وزير التربية والتعليم يزور مدرسة «كوازاه» الفنية الصناعية في طوكيو    محافظ المنيا: تحصين 181 ألف رأس ماشية ضد الأمراض الوبائية لحماية الثروة الحيوانية    الهيئة الدولية لدعم فلسطين: إعلان المجاعة في غزة إدانة واضحة لإسرائيل بارتكاب جرائم إبادة وتجويع جماعي    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وزير خارجية باكستان يبدأ زيارة إلى بنجلاديش    النصر يواجه الأهلي في نهائي السوبر السعودي    ضبط شخص يزور تأشيرات السفر للنصب على المواطنين راغبي العمل بالخارج    هبات رياح وارتفاع حرارة ورطوبة.. تعرف على طقس مطروح اليوم السبت    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    البيئة تعلن الانتهاء من احتواء بقعة زيتية خفيفة في نهر النيل    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    فحص وصرف العلاج ل247 مواطنا ضمن قافلة بقرية البرث في شمال سيناء    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    محافظ أسوان يتفقد مشروع مركز شباب النصراب والمركز التكنولوجى بالمحاميد    رئيس مدينة الأقصر يناقش مع رؤساء الأحياء ملفات تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    خبير علاقات دولية: إعلان المجاعة في غزة يكشف سياسة التجويع الإسرائيلية الممنهجة    ضبط وتحرير 18 محضرا فى حملة إشغالات بمركز البلينا فى سوهاج    ظهر أحد طرفيها عاريا.. النيابة تحقق في مشاجرة بمدينة نصر    رغم تبرئة ساحة ترامب جزئيا.. جارديان: تصريحات ماكسويل تفشل فى تهدئة مؤيديه    "اتحاد المقاولين" يطالب بوقف تصدير الأسمنت لإنقاذ قطاع المقاولات من التعثر    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    محمد مكي يعالج الأزمة الهجومية في المقاولون قبل مواجهة بتروجت    لا دين ولا لغة عربية…التعليم الخاص تحول إلى كابوس لأولياء الأمور فى زمن الانقلاب    صراع الأجيال وتجديد الدماء    البابا تواضروس يترأس قداس تدشين كنيسة القديس مارمينا العجايبي بالإسكندرية    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    تفاصيل وأسباب تفتيش منزل مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق جون بولتون    محافظ الجيزة يشدد علي التعامل الفوري مع أي متغيرات مكانية يتم رصدها واتخاذ الإجراءات القانونية    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    «متبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم    «صحح مفاهيمك».. مبادرة دعوية خارج المساجد بمشاركة 15 وزارة    ثلاثة أفلام جديدة فى الطريق.. سلمى أبو ضيف تنتعش سينمائيا    مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يحيي ذكرى وفاة العالم الكبير الشيخ مصطفى المراغي    ما أسباب استجابة الدعاء؟.. واعظة بالأزهر تجيب    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    شباب في خدمة الوطن.. أندية التطوع والجوالة يعبرون رفح ويقدمون المساعدات لقطاع غزة    العمل والبيئة ينظمان دورة تدريبية حول الاستخدام الآمن لوسائط التبريد والتكييف بسوهاج    تحقيق استقصائى يكتبه حافظ الشاعر عن : بين "الحصة" والبطالة.. تخبط وزارة التعليم المصرية في ملف تعيين المعلمين    ابنة سيد مكاوي عن عودة شيرين لحسام حبيب: فقدت تعاطفي معها    جامعة القاهرة تُطلق قافلة تنموية شاملة لمدينة الحوامدية بالجيزة    حملة «100 يوم صحة» تقدّم 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يومًا    إصابة 3 أشخاص في حادث سير بوسط سيناء    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر ربيع الأول اليوم    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    ملف يلا كورة.. خطة انتخابات الأهلي.. رسائل الزمالك.. واعتماد لجنة الحكام    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    ما هي اختصاصات مركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري بقانون الرياضة بعد التصديق عليه؟    إرهاب الإخوان في ثلاجة القرارات الأمريكية.. لعبة المصالح فوق جرائم الجماعة    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي محمود عرفات يقاتل إسرائيل في " سرابيوم "
نشر في صوت البلد يوم 06 - 10 - 2016

يعد الروائي والمحارب العنيد محمود عرفات ، نموذجاً للمثقف العضوي الذي أشار إلية الفيلسوف وعالم الاجتماع الإيطالي أنطونيو جرامشى ، و الأديب محمود عرفات من مواليد 20نوفمبر1947 بمدينة بيلا ، محافظة كفر الشيخ ، شارك فى حرب أكتوبر عام 1973 كضابط احتياط بإحدى التشكيلات القتالية المدرعة بالجيش الثاني الميداني . وقد حاز على جائزة الدولة التشجيعية عام 2005 ، عن مجموعته القصصية " على شاطئ الجبل " ، من أهم أعمالة الروائية مقام الصبا ، ورواية الخسوف . فى روايته المتألقة " سرابيوم " و الصادرة عن سلسلة روايات دار الهلال في أكتوبر 2015 ، انعكاس صادق لرواية الحرب و أدب المقاومة ، شكل من خلالها صورة أدبية رائعة تجسد الحياة اليومية للعسكرية المصرية فى تلك الفترة العصيبة من حياة الشعب المصري على كافة المستويات السياسية و الحربية و الاجتماعية .
يعكس الإطار العام لرواية " سرابيوم " حياة البطل " دسوقي " وهو فتى ريفي نشأ بإحدى قرى بمدينة دسوق ، وكان لطبيعة التنشئة الاجتماعية الريفية أثرها عليه ، حيث أطلق والدة اسم" دسوقي" علية ، نظرا لتعلقه و حبة الشديد بالعارف بالله سيدي إبراهيم الدسوقي ، كما أثرت فيه وفاة أبية المبكرة على الملامح العامة لبنيته الشخصية ، فقرر في سن مبكرة الالتحاق متطوعا بالجيش هرباً من المعاملة القاسية لزوج أمة له ، والتي لم تكن الأم راضية عنها .
تعكس تلك الوقائع الإطار الزمني للرواية الذي بدأ قبل حرب يونيو1967 ، فتعلم دسوقي فى الجيش معنى الحفاظ على الأرض والدفاع عنها ، فهي العرض والشرف ، غير أن النتائج الكارثية لحرب يونيو 1967 نزلت علية كالصاعقة ، وكان لتلك الحرب أثارها النفسية و السياسية و العسكرية على بنية المجتمع المصري وانساقة الاجتماعية الفرعية المتباينة بل وعلى الفاعلين الاجتماعيين في الريف و المدينة ، فيقول دسوقي " بعد أسابيع قامت 67 ، سحابة الهزيمة السوداء غطت سماء الوطن ، و بدأ كل شيء على وشك السقوط ، لا أنسى وجه جمال عبد الناصر وهو يلقى خطاب التنحي .. مهزوماً بائساً حزيناً ..
هزيمة يونيو المذلة أصابتني بالغم ، وكسرت نفسي و أشعلت داخلي الرغبة فى الثأر . نسمع خطابات العائدين من صحراء القتل و العطش ، ونرى في معسكرات التجميع جنوداً زاغت أبصارهم وتهدلت ملامحهم ، وفقدوا ملابسهم وأحذيتهم و كرامتهم . ومن تهشمت عظامهم تحت جنازير دبابات العدو، ونشم رائحة شواء جثث جنودنا الذين راحوا في غمضة عين تحت سماء يونيو الحارقة ، أخذت الصورة تكتمل يوم بعد يوم ، وشعلة الثأر تكبر و تتوهج. سُدت السبل إلى طريق الثأر.
ويخاطب دسوقي أمة قائلا " بعد الحرب وجدنا أنفسنا في الأرض .. أجنحتنا مكسورة ، و الدماء تغطى الرمل والأرض و الزرع . الخونة ضحكوا علينا .. و الصهاينة أذلونا و أخرجوا لنا ألسنتهم .. الهزيمة مرة يأمى " . وزاد من حزن دسوقي على حال الوطن ، استشهاد القائد الذهبي عبد المنعم رياض، الذي اشرف على الخطة المصرية لتدمير خط بارليف، خلال حرب الاستنزاف ، في 8 مارس 1969.
تصور رواية "سرابيوم" لتأثير حرب يونيو1967 ، و حرب الاستنزاف على الأسرة المصرية و على حركة إيقاع الزواج في الريف المصري ومصر عموماً، ورؤية المصريين لمستقبلهم المشوش و الضبابي وكيف تشكلت تلك الرؤية التراجيدية للمصريين بفعل الحرب نحو مستقبلهم ، فقد أحجمت الأسرة عن تزويج بناتهم في سن الزواج للمجندين في الجيش خوفا على استقرارهن الأسرى ، ونتيجة لاحتمالات تعرض الشباب للإصابة أو الاستشهاد على جبهة القتال .
وترد أم دسوقي علية قائلة " من يوم النكسة و الجيش يلم الشباب . ولا أحد يخرج . المجندون قبل سبعة وستين أيضاً لا يخرجون .. محبوسون في قمقم . طبيعي أن يبقوا في الخدمة حتى تتحرر الأرض . لكن متى ؟ الشاب لا يستطيع الزواج إذا كان مجنداً ، أصبح التجنيد سبباً لرفض العريس .. حجة أهل العروس معقولة .. فالحرب آتية ولا أحد يعرف كيف تنتهي و من سيبقى و من سيذهب ؟ الانتظار أرحم من ارتباط مهزوز . المشكلة أن الضرب شغال و الشباب معرض للإصابة أو القتل . كل يوم نسمع عن عمليات عبور لشرق القناة و غارات إسرائيلية على كل المواقع . عندما استشهد خليل ابن خالتي من شهرين ترك زوجة و طفلة رضيعة .. رحت للعزاء .. لما شفت حالة البنت و أمها .. تذكرتك .. فنزلت دموعي كالمطر و أغمى " .
شارك دسوقى فى حرب الاستنزاف و التحق باللواء 117 بقرية سرابيوم التي تبعد عن مدينة الإسماعيلية بنحو أحد عشر كيلو متراً . فى سرابيوم تعرف على حبيبته "رئيفة " تلك الفتاة الريفية ذات الوجه الجميل ، ويقدم لنا الروائي شخصية " متولي " شقيق " رئيفة " ، أحب دسوقى رئيفة وتعلق قلبه من أول مرة تعرف فيها عليها ، للدرجة التي أنهال فيها على زميلة المجند بالجيش ، الذي حاول ذات مرة أن يعاكس فيها رئيفة وكاد أن يودى بحياته ، لولا تدخل أبو رئيفة لدى قائدة فى الجيش وطلب العفو عن دسوقى .
يعكس محمود عرفات فى مراياه عن عمق العلاقة التي تربط الشعب بجيشه ، على لسان متولي شقيق رئيفة " بعد الصلاة أمر والدي بالعجين ، تعجبت أمى لأن صندوق العيش ممتلئ ، قال لها وهو يهتز فرحاً : العجين للعساكر يا أم رئيفة . قامت أمى لتعجن وهى تهز رأسها كأنها تقول لنفسها : كيف نكفى هذه الأفواج المتدفقة من الجنود ؟ قرأ أبى أفكارها فقال في يقين يا أم رئيفة : الجهاد بما نملك . فى الصباح يحمل كل منا مشنته مليئة بالخبز ، ونقف على الطريق نوزعه على الجنود . أهتف بالجنود : شدوا حيلكم يا أبطال . وكان الرد يسبق الكلام و تتبعه .. الله أكبر ".
تزوج دسوقي من رئيفة وحملت منة بعد فترة تأخر فى الحمل ، ولكن لظروف الحرب و تواجد دسوقى على جبهة القتال جعلته يغادر سرابيوم وترك رئيفة فى رعاية متولي و أبويها ، وتتعرض منطقة الدفرسوار وسرابيوم لحصار من قبل العدو الإسرائيلي ، حتى يلفتوا انتباه العالم عن هزيمتهم المحققة ، ويقولوا إنهم يحاربون في غرب القناة ، كما يحارب المصريون في شرق القناة .
في ميدان القتال وعلى الجبهة نتعرف على أبطال مجهولين صنعوا نصر أكتوبر منهم المجند جابر ، وخليل الذي كان يستمع لأغاني عبد الحليم حافظ عبر إذاعة راديو إسرائيل التي تحمل مشاعر الحنين و الحزن والحب ، فأدرك دسوقي أنها الحرب النفسية التي أخذت تمارسها إسرائيل على مصر منذ صباح يوم السابع من أكتوبر 1973 ، و نتعرف على عبقرية المقاتل توفيق على منصور صاحب فكرة تركيب تليسكوب على الدبابات المصرية لتجعل عملية إصابة العدو تتم بدقة عالية ، لقد وصل أعجاب الخبراء الروس بالفكرة وطبقوها في الجيش الروسي ، ونتعرف على العديد من الشخصيات العسكرية مثل العقيد تحسين شنن وغيرهم الكثير الذي يحفل بها الروائي محمود عرفات وما حدث في ثغرة الدر فسوار
و قام العدو الصهيوني الغادر، بارتكاب مذبحة بشعة ، و قتل كل رجال سرابيوم أمام أطفالهم ونسائهم بما فيهم والد رئيفة ومتولي ، وهدموا منازل القرية وأجبروا النساء والأطفال و العجائز على مغادرة سرابيوم ، ولكن رئيفة لم تقوى على الحركة و السير على أقدمها من سرابيوم تجاه قرية " نفيشة " فسقطت فى الطريق منها ، لتقع فى المجهول ، ويعود دسوقى بعد انتهاء الحرب لتحل علية صدمة وفاة رئيفة و أبنه الذي فى بطنها الذي كان ينوى تسميته إبراهيم الدسوقي ، كما فعل أبوة في الماضي وسماه دسوقي ، حباً في العارف بالله سيدي إبراهيم الدسوقي الذي دفع فى هواة ملايين المصريين من الريف و البندر و العاصمة والصعايدة و الفلاحين الذين يزحمون ساحة المسجد الإبراهيمي ويسدون الشوارع المؤدية إلية و يمارسون طقوس الصبر و الرضا و الشكر و الوجد .
لم يستوعب دسوقي فكرة موت رئيفة ، أمها ومتولي يوقنان بموتها . أم رئيفة فقدت النطق لأنها لم تدافع عناه بما فيه الكفاية ، لقد كان التخلي عن رئيفة إجباراً ، وخاصة أن النسوة في " سرابيوم " السائرون في طابور الذل و الإهانة أقنعوها بالمضي في السير بحجة أن رئيفة ستجد الرعاية اللازمة كحامل على وشك الولادة . النسوة كن يدركن أن ثمن المقاومة و الاعتراض هو أن يموتوا جميعاً .
وتحل صدمة أخرى وهى قبول السادات السلام مع إسرائيل ، دسوقى تعرض لصدمة نفسية خطيرة جعلته يعانى من مرض نفسي ، يطلق علية علماء النفس ، " إضرابات ما بعد الصدمة " جعلته يتخيل أن نساء سرابيوم كلهن رئيفة ، مما جعل نساء القرية فى حالة خوف وسخرية منة . و على أثر قرار السلام مع إسرائيل قرر دسوقى التقاعد من الخدمة العسكرية ، حتى يكون فى حل من وعد السادات للعالم ، ويُحدث دسوقي نفسه ، هل تترك الخدمة لتثأر بمعرفتك ؟ هل ستشكل جيشاً أهلياً لتأخذ بثأرك ؟ كيف يكون وطني الأكبر ممزقاً؟ ومن المسئول عن تمزيقه ؟ أفكر فى الموضوع فأشعر أنني أكاد أفقد صوابي .
لا تعكس رواية سرابيوم في إطارها الزمني ، الفترة التاريخية للقتال على الجبهة لحرب أكتوبر فقط ، بل تمتد لسنوات طويلة تبدأ منذ ما قبل حرب يونيو 1967، مرورا بسنوات حرب الاستنزاف و حرب أكتوبر1973 ، لتنتهي أخيراً عند رفض " دسوقي " لاتفاقية الكويز الموقعة بين نظام مبارك و الكيان الصهيوني فى عام 2005.
يقول دسوقى " كويز أية وزفت أية ؟ شفت يا متولي ؟ شفت ما يفعلونه لربطنا بمصالح العدو؟ يعقدون اتفاقيات لروابط اقتصادية، ويزينون لنا تسهيلات للتصدير ، و يعتمدون على الحيتان من الرجال الذين لا يهمهم إلا الكسب السريع . سعينا إلى السلام لنستعيد سيناء ، قبلناه على مضض رغم شروط المعاهدة القاسية ، أثق أن هذا السلام سيتحطم قريباً و تتجدد المعارك . هل نسينا ما فعلوه بنا فى سبعة وستين ، وما فعلناه بهم فى ثلاثة و سبعين ؟! أنهم يهاجموننا فى السلم بمحاولة التغلغل الاقتصادي فى حياتنا .آه يا متولي .. أنا خائف من ضياع حقنا الذي لا يبحث عنة أحد .. لا أنسى ما فعلوه .. كيف أنسى ما فعلوه برئيفة ؟ ومَن يساعدني على الثأر ؟ .
سيبونى في حالي ، أنتم لا تعرفون ، تتعجبون أنني اشتريت القراريط و بيت الذكريات .. و انشغلت بالأرض و الزراعة .. لم أكن فلاحاً في يوم من الأيام ، لكنني أحببت الأرض بعد أن شاركت في تحرير القنطرة .. حب عجيب .. لا يشبه حبي لرئيفة .. لكنى تمنيت أن يساعدني على احتمال مصبيتي " .
تكشف رؤية العالم عند محمود عرفات ، كمحارب شارك فى صنع نصر أكتوبر وكمثقف وروائي عن مخاوفه من فقدان الذاكرة التاريخية للأهمية العظيمة لأكتوبر المجيدة عند عامة المصريين ، والنصر العظيم ، الذي يخاف علية أن يختفي وراء ستار الإهمال و الانشغال اليومي بهموم تافهة ، فيقول على لسان دسوقي " لو بقيت شعلة أكتوبر متوهجة لأنارت لنا حياتنا كلها .. و لحققنا بنورها المعجزات "
ويختتم الروائي محمود عرفات رواية " سرابيوم " محذرا العقل الجمعي للمصريين أن الخطر قادم من ناحية الشرق ، فلا يزال " دسوقي " يصعد كل يوم على المصطبة في قرية سرابيوم ، ليمارس طقوسه في المراقبة و تتبع العدو الإسرائيلي من ناحية الشرق ، ويعلو صوته محذرا " الخطر أصبح قريباً .. و أنهم سيهجمون .. سيهجون .. ونحن فى العسل نائمون " .
يعد الروائي والمحارب العنيد محمود عرفات ، نموذجاً للمثقف العضوي الذي أشار إلية الفيلسوف وعالم الاجتماع الإيطالي أنطونيو جرامشى ، و الأديب محمود عرفات من مواليد 20نوفمبر1947 بمدينة بيلا ، محافظة كفر الشيخ ، شارك فى حرب أكتوبر عام 1973 كضابط احتياط بإحدى التشكيلات القتالية المدرعة بالجيش الثاني الميداني . وقد حاز على جائزة الدولة التشجيعية عام 2005 ، عن مجموعته القصصية " على شاطئ الجبل " ، من أهم أعمالة الروائية مقام الصبا ، ورواية الخسوف . فى روايته المتألقة " سرابيوم " و الصادرة عن سلسلة روايات دار الهلال في أكتوبر 2015 ، انعكاس صادق لرواية الحرب و أدب المقاومة ، شكل من خلالها صورة أدبية رائعة تجسد الحياة اليومية للعسكرية المصرية فى تلك الفترة العصيبة من حياة الشعب المصري على كافة المستويات السياسية و الحربية و الاجتماعية .
يعكس الإطار العام لرواية " سرابيوم " حياة البطل " دسوقي " وهو فتى ريفي نشأ بإحدى قرى بمدينة دسوق ، وكان لطبيعة التنشئة الاجتماعية الريفية أثرها عليه ، حيث أطلق والدة اسم" دسوقي" علية ، نظرا لتعلقه و حبة الشديد بالعارف بالله سيدي إبراهيم الدسوقي ، كما أثرت فيه وفاة أبية المبكرة على الملامح العامة لبنيته الشخصية ، فقرر في سن مبكرة الالتحاق متطوعا بالجيش هرباً من المعاملة القاسية لزوج أمة له ، والتي لم تكن الأم راضية عنها .
تعكس تلك الوقائع الإطار الزمني للرواية الذي بدأ قبل حرب يونيو1967 ، فتعلم دسوقي فى الجيش معنى الحفاظ على الأرض والدفاع عنها ، فهي العرض والشرف ، غير أن النتائج الكارثية لحرب يونيو 1967 نزلت علية كالصاعقة ، وكان لتلك الحرب أثارها النفسية و السياسية و العسكرية على بنية المجتمع المصري وانساقة الاجتماعية الفرعية المتباينة بل وعلى الفاعلين الاجتماعيين في الريف و المدينة ، فيقول دسوقي " بعد أسابيع قامت 67 ، سحابة الهزيمة السوداء غطت سماء الوطن ، و بدأ كل شيء على وشك السقوط ، لا أنسى وجه جمال عبد الناصر وهو يلقى خطاب التنحي .. مهزوماً بائساً حزيناً ..
هزيمة يونيو المذلة أصابتني بالغم ، وكسرت نفسي و أشعلت داخلي الرغبة فى الثأر . نسمع خطابات العائدين من صحراء القتل و العطش ، ونرى في معسكرات التجميع جنوداً زاغت أبصارهم وتهدلت ملامحهم ، وفقدوا ملابسهم وأحذيتهم و كرامتهم . ومن تهشمت عظامهم تحت جنازير دبابات العدو، ونشم رائحة شواء جثث جنودنا الذين راحوا في غمضة عين تحت سماء يونيو الحارقة ، أخذت الصورة تكتمل يوم بعد يوم ، وشعلة الثأر تكبر و تتوهج. سُدت السبل إلى طريق الثأر.
ويخاطب دسوقي أمة قائلا " بعد الحرب وجدنا أنفسنا في الأرض .. أجنحتنا مكسورة ، و الدماء تغطى الرمل والأرض و الزرع . الخونة ضحكوا علينا .. و الصهاينة أذلونا و أخرجوا لنا ألسنتهم .. الهزيمة مرة يأمى " . وزاد من حزن دسوقي على حال الوطن ، استشهاد القائد الذهبي عبد المنعم رياض، الذي اشرف على الخطة المصرية لتدمير خط بارليف، خلال حرب الاستنزاف ، في 8 مارس 1969.
تصور رواية "سرابيوم" لتأثير حرب يونيو1967 ، و حرب الاستنزاف على الأسرة المصرية و على حركة إيقاع الزواج في الريف المصري ومصر عموماً، ورؤية المصريين لمستقبلهم المشوش و الضبابي وكيف تشكلت تلك الرؤية التراجيدية للمصريين بفعل الحرب نحو مستقبلهم ، فقد أحجمت الأسرة عن تزويج بناتهم في سن الزواج للمجندين في الجيش خوفا على استقرارهن الأسرى ، ونتيجة لاحتمالات تعرض الشباب للإصابة أو الاستشهاد على جبهة القتال .
وترد أم دسوقي علية قائلة " من يوم النكسة و الجيش يلم الشباب . ولا أحد يخرج . المجندون قبل سبعة وستين أيضاً لا يخرجون .. محبوسون في قمقم . طبيعي أن يبقوا في الخدمة حتى تتحرر الأرض . لكن متى ؟ الشاب لا يستطيع الزواج إذا كان مجنداً ، أصبح التجنيد سبباً لرفض العريس .. حجة أهل العروس معقولة .. فالحرب آتية ولا أحد يعرف كيف تنتهي و من سيبقى و من سيذهب ؟ الانتظار أرحم من ارتباط مهزوز . المشكلة أن الضرب شغال و الشباب معرض للإصابة أو القتل . كل يوم نسمع عن عمليات عبور لشرق القناة و غارات إسرائيلية على كل المواقع . عندما استشهد خليل ابن خالتي من شهرين ترك زوجة و طفلة رضيعة .. رحت للعزاء .. لما شفت حالة البنت و أمها .. تذكرتك .. فنزلت دموعي كالمطر و أغمى " .
شارك دسوقى فى حرب الاستنزاف و التحق باللواء 117 بقرية سرابيوم التي تبعد عن مدينة الإسماعيلية بنحو أحد عشر كيلو متراً . فى سرابيوم تعرف على حبيبته "رئيفة " تلك الفتاة الريفية ذات الوجه الجميل ، ويقدم لنا الروائي شخصية " متولي " شقيق " رئيفة " ، أحب دسوقى رئيفة وتعلق قلبه من أول مرة تعرف فيها عليها ، للدرجة التي أنهال فيها على زميلة المجند بالجيش ، الذي حاول ذات مرة أن يعاكس فيها رئيفة وكاد أن يودى بحياته ، لولا تدخل أبو رئيفة لدى قائدة فى الجيش وطلب العفو عن دسوقى .
يعكس محمود عرفات فى مراياه عن عمق العلاقة التي تربط الشعب بجيشه ، على لسان متولي شقيق رئيفة " بعد الصلاة أمر والدي بالعجين ، تعجبت أمى لأن صندوق العيش ممتلئ ، قال لها وهو يهتز فرحاً : العجين للعساكر يا أم رئيفة . قامت أمى لتعجن وهى تهز رأسها كأنها تقول لنفسها : كيف نكفى هذه الأفواج المتدفقة من الجنود ؟ قرأ أبى أفكارها فقال في يقين يا أم رئيفة : الجهاد بما نملك . فى الصباح يحمل كل منا مشنته مليئة بالخبز ، ونقف على الطريق نوزعه على الجنود . أهتف بالجنود : شدوا حيلكم يا أبطال . وكان الرد يسبق الكلام و تتبعه .. الله أكبر ".
تزوج دسوقي من رئيفة وحملت منة بعد فترة تأخر فى الحمل ، ولكن لظروف الحرب و تواجد دسوقى على جبهة القتال جعلته يغادر سرابيوم وترك رئيفة فى رعاية متولي و أبويها ، وتتعرض منطقة الدفرسوار وسرابيوم لحصار من قبل العدو الإسرائيلي ، حتى يلفتوا انتباه العالم عن هزيمتهم المحققة ، ويقولوا إنهم يحاربون في غرب القناة ، كما يحارب المصريون في شرق القناة .
في ميدان القتال وعلى الجبهة نتعرف على أبطال مجهولين صنعوا نصر أكتوبر منهم المجند جابر ، وخليل الذي كان يستمع لأغاني عبد الحليم حافظ عبر إذاعة راديو إسرائيل التي تحمل مشاعر الحنين و الحزن والحب ، فأدرك دسوقي أنها الحرب النفسية التي أخذت تمارسها إسرائيل على مصر منذ صباح يوم السابع من أكتوبر 1973 ، و نتعرف على عبقرية المقاتل توفيق على منصور صاحب فكرة تركيب تليسكوب على الدبابات المصرية لتجعل عملية إصابة العدو تتم بدقة عالية ، لقد وصل أعجاب الخبراء الروس بالفكرة وطبقوها في الجيش الروسي ، ونتعرف على العديد من الشخصيات العسكرية مثل العقيد تحسين شنن وغيرهم الكثير الذي يحفل بها الروائي محمود عرفات وما حدث في ثغرة الدر فسوار
و قام العدو الصهيوني الغادر، بارتكاب مذبحة بشعة ، و قتل كل رجال سرابيوم أمام أطفالهم ونسائهم بما فيهم والد رئيفة ومتولي ، وهدموا منازل القرية وأجبروا النساء والأطفال و العجائز على مغادرة سرابيوم ، ولكن رئيفة لم تقوى على الحركة و السير على أقدمها من سرابيوم تجاه قرية " نفيشة " فسقطت فى الطريق منها ، لتقع فى المجهول ، ويعود دسوقى بعد انتهاء الحرب لتحل علية صدمة وفاة رئيفة و أبنه الذي فى بطنها الذي كان ينوى تسميته إبراهيم الدسوقي ، كما فعل أبوة في الماضي وسماه دسوقي ، حباً في العارف بالله سيدي إبراهيم الدسوقي الذي دفع فى هواة ملايين المصريين من الريف و البندر و العاصمة والصعايدة و الفلاحين الذين يزحمون ساحة المسجد الإبراهيمي ويسدون الشوارع المؤدية إلية و يمارسون طقوس الصبر و الرضا و الشكر و الوجد .
لم يستوعب دسوقي فكرة موت رئيفة ، أمها ومتولي يوقنان بموتها . أم رئيفة فقدت النطق لأنها لم تدافع عناه بما فيه الكفاية ، لقد كان التخلي عن رئيفة إجباراً ، وخاصة أن النسوة في " سرابيوم " السائرون في طابور الذل و الإهانة أقنعوها بالمضي في السير بحجة أن رئيفة ستجد الرعاية اللازمة كحامل على وشك الولادة . النسوة كن يدركن أن ثمن المقاومة و الاعتراض هو أن يموتوا جميعاً .
وتحل صدمة أخرى وهى قبول السادات السلام مع إسرائيل ، دسوقى تعرض لصدمة نفسية خطيرة جعلته يعانى من مرض نفسي ، يطلق علية علماء النفس ، " إضرابات ما بعد الصدمة " جعلته يتخيل أن نساء سرابيوم كلهن رئيفة ، مما جعل نساء القرية فى حالة خوف وسخرية منة . و على أثر قرار السلام مع إسرائيل قرر دسوقى التقاعد من الخدمة العسكرية ، حتى يكون فى حل من وعد السادات للعالم ، ويُحدث دسوقي نفسه ، هل تترك الخدمة لتثأر بمعرفتك ؟ هل ستشكل جيشاً أهلياً لتأخذ بثأرك ؟ كيف يكون وطني الأكبر ممزقاً؟ ومن المسئول عن تمزيقه ؟ أفكر فى الموضوع فأشعر أنني أكاد أفقد صوابي .
لا تعكس رواية سرابيوم في إطارها الزمني ، الفترة التاريخية للقتال على الجبهة لحرب أكتوبر فقط ، بل تمتد لسنوات طويلة تبدأ منذ ما قبل حرب يونيو 1967، مرورا بسنوات حرب الاستنزاف و حرب أكتوبر1973 ، لتنتهي أخيراً عند رفض " دسوقي " لاتفاقية الكويز الموقعة بين نظام مبارك و الكيان الصهيوني فى عام 2005.
يقول دسوقى " كويز أية وزفت أية ؟ شفت يا متولي ؟ شفت ما يفعلونه لربطنا بمصالح العدو؟ يعقدون اتفاقيات لروابط اقتصادية، ويزينون لنا تسهيلات للتصدير ، و يعتمدون على الحيتان من الرجال الذين لا يهمهم إلا الكسب السريع . سعينا إلى السلام لنستعيد سيناء ، قبلناه على مضض رغم شروط المعاهدة القاسية ، أثق أن هذا السلام سيتحطم قريباً و تتجدد المعارك . هل نسينا ما فعلوه بنا فى سبعة وستين ، وما فعلناه بهم فى ثلاثة و سبعين ؟! أنهم يهاجموننا فى السلم بمحاولة التغلغل الاقتصادي فى حياتنا .آه يا متولي .. أنا خائف من ضياع حقنا الذي لا يبحث عنة أحد .. لا أنسى ما فعلوه .. كيف أنسى ما فعلوه برئيفة ؟ ومَن يساعدني على الثأر ؟ .
سيبونى في حالي ، أنتم لا تعرفون ، تتعجبون أنني اشتريت القراريط و بيت الذكريات .. و انشغلت بالأرض و الزراعة .. لم أكن فلاحاً في يوم من الأيام ، لكنني أحببت الأرض بعد أن شاركت في تحرير القنطرة .. حب عجيب .. لا يشبه حبي لرئيفة .. لكنى تمنيت أن يساعدني على احتمال مصبيتي " .
تكشف رؤية العالم عند محمود عرفات ، كمحارب شارك فى صنع نصر أكتوبر وكمثقف وروائي عن مخاوفه من فقدان الذاكرة التاريخية للأهمية العظيمة لأكتوبر المجيدة عند عامة المصريين ، والنصر العظيم ، الذي يخاف علية أن يختفي وراء ستار الإهمال و الانشغال اليومي بهموم تافهة ، فيقول على لسان دسوقي " لو بقيت شعلة أكتوبر متوهجة لأنارت لنا حياتنا كلها .. و لحققنا بنورها المعجزات "
ويختتم الروائي محمود عرفات رواية " سرابيوم " محذرا العقل الجمعي للمصريين أن الخطر قادم من ناحية الشرق ، فلا يزال " دسوقي " يصعد كل يوم على المصطبة في قرية سرابيوم ، ليمارس طقوسه في المراقبة و تتبع العدو الإسرائيلي من ناحية الشرق ، ويعلو صوته محذرا " الخطر أصبح قريباً .. و أنهم سيهجمون .. سيهجون .. ونحن فى العسل نائمون " .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.