مؤتمر مستقبل وطن | الفنان أحمد فؤاد سليم: "الرئيس بيثق فينا ولازم نكون قد الثقة"    مياه الفيوم تُجري استطلاع رأي للمواطنين بعزب منشأة بني عثمان بسنورس    بين دعوات الاتحاد العالمي وواقع النظام المصري: السيسي ليس بوابة لغزة بل حارِسٌ للحصار    بريطانيا: سنعترف بدولة فلسطين في سبتمبر إذا لم تُنه إسرائيل حربها على غزة    خالد بوطيب ينفي اقترابه من الانتقال إلى الوداد المغربي    لويس دياز يوقّع عقود انتقاله إلى بايرن ميونخ    تفتيش وتحرير محاضر.. وكيل تموين الإسكندرية يقود حملات على السلاسل التجارية    رئيس جامعة القاهرة يهنئ أساتذة الجامعة الفائزين بجوائز الدولة النيل والتقديرية والتفوق والتشجيعية    أمين الفتوى: الشبكة ليست هدية بل جزء من المهر يرد فى هذه الحالة    أمين الفتوى: تأخير الصلاة عن وقتها دون عذر ذنب يستوجب التوبة والقضاء    ما حدود تدخل الأهل في اختيار شريك الحياة؟.. أمين الفتوى يجيب    التريند الحقيقي.. تحفيظ القرآن الكريم للطلاب بالمجان في كفر الشيخ (فيديو وصور)    خالد الجندي: الذكاء الاصطناعي لا يصلح لإصدار الفتاوى ويفتقر لتقييم المواقف    ضخ المياه بعد انتهاء إصلاح كسر خط رئيسى فى المنصورة    من أجل قيد الصفقة الجديدة.. الزمالك يستقر على إعارة محترفه (خاص)    تقرير: برشلونة يصدر قميصا خاصا ل الكلاسيكو بذكريات ثلاثية 2005    بدء انتخابات التجديد النصفى على عضوية مجلس نقابة المهن الموسيقية    إكسترا نيوز ترصد تفاصيل وصول مساعدات مصرية إلى غزة ضمن قافلة "زاد العزة"    الغزو الصينى قادم لا محالة.. عن قطاع السيارات أتحدث    لطلاب مدارس STEM.. تعرف على جدول امتحانات الدور الثاني للثانوية العامة 2025    حريق بمركز للطب النفسي في الأقصر بدون معرفة الأسباب.. صورة    جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 الدور الثاني (نظام قديم)    الحوثيون يحتجزون 10 أفراد من طاقم سفينة أغرقوها قبالة سواحل اليمن كانت متجهة لميناء إيلات    هآرتس تهاجم نتنياهو: ماكرون أصاب الهدف وإسرائيل ستجد نفسها في عزلة دولية    حتى لا تسقط حكومته.. كيف استغل نتنياهو عطلة الكنيست لتمرير قرارات غزة؟    38 قتيلا حصيلة ضحايا الأمطار الغزيرة والفيضانات العارمة فى الصين    تجديد حبس 12 متهما في مشاجرة بسبب شقة بالسلام    وزير العمل: مدرسة السويدي للتكنولوجيا تمثل تجربة فريدة وناجحة    النقابات العمالية تدشن لجنة الانتقال العادل لمواجهة التحول الرقمي    برلمانية تطالب بإصدار قرار وزاري يُلزم بلم شمل الأشقاء في مدرسة واحدة    وزير العمل ومحافظ الإسكندرية يفتتحان ندوة للتوعية بمواد قانون العمل الجديد    وزارة الأوقاف تعقد (684) ندوة علمية بعنوان: "خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي"    نقابة الموسيقيين تكشف تفاصيل التحقيق مع محمود الليثي ورضا البحراوي |خاص    من عبق الحضارة إلى إبداع المستقبل| فعاليات تبهر الأطفال في «القومي للحضارة»    أحمد التهامي يكشف كواليس العمل مع عادل إمام ويشاركنا رحلته الفنية|خاص    خاص.. الزمالك يفتح الباب أمام رحيل حارسه لنادي بيراميدز    "ياعم حرام عليك".. تعليق ناري من شوبير على زيارة صلاح للمعبد البوذي    "3 فرق يشاركون في دوري الأبطال".. خالد الغندور يزف خبرا سارا    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية - تفاصيل المناقشات    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    وزير الصحة يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة وشركة روش مصر لتطوير رعاية مرضى التصلب المتعدد    لماذا يتصدر الليمون قائمة الفاكهة الأكثر صحة عالميا؟    ماء المخلل.. هل هو مفيد؟    الأمراض المتوطنة.. مذكرة تفاهم بين معهد تيودور بلهارس وجامعة ووهان الصينية    مقتل وإصابة خمسة أشخاص في إطلاق نار بولاية نيفادا الأمريكية    منال عوض: تمويل 16 مشروعا للتنمية بمصر ب500 مليون دولار    «بيفكروا كتير بعد نصف الليل».. 5 أبراج بتحب السهر ليلًا    رئيس الوزراء يستعرض خطة إحياء واستدامة الحرف اليدوية حتى 2030    انتخابات مجلس الشيوخ 2025.. 8 محظورات خلال فترة الصمت الانتخابي    جولة مفاجئة لمحافظ الدقهلية للوقوف على أعمال تطوير شارع الجلاء بالمنصورة    «الإسعاف»: نقل أكثر من 4 آلاف طفل مبتسر على أجهزة تنفس صناعي خلال النصف الأول من 2025    أُسدل الستار.. حُكم نهائي في نزاع قضائي طويل بين الأهلي وعبدالله السعيد    الخارجية الفلسطينية: الضم التدريجي لقطاع غزة مقدمة لتهجير شعبنا    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 في شمال سيناء    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    الكهرباء: الانتهاء من الأعمال بمحطة جزيرة الذهب مساء اليوم    موعد مرتبات شهر أغسطس.. جدول زيادة الأجور للمعلمين (توقيت صرف المتأخرات)    السيطرة على حريق بمولد كهرباء بقرية الثمانين في الوادي الجديد وتوفير البديل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بحثا عن بلد نتدخل فيه .. حقائق أميركية صادمة
نشر في صوت البلد يوم 29 - 10 - 2016

يقدم لنا السينمائي العبقري مايكل مور فيلمه الساخر "بحثا عن بلد نتدخل فيه" في مرحلة حرجة يعيشها الشعب الأميركي قبل خوضه الانتخابات الرئاسية والتي قد تسفر عن فوز ترامب، وهكذا ستكون كارثة مفجعة تزيد تعاسة الشعب الأميركي.
المخرج الشهير مايكل مور، مخرج الأفلام الوثائقية المثيرة للجدل والمناوئة للسياسة الأميركية التي يراها تقهر شعبها وشعوب العالم بتدخلاتها العسكرية وحروبها الخاسرة وصناعتها للوهم، فالناس تظن أن الولايات المتحدة الأميركية أرض الأحلام وجنة السعادة وأن شعبها يعيش بحبوحة العيش، وأنها دولة متقدمة في كل المجالات وهي الرقم واحد في كل شيء لذلك تصبح الهجرة إليها حلما فردوسيا للوصول إلى السعادة المطلقة.
في فيلمه الجديد "بحثا عن بلد نتدخل فيه" يضعنا مايكل مور مع حقائق صادمة ليكشف عن زيف الحلم وأن بلاده هي أسوأ مكان في العالم، يكشف تعاسة شعبه ومعاناته فالموطن الأميركي يدفع أكثر من نصف دخله كضرائب للدولة والنتيجة والعائد خدمات سيئة وشرطة تضرب بالهراوات والصعق الكهربائي والسحل لبعض المواطنين وسجون مرعبة وسلاح مدمر، وتدخلات غبية في أنحاء الأرض.
يخوض مور تجربة مدهشة ويزور بلدانا عديدة تعيش في سلام ويتمتع الناس فيها بالخير والخدمات مما يدفعه لركز العلم الأميركي ليحتلها وينقل هذه الميزات إلى بلده.
ينطلق مور من نتيجة صادمة ويقدمها كقذيفة ناسفة في بداية الفيلم، هذه الحقيقة تبدو منطقية وواقعية وهي تفيد أن الولايات المتحدة لم تنتصر أبدا، في أي حرب من الحروب الكثيرة التي أشعلتها بشكل مباشر أو غير. لكنها جلبت المزيد من المشكلات للشعوب المقهورة، فخسرت مليارات كثيرة وخسرت جنودها وذهبت كل جهودها سدى، فذهاب وسقوط صدام حسين مثلا لم يجلب إلا الخراب للعراق ثم المنطقة العربية وتدخلاتها في ليبيا وسوريا أيضا.
نحن لسنا في فضاء فيلم وثائقي أو سياسي بل يزج بنا في مناخ كوميدية ساخرة ويظهر بعفوية لكنه يصعقنا بلكمات صادمة ليهدم سذاجتنا ويميط اللثام عن حقائق خفية تمس الشعب الأميركي لنحسّ بتعاطف نحو كونه يعاني كبقية الشعوب التي ترزح تحت النظم الديكتاتورية ولنكتشف مثلا أن الشعب الإيطالي ينعم بمزيا يراها الناس بسيطة بينما هي حلم شبه مستحيل في أميركا من ضمن هذه المزايا نظام الاجازات مدفوعة الأجر للعمال والتي تصل إلى أكثر من خمسة أسابيع ونظام العمل الذي يمنح العامل فترة راحة بالظهيرة تمكنه من الأكل في بيته.
يصور مور سعادة الناس بحياتهم ويندهش لفرحهم معلقا أن صورة الناس في الشارع توحي لك أنهم ذاهبون لممارسة الحب أو عائدون منه، بينما أن نظم العمل في بلده المتقدم يشبه نظام العبودية ويحدث هذا بسبب خلل في منظومة العمل التي تقف مع صاحب العمل وتقهر العامل.
في رحلته إلى فرنسا يحط الرحلة بمدرسة ابتدائية بمنطقة النورماندي ليجلس على مائدة الغداء ليتناول وجبة شهية مع التلاميذ الصغار ويستغرب لعدم وجود كوكاكولا ولا بطاطس مقلية وتستعرض الكاميرا حبات التفاح ثم تشارك تتلذذ بصحون وجبة الكسكس، وتتابع بفضول محتويات المطبخ وأنواع الجبن والخضروات ثم يعرض أنواع الأكل في المدارس الأميكية فيصاب الصغار بالفزع لهذا الأكل الدسم والخالي من اللذة والغريب في تكوينه.
ثم يتعرض لقضية التربية الجنسية ليفصح عن حقائق صادمة كون الولايات المتحدة الأمريكية تحتل مرتبة متقدمة بخصوص حمل الفتيات الصغيرات في المدارس الثانوية بسبب جهل البنات والأولاد بطرق الوقاية، فتتحول المتعة واللذة إلى كابوس ويترتب على حمل وإنجاب الصغيرات مشاكل اجتماعية وتربوية ونفسية.
في المانيا يتوقف مايكل مور مع الناس ويطرح أسئلة على بعضهم إن كانت لهم وظيفة ثانية ويكون الرد لا، كون بقية الوقت للتمتع بالحياة، كما يركز على حضور الماضي أي فترة النازية الذي يتم تدريسه وتراه حاضرا في الشوارع عبر لوحات وتماثيل ومتاحف لهدف ألا يتكرر ذلك العهد البغيض وهنا يراجع ما حدث في بلاده في فترات ذلك الماضي العنصرية وعبودية السود ليستنتج أن أميركا لم تعتذر بعد فلو يوجد سوى متحف واحد يعرض ضحايا العبودية ويرى أن أميركا تميل إلى البيض.
ورغم فوز اوباما كرئيس إلا أنه لم يحقق شيئا مهما بالنسبة للعدالة الاجتماعية والمساواة بين البيض والسود فهناك مظاهر عنصرية تمارس دون خجل في الولايات المتحدة الأميركية.
في فينلندا هذا البلد الصغير يحتل المرتبة الأولى عالميا في النظام التعليمي وعنصر النجاح فلسفة مهمة تكرس مهمة المدارس التي تسعى لفهم الحياة وممارستها وتطوير نمط التفكير والإبداع، فاليوم الدراسي قصير ويتم ممارسة الرياضة والفنون والطبخ والنزهات بالغابات وغيرها من وسائل الترفيه وليس تلقين الدروس بشكل تقليدي. ويعجز مايكل مور عن وصف التعليم في بلده ويتمنى أن يأخذ هذه الوصفة لنقلها إلى بلده.
ينطلق إلى تونس ليستعرض المتغيرات الاجتماعية بعد الثورة وموقع المرأة في تونس الجديدة ويحاور راشد الغنوشي ليطرح عليه أسئلة حول الحجاب والمثلية الجنسية، يرد الغنوشي أن الدولة لا تتدخل ولا تفرض الحجاب لكنه شخصيا ينصح به، وأن الدولة لا تتدخل بسلوكيات الناس داخل البيوف وخلف الأبواب المغلقة.
ثم يحلق بنا إلى البرتغال والنرويج ليستعرض نظام السجون الذي يصون كرامة الإنسان ويقارن هذا بما يحدث في أعظم دولة متقدمة حيث تمتهن الآدمية وينتهك العرض وتهدر الكرامة بشكل سافر ومخجل ويتمنى لو يتم تصحيح ما يحدث.
في سلوفينيا هذه الدولة الصغيرة يهاجر إليها الطلبة من أميركا للدراسة كون التعليم الجامعي مجانا وهذه مستحيل حدوثه في الولايات المتحدة الأميركية حيث يضطر الطلبة إلى دفع رسوم باهظة وتحمل ديون وتسديدها لعدة سنوات إلى البنوك، ثم يختم الرحلة للتوقف مع دور المرأة والثورة ضد فساد النظم البنكية في آيسلندا.
يقدم لنا السينمائي العبقري مايكل مور فيلمه الساخر "بحثا عن بلد نتدخل فيه" في مرحلة حرجة يعيشها الشعب الأميركي قبل خوضه الانتخابات الرئاسية، والتي قد تسفر عن فوز ترامب وهكذا ستكون كارثة مفجعة تزج بالشعب الأميركي في دوامة من الصراعات وفقدان قيمته الإنسانية والحضارية لذلك بذل المخرج جهده في مناداة ضمير وفكر هذا الشعب ليصحو من الحلم الزائف وينظر إلى شعوب تعاني من مشاكل اقتصادية لكنها مع ذلك تنعم بالسعادة والحياة والخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية وتصان كرامتهم وحقوقهم، كما يفضح مور سياسة بلده وينتقد تهور السياسة الأميركية وحروبها الخاسرة وما خلفته من بشاعة وألم.
يمتاز الفيلم بلغة سينمائية ذكية تثير الدهشة وتزج بنا في فضاء رحب ينعش تفكيرنا وينادي ضميرنا ويمسك بنا من اللحظة الأولى إلى آخر لقطة لنركض ونكتشف هذه الحكايات الصغيرة من كل بلد كأننا مع مغامرة سندباد الباحث عن الكنوز، وكلما يجد مايكل مور كنزا ثمينا يركز العلم الأميركي طالبا السماح بجعله يرفرف معه.
.......
• سينمائي يمني مقيم في فرنسا
يقدم لنا السينمائي العبقري مايكل مور فيلمه الساخر "بحثا عن بلد نتدخل فيه" في مرحلة حرجة يعيشها الشعب الأميركي قبل خوضه الانتخابات الرئاسية والتي قد تسفر عن فوز ترامب، وهكذا ستكون كارثة مفجعة تزيد تعاسة الشعب الأميركي.
المخرج الشهير مايكل مور، مخرج الأفلام الوثائقية المثيرة للجدل والمناوئة للسياسة الأميركية التي يراها تقهر شعبها وشعوب العالم بتدخلاتها العسكرية وحروبها الخاسرة وصناعتها للوهم، فالناس تظن أن الولايات المتحدة الأميركية أرض الأحلام وجنة السعادة وأن شعبها يعيش بحبوحة العيش، وأنها دولة متقدمة في كل المجالات وهي الرقم واحد في كل شيء لذلك تصبح الهجرة إليها حلما فردوسيا للوصول إلى السعادة المطلقة.
في فيلمه الجديد "بحثا عن بلد نتدخل فيه" يضعنا مايكل مور مع حقائق صادمة ليكشف عن زيف الحلم وأن بلاده هي أسوأ مكان في العالم، يكشف تعاسة شعبه ومعاناته فالموطن الأميركي يدفع أكثر من نصف دخله كضرائب للدولة والنتيجة والعائد خدمات سيئة وشرطة تضرب بالهراوات والصعق الكهربائي والسحل لبعض المواطنين وسجون مرعبة وسلاح مدمر، وتدخلات غبية في أنحاء الأرض.
يخوض مور تجربة مدهشة ويزور بلدانا عديدة تعيش في سلام ويتمتع الناس فيها بالخير والخدمات مما يدفعه لركز العلم الأميركي ليحتلها وينقل هذه الميزات إلى بلده.
ينطلق مور من نتيجة صادمة ويقدمها كقذيفة ناسفة في بداية الفيلم، هذه الحقيقة تبدو منطقية وواقعية وهي تفيد أن الولايات المتحدة لم تنتصر أبدا، في أي حرب من الحروب الكثيرة التي أشعلتها بشكل مباشر أو غير. لكنها جلبت المزيد من المشكلات للشعوب المقهورة، فخسرت مليارات كثيرة وخسرت جنودها وذهبت كل جهودها سدى، فذهاب وسقوط صدام حسين مثلا لم يجلب إلا الخراب للعراق ثم المنطقة العربية وتدخلاتها في ليبيا وسوريا أيضا.
نحن لسنا في فضاء فيلم وثائقي أو سياسي بل يزج بنا في مناخ كوميدية ساخرة ويظهر بعفوية لكنه يصعقنا بلكمات صادمة ليهدم سذاجتنا ويميط اللثام عن حقائق خفية تمس الشعب الأميركي لنحسّ بتعاطف نحو كونه يعاني كبقية الشعوب التي ترزح تحت النظم الديكتاتورية ولنكتشف مثلا أن الشعب الإيطالي ينعم بمزيا يراها الناس بسيطة بينما هي حلم شبه مستحيل في أميركا من ضمن هذه المزايا نظام الاجازات مدفوعة الأجر للعمال والتي تصل إلى أكثر من خمسة أسابيع ونظام العمل الذي يمنح العامل فترة راحة بالظهيرة تمكنه من الأكل في بيته.
يصور مور سعادة الناس بحياتهم ويندهش لفرحهم معلقا أن صورة الناس في الشارع توحي لك أنهم ذاهبون لممارسة الحب أو عائدون منه، بينما أن نظم العمل في بلده المتقدم يشبه نظام العبودية ويحدث هذا بسبب خلل في منظومة العمل التي تقف مع صاحب العمل وتقهر العامل.
في رحلته إلى فرنسا يحط الرحلة بمدرسة ابتدائية بمنطقة النورماندي ليجلس على مائدة الغداء ليتناول وجبة شهية مع التلاميذ الصغار ويستغرب لعدم وجود كوكاكولا ولا بطاطس مقلية وتستعرض الكاميرا حبات التفاح ثم تشارك تتلذذ بصحون وجبة الكسكس، وتتابع بفضول محتويات المطبخ وأنواع الجبن والخضروات ثم يعرض أنواع الأكل في المدارس الأميكية فيصاب الصغار بالفزع لهذا الأكل الدسم والخالي من اللذة والغريب في تكوينه.
ثم يتعرض لقضية التربية الجنسية ليفصح عن حقائق صادمة كون الولايات المتحدة الأمريكية تحتل مرتبة متقدمة بخصوص حمل الفتيات الصغيرات في المدارس الثانوية بسبب جهل البنات والأولاد بطرق الوقاية، فتتحول المتعة واللذة إلى كابوس ويترتب على حمل وإنجاب الصغيرات مشاكل اجتماعية وتربوية ونفسية.
في المانيا يتوقف مايكل مور مع الناس ويطرح أسئلة على بعضهم إن كانت لهم وظيفة ثانية ويكون الرد لا، كون بقية الوقت للتمتع بالحياة، كما يركز على حضور الماضي أي فترة النازية الذي يتم تدريسه وتراه حاضرا في الشوارع عبر لوحات وتماثيل ومتاحف لهدف ألا يتكرر ذلك العهد البغيض وهنا يراجع ما حدث في بلاده في فترات ذلك الماضي العنصرية وعبودية السود ليستنتج أن أميركا لم تعتذر بعد فلو يوجد سوى متحف واحد يعرض ضحايا العبودية ويرى أن أميركا تميل إلى البيض.
ورغم فوز اوباما كرئيس إلا أنه لم يحقق شيئا مهما بالنسبة للعدالة الاجتماعية والمساواة بين البيض والسود فهناك مظاهر عنصرية تمارس دون خجل في الولايات المتحدة الأميركية.
في فينلندا هذا البلد الصغير يحتل المرتبة الأولى عالميا في النظام التعليمي وعنصر النجاح فلسفة مهمة تكرس مهمة المدارس التي تسعى لفهم الحياة وممارستها وتطوير نمط التفكير والإبداع، فاليوم الدراسي قصير ويتم ممارسة الرياضة والفنون والطبخ والنزهات بالغابات وغيرها من وسائل الترفيه وليس تلقين الدروس بشكل تقليدي. ويعجز مايكل مور عن وصف التعليم في بلده ويتمنى أن يأخذ هذه الوصفة لنقلها إلى بلده.
ينطلق إلى تونس ليستعرض المتغيرات الاجتماعية بعد الثورة وموقع المرأة في تونس الجديدة ويحاور راشد الغنوشي ليطرح عليه أسئلة حول الحجاب والمثلية الجنسية، يرد الغنوشي أن الدولة لا تتدخل ولا تفرض الحجاب لكنه شخصيا ينصح به، وأن الدولة لا تتدخل بسلوكيات الناس داخل البيوف وخلف الأبواب المغلقة.
ثم يحلق بنا إلى البرتغال والنرويج ليستعرض نظام السجون الذي يصون كرامة الإنسان ويقارن هذا بما يحدث في أعظم دولة متقدمة حيث تمتهن الآدمية وينتهك العرض وتهدر الكرامة بشكل سافر ومخجل ويتمنى لو يتم تصحيح ما يحدث.
في سلوفينيا هذه الدولة الصغيرة يهاجر إليها الطلبة من أميركا للدراسة كون التعليم الجامعي مجانا وهذه مستحيل حدوثه في الولايات المتحدة الأميركية حيث يضطر الطلبة إلى دفع رسوم باهظة وتحمل ديون وتسديدها لعدة سنوات إلى البنوك، ثم يختم الرحلة للتوقف مع دور المرأة والثورة ضد فساد النظم البنكية في آيسلندا.
يقدم لنا السينمائي العبقري مايكل مور فيلمه الساخر "بحثا عن بلد نتدخل فيه" في مرحلة حرجة يعيشها الشعب الأميركي قبل خوضه الانتخابات الرئاسية، والتي قد تسفر عن فوز ترامب وهكذا ستكون كارثة مفجعة تزج بالشعب الأميركي في دوامة من الصراعات وفقدان قيمته الإنسانية والحضارية لذلك بذل المخرج جهده في مناداة ضمير وفكر هذا الشعب ليصحو من الحلم الزائف وينظر إلى شعوب تعاني من مشاكل اقتصادية لكنها مع ذلك تنعم بالسعادة والحياة والخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية وتصان كرامتهم وحقوقهم، كما يفضح مور سياسة بلده وينتقد تهور السياسة الأميركية وحروبها الخاسرة وما خلفته من بشاعة وألم.
يمتاز الفيلم بلغة سينمائية ذكية تثير الدهشة وتزج بنا في فضاء رحب ينعش تفكيرنا وينادي ضميرنا ويمسك بنا من اللحظة الأولى إلى آخر لقطة لنركض ونكتشف هذه الحكايات الصغيرة من كل بلد كأننا مع مغامرة سندباد الباحث عن الكنوز، وكلما يجد مايكل مور كنزا ثمينا يركز العلم الأميركي طالبا السماح بجعله يرفرف معه.
.......
• سينمائي يمني مقيم في فرنسا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.