جامعة الملك سلمان تعلن مواعيد الكشف الطبي والمقابلات للطلاب الجدد    أسعار الفراخ والبيض في أسواق وبورصة الشرقية اليوم الجمعة 22-8-2025    قرارات جمهورية مهمة وتكليفات قوية للحكومة تتصدر نشاط الرئيس السيسي الأسبوعي    وزيرة التنمية المحلية تستعرض تقريرًا حول مشروع التنمية العمرانية بمدينة دهب    إنذار تحسبًا ل تسونامي بعد الزلزال المدمر في «ممر دريك»    روسيا تعتقل عميلين للاستخبارات الأوكرانية وتجري مناورات فى بحر البلطيق    أفضل 4 لاعبين لتحقيق نتائج مميزة في الجولة الثانية بفانتازي الدوري الإنجليزي    محمد الشناوي يعود لتدريبات الأهلي بعد 3 أيام من وفاة والده    ناشئو وناشئات الطائرة يتوجهون إلى تونس بحثًا عن التتويج الأفريقي    البكالوريا أم الثانوية العامة.. تفاصيل الاختلافات الكاملة فى المواد والمجموع    الجارديان تحتفي باكتشاف مدينة غارقة عمرها 2000 عام بالإسكندرية    الإسكندرية السينمائي يحتفل بمئوية سعد الدين وهبة ويكرم نخبة من أدباء وشعراء مدينة الثغر    أستاذ بالأزهر: مبدأ "ضل رجل ولا ضل حيطة" ضيّع حياة كثير من البنات    ما الواجب على من فاته أداء الصلاة مدة طويلة؟.. الإفتاء توضح    للرزق وتيسير الأمور.. دعاء يوم الجمعة مستجاب (ردده الآن)    الحبس عامين ل تارك صلاة الجمعة بدون عذر في ماليزيا.. وأحمد كريمة يوضح الحكم الشرعي    حملة «100 يوم صحة» تقدم 57 مليونًا و690 ألف خدمة طبية مجانية (أحدث إحصاء)    إجراء 101 عملية أنف وأذن و124 مقياس سمع بمستشفى العريش العام    نجم الأهلي السابق يرشح هذا النادي كمنافس أول للدوري.. ليس الزمالك أو بيراميدز    مرموش: ريس جيمس أصعب خصم واجهته في الدوري الإنجليزي    سكرتير عام "الصحفيين": بلاغ "النقل" ضد "فيتو" تهديد لحرية الصحافة    ضبط مصنع لتعبئة الأرز مخالف للمواصفات القانونية بالمنطقة الصناعية ببنى غالب فى أسيوط    طقس اليوم الجمعة.. تحذيرات من رياح وأمطار وارتفاع للحرارة بعد ساعات    الأمن أولًا.. إدارة ترامب تعتزم مراجعة شاملة لتأشيرات 55 مليون أجنبي    ترامب يختبر القوة الفيدرالية في واشنطن ويمهّد لتوسيع قبضته على مدن يديرها الديمقراطيون    نزوح بلا أفق.. 796 ألف فلسطيني يفرون من الموت في غزة تحت نيران الاحتلال    تقارير تكشف: نتنياهو يقرر فجأة البدء الفوري في مفاوضات إنهاء الحرب على غزة    إيران: عراقجي سيجري محادثات هاتفية مع نظرائه من الترويكا الأوروبية لبحث الملف النووي    محافظ الجيزة: خطة عاجلة لتحديث مرافق المنطقة الصناعية بأبو رواش وتطوير بنيتها التحتية    محافظ أسيوط يسلم جهاز عروسة لابنة إحدى المستفيدات من مشروعات تمكين المرأة    غدًا.. إعلان نتيجة التقديم لرياض أطفال والصف الأول الابتدائي بالأزهر| الرابط هنا    نائب وزير الإسكان يترأس اجتماع لجنة إعداد مُقترح لائحة قانون تنظيم المرفق"    قمة ألاسكا.. سلام «ضبابي»| ترامب وبوتين «مصافحة أمام الكاميرات ومعركة خلف الأبواب»    «زي النهارده» في 22 أغسطس 1948.. استشهاد البطل أحمد عبدالعزيز    «زي النهارده«في 22 أغسطس 1945.. وفاة الشيخ مصطفى المراغي    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 22 أغسطس 2025    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الجمعة 22 أغسطس 2025    كيف يتصدى مركز الطوارئ بالوكالة الذرية لأخطر التهديدات النووية والإشعاعية؟    لو بطلت قهوة.. 4 تغييرات تحدث لجسمك    النصر يستعيد نجمه قبل نهائي السوبر    الإيجار القديم.. محمود فوزي: تسوية أوضاع الفئات الأولى بالرعاية قبل تحرير العلاقة الإيجارية    مقتل شاب في الأقصر إثر مشاجرة بسبب المخدرات    صفات برج الأسد الخفية .. يجمع بين القوه والدراما    بعد أزمة قبلة راغب علامة.. عاصي الحلاني يدخل على الخط (فيديو)    «خير يوم طلعت عليه الشمس».. تعرف على فضل يوم الجمعة والأعمال المستحبة فيه    تنفيذ حكم الإعدام بحق قاتل زوجين في «مجزرة سرابيوم» بالإسماعيلية    تعليم الجيزة تواصل أعمال الصيانة والتجديد استعدادا للعام الدراسي الجديد    اليوم انطلاق مباريات دوري المحترفين بإقامة 3 مباريات    إحالة أوراق المتهم بقتل أطفاله الأربعة في القنطرة غرب إلى مفتي الجمهورية    تنفيذ حكم الإعدام في مغتصب سيدة الإسماعيلية داخل المقابر    ليلة استثنائية في مهرجان القلعة.. علي الحجار يُغني المشاعر وهاني حسن يُبدع بالسيمفوني| صور    تعرف على العروض الأجنبية المشاركة في الدورة ال32 لمهرجان المسرح التجريبي    محمد رمضان ينشر فيديو استقباله في بيروت: "زي ما فرحتوني هدلعكم"    فطور خفيف ومغذ لصغارك، طريقة عمل البان كيك    «هتسد شهيتك وتحرق دهونك».. 4 مشروبات طبيعية تساعد على التخسيس    مصرع شابين غرقا بنهر النيل فى دار السلام بسوهاج    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم عبدالمجيد الروائي بين فنتازيا الثورة وعبث الواقع
نشر في صوت البلد يوم 21 - 01 - 2017

في روايته «قطط العام الفائت» (الدار المصرية اللبنانية)، يضع الروائي المصري إبراهيم عبدالمجيد قدماً في المتخيل، وأخرى في الواقع. يخلق جدلاً رهيفاً بين الفنتازيا والحقيقة، يظهر منذ المفتتح الدرامي للرواية وحتى الختام. ثمة افتتاحية دالة تبدأ بها الرواية، حيث تحيل على فضاء تخييلي، يختلط فيه الحلم بالواقع، تبدو فيها «لاوند»؛ المدينة المتخيلة؛ فضاءً فنتازياً بامتياز، يتكئ على بلد تبدو الإحالات عليه رمزية، اسمه «مصرايم»، قامت فيه ثورة في عام 2011، ترتب عليها خلع الحاكم. تبدو «لاوند» تنويعة على «مصرايم»، ودفعاً بالدلالة السردية إلى حيز البناء الأليغوري، الذي يغاير الأبنية الرمزية التقليدية، حيث ثمة توازٍ ما بين الخيال والواقع هنا، ما بين ثورة لاوند/ مصرايم، والثورة المصرية في كانون ثاني (يناير) 2011.
يبدو التصدير الدال للنص كشفاً عن هذا المعنى: «في بلد يسمى لاوند قامت ثورة قي اليوم نفسه الذي حدثت فيه الثورة في مصرايم. هنا ما جرى في لاوند، وأي تشابه مع الواقع غير مقصود» (ص 6). ينحاز إبراهيم عبدالمجيد إلى الفانتازيا منذ الاستهلال الروائي، فيخلق لنصه منطقه الجمالي الخاص؛ «ابتسم الحاكم في دهشة وهو يرى أن أصابعه تمتد إلى الأمام، راح ينظر إليها وهو يقف في صالة قصره، وقد اتسعت عيناه. قال لنفسه إنه خيال، أصابعي في مكانها. لكنه وجدها تمتد وتطول وتنزل إلى الأرض. راحت تمشي أمامه إلى كل أرجاء الصالة، وتصعد المقاعد التاريخية التي تركها الملوك القدامى للسلطة الجديدة التي انقلبت عليهم منذ عشرات السنين» (ص - 7).
ولا يكتفي الكاتب بموازاة الواقع رمزياً عبر هذا البناء الأليغوري، ولكنه يؤسطره ايضاً. وتبدو هذه الموازاة بدءاً من أسماء الشخوص (اللواء سامح أبوعامود مسؤول الإعلام في وزارة الأمن والأمان- الحاكم أمير باشا أبوالعساكر- السر عسكر- جماعة النصيحة والهدى- الشيخ شمعدان- هديل/ سعاد حسني). وتبدو أسطرة الواقع عبر تجمد الثوار في أماكنهم في الميدان، ثم مرور هديل/ سعاد حسني لتلثم شفاه كل شاب وفتاة، فتدب الحياة في المجموع، ثم تصعد من جديد عبر أسطورة الحصان المجنح «أبيغاسوس». وتحمل الإحالة على سعاد حسني طابعاً رمزياً، فتداعب الوجدان العام الذي ألِف بطلته الجميلة، وهي تنشر الفن والمحبة والغناء. ثم يتحول الحاكم نفسه إلى فكرة طوطمية قديمة وفاشية.
يوظف الكاتب في مقاطعه السردية آليات الفنون البصرية المختلفة، وتحديداً فن السينما، وتقنيات كتابة السيناريو، حيث يمكننا قراءة مقاطع سردية كاملة مع إمكان تخيلها بصرياً تخيلاً ضافياً: «مدّ لها الحصان جناحه فصعدت عليه واستوت على ظهره، وارتفع بها، وإذا بسحابة بيضاء تهبط مسرعة إليهما تلفهما وترتفع أكثر، بينما صيحات الدهشة وعدم التصديق لما يحدث وإذا بالسحابة بعد أن ترتفع إلى مسافات بعيدة والعيون معلقة بها حتى كادت أن تختفي تظهر منها آلاف الطيور البيضاء مقبلة بسرعة ناحية الأرض فأصاب الكثير الهلع كما أصاب الكثير الدهشة». (ص 53)
تتعدد مستويات الأداء اللغوي في السرد، فمن اللغة الكلاسية السامقة والرهيفة التي يستخدمها السارد الرئيس في مقاطعه ذات الطابع الإخباري/ الوصفي: «شمس حانية تشرق على بلاد اللاوند. شمس تعلن أن هذه البلاد جميلة وسط الدنيا. ترفع الأنظار إلى بهاء الفضاء على البحر وحول النهر وفي الشوارع البعيدة والأزقة في العشوائيات» (ص 358)، مروراً باللغة المحايدة، ثم اللغة التي تقترب من فصحى المثقفين، وصولاً إلى العامية المتناثرة في الحوارات وفي بعض مناطق السرد.
تمثل الحوارات بين الشخوص جزءاً مركزياً من بنية الرواية، بحيث تضيف إلى الرؤية السردية وتتممها. فالحوارات بين السلطة في لاوند وأركانها تكشف عن ذهنية القمع والاستعلاء. إضافة إلى أن الحوارات الدائرة بين ممثلي الثورة من الشباب (أحمد خشبة/ مصطفى/ نزار/ شهيرة/ نورهان/...») تبدو محملة بشحنات عاطفية وانفعالية، وكاشفة عن وعي الشخوص بحتمية الخلاص عبر الثورة. يعتمد البناء الأليغوري هنا أيضاً على تلك التقسيمات الدالة للواقع، وموازاتها رمزياً ودلالياً. ففي لاوند توجد جماعة «النصيحة والهدى»، ومرشدها الشيخ شمعدان، ويوجد «أمير باشا أبوالعساكر»... وفي إطار اللعبة الفنية التي يوجدها إبراهيم عبدالمجيد في نصه، نراه يمعن في إيهام المتلقين بتلك المباعدة الفنية بين النص والواقع، ويتدخل المؤلف الضمني للتعليق على الحدث الروائي، مستخدماً آلية التعليق السردي: «والآن؛ بعد أربع سنوات وأنا أكتب هذه الرواية استطعت الرجوع إلى تعليقاتهم وأخذت بعضها هنا،...» (ص 97).
وإذا كان المتكلم عيّنة أيديولوجية بتوصيف ميخائيل باختين، فإنّ لغات الشخوص في النص تبدو دالة على وعي أصحابها. ولعلّ نموذج أحمد خشبة يعد تعبيراً دقيقاً عن هذا التصور.
تنهض رواية «قطط العام الفائت» على آلية الإحالة أيضاً، عبر مسارين؛ أحدهما عام، حيث الإشارة إلى السياق السياسي والثقافي الذي يشكل الزمن المرجع للرواية، ويبدو واضحاً عبر عشرات الجمل والحوارات السردية داخل النص. والثاني يتأسس على دلالة خارج الواقع، ويظهر مثلاً عند الإشارة إلى الحصان المجنَّح، الذي يحيل على أسطورة أبيغاسوس، في الميثولوجيا الأغريقية، الذي ما إن ولد حتى طار.
يختار إبراهيم عبدالمجيد إذاً لحظته الروائية ببراعة، ويتخذ من القطط - الحاضرة في الثقافة الفرعونية والراسخة في الوجدان الشعبي المصري بوصفها بسبعة أرواح - معادلاً موضوعياً للشباب الثائر، الذي يتحول إلى قطط، بعد أن يعيد الحاكم عقارب الزمن سنة إلى الوراء، ويخوض دراما الثورة مع الآلة الجهنمية للقمع، وكأن الثورة لن تموت، قوتُها في نبلها.
هكذا يقدم إبراهيم عبدالمجيد نصاً مسكوناً بالمتعة الجمالية، والحيل الفنية، بدءاً من عنوانه المخاتل، مروراً بعلاقات شخوصه، ووصولاً إلى بنيته الفنية المازجة بين السياسي والجمالي، الواقعي والفنتازي في سردية متناغمة.
في روايته «قطط العام الفائت» (الدار المصرية اللبنانية)، يضع الروائي المصري إبراهيم عبدالمجيد قدماً في المتخيل، وأخرى في الواقع. يخلق جدلاً رهيفاً بين الفنتازيا والحقيقة، يظهر منذ المفتتح الدرامي للرواية وحتى الختام. ثمة افتتاحية دالة تبدأ بها الرواية، حيث تحيل على فضاء تخييلي، يختلط فيه الحلم بالواقع، تبدو فيها «لاوند»؛ المدينة المتخيلة؛ فضاءً فنتازياً بامتياز، يتكئ على بلد تبدو الإحالات عليه رمزية، اسمه «مصرايم»، قامت فيه ثورة في عام 2011، ترتب عليها خلع الحاكم. تبدو «لاوند» تنويعة على «مصرايم»، ودفعاً بالدلالة السردية إلى حيز البناء الأليغوري، الذي يغاير الأبنية الرمزية التقليدية، حيث ثمة توازٍ ما بين الخيال والواقع هنا، ما بين ثورة لاوند/ مصرايم، والثورة المصرية في كانون ثاني (يناير) 2011.
يبدو التصدير الدال للنص كشفاً عن هذا المعنى: «في بلد يسمى لاوند قامت ثورة قي اليوم نفسه الذي حدثت فيه الثورة في مصرايم. هنا ما جرى في لاوند، وأي تشابه مع الواقع غير مقصود» (ص 6). ينحاز إبراهيم عبدالمجيد إلى الفانتازيا منذ الاستهلال الروائي، فيخلق لنصه منطقه الجمالي الخاص؛ «ابتسم الحاكم في دهشة وهو يرى أن أصابعه تمتد إلى الأمام، راح ينظر إليها وهو يقف في صالة قصره، وقد اتسعت عيناه. قال لنفسه إنه خيال، أصابعي في مكانها. لكنه وجدها تمتد وتطول وتنزل إلى الأرض. راحت تمشي أمامه إلى كل أرجاء الصالة، وتصعد المقاعد التاريخية التي تركها الملوك القدامى للسلطة الجديدة التي انقلبت عليهم منذ عشرات السنين» (ص - 7).
ولا يكتفي الكاتب بموازاة الواقع رمزياً عبر هذا البناء الأليغوري، ولكنه يؤسطره ايضاً. وتبدو هذه الموازاة بدءاً من أسماء الشخوص (اللواء سامح أبوعامود مسؤول الإعلام في وزارة الأمن والأمان- الحاكم أمير باشا أبوالعساكر- السر عسكر- جماعة النصيحة والهدى- الشيخ شمعدان- هديل/ سعاد حسني). وتبدو أسطرة الواقع عبر تجمد الثوار في أماكنهم في الميدان، ثم مرور هديل/ سعاد حسني لتلثم شفاه كل شاب وفتاة، فتدب الحياة في المجموع، ثم تصعد من جديد عبر أسطورة الحصان المجنح «أبيغاسوس». وتحمل الإحالة على سعاد حسني طابعاً رمزياً، فتداعب الوجدان العام الذي ألِف بطلته الجميلة، وهي تنشر الفن والمحبة والغناء. ثم يتحول الحاكم نفسه إلى فكرة طوطمية قديمة وفاشية.
يوظف الكاتب في مقاطعه السردية آليات الفنون البصرية المختلفة، وتحديداً فن السينما، وتقنيات كتابة السيناريو، حيث يمكننا قراءة مقاطع سردية كاملة مع إمكان تخيلها بصرياً تخيلاً ضافياً: «مدّ لها الحصان جناحه فصعدت عليه واستوت على ظهره، وارتفع بها، وإذا بسحابة بيضاء تهبط مسرعة إليهما تلفهما وترتفع أكثر، بينما صيحات الدهشة وعدم التصديق لما يحدث وإذا بالسحابة بعد أن ترتفع إلى مسافات بعيدة والعيون معلقة بها حتى كادت أن تختفي تظهر منها آلاف الطيور البيضاء مقبلة بسرعة ناحية الأرض فأصاب الكثير الهلع كما أصاب الكثير الدهشة». (ص 53)
تتعدد مستويات الأداء اللغوي في السرد، فمن اللغة الكلاسية السامقة والرهيفة التي يستخدمها السارد الرئيس في مقاطعه ذات الطابع الإخباري/ الوصفي: «شمس حانية تشرق على بلاد اللاوند. شمس تعلن أن هذه البلاد جميلة وسط الدنيا. ترفع الأنظار إلى بهاء الفضاء على البحر وحول النهر وفي الشوارع البعيدة والأزقة في العشوائيات» (ص 358)، مروراً باللغة المحايدة، ثم اللغة التي تقترب من فصحى المثقفين، وصولاً إلى العامية المتناثرة في الحوارات وفي بعض مناطق السرد.
تمثل الحوارات بين الشخوص جزءاً مركزياً من بنية الرواية، بحيث تضيف إلى الرؤية السردية وتتممها. فالحوارات بين السلطة في لاوند وأركانها تكشف عن ذهنية القمع والاستعلاء. إضافة إلى أن الحوارات الدائرة بين ممثلي الثورة من الشباب (أحمد خشبة/ مصطفى/ نزار/ شهيرة/ نورهان/...») تبدو محملة بشحنات عاطفية وانفعالية، وكاشفة عن وعي الشخوص بحتمية الخلاص عبر الثورة. يعتمد البناء الأليغوري هنا أيضاً على تلك التقسيمات الدالة للواقع، وموازاتها رمزياً ودلالياً. ففي لاوند توجد جماعة «النصيحة والهدى»، ومرشدها الشيخ شمعدان، ويوجد «أمير باشا أبوالعساكر»... وفي إطار اللعبة الفنية التي يوجدها إبراهيم عبدالمجيد في نصه، نراه يمعن في إيهام المتلقين بتلك المباعدة الفنية بين النص والواقع، ويتدخل المؤلف الضمني للتعليق على الحدث الروائي، مستخدماً آلية التعليق السردي: «والآن؛ بعد أربع سنوات وأنا أكتب هذه الرواية استطعت الرجوع إلى تعليقاتهم وأخذت بعضها هنا،...» (ص 97).
وإذا كان المتكلم عيّنة أيديولوجية بتوصيف ميخائيل باختين، فإنّ لغات الشخوص في النص تبدو دالة على وعي أصحابها. ولعلّ نموذج أحمد خشبة يعد تعبيراً دقيقاً عن هذا التصور.
تنهض رواية «قطط العام الفائت» على آلية الإحالة أيضاً، عبر مسارين؛ أحدهما عام، حيث الإشارة إلى السياق السياسي والثقافي الذي يشكل الزمن المرجع للرواية، ويبدو واضحاً عبر عشرات الجمل والحوارات السردية داخل النص. والثاني يتأسس على دلالة خارج الواقع، ويظهر مثلاً عند الإشارة إلى الحصان المجنَّح، الذي يحيل على أسطورة أبيغاسوس، في الميثولوجيا الأغريقية، الذي ما إن ولد حتى طار.
يختار إبراهيم عبدالمجيد إذاً لحظته الروائية ببراعة، ويتخذ من القطط - الحاضرة في الثقافة الفرعونية والراسخة في الوجدان الشعبي المصري بوصفها بسبعة أرواح - معادلاً موضوعياً للشباب الثائر، الذي يتحول إلى قطط، بعد أن يعيد الحاكم عقارب الزمن سنة إلى الوراء، ويخوض دراما الثورة مع الآلة الجهنمية للقمع، وكأن الثورة لن تموت، قوتُها في نبلها.
هكذا يقدم إبراهيم عبدالمجيد نصاً مسكوناً بالمتعة الجمالية، والحيل الفنية، بدءاً من عنوانه المخاتل، مروراً بعلاقات شخوصه، ووصولاً إلى بنيته الفنية المازجة بين السياسي والجمالي، الواقعي والفنتازي في سردية متناغمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.