أبو جريشة: عصر ابن النادي انتهى    نهاية سعيدة لمسلسل "فات الميعاد".. تفاصيل الحلقة الأخيرة    حسام موافي لطلاب الثانوية: الطب ليست كلية القمة فقط    شوبير يكشف حقيقة اهتمام الأهلي بضم أحمد فتوح    تصرف مفاجئ من وسام أبوعلي تجاه جماهير الأهلي.. الشعار والاسم حاضران    92 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال آخر جلسات الأسبوع    أعراض برد الصيف وأسبابه ومخاطره وطرق الوقاية منه    هل يجوز أخذ مكافأة على مال عثر عليه في الشارع؟.. أمين الفتوى يجيب    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طيور الجنوب.. خارطة الفُرقة فى بلاد الشمال
نشر في صوت البلد يوم 08 - 02 - 2017

في روايتها الأولى "طيور الجنوب" (دار الفكر المعاصر، بيروت، الطبعة الأولى، يوليو/تموز 2005) استطاعت د. أماني أبو الفضل أن تقدم رواية أفكار من الطراز الأول، دون أن تقع فى فخ الوعظية، وإن كانت المباشرة من السمات الواضحة في روايتها، وذلك لأنها استطاعت أن تجعل من شخصياتها الرئيسة على الأقل "صلاح/ جواد/ ليلى" بشرا أحياء من لحم ودم، وليس مجرد أبواق روائية لأفكار معينة كشخصيات "إبراهيم/ ضياء/ الصفوى".
تختار الكاتبة مكان الرواية بعناية، أميركا، حيث بلد الحرية والعدالة، البلد الذي يمكن أن يوجد فيه كل المذاهب والجنسيات، وأن يتعايش الجميع، ويعملوا دون خوف، ودون صدام، فحرية الاعتقاد الدينى والسياسى مكفولة للجميع.
لكننا بالتدريج نكتشف أن هذه الفكرة ما هي إلا وهم كبير، فصلاح المصري المتدين يسكن في الطابق الأول من بيت تسكن طابقه العلوي أسرة جواد "أمه وداد وأخته ليلى"، وهي أسرة متدينة، يتعارف صلاح وجواد، ويحب كل منهما الآخر كأخوين، أول ما يبحث عنه صلاح في نيويورك المساجد، فيذهب به جواد إلى شارع به مسجدان، مسجد بلال بن رباح على اليمين، ومسجد أهل السنة والجماعة في مقابله، يندهش صلاح: "شيء غريب، الحي مترامي الأطراف، وليس فيه مساجد، فلماذا اختار من بنى المسجد الثاني أن يكون ملاصقا للأول"، وتزداد دهشة صلاح عندما يخبره جواد أنه يصلي في مسجد آخر في نيوجيرسى "ساعة لتصل إلى مسجدك بينما المسجد هنا على الناصية"!
ببراءة الغريب يبدأ صلاح في اكتشاف خريطة رهيبة من المذاهب والخلافات.. فمسجد بلال بن رباح الفقير المظهر تابع لجماعة أمة الإسلام، والمسجد الآخر تابع لجماعة أهل السنة والجماعة، وبداخل هذا المسجد يوجد فريقان، فريق يتكون من إبراهيم المصري (هارب من الجندية) وضياء الباكستاني (من أصول فقيرة ولا يعرف أحد من أين ينفق على دراسته في الجامعات الأميركية) وهما متطرفان في التمسك بالسفاسف والصغائر، وإرهاب من يحاورهما فكريا وحصر الدين داخل المسجد دون أي فعل حياتي، وبالذات في السياسة، والتأكيد على مخالفة الآخرين لهم باعتبار أنهما من الفرقة الناجية، وإثارة المشكلات التي تجاوزها التاريخ كقضية خلق القرآن وكلام الأشاعرة .. إلخ.
أما الفريق الثاني فيمثله الشيخ حسن وهو من غزة، حارب الإسرائيليين مع المقاومة الشعبية في السويس سنة 1967 تحت قيادة الشيخ حافظ سلامة، يعمل سائقا، يرى أن مساحات الاتفاق مع الآخرين كبيرة مهما تكن هناك من خلافات، كما أن الحوار بين المختلفين ضروري، شرط أن يكون غرضه البحث عن المشترك، والعمل لأجل خير الجميع، وألا يكون حوارا تبشيريا، يحاول كل طرف فيه أن يذيب الآخر ويأخذه في صفه، هذا بالإضافة إلى هيئة دعم المجتمع المسلم التي أصبح صلاح من أبرز نشطائها في تثقيف الشباب والأطفال من خلال المعسكرات الرياضية، يحفظهم القرآن ويعلمهم اللغة العربية، والتي يعتبرها زميله في العمل، وهو تركي الجنسية، من أهم الهيئات التي تخدم الإسلام والمسلمين، ويعتبرها إبراهيم وضياء "بيت الشيطان، ففيها نساء نشطات، وبعض رجال حليقي اللحى، وتقام فيها معارض فنون وحفلات تمثيلية راقية، وإن كانت في حدود الشرع! والأدهى والأمر أن أمور السياسة تثار هناك".
كما يتعرف صلاح بصبحي المسيحي الأرثوذكسي وزوجته منى، حيث يوصل إليهما رسالة من صديقه منير الذي عاد إلى مصر، ومنير زوج ابنتهما، تكرهه منى لأنه أخذ منها ابنتها وسافر، وتسقط كراهيتها على صلاح منذ الوهلة الأولى، لكن صلاح بطيبته وبراءة نشأته الأسوانية يجذب الزوجين العجوزين إليه، خاصة أنهما صعايدة مثله، وأنهما مغرمان بالشاعر عبدالرحمن الأبنودى مثله، فتكون جلساتهم قراءة في دواوين الأبنودي باللهجة الصعيدية مما يعطيهم إحساسا خاصا بأنهم لم يغادروا بلادهم، لكن صلاح يكتشف بالتدريج أن المسيحيين ليسوا كتلة واحدة كما كان يظن، فهناك "زكي وابنه ميشيل" اللذان "يسترزقان" من المتاجرة بما يسمونه قضية الأقباط في مصر، باعتبار أن هناك مخططا إسلاميا تنفذه الحكومة "يهدف إلى التطهير العرقي في مصر من أهلها الأصليين" لدرجة أنهما يدعيان وجود مذابح لم تحدث لتهييج الرأى العام الأميركي وحث أميركا على التدخل العسكري في مصر لحماية "الشعب المسيحي"، ويرون أن البابا خائن لأنه يمنع المسيحيين عن الذهاب للقدس ما دامت تحتلها إسرائيل، وفي المقابل نرى "صبحى وميشيل" اللذين يقفان لهما بالمرصاد رغم ضعفهما ويحاولان الصمود في وجه تيار التطرف هذا.
يكتشف صلاح أن جواد وأسرته من الشيعة، يصاب بصدمة كبيرة لدرجة أنه يقرر الانتقال من المنزل، يشجعه على ذلك ضياء الذي يرى أن "الغريب عن ديننا يظن أن كل من ادعى الإسلام مسلما، لا يعرفون أن تسعة أعشار هذه الأمة هي مفارقة للدين" وأن ذبائح الشيعة "لا تجوز فهم ليسوا حتى من أهل الكتاب" وأنهم "لا يعبدون الله بل يعبدون الأئمة" وأن "الصهيوني عدو مبين ولكن هذا عدو خفي".
يقع صلاح في حيرة كبيرة، يتجنب جواد وهو يحبه، لكنه لا يعرف ماذا يفعل، يذهب إلى الشيخ حسن في بيته، يشرح له الموقف، يؤكد له الشيخ حسن أن "عيبنا الدائم هو قلة العلم، فالشيعة ألف فرقة وعقيدة ولكل واحدة حكم، وللنصارى مواقف ولكل منها حكم".
وعندما يسأله صلاح بغصة: "هل تتهمهم بالكفر مثل إبراهيم وضياء؟" يجيبه: "أنا لا أكفر والعياذ بالله، فحكم إبراهيم وضياء هو مثل حكمك، لم يفتحوا له كتابا قبله"، "ولكن قال لي ضياء إنهم يضمرون الكفر ويظهرون الإيمان فكيف تحكم؟" "أحكم بالظاهر، لقد نهينا عن شق قلوب الناس".
يعود صلاح إلى البيت في غير موعده المعتاد فيجد جوادا يجلس في الحديقة يقرأ القرآن بصوت عذب مقلدا الشيخ الحصرى وليلى بجواره، يبدأ تدريجيا في التخلص من تأثير إبراهيم وضياء عليه، وتعود مياه صداقته لجواد إلى مجاريها، بل ويذهب مع جواد إلى مسجد الهادي في نيوجيرسي ليكتشف أن هناك أكثر من فريق، الفريق المعتدل ومنه جواد بزعامة السيد مصطفى أنور اللبناني الذي تعلم في العراق وحارب مع المقاومة في لبنان حتى أصيب في ساقه، وفريق المتطرفين أصحاب الأفق الضيق والصوت العالى بزعامة الشيخ علي الصفوى.
كما يكتشف صلاح وجود لا دينيين من المسيحيين والسنيين والشيعة، ويكتشف وجود الصهاينة الذين يحاربون كل ما له صفة إسلامية، والمتطرفين الأميركيين الذين يريدون تدمير كل ما هو عربي أو مسلم أو شرقي.
كل هذه الخلافات والمشاعر غير الطيبة تتفجر بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، يحاول أحد المتطرفين الأميركيين الاعتداء على ليلى في الشارع لولا أن صلاح ينقذها "نجوت هذه المرة أيتها المرأة المحمدية، المرة القادمة لن ينجدك أحد".
ويحاول آخرون اقتحام منزل صبحي ومنى وقتلهما، وتتعارك منى مع صبحي متهمة إياه بالتهاون: "أنت السبب يا صبحي، قلت لك أن نعلق الصليب على باب المنزل من أول يوم بدأوا فيه الهجوم على بيوت المسلمين"، "لن أفعل، هم يقلتوننا لأننا عرب، أتريدينني أن أعلق نجمة داود؟".
ما أسهل ما تتفجر ينابيع الخلافات، وينفخ المتطرفون من جميع الجهات في أبواق الفرقة والقطيعة ليقتلوا أي أمل في اتفاق أو حب؟ من يصدق أن ينمو الحب في مثل هذه الأجواء المشحونة الموبوءة؟ وأي حب؟ حب بين صلاح السني المتدين؟ وبين ليلى الشيعية المتدينة؟ أحب كل منهما الآخر دون أن يسمح لنفسه بالتطلع إلى وجهه، أو المحادثة المنفردة؟
يطلب صلاح من جواد أن يزوجه بليلى، تنقلب الدنيا، جواد يرفض رغم حبه لصلاح، ثم يوافق بعد أيام من الضغط النفسي الذي تمارسه عليه ليلى وأمها، المجتمع كله يقف ضد هذه الزيجة، السنيون والشيعة، لأول مرة يتفق المتطرفون من الجانبين على شيء، الشيخ حسن والسيد مصطفى أنور رغم أنهما لا يجدان بأسا من الزيجة إلا أنهما لا يتدخلان، تثور العاصفة في كل مكان، يصل الأمر إلى تنظيم مناظرة بين السنة والشيعة بفندق "هوليداى إن"، يقول السيد مصطفى للشيخ الصفوي: "الذي يملكه روبرت كوهين! أراهن على أنه أعطاكم القاعة بلا مقابل، بل دفع لكم مقابل مهزلتكم هذه، سيدعو الصحف ومحطات التلفاز ليشاهدوا المسلمين، ويوقنوا أن ليس لهذه الحضارة الكريهة إلا الإبادة والغزو، وأن ثرواتها خسارة فيها!".
وتكون المناظرة مجرد شتائم متبادلة بين الطرفين، يقول عدنان الطبيب الكويتي رئيس هيئة دعم المجتمع المسلم: "أشعر بالرعب مما حدث، هؤلاء ليسوا شيعة ولا سنة، هؤلاء مأجورون"، وتكون المكافأة أن تعرض "منظمة التعاون الأميركية الشرق أوسطية تثبيت هذا النشاط في صورة مناظرة شهرية"، كما يقول الشيخ الصفوي "وعينتنا نحن والسنيين خبراء، وخصصت لنا ميزانية ثابتة، سنجوب كل الولايات الأميركية وسنسافر لأوروبا لعمل المناظرة"!
لكن الكاتبة تدبر مقابلة بين الشيخ حسن والسيد مصطفى، لتدور مناقشة حقيقية بين الطرفين، غرضها البحث عن المشترك، وتوضيح المختلف فيه حتى لا تحوطه أوهام تقف حاجزا عاليا بين الطرفين، وينتهى الحوار البناء باتفاق الرجلين ومعهما صلاح وجواد على إرساء لجنة في المهجر للتقريب بين أبناء المذهبين، وتعريفهم بالمشترك، وتعليمهم التعامل مع المختلف فيه.
تؤكد الكاتبة أن النظم السياسية في البلاد العربية والإسلامية، وكذلك في الغرب، كان لها مصلحة دائمة في توسيع هوة الخلاف بين أصحاب المذاهب الدينية، وتقوية المتطرفين الجهلاء من كل الفرق.
يقول الدكتور عدنان: "يا إلهي! لم أر كراهية تسود القلوب كما هي الآن، عندما صافحت جوادا في الندوة ثار علىَّ الكويتيون.. لماذا؟ لأنه عراقي! ولم يلحظوا أنه هنا لأنه ضحية النظام نفسه الذي دمر بلدنا! وهو لامه الشيعة لماذا؟ لأني سني! ولم يلحظوا أني أيضا ضحية للنظام نفسه فخالي وابن خالتي أسرى لا نعرف عنهما شيئا في سجون العراق! إن الذى يدفعنا إلى هذه الكراهية ليس بعربي ولا مسلم بل هو شيطان! لم نعد نعبد الله.. صرنا نعبد الأمراء والزعماء والشيوخ، أضعنا عقيدة التوحيد، كلنا مشركون؛ أشركنا الطوائف والمذاهب وعملاء السوء بالله. نحن نعيد عصر ملوك الطوائف، وليس لهذا العصر إلا نهاية واحدة يعرفها التاريخ جيدا".
رغم الأجواء المشحونة بالكراهية والغضب والتناحر والرفض، يصمم صلاح وليلى على إتمام الزواج، ثم السفر إلى أسوان لقضاء شهر العسل، يستعدان للزفاف، لا أحد من المدعوين يحضر، فيأخذ صلاح عروسه ويذهب بها إلى جسر بروكلين الذي عشقه منذ وطأت قدماه أرض أميركا.
- منذ عرفت هذا الجسر الساحر وأنا آتي إلى هنا في طريق عودتي من العمل كل يوم لأشهد الغروب.. كنت دائما أتخيلك معي.
- لهذا لم تكن تأتي قبل العشاء كل يوم.
- كنتِ تنتظرينني؟
- من أول يوم سكنت فيه عندنا!
يحدثها عن أسوان، النيل، يحلمان بالمستقبل، الأطفال، يضحكان بمرح وقد نسيا كل أحزانهما، نسيا كل ما حولهما من خلافات، نسيا الجو الذي تركاه محتقنا، لكن الكراهية لم تنسهما، شخصان ملثمان ظهرا فجأة، طعنها أحدهما في رقبتها وترك السكين مغروزا فيها، واختفيا بسرعة البرق.
لم يكن هذا غير متوقع، في مثل أجواء الكراهية شديدة الاحتقان التي تسود أميركا ضد المسلمين بعد 11 سبتمبر/أيلول، وفي مثل أجواء العداء المذهبي التي ينفخ المتطرفون من الجانبين في نيرانه، لم يكن يحق لهذين الشابين المتدينين المحبين أن يحلما بعالم يبحث عن المتفق ولا يجرى وراء المختلف فيه ويوسعه، يقربان بالحب ما فرقته الكراهية.
لم يحضر أحد زفاف ليلى، لكن أكثر من ثلاثة آلاف شخص من السنة والشيعة على رأسهما الشيخ حسن والسيد مصطفى حضروا الجنازة، حتى ميشيل جاء يحمل عزاء صبحي لصلاح، وليعزيه نيابة عن الكنيسة في نيويورك.
وتنتهي الرواية بالجميع يقفون صفا ليصلوا عليها:
"- الله أكبر
وغرق المسجد كله بعدها في صمت وخشوع عميقين".
هكذا تنتهي الرواية، ويبدأ سيل الأفكار والمشاعر والرؤى التي يمكن أن يثيرها عمل أدبي بهذا الثراء، رواية تحثك على التفكير من جديد في واقعنا المتهرئ، الواقع الذي يسرح فيه العملاء والمتطرفون بأشكالهم المختلفة ليزيدوا من فرقتنا ووهننا، رواية تحثك على البحث عن الجذر المشترك، وإلا ستكون الطامة الكبرى، رواية تودعك وهي تذكرك مرة أخرى بأن "الله أكبر" من كل هذه الفوضى والكراهية والفرقة التي يزرعونها في العالم.
في روايتها الأولى "طيور الجنوب" (دار الفكر المعاصر، بيروت، الطبعة الأولى، يوليو/تموز 2005) استطاعت د. أماني أبو الفضل أن تقدم رواية أفكار من الطراز الأول، دون أن تقع فى فخ الوعظية، وإن كانت المباشرة من السمات الواضحة في روايتها، وذلك لأنها استطاعت أن تجعل من شخصياتها الرئيسة على الأقل "صلاح/ جواد/ ليلى" بشرا أحياء من لحم ودم، وليس مجرد أبواق روائية لأفكار معينة كشخصيات "إبراهيم/ ضياء/ الصفوى".
تختار الكاتبة مكان الرواية بعناية، أميركا، حيث بلد الحرية والعدالة، البلد الذي يمكن أن يوجد فيه كل المذاهب والجنسيات، وأن يتعايش الجميع، ويعملوا دون خوف، ودون صدام، فحرية الاعتقاد الدينى والسياسى مكفولة للجميع.
لكننا بالتدريج نكتشف أن هذه الفكرة ما هي إلا وهم كبير، فصلاح المصري المتدين يسكن في الطابق الأول من بيت تسكن طابقه العلوي أسرة جواد "أمه وداد وأخته ليلى"، وهي أسرة متدينة، يتعارف صلاح وجواد، ويحب كل منهما الآخر كأخوين، أول ما يبحث عنه صلاح في نيويورك المساجد، فيذهب به جواد إلى شارع به مسجدان، مسجد بلال بن رباح على اليمين، ومسجد أهل السنة والجماعة في مقابله، يندهش صلاح: "شيء غريب، الحي مترامي الأطراف، وليس فيه مساجد، فلماذا اختار من بنى المسجد الثاني أن يكون ملاصقا للأول"، وتزداد دهشة صلاح عندما يخبره جواد أنه يصلي في مسجد آخر في نيوجيرسى "ساعة لتصل إلى مسجدك بينما المسجد هنا على الناصية"!
ببراءة الغريب يبدأ صلاح في اكتشاف خريطة رهيبة من المذاهب والخلافات.. فمسجد بلال بن رباح الفقير المظهر تابع لجماعة أمة الإسلام، والمسجد الآخر تابع لجماعة أهل السنة والجماعة، وبداخل هذا المسجد يوجد فريقان، فريق يتكون من إبراهيم المصري (هارب من الجندية) وضياء الباكستاني (من أصول فقيرة ولا يعرف أحد من أين ينفق على دراسته في الجامعات الأميركية) وهما متطرفان في التمسك بالسفاسف والصغائر، وإرهاب من يحاورهما فكريا وحصر الدين داخل المسجد دون أي فعل حياتي، وبالذات في السياسة، والتأكيد على مخالفة الآخرين لهم باعتبار أنهما من الفرقة الناجية، وإثارة المشكلات التي تجاوزها التاريخ كقضية خلق القرآن وكلام الأشاعرة .. إلخ.
أما الفريق الثاني فيمثله الشيخ حسن وهو من غزة، حارب الإسرائيليين مع المقاومة الشعبية في السويس سنة 1967 تحت قيادة الشيخ حافظ سلامة، يعمل سائقا، يرى أن مساحات الاتفاق مع الآخرين كبيرة مهما تكن هناك من خلافات، كما أن الحوار بين المختلفين ضروري، شرط أن يكون غرضه البحث عن المشترك، والعمل لأجل خير الجميع، وألا يكون حوارا تبشيريا، يحاول كل طرف فيه أن يذيب الآخر ويأخذه في صفه، هذا بالإضافة إلى هيئة دعم المجتمع المسلم التي أصبح صلاح من أبرز نشطائها في تثقيف الشباب والأطفال من خلال المعسكرات الرياضية، يحفظهم القرآن ويعلمهم اللغة العربية، والتي يعتبرها زميله في العمل، وهو تركي الجنسية، من أهم الهيئات التي تخدم الإسلام والمسلمين، ويعتبرها إبراهيم وضياء "بيت الشيطان، ففيها نساء نشطات، وبعض رجال حليقي اللحى، وتقام فيها معارض فنون وحفلات تمثيلية راقية، وإن كانت في حدود الشرع! والأدهى والأمر أن أمور السياسة تثار هناك".
كما يتعرف صلاح بصبحي المسيحي الأرثوذكسي وزوجته منى، حيث يوصل إليهما رسالة من صديقه منير الذي عاد إلى مصر، ومنير زوج ابنتهما، تكرهه منى لأنه أخذ منها ابنتها وسافر، وتسقط كراهيتها على صلاح منذ الوهلة الأولى، لكن صلاح بطيبته وبراءة نشأته الأسوانية يجذب الزوجين العجوزين إليه، خاصة أنهما صعايدة مثله، وأنهما مغرمان بالشاعر عبدالرحمن الأبنودى مثله، فتكون جلساتهم قراءة في دواوين الأبنودي باللهجة الصعيدية مما يعطيهم إحساسا خاصا بأنهم لم يغادروا بلادهم، لكن صلاح يكتشف بالتدريج أن المسيحيين ليسوا كتلة واحدة كما كان يظن، فهناك "زكي وابنه ميشيل" اللذان "يسترزقان" من المتاجرة بما يسمونه قضية الأقباط في مصر، باعتبار أن هناك مخططا إسلاميا تنفذه الحكومة "يهدف إلى التطهير العرقي في مصر من أهلها الأصليين" لدرجة أنهما يدعيان وجود مذابح لم تحدث لتهييج الرأى العام الأميركي وحث أميركا على التدخل العسكري في مصر لحماية "الشعب المسيحي"، ويرون أن البابا خائن لأنه يمنع المسيحيين عن الذهاب للقدس ما دامت تحتلها إسرائيل، وفي المقابل نرى "صبحى وميشيل" اللذين يقفان لهما بالمرصاد رغم ضعفهما ويحاولان الصمود في وجه تيار التطرف هذا.
يكتشف صلاح أن جواد وأسرته من الشيعة، يصاب بصدمة كبيرة لدرجة أنه يقرر الانتقال من المنزل، يشجعه على ذلك ضياء الذي يرى أن "الغريب عن ديننا يظن أن كل من ادعى الإسلام مسلما، لا يعرفون أن تسعة أعشار هذه الأمة هي مفارقة للدين" وأن ذبائح الشيعة "لا تجوز فهم ليسوا حتى من أهل الكتاب" وأنهم "لا يعبدون الله بل يعبدون الأئمة" وأن "الصهيوني عدو مبين ولكن هذا عدو خفي".
يقع صلاح في حيرة كبيرة، يتجنب جواد وهو يحبه، لكنه لا يعرف ماذا يفعل، يذهب إلى الشيخ حسن في بيته، يشرح له الموقف، يؤكد له الشيخ حسن أن "عيبنا الدائم هو قلة العلم، فالشيعة ألف فرقة وعقيدة ولكل واحدة حكم، وللنصارى مواقف ولكل منها حكم".
وعندما يسأله صلاح بغصة: "هل تتهمهم بالكفر مثل إبراهيم وضياء؟" يجيبه: "أنا لا أكفر والعياذ بالله، فحكم إبراهيم وضياء هو مثل حكمك، لم يفتحوا له كتابا قبله"، "ولكن قال لي ضياء إنهم يضمرون الكفر ويظهرون الإيمان فكيف تحكم؟" "أحكم بالظاهر، لقد نهينا عن شق قلوب الناس".
يعود صلاح إلى البيت في غير موعده المعتاد فيجد جوادا يجلس في الحديقة يقرأ القرآن بصوت عذب مقلدا الشيخ الحصرى وليلى بجواره، يبدأ تدريجيا في التخلص من تأثير إبراهيم وضياء عليه، وتعود مياه صداقته لجواد إلى مجاريها، بل ويذهب مع جواد إلى مسجد الهادي في نيوجيرسي ليكتشف أن هناك أكثر من فريق، الفريق المعتدل ومنه جواد بزعامة السيد مصطفى أنور اللبناني الذي تعلم في العراق وحارب مع المقاومة في لبنان حتى أصيب في ساقه، وفريق المتطرفين أصحاب الأفق الضيق والصوت العالى بزعامة الشيخ علي الصفوى.
كما يكتشف صلاح وجود لا دينيين من المسيحيين والسنيين والشيعة، ويكتشف وجود الصهاينة الذين يحاربون كل ما له صفة إسلامية، والمتطرفين الأميركيين الذين يريدون تدمير كل ما هو عربي أو مسلم أو شرقي.
كل هذه الخلافات والمشاعر غير الطيبة تتفجر بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، يحاول أحد المتطرفين الأميركيين الاعتداء على ليلى في الشارع لولا أن صلاح ينقذها "نجوت هذه المرة أيتها المرأة المحمدية، المرة القادمة لن ينجدك أحد".
ويحاول آخرون اقتحام منزل صبحي ومنى وقتلهما، وتتعارك منى مع صبحي متهمة إياه بالتهاون: "أنت السبب يا صبحي، قلت لك أن نعلق الصليب على باب المنزل من أول يوم بدأوا فيه الهجوم على بيوت المسلمين"، "لن أفعل، هم يقلتوننا لأننا عرب، أتريدينني أن أعلق نجمة داود؟".
ما أسهل ما تتفجر ينابيع الخلافات، وينفخ المتطرفون من جميع الجهات في أبواق الفرقة والقطيعة ليقتلوا أي أمل في اتفاق أو حب؟ من يصدق أن ينمو الحب في مثل هذه الأجواء المشحونة الموبوءة؟ وأي حب؟ حب بين صلاح السني المتدين؟ وبين ليلى الشيعية المتدينة؟ أحب كل منهما الآخر دون أن يسمح لنفسه بالتطلع إلى وجهه، أو المحادثة المنفردة؟
يطلب صلاح من جواد أن يزوجه بليلى، تنقلب الدنيا، جواد يرفض رغم حبه لصلاح، ثم يوافق بعد أيام من الضغط النفسي الذي تمارسه عليه ليلى وأمها، المجتمع كله يقف ضد هذه الزيجة، السنيون والشيعة، لأول مرة يتفق المتطرفون من الجانبين على شيء، الشيخ حسن والسيد مصطفى أنور رغم أنهما لا يجدان بأسا من الزيجة إلا أنهما لا يتدخلان، تثور العاصفة في كل مكان، يصل الأمر إلى تنظيم مناظرة بين السنة والشيعة بفندق "هوليداى إن"، يقول السيد مصطفى للشيخ الصفوي: "الذي يملكه روبرت كوهين! أراهن على أنه أعطاكم القاعة بلا مقابل، بل دفع لكم مقابل مهزلتكم هذه، سيدعو الصحف ومحطات التلفاز ليشاهدوا المسلمين، ويوقنوا أن ليس لهذه الحضارة الكريهة إلا الإبادة والغزو، وأن ثرواتها خسارة فيها!".
وتكون المناظرة مجرد شتائم متبادلة بين الطرفين، يقول عدنان الطبيب الكويتي رئيس هيئة دعم المجتمع المسلم: "أشعر بالرعب مما حدث، هؤلاء ليسوا شيعة ولا سنة، هؤلاء مأجورون"، وتكون المكافأة أن تعرض "منظمة التعاون الأميركية الشرق أوسطية تثبيت هذا النشاط في صورة مناظرة شهرية"، كما يقول الشيخ الصفوي "وعينتنا نحن والسنيين خبراء، وخصصت لنا ميزانية ثابتة، سنجوب كل الولايات الأميركية وسنسافر لأوروبا لعمل المناظرة"!
لكن الكاتبة تدبر مقابلة بين الشيخ حسن والسيد مصطفى، لتدور مناقشة حقيقية بين الطرفين، غرضها البحث عن المشترك، وتوضيح المختلف فيه حتى لا تحوطه أوهام تقف حاجزا عاليا بين الطرفين، وينتهى الحوار البناء باتفاق الرجلين ومعهما صلاح وجواد على إرساء لجنة في المهجر للتقريب بين أبناء المذهبين، وتعريفهم بالمشترك، وتعليمهم التعامل مع المختلف فيه.
تؤكد الكاتبة أن النظم السياسية في البلاد العربية والإسلامية، وكذلك في الغرب، كان لها مصلحة دائمة في توسيع هوة الخلاف بين أصحاب المذاهب الدينية، وتقوية المتطرفين الجهلاء من كل الفرق.
يقول الدكتور عدنان: "يا إلهي! لم أر كراهية تسود القلوب كما هي الآن، عندما صافحت جوادا في الندوة ثار علىَّ الكويتيون.. لماذا؟ لأنه عراقي! ولم يلحظوا أنه هنا لأنه ضحية النظام نفسه الذي دمر بلدنا! وهو لامه الشيعة لماذا؟ لأني سني! ولم يلحظوا أني أيضا ضحية للنظام نفسه فخالي وابن خالتي أسرى لا نعرف عنهما شيئا في سجون العراق! إن الذى يدفعنا إلى هذه الكراهية ليس بعربي ولا مسلم بل هو شيطان! لم نعد نعبد الله.. صرنا نعبد الأمراء والزعماء والشيوخ، أضعنا عقيدة التوحيد، كلنا مشركون؛ أشركنا الطوائف والمذاهب وعملاء السوء بالله. نحن نعيد عصر ملوك الطوائف، وليس لهذا العصر إلا نهاية واحدة يعرفها التاريخ جيدا".
رغم الأجواء المشحونة بالكراهية والغضب والتناحر والرفض، يصمم صلاح وليلى على إتمام الزواج، ثم السفر إلى أسوان لقضاء شهر العسل، يستعدان للزفاف، لا أحد من المدعوين يحضر، فيأخذ صلاح عروسه ويذهب بها إلى جسر بروكلين الذي عشقه منذ وطأت قدماه أرض أميركا.
- منذ عرفت هذا الجسر الساحر وأنا آتي إلى هنا في طريق عودتي من العمل كل يوم لأشهد الغروب.. كنت دائما أتخيلك معي.
- لهذا لم تكن تأتي قبل العشاء كل يوم.
- كنتِ تنتظرينني؟
- من أول يوم سكنت فيه عندنا!
يحدثها عن أسوان، النيل، يحلمان بالمستقبل، الأطفال، يضحكان بمرح وقد نسيا كل أحزانهما، نسيا كل ما حولهما من خلافات، نسيا الجو الذي تركاه محتقنا، لكن الكراهية لم تنسهما، شخصان ملثمان ظهرا فجأة، طعنها أحدهما في رقبتها وترك السكين مغروزا فيها، واختفيا بسرعة البرق.
لم يكن هذا غير متوقع، في مثل أجواء الكراهية شديدة الاحتقان التي تسود أميركا ضد المسلمين بعد 11 سبتمبر/أيلول، وفي مثل أجواء العداء المذهبي التي ينفخ المتطرفون من الجانبين في نيرانه، لم يكن يحق لهذين الشابين المتدينين المحبين أن يحلما بعالم يبحث عن المتفق ولا يجرى وراء المختلف فيه ويوسعه، يقربان بالحب ما فرقته الكراهية.
لم يحضر أحد زفاف ليلى، لكن أكثر من ثلاثة آلاف شخص من السنة والشيعة على رأسهما الشيخ حسن والسيد مصطفى حضروا الجنازة، حتى ميشيل جاء يحمل عزاء صبحي لصلاح، وليعزيه نيابة عن الكنيسة في نيويورك.
وتنتهي الرواية بالجميع يقفون صفا ليصلوا عليها:
"- الله أكبر
وغرق المسجد كله بعدها في صمت وخشوع عميقين".
هكذا تنتهي الرواية، ويبدأ سيل الأفكار والمشاعر والرؤى التي يمكن أن يثيرها عمل أدبي بهذا الثراء، رواية تحثك على التفكير من جديد في واقعنا المتهرئ، الواقع الذي يسرح فيه العملاء والمتطرفون بأشكالهم المختلفة ليزيدوا من فرقتنا ووهننا، رواية تحثك على البحث عن الجذر المشترك، وإلا ستكون الطامة الكبرى، رواية تودعك وهي تذكرك مرة أخرى بأن "الله أكبر" من كل هذه الفوضى والكراهية والفرقة التي يزرعونها في العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.