إنشاء وحدات صحية ومدارس وتحسين خدمة المياه.. محطات مهمة ل حياة كريمة بالجيزة    تركيا تعلن رفع العقوبات الأمريكية عن أنقرة المفروضة بسبب شراء "إس-400" الروسية    ألبانيا أول منتخب أوروبي يحجز مقعده في ملحق مونديال 2026    حملة مكبرة لإزالة الإشغالات والتعديات بالشوارع والالتزام بإعلان الأسعار في مرسى علم    رئيس هيئة المتحف الكبير: لا صحة لشائعات منع المصريين.. والزيارة بنظام التوقيتات للجميع    رئيس البورصة: تحديد 5% حد أدنى للاستثمار في الصناديق المفتوحة يزيد من السيولة    هالة فاخر تشعل تريند جوجل بعد ظهورها الصريح مع ياسمين عز وحديثها عن كواليس مشوارها الفني    أمين اتحاد الغرف التجارية: الوفرة والمنافسة تدفعان لاستقرار الأسعار.. وتوقعات بالانخفاض    أسعار الدواجن والبيض في الأسواق اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025    استشهاد شاب برصاص الاحتلال فى مخيم عسكر بالضفة الغربية    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    رئيس قصور الثقافة يتابع حالة طلاب أسوان المصابين في حادث طريق إسنا    حبس المتهم بسرقة المتاجر في النزهة    رئيس هيئة قصور الثقافة يزور الطلاب المصابين في حادث طريق إسنا بمستشفى طيبة (صور)    وزير الصحة ينفي شائعات نقص الأنسولين: لدينا 3 مصانع واحتياطي استراتيجي يكفي 4 أشهر    رئيس قناة السويس: ارتفاع العائدات 20%.. وتوقعات بقفزة 50% في 2026    حامد حمدان يفضل الأهلي على الزمالك والراتب يحسم وجهته    طقس خريفي مستقر وتحذيرات من الشبورة الكثيفة صباحًا.. الأرصاد تعلن تفاصيل حالة الجو الأحد 16 نوفمبر 2025    "دولة التلاوة".. برنامج قرآني يتصدر الترند ويُحيي أصالة الصوت المصري    وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية تستضيف وفدًا من قيادات مجموعة ستاندرد بنك    خالد عبد الغفار: مصر تحقق نجاحات كبيرة جدًا على المستوى الدولي    وزير الصحة: متوسط عمر المصريين زاد 20 عاما منذ الستينيات.. وكل دولار ننفقه على الوقاية يوفر من 3 ل 7 دولارات    دعاية يتبناها الأذرع: "أوبزرفر" و"بي بي سي" و"فورين بوليسي" نماذج لإعلام "إخواني" يهاجم تدخل الإمارات في السودان!    الاحتلال الإسرائيلي يحدد موعد لمحاكمة إمام الأقصى بتهمة التحريض على الإرهاب    مدحت عبد الهادي عن "نعش" محمد صبري: كان خفيف ومتعبش حد فينا    الداخلية تضبط المتهمين بسرقة أبواب حديدية بإحدى المقابر بالشرقية    أسفرت عن إصابة 4 أشخاص.. حبس طرفي مشاجرة في كرداسة    بدون إصابات.. السيطرة على حريق في برج سكني بفيصل    أهلي جدة يبدأ خطوات الحفاظ على ميندي وتجديد العقد    فيران توريس بعد دخوله نادي العظماء: الطموح لا يتوقف مع الماتادور    آسر محمد صبري: والدي جعلني أعشق الزمالك.. وشيكابالا مثلي الأعلى    "ضد الإبادة".. ظهور حمدان والنبريص والدباغ في خسارة فلسطين أمام الباسك    الدفاع الروسية: إسقاط 36 طائرة مسيرة أوكرانية فوق عدة مناطق    عمرو أديب بعد حادث أحمد سعد: واخد عين.. حوادثنا قاتلة رغم الطفرة غير الطبيعية في الطرق    المستشار ضياء الغمرى يحتفل بحفل زفاف نجله محمد علي الدكتورة ندى    العرض العربي الأول لفيلم "كان ياما كان في غزة" فى مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    البنك الأهلي المصري يقود تحالفاً مصرفياً لتمويل «مشارق للاستثمار العقاري» بمليار جنيه    قائمة أكبر المتاجر المشاركة في البلاك فرايداي وأسعار لا تُفوَّت    إيران تحذر من تداعيات التحركات العسكرية الأمريكية في منطقة الكاريبي    رئيس الوزراء المجرى: على أوروبا أن تقترح نظاما أمنيا جديدا على روسيا    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. إسرائيل: لا إعادة إعمار لقطاع غزة قبل نزع سلاح حماس.. قتلى وجرحى فى انزلاق أرضى فى جاوة الوسطى بإندونيسيا.. الجيش السودانى يسيطر على منطقتين فى شمال كردفان    تريزيجيه: اتخذت قرار العودة للأهلي في قمة مستواي    تساقط أمطار خفيفة وانتشار السحب المنخفضة بمنطقة كرموز في الإسكندرية    اختتام المؤتمر العالمي للسكان.. وزير الصحة يعلن التوصيات ويحدد موعد النسخة الرابعة    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    مؤتمر السكان والتنمية.. وزير الصحة يشهد إطلاق الأدلة الإرشادية لمنظومة الترصد المبني على الحدث    مؤتمر جماهيري حاشد ل"الجبهة الوطنية " غدا بستاد القاهرة لدعم مرشحيه بانتخابات النواب    (كن جميلًا ترَ الوجودَ جميلًا) موضوع خطبة الجمعة المقبلة    حبس والدى طفلة الإشارة بالإسماعيلية 4 أيام على ذمة التحقيقات    جامعة قناة السويس تنظم ندوة حوارية بعنوان «مائة عام من الحرب إلى السلام»    دعت لضرورة تنوع مصادر التمويل، دراسة تكشف تكاليف تشغيل الجامعات التكنولوجية    أسماء مرشحي القائمة الوطنية لانتخابات النواب عن قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا    فرص عمل جديدة بالأردن برواتب تصل إلى 500 دينار عبر وزارة العمل    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرائق الليل في المدن المضيئة
نشر في صوت البلد يوم 29 - 12 - 2016

في الحروب بالعادة يتكاثر الشعراء يضيئون أعمدة المنارات ويعبرون بأحزان الناس جوانب المدى.. تزهر أصواتهم وتعلو بشتى مواهبهم وامكاناتهم.
منذ عام 2011 واليمن يعيش منعطفا طويلا من النيران واللاستقرار .. منعطفات بارود ودمار يجتاح الذات الشعرية ويولد صراعات وجودية عارمة تنتهي في أكثر الأحيان بالاستسلام للإحباط واليأس. لكنه ذلك القلق الإنساني والشعري الجسور الذي يحرق كل شيء لينبت في كل شيء.
بعد أكثر من أسبوعين من البحث الدؤوب عن أصوات شعرية يمنية جديدة ظهرت في الثلاث السنوات الأخيرة، أي السنوات التي تجسدت فيها صراعات المدن والناس، في رغبة مني لإثباتها في تاريخ هذه المرحلة المرتبكة، بينما العالم أجمع مشغول ومأسور بأخبار الحرائق والتيه. ولم يكن ذلك أمرا يسيرا البته خصوصا مع الأصوات الهائلة التي غشت حدود السمع والبصر..
وخلال هذا التقصي كمن يشعل فتيل الازدحام احترازه لاحظت الكثير من الأغراض الشعرية القديمة قد ظهرت للسطح من جديد، منها ما ظهرت بأسلوب فج لا ينبئ عن تطور مرتقب من وجهة نظري مع المسارات السابقة للمشهد الشعري اليمني أي نتاجات الجيل التسعيني وبدايات السنوات الألفية. ومنها القليل والنادر الذي لم يتخل عن أدواته وما جناه في خضم اعتزازه بالخبرة التي جناها أو نقلت عليه من خلال احتكاكه بالأصوات التي ظهرت في وقت أبكر. لكن هذا لا يخفي أننا عدنا إلى المدح والذم والهجاء وقصائد أرض الحرب هناك بالطبع ما هو جيد جدا إن نظرنا إليها كغرض شعري لا أكثر يوثق للمرحلة ويقود القضية مثله مثل أي نشرة أخبار يذيعها التلفاز وقت الذروة ولكن بالتأكيد هناك نتاج ضخم يحسب على أكثره تجاهله للفنيات والأدوات الحديثة التي اكتسبها واستنفدت الأجيال السابقة قوتها في محاولة تأصيلها. وهذا سيزيد الفجوة العميقة بين نتاج الشعراء اليمنيين والشعر العربي والعالمي. لسنا في صدد الحديث عن ذلك في هذا الملف ولكنني هنا سأنقل لكم ما وصل إلي وكم تجاوب معي في إرسال أعماله وما استطعت إيجاده من الأصوات الجميلة التي نجت على قلّتها من تيارات التقليد.
ذمار
1
غداً وعندما ينفد مخزوننا من الأطفال، النساء والعجائز
ستموت هذه الحرب من الجوع
وستلد لنا الأرض
سلاماً يشبهنا
يتيماً
بديناً
وبلا وظيفة.
2
أخبرني رجل لم يقتل بعد بأن الحرب قد انتهت.
بدا سعيداً وهو يخرج من جيبه سيجارة وقداحة.
ويسألني إن كنت أملك رأساً ليدخن به.
3
تسيرين تحت جنح القصف
نحو حديقة تحاصرها قوات حكومية.
تقطفين
منها
زهرة
كأنك:
تجلين آخر رعاياك الذين علقوا في مناطق القتال
4
أدع مواجعك كلها إلى طاولة محايدة
ابتسم لها كأنها صديقتك الحميمة
أطلب لها عشاء جيداً وشراباً خفيفاً
ثم أخبرها وأنت تشعل لها سيجاراً فاخراً
أن ثمة امرأة أخرى
وأنك بصدد الانتقال للعيش معها
أو
كن شجاعاً
وأخبرها بالحقيقة.
أخبرها وأنت تتأمل السقف الذي وضعته لآمالك
بأن الحرب قد وصلت إلى حدود شقتك
وأن طائرات التحالف قد قصفت الطريق المؤدي إلى سريرك.
أن شهيداً يستخدم شفرة حلاقتك
أن ميليشيات مغموسة بالدم تحاصر مطبخك،
قل لها بأن البنك المركزي اليمني قد أفلس
وأن راتبك يرتعد من الخوف ومن الديون ومن المؤجر.
كن واقعياً
ومباشراً
أخبرها وأنت تمرر نحوها فاتورة الحساب
أن عليها أن تدفع الثمن
ولو لمرة واحدة.
سحر عبده.
ثقب رصاصة
لم يعد قيس يحرق أصابعه وهو ينظر إلى عيني ليلى..
الحرائق في كل مكان.
لا يملك امرؤ القيس وقتاً ل «تسع وتسعين قبلةً»
لا تنتظر القذائف كثيراً على الباب.
لا يدهش المتنبي «كيف يموت من لا يعشق»
أصبح الموت أكثر عدلاً.
يفكر عنترة بتقبيل فوهة بندقية..
لأنها تشبه ثقب رصاصةٍ في جبين عبلة.
مدينة ضائعة
أنا المدينة التي لا تجد مرهماً للحروق
فتشرب كل هذا الكذبَ لتنسى وجع أجزائها المفقودة.
أنا قطعة اللحم الأخيرة على مائدة موتٍ يتجشّأ من التخمة.
أنا الكسر العشري المضاف إلى عدد قتلى الحرب.
أنا الجثّة التي ينسون دفنها دائماً
ويقتلونها كلّ مرّة.
أنا الزجاج المكسّر الذي يسير عليه الطريق حافياً في الصباح..
أنا كلّ هذا السواد الذي تطفئه الحرائق
وكل هذا الصمت الذي يُسكِته صوت الانفجارات..
أنا المدينة التي تسكُنُ خرائطَ الآخرين
وتضيّع الطريق كل ليلةٍ إلى بيتها...
قيس عبد المغني
ينقصنا شيءٌ ما!
تماماً كسقوط نجمةٍ في الفراغ، أنا ذلك الفراغ الواسع
وأنتِ بالتأكيد تلك النجمة التائهة!
لا أنتِ عثرتِ على النهر!
ولا استطعت أنا أن أصبح مداراً
لكن صدقيني،
ينقصنا شيءٌ ما!
شيءٌ باستطاعتهِ
أن يُحيلكِ إلى فراشة
وأن يجعل من ذاكرتي قمراً محشوّاً بالورد.
وجدان محسن الشاذلي
الحب لا يبرد
«الحب لا يبرد»
لكنها الحرب يا حبيبتي.
الشتاء الطويل.
الذي نصر على اعتباره مجرد «أخطاء مطبعية»،
قد يقترفها الشوق عند أي منعطف.
تسألينني: كم الساعة؟
أجيبك: إنها الغارة العاشرة.
ما زال لدينا متسع من الوقت لممارسة أحزاننا، قبل أن يعير أحدنا حنجرته ومقلتيه لأحد الجيران.
«الحب لا يرتبك»
رسائلنا لم تعد تصل
لسبب بسيط ومنطقي..
تصرح لنا به كل الأخبار العاجلة.
وتؤكده الغارات الجوية والرصاصات الطائشة.
شاهدي في نشرة التاسعة:
كيف لاقت حتفها ثلاث من رسائلي قبل أن أهم بكتابتها.
في نشرة الواحدة بعد منتصف الليل:
سأحتاج الى ذلك الخبر العاجل كيقين يعالج حيرتي و ارتباكي ..
وبشيء من التفصيل سأفهم كيف سقطت قبلتك الأثيرية الأخيرة متأثرة بجراحها.
محمد عبده سالم مشهور
الأشجار أكثر دفئاً منا
اهدني شجرة لها أربعة جذور..
لا تهدني دبدوباً ثميناً له عيون ولا يبصرني
الشجرة تستطيع أن تعوضني عن غيابك
أن ترسمني غمامة تمر كل نهار على سقف بيتك
تظللك ولا تمطر.
تحتضنك ولا تشم عطرك.
ترضع لك الحنين من ثدي المسافة
تحشوه في فم الانتظار
وهي تعلم أن لا حضور سينبت على واجهتها المائية
فيخفت كبارود ..
السنابل لا تموت
والشجر لا يسقط للخلف
لو أن سيقان البعد قاسية
لكنتُ كرهتها كما كرهتُ هداياك!
اهدني شجرة لها جذع جزل
مثل قلب لا يحن
تبللني جذورها الأربعة.. ولا تجف
وحين تشتدُّ عليَّ حمى البُعد..
تتعمق في غياهب اللهفة
فأقفزُ أنا ..
لأستل غصناً منها
أغرزه في كبدي
ولا أتذكر آخر شهقات الموت..
أُذَكّرها بأنني أحبها أكثر منك
أمارس معها طقوس الوفاء،
وكي لا نغدر ببعض
أحمل فأسي وأقطعْ جذرها
هكذا أتأكد أن الأشجار أكثر دفئاً منا.
آذار علي
الحب جريمتنا الكاملة
إن الظلام هوَ المكانُ الأكثرُ أماناً للهربِ
من ظلٍ يلاحقُك!
ولأني كنتُ أخافُ رؤيةَ لونِ
الموت،
شاركتُك كل تفاصِيل دفنِ قلبي
وأنا أحدق في عينيك،
لذا لم أدرك حقاً مقدار الجرمِ
الذي كنّا نقوم به!
كان من المفترضِ
أن يموتَ قلبي اختناقاً وأن تصعدَ
مشاعري إلى السماء،
لكنّهُ ظلّ حياً
وفي كلِ مرةٍ
كنتُ أمشي فوق
تلكَ الأرضِ التي انتهينا فوقها،
وأسمع النبضَ تحتها
وأرى المشاعرَ تنمو
عليها..
كنتُ أتذكر عينيك، أقطفُ
شعوراً، وأحبّك.
مزنة صالح الأحمدي
علامة فارقة وحظكِ
(1)
كنتُ اخر أمرائكِ الأشرار
وغداً سيأتي أميرٌ اخر طيب
بعدي
سيبني على انقاضي
حضارته
سيجمع حطامي بمنجل
يقتلع غباري المتراكم
في زاوية من ضلعكِ
ومن ثقب في قفصكِ الصدري
سيرمي بي
ويضرب يداً بيد منتصراً
كما فعلتُ ذلك مع أميركِ
الذي قتلته الحرب
وأخبرتُ جثته انكِ ستنجين
وحين يعود أدراجه نحوكِ
سترين كل ما يحدث
بين أميركِ الطيب
وبين حطامي الشرير
تسمعين أصوات المكنسة
صوت الحطام يجرح
سيهيئ مكانه
يضع رجلاً على أخرى
وينفث زفرة ارتياحه
يستدير اليكِ
يخبركِ انه ( يحبكِ)
كان قد وفرها في جيب نحيبه المخفي
هكذا نتجهز كل مرة
لنقولها لكِ
إما تقتلنا الحرب
أو يقتلنا الحب ...
(2)
انا حظكِ من الحب والنسيان
وحظكِ من الاشياء التالفة
حظكِ من التعاسة والفرح
حظكِ من الملح،
الدموع
والسكر
حظكِ مما قيل عن الخديعة
وما لم يذكر عن التضحية
انا حظكِ من الغد
من السنوات المتكالبة على بعضها.. وعلينا
انا قدرك من الحظ
ومن الأعوج الذي كلما
قومتِه انكسر...
(3)
أود أن أكون
صُدفتكِ التي لن تتكرر
كالأشياء التي تصادفينها
ولا تريدين أن تختاري
ما يناسبكِ منها
سابقاً كنتُ أشبه الفخ
وكنت تشبهين الذئب
فكرة مخيفة جداً
أكثر من الموت وأوسع من الحرائق
أكثر من الغرقى في أصداف البياض
مرعبة أكثر من حرب عالمية رابعة،
من دمعة عابرة للسبيل
بصعوبة بالغة
تودين أن تكوني
صدفتي الأخيرة
لمشواركِ الطويل
لكنكِ يانعة كفاية
بالأرصفة والنوافذ والمحطات
وبصعوبة بالغة
أود أن أكون
علامة فارقة في حياتكِ
ماجد عاطف
في الحروب بالعادة يتكاثر الشعراء يضيئون أعمدة المنارات ويعبرون بأحزان الناس جوانب المدى.. تزهر أصواتهم وتعلو بشتى مواهبهم وامكاناتهم.
منذ عام 2011 واليمن يعيش منعطفا طويلا من النيران واللاستقرار .. منعطفات بارود ودمار يجتاح الذات الشعرية ويولد صراعات وجودية عارمة تنتهي في أكثر الأحيان بالاستسلام للإحباط واليأس. لكنه ذلك القلق الإنساني والشعري الجسور الذي يحرق كل شيء لينبت في كل شيء.
بعد أكثر من أسبوعين من البحث الدؤوب عن أصوات شعرية يمنية جديدة ظهرت في الثلاث السنوات الأخيرة، أي السنوات التي تجسدت فيها صراعات المدن والناس، في رغبة مني لإثباتها في تاريخ هذه المرحلة المرتبكة، بينما العالم أجمع مشغول ومأسور بأخبار الحرائق والتيه. ولم يكن ذلك أمرا يسيرا البته خصوصا مع الأصوات الهائلة التي غشت حدود السمع والبصر..
وخلال هذا التقصي كمن يشعل فتيل الازدحام احترازه لاحظت الكثير من الأغراض الشعرية القديمة قد ظهرت للسطح من جديد، منها ما ظهرت بأسلوب فج لا ينبئ عن تطور مرتقب من وجهة نظري مع المسارات السابقة للمشهد الشعري اليمني أي نتاجات الجيل التسعيني وبدايات السنوات الألفية. ومنها القليل والنادر الذي لم يتخل عن أدواته وما جناه في خضم اعتزازه بالخبرة التي جناها أو نقلت عليه من خلال احتكاكه بالأصوات التي ظهرت في وقت أبكر. لكن هذا لا يخفي أننا عدنا إلى المدح والذم والهجاء وقصائد أرض الحرب هناك بالطبع ما هو جيد جدا إن نظرنا إليها كغرض شعري لا أكثر يوثق للمرحلة ويقود القضية مثله مثل أي نشرة أخبار يذيعها التلفاز وقت الذروة ولكن بالتأكيد هناك نتاج ضخم يحسب على أكثره تجاهله للفنيات والأدوات الحديثة التي اكتسبها واستنفدت الأجيال السابقة قوتها في محاولة تأصيلها. وهذا سيزيد الفجوة العميقة بين نتاج الشعراء اليمنيين والشعر العربي والعالمي. لسنا في صدد الحديث عن ذلك في هذا الملف ولكنني هنا سأنقل لكم ما وصل إلي وكم تجاوب معي في إرسال أعماله وما استطعت إيجاده من الأصوات الجميلة التي نجت على قلّتها من تيارات التقليد.
ذمار
1
غداً وعندما ينفد مخزوننا من الأطفال، النساء والعجائز
ستموت هذه الحرب من الجوع
وستلد لنا الأرض
سلاماً يشبهنا
يتيماً
بديناً
وبلا وظيفة.
2
أخبرني رجل لم يقتل بعد بأن الحرب قد انتهت.
بدا سعيداً وهو يخرج من جيبه سيجارة وقداحة.
ويسألني إن كنت أملك رأساً ليدخن به.
3
تسيرين تحت جنح القصف
نحو حديقة تحاصرها قوات حكومية.
تقطفين
منها
زهرة
كأنك:
تجلين آخر رعاياك الذين علقوا في مناطق القتال
4
أدع مواجعك كلها إلى طاولة محايدة
ابتسم لها كأنها صديقتك الحميمة
أطلب لها عشاء جيداً وشراباً خفيفاً
ثم أخبرها وأنت تشعل لها سيجاراً فاخراً
أن ثمة امرأة أخرى
وأنك بصدد الانتقال للعيش معها
أو
كن شجاعاً
وأخبرها بالحقيقة.
أخبرها وأنت تتأمل السقف الذي وضعته لآمالك
بأن الحرب قد وصلت إلى حدود شقتك
وأن طائرات التحالف قد قصفت الطريق المؤدي إلى سريرك.
أن شهيداً يستخدم شفرة حلاقتك
أن ميليشيات مغموسة بالدم تحاصر مطبخك،
قل لها بأن البنك المركزي اليمني قد أفلس
وأن راتبك يرتعد من الخوف ومن الديون ومن المؤجر.
كن واقعياً
ومباشراً
أخبرها وأنت تمرر نحوها فاتورة الحساب
أن عليها أن تدفع الثمن
ولو لمرة واحدة.
سحر عبده.
ثقب رصاصة
لم يعد قيس يحرق أصابعه وهو ينظر إلى عيني ليلى..
الحرائق في كل مكان.
لا يملك امرؤ القيس وقتاً ل «تسع وتسعين قبلةً»
لا تنتظر القذائف كثيراً على الباب.
لا يدهش المتنبي «كيف يموت من لا يعشق»
أصبح الموت أكثر عدلاً.
يفكر عنترة بتقبيل فوهة بندقية..
لأنها تشبه ثقب رصاصةٍ في جبين عبلة.
مدينة ضائعة
أنا المدينة التي لا تجد مرهماً للحروق
فتشرب كل هذا الكذبَ لتنسى وجع أجزائها المفقودة.
أنا قطعة اللحم الأخيرة على مائدة موتٍ يتجشّأ من التخمة.
أنا الكسر العشري المضاف إلى عدد قتلى الحرب.
أنا الجثّة التي ينسون دفنها دائماً
ويقتلونها كلّ مرّة.
أنا الزجاج المكسّر الذي يسير عليه الطريق حافياً في الصباح..
أنا كلّ هذا السواد الذي تطفئه الحرائق
وكل هذا الصمت الذي يُسكِته صوت الانفجارات..
أنا المدينة التي تسكُنُ خرائطَ الآخرين
وتضيّع الطريق كل ليلةٍ إلى بيتها...
قيس عبد المغني
ينقصنا شيءٌ ما!
تماماً كسقوط نجمةٍ في الفراغ، أنا ذلك الفراغ الواسع
وأنتِ بالتأكيد تلك النجمة التائهة!
لا أنتِ عثرتِ على النهر!
ولا استطعت أنا أن أصبح مداراً
لكن صدقيني،
ينقصنا شيءٌ ما!
شيءٌ باستطاعتهِ
أن يُحيلكِ إلى فراشة
وأن يجعل من ذاكرتي قمراً محشوّاً بالورد.
وجدان محسن الشاذلي
الحب لا يبرد
«الحب لا يبرد»
لكنها الحرب يا حبيبتي.
الشتاء الطويل.
الذي نصر على اعتباره مجرد «أخطاء مطبعية»،
قد يقترفها الشوق عند أي منعطف.
تسألينني: كم الساعة؟
أجيبك: إنها الغارة العاشرة.
ما زال لدينا متسع من الوقت لممارسة أحزاننا، قبل أن يعير أحدنا حنجرته ومقلتيه لأحد الجيران.
«الحب لا يرتبك»
رسائلنا لم تعد تصل
لسبب بسيط ومنطقي..
تصرح لنا به كل الأخبار العاجلة.
وتؤكده الغارات الجوية والرصاصات الطائشة.
شاهدي في نشرة التاسعة:
كيف لاقت حتفها ثلاث من رسائلي قبل أن أهم بكتابتها.
في نشرة الواحدة بعد منتصف الليل:
سأحتاج الى ذلك الخبر العاجل كيقين يعالج حيرتي و ارتباكي ..
وبشيء من التفصيل سأفهم كيف سقطت قبلتك الأثيرية الأخيرة متأثرة بجراحها.
محمد عبده سالم مشهور
الأشجار أكثر دفئاً منا
اهدني شجرة لها أربعة جذور..
لا تهدني دبدوباً ثميناً له عيون ولا يبصرني
الشجرة تستطيع أن تعوضني عن غيابك
أن ترسمني غمامة تمر كل نهار على سقف بيتك
تظللك ولا تمطر.
تحتضنك ولا تشم عطرك.
ترضع لك الحنين من ثدي المسافة
تحشوه في فم الانتظار
وهي تعلم أن لا حضور سينبت على واجهتها المائية
فيخفت كبارود ..
السنابل لا تموت
والشجر لا يسقط للخلف
لو أن سيقان البعد قاسية
لكنتُ كرهتها كما كرهتُ هداياك!
اهدني شجرة لها جذع جزل
مثل قلب لا يحن
تبللني جذورها الأربعة.. ولا تجف
وحين تشتدُّ عليَّ حمى البُعد..
تتعمق في غياهب اللهفة
فأقفزُ أنا ..
لأستل غصناً منها
أغرزه في كبدي
ولا أتذكر آخر شهقات الموت..
أُذَكّرها بأنني أحبها أكثر منك
أمارس معها طقوس الوفاء،
وكي لا نغدر ببعض
أحمل فأسي وأقطعْ جذرها
هكذا أتأكد أن الأشجار أكثر دفئاً منا.
آذار علي
الحب جريمتنا الكاملة
إن الظلام هوَ المكانُ الأكثرُ أماناً للهربِ
من ظلٍ يلاحقُك!
ولأني كنتُ أخافُ رؤيةَ لونِ
الموت،
شاركتُك كل تفاصِيل دفنِ قلبي
وأنا أحدق في عينيك،
لذا لم أدرك حقاً مقدار الجرمِ
الذي كنّا نقوم به!
كان من المفترضِ
أن يموتَ قلبي اختناقاً وأن تصعدَ
مشاعري إلى السماء،
لكنّهُ ظلّ حياً
وفي كلِ مرةٍ
كنتُ أمشي فوق
تلكَ الأرضِ التي انتهينا فوقها،
وأسمع النبضَ تحتها
وأرى المشاعرَ تنمو
عليها..
كنتُ أتذكر عينيك، أقطفُ
شعوراً، وأحبّك.
مزنة صالح الأحمدي
علامة فارقة وحظكِ
(1)
كنتُ اخر أمرائكِ الأشرار
وغداً سيأتي أميرٌ اخر طيب
بعدي
سيبني على انقاضي
حضارته
سيجمع حطامي بمنجل
يقتلع غباري المتراكم
في زاوية من ضلعكِ
ومن ثقب في قفصكِ الصدري
سيرمي بي
ويضرب يداً بيد منتصراً
كما فعلتُ ذلك مع أميركِ
الذي قتلته الحرب
وأخبرتُ جثته انكِ ستنجين
وحين يعود أدراجه نحوكِ
سترين كل ما يحدث
بين أميركِ الطيب
وبين حطامي الشرير
تسمعين أصوات المكنسة
صوت الحطام يجرح
سيهيئ مكانه
يضع رجلاً على أخرى
وينفث زفرة ارتياحه
يستدير اليكِ
يخبركِ انه ( يحبكِ)
كان قد وفرها في جيب نحيبه المخفي
هكذا نتجهز كل مرة
لنقولها لكِ
إما تقتلنا الحرب
أو يقتلنا الحب ...
(2)
انا حظكِ من الحب والنسيان
وحظكِ من الاشياء التالفة
حظكِ من التعاسة والفرح
حظكِ من الملح،
الدموع
والسكر
حظكِ مما قيل عن الخديعة
وما لم يذكر عن التضحية
انا حظكِ من الغد
من السنوات المتكالبة على بعضها.. وعلينا
انا قدرك من الحظ
ومن الأعوج الذي كلما
قومتِه انكسر...
(3)
أود أن أكون
صُدفتكِ التي لن تتكرر
كالأشياء التي تصادفينها
ولا تريدين أن تختاري
ما يناسبكِ منها
سابقاً كنتُ أشبه الفخ
وكنت تشبهين الذئب
فكرة مخيفة جداً
أكثر من الموت وأوسع من الحرائق
أكثر من الغرقى في أصداف البياض
مرعبة أكثر من حرب عالمية رابعة،
من دمعة عابرة للسبيل
بصعوبة بالغة
تودين أن تكوني
صدفتي الأخيرة
لمشواركِ الطويل
لكنكِ يانعة كفاية
بالأرصفة والنوافذ والمحطات
وبصعوبة بالغة
أود أن أكون
علامة فارقة في حياتكِ
ماجد عاطف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.