أسعار الأسماك والخضروات والدواجن اليوم الثلاثاء 29 يوليو    تحرك شاحنات «زاد العزة» نحو معبر كرم أبو سالم لإدخال المساعدات إلى غزة    ترحيل رمضان صبحي لقسم شرطة أبو النمرس بعد ضبطه بمطار القاهرة    مصرع شخصين دهستهم سيارة تريلا بكورنيش المعادي    قائمة الراحلين عن الأهلي في ميركاتو الصيف.. ومصير «كوكا»    مؤشرات تنسيق المرحلة الأولى أدبي 2025.. قائمة كليات القمة إعلام وألسن واقتصاد وعلوم سياسية هتاخد من كام؟"    24 ساعة فارقة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم وموعد انتهاء الموجة الحارة    سبب القبض على رمضان صبحي في مطار القاهرة الدولي    بعد وفاة زياد الرحباني.. إليسا تُعيد تقديم «سألوني الناس» في حفل غنائي (فيديو)    المرحلة الأولي 2025 أدبي.. مؤشرات تنسيق الثانوية العامة (الألسن 84.26%)    كم سجل سعر اليورو اليوم؟.. انخفاض كبير مقابل الجنيه المصري الثلاثاء 29 يوليو 2025 في البنوك    يحرج صلاح وميسي، ليفاندوفسكي يتصدر قائمة الأكثر تسجيلًا بالدوريات الأوروبية الكبرى آخر 10 سنوات    «مش هسيب النادي للمجهول».. رد ناري من رئيس الإسماعيلي على الدعوة لسحب الثقة    ياسر الشهراني يعود إلى القادسية بعد نهاية رحلته مع الهلال    موعد مباراة ليفربول الودية القادمة أمام يوكوهاما مارينوس والقناة الناقلة    «هيتم تسويقه».. مدحت شلبي يكشف مفاجأة بشأن رحيل نجم وسط الزمالك    وصول قطار الأشقاء السودانيين إلى محطة السد العالى بأسوان.. صور    وزير التعليم: تطوير 94 منهجًا لجميع المراحل التعليمية    زلزال بقوة 6.5 درجة يضرب سواحل جزر نيكوبار الهندية    موعد بداية العام الدراسي الجديد 2026    شكل لجنة لمعرفة السبب..محافظ سوهاج يستجيب لاهالى قرية برخيل بشأن واقعة حرائق برخيل المتكررة    الاَن.. الحدود الدنيا وأماكن معامل التنسيق الإلكتروني للمرحلة الأولى 2025 في جميع المحافظات    الصين: مقتل 30 شخصًا جراء الأمطار الغزيرة في بكين    توقعات الأبراج وحظك اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025.. مفاجآت عاطفية وأخبار مهنية سارة في كل برج    يوسف معاطي يكشف سبب اعتذار محمود ياسين عن «صاحب السعادة» وأداء خالد زكي الدور    رامز جلال يتصدر تريند جوجل بعد إعلان موعد عرض فيلمه الجديد "بيج رامي"    منة فضالي تتصدر تريند جوجل بعد ظهورها في فرنسا    تحت عنوان «إتقان العمل».. أوقاف قنا تعقد 126 قافلة دعوية    إطلاق نار على ضابط شرطة ومدني وسط مدينة مانهاتن الأمريكية    السيطرة على حريق بمولدات كهرباء بالوادي الجديد.. والمحافظة: عودة الخدمة في أقرب وقت- صور    إيران تُهدد برد قاسٍ حال تكرار العدوان الأمريكي والإسرائيلي    نشرة التوك شو| الوطنية للانتخابات تعلن جاهزيتها لانتخابات الشيوخ وحقيقة فرض رسوم على الهواتف بأثر رجعي    سكان الجيزة بعد عودة انقطاع الكهرباء والمياه: الحكومة بتعذبنا والقصة مش قصة كابلات جديدة    "إحنا بنموت من الحر".. استغاثات من سكان الجيزة بعد استمرار انقطاع المياه والكهرباء    مرشح الجبهة الوطنية: تمكين الشباب رسالة ثقة من القيادة السياسية    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «حواديت» على مسرح سيد درويش بالإسكندرية    كم سجل عيار 21 الآن؟.. أسعار الذهب اليوم في مستهل تعاملات الثلاثاء 29 يوليو 2025    أخبار 24 ساعة.. انطلاق القطار الثانى لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    الاندبندنت: ترامب يمنح ستارمر "الضوء الأخضر" للاعتراف بدولة فلسطينية    وزير الخارجية السعودي: لا مصداقية لحديث التطبيع وسط معاناة غزة    قرار مفاجئ من أحمد عبدالقادر بشأن مسيرته مع الأهلي.. إعلامي يكشف التفاصيل    جوتيريش: حل الدولتين أصبح الآن أبعد من أي وقت مضى    في عامها الدراسي الأول.. جامعة الفيوم الأهلية تعلن المصروفات الدراسية للعام الجامعي 2025/2026    محمد معيط: العام المقبل سيشهد صرف شريحتين متبقيتين بقيمة تقارب 1.2 مليار دولار لكل شريحة    ارتباك بسوق المحمول بسبب «رسائل الضريبة الجمركية»    حفل العيد القومى لمحافظة الإسكندرية من داخل قلعة قايتباى.. فيديو    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    للحماية من التهاب المرارة.. تعرف على علامات حصوات المرارة المبكرة    من تنظيم مستويات السكر لتحسين الهضم.. تعرف على فوائد القرنفل الصحية    لها مفعول السحر.. رشة «سماق» على السلطة يوميًا تقضي على التهاب المفاصل وتخفض الكوليسترول.    جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية تُقدم خدماتها الطبية ل 476 مواطناً    حزب مستقبل وطن بالبحيرة يدعم المستشفيات بأجهزة طبية    حرائق الكهرباء عرض مستمر، اشتعال النيران بعمود إنارة بالبدرشين (صور)    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطاب الديني.. متاهات التجديد ورهانات الأصداء المتعددة
نشر في صوت البلد يوم 18 - 10 - 2016

عجيب ما رصدته بحضور كثيف وطاغٍ في الخطاب الديني المعاصر، فهناك نبرة استعلائية غريبة، رغم أن الخطاب الديني هو رسالة وقيمة في الأساس، ولكن ما سمعته وقرأته من كتابات أكد لدي حقيقة هي أن الخطاب الديني الذي بات تائهاً بين التجديد والتطوير والتعديل يسعى إلى تأسيس درجات متعددة من القمعية والسلطوية، فصاحب الخطاب والنص لايزال يضفي على نفسه صفة القاضي والمشرع والمفتي وصاحب الأمر والنهي والقمع الديني على المتلقي البسيط حتى يحول خطابه الديني إلى سلطة قمعية.
ووسط عشرات القنوات الفضائية الفراغية وعشرات الكتب التي من المفترض أنها دينية تجد معظمها تحمل عقاباً أكثر مما تحمل حلولاً وعلاجات لمشكلات عصرنا المضطرب، ومن المدهش أن سمة العقاب هذه لها كيمياء وحالة من الرضا بنفس وقلب وعقل المستمع والقارئ، فهو لا يريد أن يرهق نفسه بالتفكير والتأويل والتحليل لما يطالعه أو يسمعه من معلومات دينية، لذا فالمستمع ذو الآذان الكبيرة ليس بحاجة ماسة إلى بدائل يختار من بينها أكثر مما هو بحاجة إلى وجود قوة بشرية رادعة له.
ولا شك أن هذه فرصة سانحة وخصبة لأباطرة الخطاب الديني المعاصر، لاسيما أولئك الذين يهوون إعمال النقل وإبطال العقل، وما أكثرهم، ولعلي أدرك صعوبة مهمة المؤسسة الدينية الإسلامية في مصر مثلاً ورئيسها المستنير الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في مواجهة أولئك الدعاة الذين يصرون على إغلاق أبواب الاجتهاد، بل يقرون أنه لا قيمة لأي جديد يأتي.
وتبقى نقطة مثيرة جداً في الخطاب الديني المعاصر الذي يجد كيمياء خاصة لدى مريديه، ألا وهي الحضور الأنثوي في هذا الخطاب. وهو غياب أكثر من الحضور، فلا يزال الخطاب الديني المعاصر يرى في المرأة مصدراً للغواية والفتنة، بل يذهب بعيداً بنصوصه إلى اعتبارها ظناً سيئاً على طول الطريق، ودعاة وأئمة الخطاب الديني الذي بحاجة ضرورية للتطوير يمارسون هيمنتهم الذكورية وتحجيم دور المرأة في إثارة الغرائز والشهوات والشرور جميعها.
وجميع ما سبق من سمات وخصائص تميز الخطاب الديني المعاصر تجد لها وقعاً هادئاً وموسيقياً لدى مريديه وأنصاره، فهم يذهبون إليه بإرادتهم، ولا يكلفون أنفسهم عبء البحث والتنقيب عن مصادر أخرى لمعرفتهم الدينية، بل أصبحوا يسلمون بالتقليد والنهي عن النظر والمناقشة والجدل، ويخلطون بين الأصلي والفرعي من النصوص الدينية.
إن الخطاب الديني بحاجة إلى عملية تثوير جذرية، وكلما قرأت الآية القرآنية التي تقول (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) أدركت على الفور أننا أمامنا طريق طويل جداً لتغيير النبرة الاستعلائية للخطاب الديني، وأن قبول المناقشة وتقدير التنوع الثقافي دون استعلاء أو استكبار لهو أمر جلل بلا ريب.
وأن خطاباً مثل هذا لا يحمل سمة التسامح وتقدير التنوع الثقافي والفكري دون قمع أو قهر لا يؤدي يوماً ما إلى بناء أو نهضة، بل سيسفر عن أجساد تمشي على الأرض لا هدف لها في الحياة أو منها. فكيف تنهض هذه الأمة ولا يزال بعض الدعاة والأئمة يدغدغون مشاعرنا وأعصابنا بقصص تاريخية عن الصراع الإسلامي الصليبي، وأنه لا فائدة ترتجى من الحوار مع الآخر الوطني بصفة خاصة، أو مع الآخر الغربي بصفة عامة.
وأمر محزن حقاً أن تجد شباباً كثيراً ينتمي للمرحلة الجامعة من البنين والبنات مازال يعيش في فلك الحرب الخفية والمؤامرة المخططة التي تفرض عليه من الآخر الذي يعيش على الشاطئ الغربي، ومعارك سجالية محتمدة حول البيكيني والبوركيني وقضايا اجتماعية أخرى ساخرة، فمن المؤسف أن يرى جيل كامل سيحمل نهضة هذه الأمة في الغرب كل مفسدة، نعم للغرب عاداته وتقاليده وأعرافه ونصوصه المجتمعية التي تخضع للتأويل والنقد، ولنا أيضاً عقول ألزمنا الله بإعمالها، يقول تعالى (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب).
إن بداخل هؤلاء الشباب عفريتا يقبع، يخوفه من كل شيء، من الحروب الصليبية التي تنتظر على أسوار المدينة، ومن النقاب الذي لو نزع سقط الإسلام وانهار المسلمون ودينهم، وفي المسيحي الذي يتقاسم معه نصف الرغيف ونصف السيجارة عدو سيجهز عليه في أقرب فرصة. وأن إسرائيل التي هي دولة وكيان سيقضى على شرها وفتنتها بالدعاء والتلبية وربما بالنية. فبالله عليكم كيف سيطور هؤلاء أنفسهم، وكيف سينافسون نموراً أسيوية مثل اليابان وماليزيا، وإلى متى سيسلمون عقولهم لأناس آخرين يحملون عنهم حق التفكير.
ولكي يتحقق ما نصبو إليه من خير ونفع للخطاب الديني، ولكي يجد له نوعاً من الكيمياء الخاصة لدى مريديه وأنصاره لابد وأن يتخلى سريعاً عن تلك النبرات والنعرات الاستعلائية الفوقية، وأن يتسم بالتسامح، بل ما آمل إليه وغيري هو تثوير التسامح حتى ينتقل من حيز الحروف المطبوعة والكلمات المنطوقة إلى حد التمكين والمعايشة. وهذا لا شك سيحتاج جهداً مستمراً من المؤسسات الدينية المعنية بالأمر، بالتعاون من المؤسسات التي كان لها دور في زماننا المنقضي، أقصد المدرسة والجامعة والنادي.
أما بالنسبة للحضور الأنثوي في الخطاب الديني المعاصر، الذي أصبح قريب الصلة بالغياب أكثر من حضوره، والاهتمام بالآخر المختلف والمتنوع عقدياً وفكرياً وثقافياً، فلابد من مراجعة دقيقة وجادة لكل ما صيغ في الماضي، وكل ما أدى إلى هذه القطيعة والنفور بين الحضور الأنثوي الذي لايزال الخطاب الديني يؤكد كل يوم وليلة على أن المرأة مصدر الغواية والشرور السحيقة، بالإضافة إلى نظرة هذا الخطاب للآخر بوصفه ضيفاً على الوطن أو في زيارة سريعة لهذه الأرض الطيبة وسيغادرها يوماً ما.إن لم نلتق ونتواصل معاً انتهينا وانقطعت أواصلنا، وإن لم تنته نظرتنا الاستعلائية للآخر سنقضي على أنفسنا أولاً، إن هذه القمعية كامنة فينا نحن فقط، والنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله.
عجيب ما رصدته بحضور كثيف وطاغٍ في الخطاب الديني المعاصر، فهناك نبرة استعلائية غريبة، رغم أن الخطاب الديني هو رسالة وقيمة في الأساس، ولكن ما سمعته وقرأته من كتابات أكد لدي حقيقة هي أن الخطاب الديني الذي بات تائهاً بين التجديد والتطوير والتعديل يسعى إلى تأسيس درجات متعددة من القمعية والسلطوية، فصاحب الخطاب والنص لايزال يضفي على نفسه صفة القاضي والمشرع والمفتي وصاحب الأمر والنهي والقمع الديني على المتلقي البسيط حتى يحول خطابه الديني إلى سلطة قمعية.
ووسط عشرات القنوات الفضائية الفراغية وعشرات الكتب التي من المفترض أنها دينية تجد معظمها تحمل عقاباً أكثر مما تحمل حلولاً وعلاجات لمشكلات عصرنا المضطرب، ومن المدهش أن سمة العقاب هذه لها كيمياء وحالة من الرضا بنفس وقلب وعقل المستمع والقارئ، فهو لا يريد أن يرهق نفسه بالتفكير والتأويل والتحليل لما يطالعه أو يسمعه من معلومات دينية، لذا فالمستمع ذو الآذان الكبيرة ليس بحاجة ماسة إلى بدائل يختار من بينها أكثر مما هو بحاجة إلى وجود قوة بشرية رادعة له.
ولا شك أن هذه فرصة سانحة وخصبة لأباطرة الخطاب الديني المعاصر، لاسيما أولئك الذين يهوون إعمال النقل وإبطال العقل، وما أكثرهم، ولعلي أدرك صعوبة مهمة المؤسسة الدينية الإسلامية في مصر مثلاً ورئيسها المستنير الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في مواجهة أولئك الدعاة الذين يصرون على إغلاق أبواب الاجتهاد، بل يقرون أنه لا قيمة لأي جديد يأتي.
وتبقى نقطة مثيرة جداً في الخطاب الديني المعاصر الذي يجد كيمياء خاصة لدى مريديه، ألا وهي الحضور الأنثوي في هذا الخطاب. وهو غياب أكثر من الحضور، فلا يزال الخطاب الديني المعاصر يرى في المرأة مصدراً للغواية والفتنة، بل يذهب بعيداً بنصوصه إلى اعتبارها ظناً سيئاً على طول الطريق، ودعاة وأئمة الخطاب الديني الذي بحاجة ضرورية للتطوير يمارسون هيمنتهم الذكورية وتحجيم دور المرأة في إثارة الغرائز والشهوات والشرور جميعها.
وجميع ما سبق من سمات وخصائص تميز الخطاب الديني المعاصر تجد لها وقعاً هادئاً وموسيقياً لدى مريديه وأنصاره، فهم يذهبون إليه بإرادتهم، ولا يكلفون أنفسهم عبء البحث والتنقيب عن مصادر أخرى لمعرفتهم الدينية، بل أصبحوا يسلمون بالتقليد والنهي عن النظر والمناقشة والجدل، ويخلطون بين الأصلي والفرعي من النصوص الدينية.
إن الخطاب الديني بحاجة إلى عملية تثوير جذرية، وكلما قرأت الآية القرآنية التي تقول (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) أدركت على الفور أننا أمامنا طريق طويل جداً لتغيير النبرة الاستعلائية للخطاب الديني، وأن قبول المناقشة وتقدير التنوع الثقافي دون استعلاء أو استكبار لهو أمر جلل بلا ريب.
وأن خطاباً مثل هذا لا يحمل سمة التسامح وتقدير التنوع الثقافي والفكري دون قمع أو قهر لا يؤدي يوماً ما إلى بناء أو نهضة، بل سيسفر عن أجساد تمشي على الأرض لا هدف لها في الحياة أو منها. فكيف تنهض هذه الأمة ولا يزال بعض الدعاة والأئمة يدغدغون مشاعرنا وأعصابنا بقصص تاريخية عن الصراع الإسلامي الصليبي، وأنه لا فائدة ترتجى من الحوار مع الآخر الوطني بصفة خاصة، أو مع الآخر الغربي بصفة عامة.
وأمر محزن حقاً أن تجد شباباً كثيراً ينتمي للمرحلة الجامعة من البنين والبنات مازال يعيش في فلك الحرب الخفية والمؤامرة المخططة التي تفرض عليه من الآخر الذي يعيش على الشاطئ الغربي، ومعارك سجالية محتمدة حول البيكيني والبوركيني وقضايا اجتماعية أخرى ساخرة، فمن المؤسف أن يرى جيل كامل سيحمل نهضة هذه الأمة في الغرب كل مفسدة، نعم للغرب عاداته وتقاليده وأعرافه ونصوصه المجتمعية التي تخضع للتأويل والنقد، ولنا أيضاً عقول ألزمنا الله بإعمالها، يقول تعالى (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب).
إن بداخل هؤلاء الشباب عفريتا يقبع، يخوفه من كل شيء، من الحروب الصليبية التي تنتظر على أسوار المدينة، ومن النقاب الذي لو نزع سقط الإسلام وانهار المسلمون ودينهم، وفي المسيحي الذي يتقاسم معه نصف الرغيف ونصف السيجارة عدو سيجهز عليه في أقرب فرصة. وأن إسرائيل التي هي دولة وكيان سيقضى على شرها وفتنتها بالدعاء والتلبية وربما بالنية. فبالله عليكم كيف سيطور هؤلاء أنفسهم، وكيف سينافسون نموراً أسيوية مثل اليابان وماليزيا، وإلى متى سيسلمون عقولهم لأناس آخرين يحملون عنهم حق التفكير.
ولكي يتحقق ما نصبو إليه من خير ونفع للخطاب الديني، ولكي يجد له نوعاً من الكيمياء الخاصة لدى مريديه وأنصاره لابد وأن يتخلى سريعاً عن تلك النبرات والنعرات الاستعلائية الفوقية، وأن يتسم بالتسامح، بل ما آمل إليه وغيري هو تثوير التسامح حتى ينتقل من حيز الحروف المطبوعة والكلمات المنطوقة إلى حد التمكين والمعايشة. وهذا لا شك سيحتاج جهداً مستمراً من المؤسسات الدينية المعنية بالأمر، بالتعاون من المؤسسات التي كان لها دور في زماننا المنقضي، أقصد المدرسة والجامعة والنادي.
أما بالنسبة للحضور الأنثوي في الخطاب الديني المعاصر، الذي أصبح قريب الصلة بالغياب أكثر من حضوره، والاهتمام بالآخر المختلف والمتنوع عقدياً وفكرياً وثقافياً، فلابد من مراجعة دقيقة وجادة لكل ما صيغ في الماضي، وكل ما أدى إلى هذه القطيعة والنفور بين الحضور الأنثوي الذي لايزال الخطاب الديني يؤكد كل يوم وليلة على أن المرأة مصدر الغواية والشرور السحيقة، بالإضافة إلى نظرة هذا الخطاب للآخر بوصفه ضيفاً على الوطن أو في زيارة سريعة لهذه الأرض الطيبة وسيغادرها يوماً ما.إن لم نلتق ونتواصل معاً انتهينا وانقطعت أواصلنا، وإن لم تنته نظرتنا الاستعلائية للآخر سنقضي على أنفسنا أولاً، إن هذه القمعية كامنة فينا نحن فقط، والنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.