وزير العمل: 2772 فُرصة شاغرة للشباب في 45 شركة خاصة في 9 مُحافظات    تصدير 25 ألف طن بضائع عامة من ميناء دمياط    الذهب يستقر في نهاية تعاملات اليوم داخل محلات الصاغة    افتتاح عدد من المساجد بقرى صفط الخمار وبنى محمد سلطان بمركز المنيا    أدنوك تؤكد أهمية تسخير الذكاء الاصطناعي لإتاحة فرص مهمة لقطاع الطاقة    وقوع إصابات.. حزب الله يستهدف مواقع إسرائيلية فى الجولان المحتل    كيف ينظر المسئولون الأمريكيون إلى موقف إسرائيل من رفح الفلسطينية؟    إنفانتينو: أوقفوا النقاش العقيم بشأن مونديال الأندية    خدمة في الجول - طرح تذاكر إياب نهائي دوري الأبطال بين الأهلي والترجي وأسعارها    مؤتمر جوارديولا: نود أن نتقدم على وست هام بثلاثية.. وأتذكر كلمات الناس بعدم تتويجي بالدوري    مستشفى كوم أمبو يستقبل 4 أطفال مصابين بالتسمم بعد تناول وجبة غذائية    اندلاع حريق هائل داخل مخزن مراتب بالبدرشين    حصاد نشاط وزارة السياحة والآثار في أسبوع    هيئة الإسعاف: أسطول حضانات متنقل ينجح في نقل نحو 20 ألف طفل مبتسر خلال الثلث الأول من 2024    البنك المركزي الصيني يعتزم تخصيص 42 مليار دولار لشراء المساكن غير المباعة في الصين    20 جامعة مصرية ضمن أفضل 2000 جامعة على مستوى العالم لعام 2024    توخيل يعلن نهاية مشواره مع بايرن ميونخ    كولر: الترجي فريق كبير.. وهذا ردي على أن الأهلي المرشح الأكبر    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    آخر موعد لتلقي طلبات المنح دراسية لطلاب الثانوية العامة    غزة: الجيش الإسرائيلي حرق أجزاء كبيرة من مخيم جباليا    باقي كم يوم على عيد الأضحى 2024؟    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    ضبط سائق بالدقهلية استولى على 3 ملايين جنيه من مواطنين بدعوى توظيفها    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    في يومها العالمي.. 9 متاحف تفتح أبوابها بالمجان للمصريين بالقاهرة (تفاصيل)    المركز القومي للمسرح يحتفي بعيد ميلاد الزعيم عادل إمام    جائزتان لفيلمي سيمو وترينو بمهرجان إمدغاسن السينمائي الدولي بالجزائر    ما هو الدين الذي تعهد طارق الشناوي بسداده عندما شعر بقرب نهايته؟    إيرادات فيلم عالماشي تتراجع في شباك التذاكر.. كم حقق من إنطلاق عرضه؟    المفتي: "حياة كريمة" من خصوصيات مصر.. ويجوز التبرع لكل مؤسسة معتمدة من الدولة    خريطة الأسعار: ارتفاع الفول وتراجع اللحوم والذهب يعاود الصعود    كوريا الشمالية ترد على تدريبات جارتها الجنوبية بصاروخ بالستي.. تجاه البحر الشرقي    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    وزير الإسكان: انتهاء القرعة العلنية لوحدات المرحلة التكميلية ب4 مدن جديدة    أيمن الجميل: مواقف مصر بقيادة الرئيس السيسي فى دعم الأشقاء العرب بطولية.. من المحيط إلى الخليج    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    كيف يمكنك حفظ اللحوم بشكل صحي مع اقتراب عيد الأضحى 2024؟    متحور كورونا الجديد الأشد خطورة.. مخاوف دولية وتحذير من «الصحة العالمية»    أحمد السقا يطمئن الجمهور على صحة الفنان أحمد رزق    حركة فتح: نخشى أن يكون الميناء الأمريكي العائم منفذ لتهجير الفلسطينيين قسريا    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    بطولة العالم للإسكواش 2024.. هيمنة مصرية على نصف النهائى    وفد اليونسكو يزور المتحف المصري الكبير    إحباط تهريب راكب وزوجته مليون و129 ألف ريال سعودي بمطار برج العرب    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    افتتاح تطوير مسجد السيدة زينب وحصاد مشروع مستقبل مصر يتصدر نشاط السيسي الداخلي الأسبوعي    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    بالأسماء.. إصابة 6 أشخاص من أسرة واحدة إثر انقلاب سيارة ملاكي بشمال سيناء    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» موضوع خطبة الجمعة اليوم    سنن يوم الجمعة.. الاغتسال ولبس أحسن الثياب والتطيب وقراءة سورة الكهف    بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    محمد عبد الجليل: مباراة الأهلي والترجي ستكون مثل لعبة الشطرنج    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف بسمة الفيومي.. طريقة عمل الكرواسون المقلي    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنترنت أول سلطة بدون حكومة
نشر في صوت البلد يوم 27 - 11 - 2016

الطفرة التكنولوجية التي أنتجت أجهزة الحاسبات اعتبرت ثورة أحدثت تغيرات جذرية ، ليس في طريقة الانتاج ، ولكن في حياة البشر بما أدخلته من تغيرات في نظم حياتهم ، وأساليب المعيشة بالنسبة للفرد والجماعة والدولة؛ وبفضل هذه الطفرة تغيرت نظم الإنتاج والمراقبة والجودة ..
(1)
وهناك من يري أن مسيرة النظام الدولي الجديد في السنوات القادمة - والذي بدأت ملامحه تظهر بعد تداعي النظام القديم عام 1991 - قد تبلور علي أساس فرز مغاير لطبيعة التنافس الدولي ، قوامه السبق والتفوق الاتصالي والمعرفي ، والذي بدا ضروريا علي كافة الأصعدة السياسي منها والاقتصادي اللذان صارا أكثر التصاقاً بعد غياب الثنائية القطبية السابقة. وعلي هذا الأساس فالتقدم الاتصالي لا يميز سوي شمال فائق التفوق في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وجنوب عاجز عن اللحاق به في هذه المجالات . في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ،عام 1991 قال الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش : " إن ثورة المعلومات أدت إلي تدمير أسلحة العزلة والجهل ، المعروفين بالقوة ، لقد تغلبت التكنولوجيا في العديد من أنحاء العالم علي الطغيان ، مثبتة بذلك أن عصر المعلومات يمكن أن يصبح عصر التحرير ، إذا ما عمدنا بحكمة إلي تحديد قوة الدولة وحررنا شعوبنا لكي تتمكن من استخدام الأفكار والاختراعات والمعلومات الجديدة خير استخدام " .
وقبل حوالي سبع سنوات ، من إطلاق بوش نبوءته ، حاول" ليوتار" الإجابة عن التساؤل المثار في كتابه " شرط ما بعد الحداثة " الذي صدر عام 1984، فقال : المعرفة ، بصفتها سلعة معلوماتية ، لا غني عنها للقوة الإنتاجية ، فقد أصبحت وستظل من أهم مجالات التنافس العالمي - إن لم تكن أهمها - من أجل إحراز القوة ، ويبدو أنه من غير المستبعد أن تدخل دول في حرب من أجل السيطرة علي المعلومات كما حاربت في الماضي من أجل السيطرة علي المستعمرات ، وبعد ذلك من أجل الحصول علي المواد الخام والعمالة الرخيصة واستغلالها ، لقد فتح مجال جديد للفكر الاستراتيجي التجاري والصناعي من جانب ، والعسكري من جانب آخر .
ينذرنا "ليوتار" إذن بأن عصر المعلومات ما هو إلا مرحلة جديدة من مراحل الصراع العالمي ، ومع كون التكنولوجيا هي وسيلة للسيطرة علي الظواهر المعقدة وحل المشاكل ، إلا أنها ذاتها قد أضافت بعداً جديداً يزيد معظم ظواهر حياتنا تعقيدا ويولد لنا مشاكل جديدة لم تكن في الحسبان . ضمن أهم هذه المشاكل الجديدة ، خدمات نقل المعلومات وتبادلها التي اعتبرت في بداية ظهورها خدمات إضافية، وهي تقع في نطاق هيئات الاتصالات السلكية واللاسلكية، إلا أنها بدأت تستقل بذاتها مع نمو حجم البيانات وزيادة سرعة تدفقها وتنوع الخدمات المطلوبة ، وهناك حاليا عدة شبكات عالمية، ذات مراكز منتشرة في جميع أرجاء العالم .
(2)
المستقبل القريب ، يحمل في طياته نذيرا آخر ، هو إدراك ذوو الحس التجاري ، القيمة الاقتصادية للمعلومات ؛ وبالتالي لن يدخروا جهداً في تحويلها إلي سلع وخدمات وأصول استثمارية ، واخضاعها لما تخضع له السلع المادية والخدمات التقليدية. ويكفي أن نشير هنا إلي أن الناتج الكلي لصناعة المعلومات ، يقدر في عام 2000 بنحو 1000 مليار دولار ، لتكون بذلك أول صناعة في تاريخ العالم تحقق رقم البليون ، بل إن النشاطات المتصلة بالمعلومات توفر أكثر من 50 بالمائة من الناتج القومي الإجمالي ، ومن العمالة في الدول الصناعية المعاصرة . وإذا أخذنا اليابانيين – كمثال- سنجد أنهم يندفعون بسرعة عالية في تطوير أوتوستراد المعلومات، فقد أعلن تاكينوري كانداكي وزير البريد والاتصالات اللاسلكية في يناير 1994 ، أن اليابان تتوقع استثمار 1.1 بليون دولار في خدمات الوسائط المتعددة للمعلومات بحلول عام 2010 ، وقد توقع الوزير الياباني لهذه الصناعة أن توظف 2.4 ملايين عامل ..في هذا السياق هل نجاوز الحقيقة إذا قلنا إن اقتصاديات صناعة الاتصال والمعلومات ، هي التي تقود الاقتصاد اليوم ؟ . في كل عصر ، هناك مجموعة من الصناعات تقود الاقتصاد ، فقبل قرن كان الفحم والسكك الحديدية هما قائدي النمو في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية علي التوالي ، وبعد الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، كان الشائع هو التصنيع والصناعات التحويلية، ثم جاءت السبعينات والثمانينات بقطاع جديد سمي قطاع الخدمات ؛ كالخدمات الصحية والقانونية والتوزيع وغير ذلك. أما محرك الاقتصاد في التسعينات فليس التصنيع ولا الخدمات ، إنما هو صناعة الاتصال والمعلومات ، ويكفي أن نعرف أن أجهزة الكمبيوتر، وبرامجها حققت 38 بالمئة من النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة سنة 1990 . إن اقتصاد صناعة الاتصال والمعلومات هو القطاع المتوسع والنامي، سواء في خلق فرص للعمل أو في تحقيق الأرباح ، إنه تصنيف وتوزيع المعلومات ، من المعلومات المالية إلي الترفيهية ، وهو اقتصاد منتعش. وقد سارعت كثير من الدول في إقامة شبكات للمعلومات العلمية والتكنولوجية لخدمة العلماء والمتخصصين ، ومن أشهرها نظام فينيتي الروسي ، الذي يقوم بتجميع البحوث العلمية علي مستوي العالم وترجمة الكثير منها إلي الروسية فور نشرها.
(3)
وقد اجتهد باحثون في علم المستقبليات في استشفاف أبرز سمات المجتمع المعلوماتي بالرغم من اعترافهم أنه لم يستقركاملاً بعد في أي من الدول ، حيث إنه مازال في فترة انتقال بل وتصارع في بعض الأحيان بين نمط الموجتين الثانية الصناعية والثالثة المعلوماتية. ؛ ولعل أبرز هذه السمات هي أثر ثورة المعلومات في تفكيك كل الخدمات والأنشطة الجماهيرية وهو ما يطلق عليه اللاجموعية، ويبدو ذلك واضحاً في اقتصاد الجملة ، والإعلام والتعليم ، ويرجع في الأساس إلي القدرة الهائلة للتقنيات التي هي أحد أعمدة عصر المعلومات ، حيث يمكنها مضاعفة القدرة علي التنوع دون تحميل ذلك علي التكلفة بحيث يستجيب صاحب الخدمة الإعلانية لطلبات المستهلك المحددة . وهكذا الأمر موجود أيضاً في التعليم ، حيث يتيح التوافر الهائل للمعلومات ، التي من الممكن استقاؤها عن بعد ، يتيح الفرصة لطالب العلم أن يحصل علي ما يشاء من التعليم في التخصص الذي يريده .
وقد أشرنا هنا إلي سمة التفاعلية التي هي من أهم سمات المجتمع المعلوماتي الذي يمتاز بالتشبيك (أي عملية الربط الكامل بين مستخدمي الشبكة). والتشبيك يعني أيضاً إمكانية رد الفعل السريع، وما يسمي بدائرة التغذية الاسترجاعية التي هي من أكثر آثار ثورة المعلومات والاتصالات ثورية ،حيث أنها تمكن أطراف الشبكة من التغيير المستمر لمعلومات ومكونات هذه الشبكة طبقاً لما يرونه من رد الفعل . وهذا هو بالضبط ما يتعلق بالسرعة أو ما يسمي بالوقت الحاسوبي الذي ينتج عنه تغير شبه دائم في المحيط والبيئة يصعب فيه التفريق بين القديم والحديث وبين الأصل والصورة ؛ ولعل المتتبع للتغيرات التي تطرأ علي قواعد البيانات علي شبكة "الإنترنت " يدرك ذلك تمام الإدراك عند تتبعه للتحديث الدائم الذي يطرأ علي الفهارس والمحتويات. ومن الخواص الأخري للشبكات ما يمكن أن نطلق عليه "اللاشخصانية"، لأن طرف الشبكة لا يعرف بمكانته الاجتماعية ؛ وإنما هو مستخدم عادي قيمته وقوته مرتبطة بوجوده علي الشبكة، وتندرج تحت هذا إمكانية التخاطب المباشر بين المستخدمين ، ليكسروا أي قواعد اجتماعية أخري قد تتبع في نظم أخري . ولذا فإن للشبكات آثاراً عميقة علي التراتب الاجتماعي معظمها سلبي ، إذ إن طبيعة الشبكة تتخطي قيود الطبقات البيروقراطية والإدارية ، وهنا تتضح إحدي السمات الأساسية للثورة المعلوماتية ألا وهي القوي المتعارضة التي تولدها، فكما يمكن أن تسهم في التوحيد والمركزية يمكنها أيضاً أن تساعد علي التفكك واللامركزية ، فهي أصلاً عامل محايد تقتصر آثاره علي طريقة وأسلوب استخدامه ، ومع ذلك تضع قيوداً وتفرض وضعاً جديداً لابد علي الفاعلين في بيئة ما أن يستجيبوا له .
(4)
لقد اعتاد أفراد المجتمع علي الاعتماد علي سلطة مركزية تقوم بحفظ النظام وفرض القانون ، ومع ذلك فهناك طرق كثيرة أخري لحفظ النظام منها وجود مجموعة من الأعراف والقوانين يتفق عليها الأطراف المتفاعلون علي الشبكة ويلتزموا بها دون وجود سلطة مركزية تفرض عليهم ذلك . ولعل مصطلح" الأناركية" ، كما درج علي استخدامه منظرو العلاقات الدولية ، هو أنسب مصطلح لتعريف هذه الحالة التي يطلق عليها الحكم دون حكومة ، هكذا الحال في شبكة علاقات مثل الإنترنت التي لا تحكمها جهة مركزية، ومع ذلك هناك بعض القيود والأعراف التي تحظي بالالتزام الإرادي للقانون الحاسوبي. إن مسألة حفظ النظام ترتبط هي الأخري بمفهوم آخر للثورة المعلوماتية وهو خاصية الاضطراب ، فهناك العديد من الكتابات التي تري أن من آثار التطورات الاتصالية والمعلوماتية الاضطراب ، ومعناه أن سرعة الأحداث ، وزيادة توافر المعلومات عنها يعطي صورة شبه فوضوية لهذا التتابع ، ولذا ظهرت مجموعة من النظريات يطلق عليها نظريات الفوضي أو الاضطراب، التي يرجع جزء منها إلي حدوث عدد من التطورات المستقلة في وقت متزامن فيصعب تبين وجود ربط بينها ؛ بالرغم من التأكد من وجود ربط ما ، ويرجع ذلك إلي الترابط الهائل الذي يتيح لعدد هائل من التفاعلات أن يحدث في وقت متزامن ويقود ذلك إلي مفهوم آخر وهو التعقد .
الطفرة التكنولوجية التي أنتجت أجهزة الحاسبات اعتبرت ثورة أحدثت تغيرات جذرية ، ليس في طريقة الانتاج ، ولكن في حياة البشر بما أدخلته من تغيرات في نظم حياتهم ، وأساليب المعيشة بالنسبة للفرد والجماعة والدولة؛ وبفضل هذه الطفرة تغيرت نظم الإنتاج والمراقبة والجودة ..
(1)
وهناك من يري أن مسيرة النظام الدولي الجديد في السنوات القادمة - والذي بدأت ملامحه تظهر بعد تداعي النظام القديم عام 1991 - قد تبلور علي أساس فرز مغاير لطبيعة التنافس الدولي ، قوامه السبق والتفوق الاتصالي والمعرفي ، والذي بدا ضروريا علي كافة الأصعدة السياسي منها والاقتصادي اللذان صارا أكثر التصاقاً بعد غياب الثنائية القطبية السابقة. وعلي هذا الأساس فالتقدم الاتصالي لا يميز سوي شمال فائق التفوق في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وجنوب عاجز عن اللحاق به في هذه المجالات . في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ،عام 1991 قال الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش : " إن ثورة المعلومات أدت إلي تدمير أسلحة العزلة والجهل ، المعروفين بالقوة ، لقد تغلبت التكنولوجيا في العديد من أنحاء العالم علي الطغيان ، مثبتة بذلك أن عصر المعلومات يمكن أن يصبح عصر التحرير ، إذا ما عمدنا بحكمة إلي تحديد قوة الدولة وحررنا شعوبنا لكي تتمكن من استخدام الأفكار والاختراعات والمعلومات الجديدة خير استخدام " .
وقبل حوالي سبع سنوات ، من إطلاق بوش نبوءته ، حاول" ليوتار" الإجابة عن التساؤل المثار في كتابه " شرط ما بعد الحداثة " الذي صدر عام 1984، فقال : المعرفة ، بصفتها سلعة معلوماتية ، لا غني عنها للقوة الإنتاجية ، فقد أصبحت وستظل من أهم مجالات التنافس العالمي - إن لم تكن أهمها - من أجل إحراز القوة ، ويبدو أنه من غير المستبعد أن تدخل دول في حرب من أجل السيطرة علي المعلومات كما حاربت في الماضي من أجل السيطرة علي المستعمرات ، وبعد ذلك من أجل الحصول علي المواد الخام والعمالة الرخيصة واستغلالها ، لقد فتح مجال جديد للفكر الاستراتيجي التجاري والصناعي من جانب ، والعسكري من جانب آخر .
ينذرنا "ليوتار" إذن بأن عصر المعلومات ما هو إلا مرحلة جديدة من مراحل الصراع العالمي ، ومع كون التكنولوجيا هي وسيلة للسيطرة علي الظواهر المعقدة وحل المشاكل ، إلا أنها ذاتها قد أضافت بعداً جديداً يزيد معظم ظواهر حياتنا تعقيدا ويولد لنا مشاكل جديدة لم تكن في الحسبان . ضمن أهم هذه المشاكل الجديدة ، خدمات نقل المعلومات وتبادلها التي اعتبرت في بداية ظهورها خدمات إضافية، وهي تقع في نطاق هيئات الاتصالات السلكية واللاسلكية، إلا أنها بدأت تستقل بذاتها مع نمو حجم البيانات وزيادة سرعة تدفقها وتنوع الخدمات المطلوبة ، وهناك حاليا عدة شبكات عالمية، ذات مراكز منتشرة في جميع أرجاء العالم .
(2)
المستقبل القريب ، يحمل في طياته نذيرا آخر ، هو إدراك ذوو الحس التجاري ، القيمة الاقتصادية للمعلومات ؛ وبالتالي لن يدخروا جهداً في تحويلها إلي سلع وخدمات وأصول استثمارية ، واخضاعها لما تخضع له السلع المادية والخدمات التقليدية. ويكفي أن نشير هنا إلي أن الناتج الكلي لصناعة المعلومات ، يقدر في عام 2000 بنحو 1000 مليار دولار ، لتكون بذلك أول صناعة في تاريخ العالم تحقق رقم البليون ، بل إن النشاطات المتصلة بالمعلومات توفر أكثر من 50 بالمائة من الناتج القومي الإجمالي ، ومن العمالة في الدول الصناعية المعاصرة . وإذا أخذنا اليابانيين – كمثال- سنجد أنهم يندفعون بسرعة عالية في تطوير أوتوستراد المعلومات، فقد أعلن تاكينوري كانداكي وزير البريد والاتصالات اللاسلكية في يناير 1994 ، أن اليابان تتوقع استثمار 1.1 بليون دولار في خدمات الوسائط المتعددة للمعلومات بحلول عام 2010 ، وقد توقع الوزير الياباني لهذه الصناعة أن توظف 2.4 ملايين عامل ..في هذا السياق هل نجاوز الحقيقة إذا قلنا إن اقتصاديات صناعة الاتصال والمعلومات ، هي التي تقود الاقتصاد اليوم ؟ . في كل عصر ، هناك مجموعة من الصناعات تقود الاقتصاد ، فقبل قرن كان الفحم والسكك الحديدية هما قائدي النمو في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية علي التوالي ، وبعد الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، كان الشائع هو التصنيع والصناعات التحويلية، ثم جاءت السبعينات والثمانينات بقطاع جديد سمي قطاع الخدمات ؛ كالخدمات الصحية والقانونية والتوزيع وغير ذلك. أما محرك الاقتصاد في التسعينات فليس التصنيع ولا الخدمات ، إنما هو صناعة الاتصال والمعلومات ، ويكفي أن نعرف أن أجهزة الكمبيوتر، وبرامجها حققت 38 بالمئة من النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة سنة 1990 . إن اقتصاد صناعة الاتصال والمعلومات هو القطاع المتوسع والنامي، سواء في خلق فرص للعمل أو في تحقيق الأرباح ، إنه تصنيف وتوزيع المعلومات ، من المعلومات المالية إلي الترفيهية ، وهو اقتصاد منتعش. وقد سارعت كثير من الدول في إقامة شبكات للمعلومات العلمية والتكنولوجية لخدمة العلماء والمتخصصين ، ومن أشهرها نظام فينيتي الروسي ، الذي يقوم بتجميع البحوث العلمية علي مستوي العالم وترجمة الكثير منها إلي الروسية فور نشرها.
(3)
وقد اجتهد باحثون في علم المستقبليات في استشفاف أبرز سمات المجتمع المعلوماتي بالرغم من اعترافهم أنه لم يستقركاملاً بعد في أي من الدول ، حيث إنه مازال في فترة انتقال بل وتصارع في بعض الأحيان بين نمط الموجتين الثانية الصناعية والثالثة المعلوماتية. ؛ ولعل أبرز هذه السمات هي أثر ثورة المعلومات في تفكيك كل الخدمات والأنشطة الجماهيرية وهو ما يطلق عليه اللاجموعية، ويبدو ذلك واضحاً في اقتصاد الجملة ، والإعلام والتعليم ، ويرجع في الأساس إلي القدرة الهائلة للتقنيات التي هي أحد أعمدة عصر المعلومات ، حيث يمكنها مضاعفة القدرة علي التنوع دون تحميل ذلك علي التكلفة بحيث يستجيب صاحب الخدمة الإعلانية لطلبات المستهلك المحددة . وهكذا الأمر موجود أيضاً في التعليم ، حيث يتيح التوافر الهائل للمعلومات ، التي من الممكن استقاؤها عن بعد ، يتيح الفرصة لطالب العلم أن يحصل علي ما يشاء من التعليم في التخصص الذي يريده .
وقد أشرنا هنا إلي سمة التفاعلية التي هي من أهم سمات المجتمع المعلوماتي الذي يمتاز بالتشبيك (أي عملية الربط الكامل بين مستخدمي الشبكة). والتشبيك يعني أيضاً إمكانية رد الفعل السريع، وما يسمي بدائرة التغذية الاسترجاعية التي هي من أكثر آثار ثورة المعلومات والاتصالات ثورية ،حيث أنها تمكن أطراف الشبكة من التغيير المستمر لمعلومات ومكونات هذه الشبكة طبقاً لما يرونه من رد الفعل . وهذا هو بالضبط ما يتعلق بالسرعة أو ما يسمي بالوقت الحاسوبي الذي ينتج عنه تغير شبه دائم في المحيط والبيئة يصعب فيه التفريق بين القديم والحديث وبين الأصل والصورة ؛ ولعل المتتبع للتغيرات التي تطرأ علي قواعد البيانات علي شبكة "الإنترنت " يدرك ذلك تمام الإدراك عند تتبعه للتحديث الدائم الذي يطرأ علي الفهارس والمحتويات. ومن الخواص الأخري للشبكات ما يمكن أن نطلق عليه "اللاشخصانية"، لأن طرف الشبكة لا يعرف بمكانته الاجتماعية ؛ وإنما هو مستخدم عادي قيمته وقوته مرتبطة بوجوده علي الشبكة، وتندرج تحت هذا إمكانية التخاطب المباشر بين المستخدمين ، ليكسروا أي قواعد اجتماعية أخري قد تتبع في نظم أخري . ولذا فإن للشبكات آثاراً عميقة علي التراتب الاجتماعي معظمها سلبي ، إذ إن طبيعة الشبكة تتخطي قيود الطبقات البيروقراطية والإدارية ، وهنا تتضح إحدي السمات الأساسية للثورة المعلوماتية ألا وهي القوي المتعارضة التي تولدها، فكما يمكن أن تسهم في التوحيد والمركزية يمكنها أيضاً أن تساعد علي التفكك واللامركزية ، فهي أصلاً عامل محايد تقتصر آثاره علي طريقة وأسلوب استخدامه ، ومع ذلك تضع قيوداً وتفرض وضعاً جديداً لابد علي الفاعلين في بيئة ما أن يستجيبوا له .
(4)
لقد اعتاد أفراد المجتمع علي الاعتماد علي سلطة مركزية تقوم بحفظ النظام وفرض القانون ، ومع ذلك فهناك طرق كثيرة أخري لحفظ النظام منها وجود مجموعة من الأعراف والقوانين يتفق عليها الأطراف المتفاعلون علي الشبكة ويلتزموا بها دون وجود سلطة مركزية تفرض عليهم ذلك . ولعل مصطلح" الأناركية" ، كما درج علي استخدامه منظرو العلاقات الدولية ، هو أنسب مصطلح لتعريف هذه الحالة التي يطلق عليها الحكم دون حكومة ، هكذا الحال في شبكة علاقات مثل الإنترنت التي لا تحكمها جهة مركزية، ومع ذلك هناك بعض القيود والأعراف التي تحظي بالالتزام الإرادي للقانون الحاسوبي. إن مسألة حفظ النظام ترتبط هي الأخري بمفهوم آخر للثورة المعلوماتية وهو خاصية الاضطراب ، فهناك العديد من الكتابات التي تري أن من آثار التطورات الاتصالية والمعلوماتية الاضطراب ، ومعناه أن سرعة الأحداث ، وزيادة توافر المعلومات عنها يعطي صورة شبه فوضوية لهذا التتابع ، ولذا ظهرت مجموعة من النظريات يطلق عليها نظريات الفوضي أو الاضطراب، التي يرجع جزء منها إلي حدوث عدد من التطورات المستقلة في وقت متزامن فيصعب تبين وجود ربط بينها ؛ بالرغم من التأكد من وجود ربط ما ، ويرجع ذلك إلي الترابط الهائل الذي يتيح لعدد هائل من التفاعلات أن يحدث في وقت متزامن ويقود ذلك إلي مفهوم آخر وهو التعقد .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.