رئيس جامعة بنها يشهد ختام المهرجان الرياضي الثالث لجامعات الدلتا وإقليم القاهرة الكبرى    مجلس الوزراء يكرم الأمين العام السابق للمجلس ويهنئ نظيره الجديد بتوليه المسئولية    نقيب المحامين يترأس جلسة حلف اليمين القانونية للأعضاء الجدد    اقتصادية قناة السويس تستقبل وفدا أمريكيا لتفقد أعمال تطوير ميناء السخنة    إشادة كويتية بإنجازات النقل البحري المصري خلال زيارة ميناء الإسكندرية    مدبولي: كلمة الرئيس السيسي في قمة الدوحة عكست موقف مصر الثابت تجاه أوضاع المنطقة    سوريا وإسرائيل.. أمريكا تسعى إلى تفاهمات أمنية وتل أبيب تطالب بقيود واسعة على الجنوب    وزير الرياضة يشهد احتفالية استقبال كأس الأمم الإفريقية في مصر    ريال مدريد يكشف طبيعة إصابة أرنولد    ضبط عامل تعدى على شقيقه بالضرب بسبب خلافات مالية في القاهرة    تأجيل محاكمة المخرج محمد سامي بتهمة سب الفنانة عفاف شعيب ل22 أكتوبر للاطلاع    اليوم.. ندوة عن سميرة موسى بمكتبة مصر الجديدة للطفل    اليوم.. مؤتمر صحفي لإعلان تفاصيل الدورة الثالثة لمهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    المنيا.. تنظيم قافلة طبية مجانية في بني مزار لعلاج 280 من المرضى غير القادرين    محافظ سوهاج يعتمد المرحلة الثالثة لقبول طلاب الإعدادية بالثانوي    من بيت الأمان إلى لحظة الوجع.. زوج يذبح زوجته في العبور وضبط المتهم    شاب يلقى مصرعه حرقًا بعد مشادة مع صديقه في الشرقية    أسيوط تبحث مستقبل التعليم المجتمعي ومواجهة التسرب الدراسي    وزير الري: الاعتماد على نهر النيل لتوفير الاحتياجات المائية بنسبة 98%    قبل عرضه بالسينما أكتوبر المقبل.. تعرف على أحداث فيلم «فيها إيه يعني»    محافظ شمال سيناء يفتتح مهرجان الهجن بالعريش    مدبولي: الحكومة ماضية في نهج الإصلاح الاقتصادي الذي تتبعه    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 7 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    فيديو - أمين الفتوى: تزييف الصور بالذكاء الاصطناعي ولو بالمزاح حرام شرعًا    الأزهر للفتوى: يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه في حالة واحدة    عالم أزهري يكشف لماذا تأخر دفن النبي بعد موته وماذا جرى بين الصحابة وقت ذلك    انخفاض أسعار الدواجن اليوم الأربعاء بالأسواق (موقع رسمي)    "عليهم أن يكونوا رجالًا".. هاني رمزي يفتح النار على لاعبي الأهلي عقب تراجع النتائج    مصر تطلق قافلة "زاد العزة" ال39 محملة ب1700 طن مساعدات غذائية وإغاثية إلى غزة    «جوتيريش»: سيذكر التاريخ أننا كنا في الخطوط الأمامية من أجل الدفاع عن الشعب الفلسطيني    تحرك الشاحنات المحملة بالمواد الإغاثية من معبر رفح البري إلى كرم أبوسالم لتسليمها للجانب الفلسطيني    24 سبتمبر.. محاكمة متهم في التشاجر مع جاره وإحداث عاهة مستديمة بالأميرية    تمديد عمل تيك توك في الولايات المتحدة حتى 16 ديسمبر    وزارة العمل: 3701 فُرصة عمل جديدة في 44 شركة خاصة ب11 محافظة    تخفيضات وتذاكر مجانية.. تعرف على تسهيلات السكة الحديد لكبار السن 2025    «ڤاليو» تنفذ أول عملية مرخصة للشراء الآن والدفع لاحقًا عبر منصة «نون»    الليلة.. أيمن وتار ضيف برنامج "فضفضت أوي" مع معتز التوني    ملكة إسبانيا فى زيارة رسمية لمصر.. أناقة بسيطة تعكس اختياراتها للموضة    قبل بدء الدراسة.. تعليمات هامة من التعليم لاستقبال تلاميذ رياض الأطفال بالمدارس 2025 /2026    أبو مسلم يهاجم ترشيح فيتوريا لقيادة الأهلي    وزارة الشباب والرياضة تستقبل بعثة ناشئات السلة بعد التتويج التاريخي ببطولة الأفروباسكت    إسرائيل تعلن عن ممر آمن لإخلاء سكان غزة جنوبا| لمدة 48 ساعة    عاجل- انقطاع الإنترنت والاتصالات الأرضية في غزة وشمال القطاع بسبب العدوان الإسرائيلي    نائب وزير الصحة تعقد اجتماعًا بمستشفى قنا العام لتطوير مراكز التميز في خدمات ما حول الولادة    «ليه لازم يبقى جزء من اللانش بوكس؟».. تعرفي على فوائد البروكلي للأطفال    صحة المرأة والطفل: الفحص قبل الزواج خطوة لبناء أسرة صحية وسليمة (فيديو)    بتقديم الخدمة ل6144 مواطن.. «صحة الشرقية» تحصد المركز الأول بمبادرة «القضاء على السمنة»    وزير الدفاع السعودي ولاريجاني يبحثان تحقيق الأمن والاستقرار    فون دير لايين تبحث مع ترمب تشديد العقوبات على روسيا    أكلة فاسدة، شوبير يكشف تفاصيل إصابة إمام عاشور بفيروس A (فيديو)    بتر يد شاب صدمه قطار في أسوان    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    خطوات إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025.. الأوراق المطلوبة والفئات المستحقة    مسلسل سلمى الحلقة 25 .. خيانة تكشف الأسرار وعودة جلال تقلب الموازين    «تتغلبوا ماشي».. مراد مكرم يوجه رسالة إلى إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025.. الأسد: كلمة منك قد تغير كل شيء    أوقاف الفيوم تنظّم ندوات حول منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الضعفاء.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنترنت أول سلطة بدون حكومة
نشر في صوت البلد يوم 27 - 11 - 2016

الطفرة التكنولوجية التي أنتجت أجهزة الحاسبات اعتبرت ثورة أحدثت تغيرات جذرية ، ليس في طريقة الانتاج ، ولكن في حياة البشر بما أدخلته من تغيرات في نظم حياتهم ، وأساليب المعيشة بالنسبة للفرد والجماعة والدولة؛ وبفضل هذه الطفرة تغيرت نظم الإنتاج والمراقبة والجودة ..
(1)
وهناك من يري أن مسيرة النظام الدولي الجديد في السنوات القادمة - والذي بدأت ملامحه تظهر بعد تداعي النظام القديم عام 1991 - قد تبلور علي أساس فرز مغاير لطبيعة التنافس الدولي ، قوامه السبق والتفوق الاتصالي والمعرفي ، والذي بدا ضروريا علي كافة الأصعدة السياسي منها والاقتصادي اللذان صارا أكثر التصاقاً بعد غياب الثنائية القطبية السابقة. وعلي هذا الأساس فالتقدم الاتصالي لا يميز سوي شمال فائق التفوق في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وجنوب عاجز عن اللحاق به في هذه المجالات . في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ،عام 1991 قال الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش : " إن ثورة المعلومات أدت إلي تدمير أسلحة العزلة والجهل ، المعروفين بالقوة ، لقد تغلبت التكنولوجيا في العديد من أنحاء العالم علي الطغيان ، مثبتة بذلك أن عصر المعلومات يمكن أن يصبح عصر التحرير ، إذا ما عمدنا بحكمة إلي تحديد قوة الدولة وحررنا شعوبنا لكي تتمكن من استخدام الأفكار والاختراعات والمعلومات الجديدة خير استخدام " .
وقبل حوالي سبع سنوات ، من إطلاق بوش نبوءته ، حاول" ليوتار" الإجابة عن التساؤل المثار في كتابه " شرط ما بعد الحداثة " الذي صدر عام 1984، فقال : المعرفة ، بصفتها سلعة معلوماتية ، لا غني عنها للقوة الإنتاجية ، فقد أصبحت وستظل من أهم مجالات التنافس العالمي - إن لم تكن أهمها - من أجل إحراز القوة ، ويبدو أنه من غير المستبعد أن تدخل دول في حرب من أجل السيطرة علي المعلومات كما حاربت في الماضي من أجل السيطرة علي المستعمرات ، وبعد ذلك من أجل الحصول علي المواد الخام والعمالة الرخيصة واستغلالها ، لقد فتح مجال جديد للفكر الاستراتيجي التجاري والصناعي من جانب ، والعسكري من جانب آخر .
ينذرنا "ليوتار" إذن بأن عصر المعلومات ما هو إلا مرحلة جديدة من مراحل الصراع العالمي ، ومع كون التكنولوجيا هي وسيلة للسيطرة علي الظواهر المعقدة وحل المشاكل ، إلا أنها ذاتها قد أضافت بعداً جديداً يزيد معظم ظواهر حياتنا تعقيدا ويولد لنا مشاكل جديدة لم تكن في الحسبان . ضمن أهم هذه المشاكل الجديدة ، خدمات نقل المعلومات وتبادلها التي اعتبرت في بداية ظهورها خدمات إضافية، وهي تقع في نطاق هيئات الاتصالات السلكية واللاسلكية، إلا أنها بدأت تستقل بذاتها مع نمو حجم البيانات وزيادة سرعة تدفقها وتنوع الخدمات المطلوبة ، وهناك حاليا عدة شبكات عالمية، ذات مراكز منتشرة في جميع أرجاء العالم .
(2)
المستقبل القريب ، يحمل في طياته نذيرا آخر ، هو إدراك ذوو الحس التجاري ، القيمة الاقتصادية للمعلومات ؛ وبالتالي لن يدخروا جهداً في تحويلها إلي سلع وخدمات وأصول استثمارية ، واخضاعها لما تخضع له السلع المادية والخدمات التقليدية. ويكفي أن نشير هنا إلي أن الناتج الكلي لصناعة المعلومات ، يقدر في عام 2000 بنحو 1000 مليار دولار ، لتكون بذلك أول صناعة في تاريخ العالم تحقق رقم البليون ، بل إن النشاطات المتصلة بالمعلومات توفر أكثر من 50 بالمائة من الناتج القومي الإجمالي ، ومن العمالة في الدول الصناعية المعاصرة . وإذا أخذنا اليابانيين – كمثال- سنجد أنهم يندفعون بسرعة عالية في تطوير أوتوستراد المعلومات، فقد أعلن تاكينوري كانداكي وزير البريد والاتصالات اللاسلكية في يناير 1994 ، أن اليابان تتوقع استثمار 1.1 بليون دولار في خدمات الوسائط المتعددة للمعلومات بحلول عام 2010 ، وقد توقع الوزير الياباني لهذه الصناعة أن توظف 2.4 ملايين عامل ..في هذا السياق هل نجاوز الحقيقة إذا قلنا إن اقتصاديات صناعة الاتصال والمعلومات ، هي التي تقود الاقتصاد اليوم ؟ . في كل عصر ، هناك مجموعة من الصناعات تقود الاقتصاد ، فقبل قرن كان الفحم والسكك الحديدية هما قائدي النمو في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية علي التوالي ، وبعد الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، كان الشائع هو التصنيع والصناعات التحويلية، ثم جاءت السبعينات والثمانينات بقطاع جديد سمي قطاع الخدمات ؛ كالخدمات الصحية والقانونية والتوزيع وغير ذلك. أما محرك الاقتصاد في التسعينات فليس التصنيع ولا الخدمات ، إنما هو صناعة الاتصال والمعلومات ، ويكفي أن نعرف أن أجهزة الكمبيوتر، وبرامجها حققت 38 بالمئة من النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة سنة 1990 . إن اقتصاد صناعة الاتصال والمعلومات هو القطاع المتوسع والنامي، سواء في خلق فرص للعمل أو في تحقيق الأرباح ، إنه تصنيف وتوزيع المعلومات ، من المعلومات المالية إلي الترفيهية ، وهو اقتصاد منتعش. وقد سارعت كثير من الدول في إقامة شبكات للمعلومات العلمية والتكنولوجية لخدمة العلماء والمتخصصين ، ومن أشهرها نظام فينيتي الروسي ، الذي يقوم بتجميع البحوث العلمية علي مستوي العالم وترجمة الكثير منها إلي الروسية فور نشرها.
(3)
وقد اجتهد باحثون في علم المستقبليات في استشفاف أبرز سمات المجتمع المعلوماتي بالرغم من اعترافهم أنه لم يستقركاملاً بعد في أي من الدول ، حيث إنه مازال في فترة انتقال بل وتصارع في بعض الأحيان بين نمط الموجتين الثانية الصناعية والثالثة المعلوماتية. ؛ ولعل أبرز هذه السمات هي أثر ثورة المعلومات في تفكيك كل الخدمات والأنشطة الجماهيرية وهو ما يطلق عليه اللاجموعية، ويبدو ذلك واضحاً في اقتصاد الجملة ، والإعلام والتعليم ، ويرجع في الأساس إلي القدرة الهائلة للتقنيات التي هي أحد أعمدة عصر المعلومات ، حيث يمكنها مضاعفة القدرة علي التنوع دون تحميل ذلك علي التكلفة بحيث يستجيب صاحب الخدمة الإعلانية لطلبات المستهلك المحددة . وهكذا الأمر موجود أيضاً في التعليم ، حيث يتيح التوافر الهائل للمعلومات ، التي من الممكن استقاؤها عن بعد ، يتيح الفرصة لطالب العلم أن يحصل علي ما يشاء من التعليم في التخصص الذي يريده .
وقد أشرنا هنا إلي سمة التفاعلية التي هي من أهم سمات المجتمع المعلوماتي الذي يمتاز بالتشبيك (أي عملية الربط الكامل بين مستخدمي الشبكة). والتشبيك يعني أيضاً إمكانية رد الفعل السريع، وما يسمي بدائرة التغذية الاسترجاعية التي هي من أكثر آثار ثورة المعلومات والاتصالات ثورية ،حيث أنها تمكن أطراف الشبكة من التغيير المستمر لمعلومات ومكونات هذه الشبكة طبقاً لما يرونه من رد الفعل . وهذا هو بالضبط ما يتعلق بالسرعة أو ما يسمي بالوقت الحاسوبي الذي ينتج عنه تغير شبه دائم في المحيط والبيئة يصعب فيه التفريق بين القديم والحديث وبين الأصل والصورة ؛ ولعل المتتبع للتغيرات التي تطرأ علي قواعد البيانات علي شبكة "الإنترنت " يدرك ذلك تمام الإدراك عند تتبعه للتحديث الدائم الذي يطرأ علي الفهارس والمحتويات. ومن الخواص الأخري للشبكات ما يمكن أن نطلق عليه "اللاشخصانية"، لأن طرف الشبكة لا يعرف بمكانته الاجتماعية ؛ وإنما هو مستخدم عادي قيمته وقوته مرتبطة بوجوده علي الشبكة، وتندرج تحت هذا إمكانية التخاطب المباشر بين المستخدمين ، ليكسروا أي قواعد اجتماعية أخري قد تتبع في نظم أخري . ولذا فإن للشبكات آثاراً عميقة علي التراتب الاجتماعي معظمها سلبي ، إذ إن طبيعة الشبكة تتخطي قيود الطبقات البيروقراطية والإدارية ، وهنا تتضح إحدي السمات الأساسية للثورة المعلوماتية ألا وهي القوي المتعارضة التي تولدها، فكما يمكن أن تسهم في التوحيد والمركزية يمكنها أيضاً أن تساعد علي التفكك واللامركزية ، فهي أصلاً عامل محايد تقتصر آثاره علي طريقة وأسلوب استخدامه ، ومع ذلك تضع قيوداً وتفرض وضعاً جديداً لابد علي الفاعلين في بيئة ما أن يستجيبوا له .
(4)
لقد اعتاد أفراد المجتمع علي الاعتماد علي سلطة مركزية تقوم بحفظ النظام وفرض القانون ، ومع ذلك فهناك طرق كثيرة أخري لحفظ النظام منها وجود مجموعة من الأعراف والقوانين يتفق عليها الأطراف المتفاعلون علي الشبكة ويلتزموا بها دون وجود سلطة مركزية تفرض عليهم ذلك . ولعل مصطلح" الأناركية" ، كما درج علي استخدامه منظرو العلاقات الدولية ، هو أنسب مصطلح لتعريف هذه الحالة التي يطلق عليها الحكم دون حكومة ، هكذا الحال في شبكة علاقات مثل الإنترنت التي لا تحكمها جهة مركزية، ومع ذلك هناك بعض القيود والأعراف التي تحظي بالالتزام الإرادي للقانون الحاسوبي. إن مسألة حفظ النظام ترتبط هي الأخري بمفهوم آخر للثورة المعلوماتية وهو خاصية الاضطراب ، فهناك العديد من الكتابات التي تري أن من آثار التطورات الاتصالية والمعلوماتية الاضطراب ، ومعناه أن سرعة الأحداث ، وزيادة توافر المعلومات عنها يعطي صورة شبه فوضوية لهذا التتابع ، ولذا ظهرت مجموعة من النظريات يطلق عليها نظريات الفوضي أو الاضطراب، التي يرجع جزء منها إلي حدوث عدد من التطورات المستقلة في وقت متزامن فيصعب تبين وجود ربط بينها ؛ بالرغم من التأكد من وجود ربط ما ، ويرجع ذلك إلي الترابط الهائل الذي يتيح لعدد هائل من التفاعلات أن يحدث في وقت متزامن ويقود ذلك إلي مفهوم آخر وهو التعقد .
الطفرة التكنولوجية التي أنتجت أجهزة الحاسبات اعتبرت ثورة أحدثت تغيرات جذرية ، ليس في طريقة الانتاج ، ولكن في حياة البشر بما أدخلته من تغيرات في نظم حياتهم ، وأساليب المعيشة بالنسبة للفرد والجماعة والدولة؛ وبفضل هذه الطفرة تغيرت نظم الإنتاج والمراقبة والجودة ..
(1)
وهناك من يري أن مسيرة النظام الدولي الجديد في السنوات القادمة - والذي بدأت ملامحه تظهر بعد تداعي النظام القديم عام 1991 - قد تبلور علي أساس فرز مغاير لطبيعة التنافس الدولي ، قوامه السبق والتفوق الاتصالي والمعرفي ، والذي بدا ضروريا علي كافة الأصعدة السياسي منها والاقتصادي اللذان صارا أكثر التصاقاً بعد غياب الثنائية القطبية السابقة. وعلي هذا الأساس فالتقدم الاتصالي لا يميز سوي شمال فائق التفوق في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وجنوب عاجز عن اللحاق به في هذه المجالات . في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ،عام 1991 قال الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش : " إن ثورة المعلومات أدت إلي تدمير أسلحة العزلة والجهل ، المعروفين بالقوة ، لقد تغلبت التكنولوجيا في العديد من أنحاء العالم علي الطغيان ، مثبتة بذلك أن عصر المعلومات يمكن أن يصبح عصر التحرير ، إذا ما عمدنا بحكمة إلي تحديد قوة الدولة وحررنا شعوبنا لكي تتمكن من استخدام الأفكار والاختراعات والمعلومات الجديدة خير استخدام " .
وقبل حوالي سبع سنوات ، من إطلاق بوش نبوءته ، حاول" ليوتار" الإجابة عن التساؤل المثار في كتابه " شرط ما بعد الحداثة " الذي صدر عام 1984، فقال : المعرفة ، بصفتها سلعة معلوماتية ، لا غني عنها للقوة الإنتاجية ، فقد أصبحت وستظل من أهم مجالات التنافس العالمي - إن لم تكن أهمها - من أجل إحراز القوة ، ويبدو أنه من غير المستبعد أن تدخل دول في حرب من أجل السيطرة علي المعلومات كما حاربت في الماضي من أجل السيطرة علي المستعمرات ، وبعد ذلك من أجل الحصول علي المواد الخام والعمالة الرخيصة واستغلالها ، لقد فتح مجال جديد للفكر الاستراتيجي التجاري والصناعي من جانب ، والعسكري من جانب آخر .
ينذرنا "ليوتار" إذن بأن عصر المعلومات ما هو إلا مرحلة جديدة من مراحل الصراع العالمي ، ومع كون التكنولوجيا هي وسيلة للسيطرة علي الظواهر المعقدة وحل المشاكل ، إلا أنها ذاتها قد أضافت بعداً جديداً يزيد معظم ظواهر حياتنا تعقيدا ويولد لنا مشاكل جديدة لم تكن في الحسبان . ضمن أهم هذه المشاكل الجديدة ، خدمات نقل المعلومات وتبادلها التي اعتبرت في بداية ظهورها خدمات إضافية، وهي تقع في نطاق هيئات الاتصالات السلكية واللاسلكية، إلا أنها بدأت تستقل بذاتها مع نمو حجم البيانات وزيادة سرعة تدفقها وتنوع الخدمات المطلوبة ، وهناك حاليا عدة شبكات عالمية، ذات مراكز منتشرة في جميع أرجاء العالم .
(2)
المستقبل القريب ، يحمل في طياته نذيرا آخر ، هو إدراك ذوو الحس التجاري ، القيمة الاقتصادية للمعلومات ؛ وبالتالي لن يدخروا جهداً في تحويلها إلي سلع وخدمات وأصول استثمارية ، واخضاعها لما تخضع له السلع المادية والخدمات التقليدية. ويكفي أن نشير هنا إلي أن الناتج الكلي لصناعة المعلومات ، يقدر في عام 2000 بنحو 1000 مليار دولار ، لتكون بذلك أول صناعة في تاريخ العالم تحقق رقم البليون ، بل إن النشاطات المتصلة بالمعلومات توفر أكثر من 50 بالمائة من الناتج القومي الإجمالي ، ومن العمالة في الدول الصناعية المعاصرة . وإذا أخذنا اليابانيين – كمثال- سنجد أنهم يندفعون بسرعة عالية في تطوير أوتوستراد المعلومات، فقد أعلن تاكينوري كانداكي وزير البريد والاتصالات اللاسلكية في يناير 1994 ، أن اليابان تتوقع استثمار 1.1 بليون دولار في خدمات الوسائط المتعددة للمعلومات بحلول عام 2010 ، وقد توقع الوزير الياباني لهذه الصناعة أن توظف 2.4 ملايين عامل ..في هذا السياق هل نجاوز الحقيقة إذا قلنا إن اقتصاديات صناعة الاتصال والمعلومات ، هي التي تقود الاقتصاد اليوم ؟ . في كل عصر ، هناك مجموعة من الصناعات تقود الاقتصاد ، فقبل قرن كان الفحم والسكك الحديدية هما قائدي النمو في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية علي التوالي ، وبعد الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، كان الشائع هو التصنيع والصناعات التحويلية، ثم جاءت السبعينات والثمانينات بقطاع جديد سمي قطاع الخدمات ؛ كالخدمات الصحية والقانونية والتوزيع وغير ذلك. أما محرك الاقتصاد في التسعينات فليس التصنيع ولا الخدمات ، إنما هو صناعة الاتصال والمعلومات ، ويكفي أن نعرف أن أجهزة الكمبيوتر، وبرامجها حققت 38 بالمئة من النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة سنة 1990 . إن اقتصاد صناعة الاتصال والمعلومات هو القطاع المتوسع والنامي، سواء في خلق فرص للعمل أو في تحقيق الأرباح ، إنه تصنيف وتوزيع المعلومات ، من المعلومات المالية إلي الترفيهية ، وهو اقتصاد منتعش. وقد سارعت كثير من الدول في إقامة شبكات للمعلومات العلمية والتكنولوجية لخدمة العلماء والمتخصصين ، ومن أشهرها نظام فينيتي الروسي ، الذي يقوم بتجميع البحوث العلمية علي مستوي العالم وترجمة الكثير منها إلي الروسية فور نشرها.
(3)
وقد اجتهد باحثون في علم المستقبليات في استشفاف أبرز سمات المجتمع المعلوماتي بالرغم من اعترافهم أنه لم يستقركاملاً بعد في أي من الدول ، حيث إنه مازال في فترة انتقال بل وتصارع في بعض الأحيان بين نمط الموجتين الثانية الصناعية والثالثة المعلوماتية. ؛ ولعل أبرز هذه السمات هي أثر ثورة المعلومات في تفكيك كل الخدمات والأنشطة الجماهيرية وهو ما يطلق عليه اللاجموعية، ويبدو ذلك واضحاً في اقتصاد الجملة ، والإعلام والتعليم ، ويرجع في الأساس إلي القدرة الهائلة للتقنيات التي هي أحد أعمدة عصر المعلومات ، حيث يمكنها مضاعفة القدرة علي التنوع دون تحميل ذلك علي التكلفة بحيث يستجيب صاحب الخدمة الإعلانية لطلبات المستهلك المحددة . وهكذا الأمر موجود أيضاً في التعليم ، حيث يتيح التوافر الهائل للمعلومات ، التي من الممكن استقاؤها عن بعد ، يتيح الفرصة لطالب العلم أن يحصل علي ما يشاء من التعليم في التخصص الذي يريده .
وقد أشرنا هنا إلي سمة التفاعلية التي هي من أهم سمات المجتمع المعلوماتي الذي يمتاز بالتشبيك (أي عملية الربط الكامل بين مستخدمي الشبكة). والتشبيك يعني أيضاً إمكانية رد الفعل السريع، وما يسمي بدائرة التغذية الاسترجاعية التي هي من أكثر آثار ثورة المعلومات والاتصالات ثورية ،حيث أنها تمكن أطراف الشبكة من التغيير المستمر لمعلومات ومكونات هذه الشبكة طبقاً لما يرونه من رد الفعل . وهذا هو بالضبط ما يتعلق بالسرعة أو ما يسمي بالوقت الحاسوبي الذي ينتج عنه تغير شبه دائم في المحيط والبيئة يصعب فيه التفريق بين القديم والحديث وبين الأصل والصورة ؛ ولعل المتتبع للتغيرات التي تطرأ علي قواعد البيانات علي شبكة "الإنترنت " يدرك ذلك تمام الإدراك عند تتبعه للتحديث الدائم الذي يطرأ علي الفهارس والمحتويات. ومن الخواص الأخري للشبكات ما يمكن أن نطلق عليه "اللاشخصانية"، لأن طرف الشبكة لا يعرف بمكانته الاجتماعية ؛ وإنما هو مستخدم عادي قيمته وقوته مرتبطة بوجوده علي الشبكة، وتندرج تحت هذا إمكانية التخاطب المباشر بين المستخدمين ، ليكسروا أي قواعد اجتماعية أخري قد تتبع في نظم أخري . ولذا فإن للشبكات آثاراً عميقة علي التراتب الاجتماعي معظمها سلبي ، إذ إن طبيعة الشبكة تتخطي قيود الطبقات البيروقراطية والإدارية ، وهنا تتضح إحدي السمات الأساسية للثورة المعلوماتية ألا وهي القوي المتعارضة التي تولدها، فكما يمكن أن تسهم في التوحيد والمركزية يمكنها أيضاً أن تساعد علي التفكك واللامركزية ، فهي أصلاً عامل محايد تقتصر آثاره علي طريقة وأسلوب استخدامه ، ومع ذلك تضع قيوداً وتفرض وضعاً جديداً لابد علي الفاعلين في بيئة ما أن يستجيبوا له .
(4)
لقد اعتاد أفراد المجتمع علي الاعتماد علي سلطة مركزية تقوم بحفظ النظام وفرض القانون ، ومع ذلك فهناك طرق كثيرة أخري لحفظ النظام منها وجود مجموعة من الأعراف والقوانين يتفق عليها الأطراف المتفاعلون علي الشبكة ويلتزموا بها دون وجود سلطة مركزية تفرض عليهم ذلك . ولعل مصطلح" الأناركية" ، كما درج علي استخدامه منظرو العلاقات الدولية ، هو أنسب مصطلح لتعريف هذه الحالة التي يطلق عليها الحكم دون حكومة ، هكذا الحال في شبكة علاقات مثل الإنترنت التي لا تحكمها جهة مركزية، ومع ذلك هناك بعض القيود والأعراف التي تحظي بالالتزام الإرادي للقانون الحاسوبي. إن مسألة حفظ النظام ترتبط هي الأخري بمفهوم آخر للثورة المعلوماتية وهو خاصية الاضطراب ، فهناك العديد من الكتابات التي تري أن من آثار التطورات الاتصالية والمعلوماتية الاضطراب ، ومعناه أن سرعة الأحداث ، وزيادة توافر المعلومات عنها يعطي صورة شبه فوضوية لهذا التتابع ، ولذا ظهرت مجموعة من النظريات يطلق عليها نظريات الفوضي أو الاضطراب، التي يرجع جزء منها إلي حدوث عدد من التطورات المستقلة في وقت متزامن فيصعب تبين وجود ربط بينها ؛ بالرغم من التأكد من وجود ربط ما ، ويرجع ذلك إلي الترابط الهائل الذي يتيح لعدد هائل من التفاعلات أن يحدث في وقت متزامن ويقود ذلك إلي مفهوم آخر وهو التعقد .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.