5 دول لن تشهد انتخابات مجلس الشيوخ.. سوريا والسودان وإسرائيل أبرزهم    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بالخصوص    الرئيس الإيراني يبدأ زيارة رسمية إلى باكستان السبت لتعزيز التعاون الثنائي    ملك المغرب يعطي تعليماته من أجل إرسال مساعدة إنسانية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني    الرئاسة الفلسطينية: مصر لم تقصر في دعم شعبنا.. والرئيس السيسي لم يتوان لحظة عن أي موقف نطلبه    فرنسا تطالب بوقف أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" بسبب "شبهات تمويل غير مشروع"    القوات الأوكرانية خسرت 7.5 آلاف عسكري في تشاسوف يار    البرلمان اللبناني يصادق على قانوني إصلاح المصارف واستقلالية القضاء    تقرير: مانشستر يونايتد مهتم بضم دوناروما حارس مرمى باريس سان جيرمان    عدي الدباغ معروض على الزمالك.. وإدارة الكرة تدرس الموقف    خالد الغندور يوجه رسالة بشأن زيزو ورمضان صبحي    راديو كتالونيا: ميسي سيجدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    أبرزهم آرنولد.. ريال مدريد يعزز صفوفه بعدة صفقات جديدة في صيف 2025    مصر تتأهل لنهائي بطولة العالم لناشئي وناشئات الإسكواش بعد اكتساح إنجلترا    جنوب سيناء تكرم 107 متفوقين في التعليم والرياضة وتؤكد دعمها للنوابغ والمنح الجامعية    تحقيقات موسعة مع متهم طعن زوجته داخل محكمة الدخيلة بسبب قضية خلع والنيابة تطلب التحريات    محافظ القاهرة يقود حملة لرفع الإشغالات بميدان الإسماعيلية بمصر الجديدة    نيابة البحيرة تقرر عرض جثة طفلة توفيت فى عملية جراحية برشيد على الطب الشرعى    مراسل "الحياة اليوم": استمرار الاستعدادات الخاصة بحفل الهضبة عمرو دياب بالعلمين    مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات مهرجان الصيف الدولي في دورته 22 الخميس المقبل    ضياء رشوان: تظاهرات "الحركة الإسلامية" بتل أبيب ضد مصر كشفت نواياهم    محسن جابر يشارك في فعاليات مهرجان جرش ال 39 ويشيد بحفاوة استقبال الوفد المصري    أسامة كمال عن المظاهرات ضد مصر فى تل أبيب: يُطلق عليهم "متآمر واهبل"    نائب محافظ سوهاج يُكرم حفظة القرآن من ذوي الهمم برحلات عمرة    أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقوموا الصلاة.. فيديو    ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟ أمين الفتوى يجيب    القولون العصبي- إليك مهدئاته الطبيعية    جامعة أسيوط تطلق فعاليات اليوم العلمي الأول لوحدة طب المسنين وأمراض الشيخوخة    «بطولة عبدالقادر!».. حقيقة عقد صفقة تبادلية بين الأهلي وبيراميدز    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    لتسهيل نقل الخبرات والمهارات بين العاملين.. جامعة بنها تفتتح فعاليات دورة إعداد المدربين    محقق الأهداف غير الرحيم.. تعرف على أكبر نقاط القوة والضعف ل برج الجدي    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية توقّع مذكرة تفاهم مع الوكالة الوطنية للمراقبة الصحية البرازيلية    قتل ابنه الصغير بمساعدة الكبير ومفاجآت في شهادة الأم والابنة.. تفاصيل أغرب حكم للجنايات المستأنفة ضد مزارع ونجله    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    ليستوعب 190 سيارة سيرفيس.. الانتهاء من إنشاء مجمع مواقف كوم أمبو في أسوان    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    كبدك في خطر- إهمال علاج هذا المرض يصيبه بالأورام    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة العقل العربي : لا العلمانيون عربوا الحداثة ولا الإسلاميون حدثوا التراث
نشر في صوت البلد يوم 25 - 09 - 2016

يحاول الباحث السوري لؤي صافي البحث بشكل معمّق في بنية الوعي السياسي العربي ووضع أزمة الفكر في سياق قراءة موقع العقل العربي تاريخيا وحضاريا. فقد أكد صافي أن هذا العقل إما أن يكون سجين مقولات التراث الإسلامي (الديني) وإما أنه مغترب وذائب في الآخر الغربي ذي النماذج البراقة والصالحة لمحيطه فقط، وكل ذلك جاء في كتابه الجديد “الإنسان وجدلية الوجود والوجدان”، الصادر حديثا عن دار الفكر المعاصر ببيروت.
ويشير الكاتب إلى أن الأعمال الفكرية التي تسعى إلى فهم الوجود الكلي والنظر في معنى الحياة وغاياتها في الثقافة العربية تنقسم إلى قسمين، الأول يتألف من أعمال تنطلق من التراث وتسعى إلى بناء تصور كلي للوجود، والثاني يشمل مقولات منقولة عن فلسفات غربية، دون تقديم جهد كاف لمعارضتها بالأطروحات التراثية.
ويركّز الباحث السوري على أن انقطاع التراث كان نتيجة لتراجع التيار العقلي، مما زاد من صعوبة قيام حوار نظري بين التراث العربي الإسلامي والحداثة الغربية التي قادت دوائر التفكير العالمي خلال القرنين الأخيرين، ورأى أن ما زاد الصورة تعقيدا هو سعي المفكرين العرب خلال القرن الماضي إلى تبني الفلسفات اليسارية الماركسية والليبرالية الغربية واعتمادها لبناء مجتمع عربي حديث دون النظر في العناصر التكوينية للثقافة العربية وسياقها الاجتماعي التاريخي.
وينتقد المؤلف العقلية التقليدية، سواء التراثية منها أو العلمانية، بشقيها اليساري والليبرالي، التي تعمل على استنساخ النماذج الناجزة في وعي الإنسان العربي المعاصر، وكتب يقول إن “التقليد المعرفي بشقيه الإسلامي الذي يسعى إلى إحياء النماذج التاريخية، والعلماني الذي يعمل على استعارة النماذج الغربية الحداثية بتفاصيلها الثقافية والاجتماعية، أصبح الممارسة اليومية لأعداد مؤثرة من المثقفين المعاصرين”. ويشدد صافي على أن القاسم المشترك بين التيارين الفكريين المتصارعين في المجتمع العربي المعاصر، أي التيار الإسلامي والتيار العلماني رغم الاختلاف الكبير في المضمون الفكري الذي يحتكمان إليه، هو “الإصرار على عملية الاستنساخ المعرفي من جهة، والرغبة في تبني الأشكال التنظيمية والخطابية الحداثية من جهة ثانية، وذلك نظرا لفاعلية هذه الأشكال ونجاعتها وقدرتها على تشكيل الحياة المعاصرة”.
ويرى أن الحركة العلمانية، لم تتمكن من نقل المضمون الفكري الغربي وتنزيله في شكل حداثي يتطابق فيه الشكل مع المضمون، بل أسقطت المضمون الغربي على بنية العقل العربي التقليدية، والنتيجة مؤسسات وعلاقات مقتبسة من المجتمع الحداثي الغربي، تملك شكلا غربيا أُنزل قصريّا على مضمون ثقافي يعكس لحظة التخلف في التاريخ العربي الحديث، وهذا التناقض يظهر واضحا برأيه “في مؤسسات الدولة الحديثة والنماذج السياسية الحديثة، التي تحولت إلى هياكل خاوية من المعاني الذي أنشئت لتحقيقها، فالنظام النيابي الحديث يتبنى أشكال الانتخاب الديمقراطية، ولكنه يعكس ممارسات سلطانية تعود إلى المراحل المتأخرة من الثقافة السياسية التاريخية، وبالمثل فإن المؤسسات الاقتصادية والتجارية الحديثة غالبا ما توظف من قبل العاملين عليها للثراء الشخصي ولم تتمكن بعد عقود من اعتمادها من تطوير الحياة الاقتصادية والصناعية في البلدان العربية”.
وبالمقابل يجد الكاتب أن التيار الإسلامي يتبنى مضمون التراث التاريخي ولكنه يسعى إلى تنزيله على أساس معاصر يتناقض معه في مستوى المقاصد والتكوين “فحركات الإسلام السياسي تتبنى نظريات الأحكام السلطانية التي طورها الفقهاء التاريخيون في القرون الأولى للإسلام، ولكنها تعمل على تنزيلها على بنية سياسية حداثية، وبالتحديد الدولة المركزية التي تتولى السلطة السياسية فيها مهمة تنظيم الحياة”، فحركات الإسلام السياسي هذه “لا تدعو إلى عملية تشريعية يرتبط فيها القرار التشريعي بالإرادة الشعبية الممثلة في المجالس النيابية، بل تصر على تطبيق الشريعة الإسلامية وفرضها على المجتمع السياسي وفق مؤسساتها التاريخية”.
ويستنتج صافي أن عدم فقه العلاقة بين الشكل والمضمون وغياب الوعي التاريخي، يمنعان حركات الإسلام السياسي من إدراك أن الشريعة تطورت عبر التاريخ في أحضان المجتمع المدني المسلم، وبعيدا عن دوائر الدولة والسلطة السياسية وأنها على العكس من الفهم الشائع في الدوائر الدينية المعاصرة، تطورت في البعض من جوانبها لمنع تغوّل السلطة السياسية وتسلّطها على المجتمع.
وفي كلا الحالتين، فإن العنصر المفقود برأي الكاتب هو وجود بنية فكرية ونظرية للوعي الفردي والجمعي تسمح بالتعاطي مع النموذجين التراثي والحداثي، وإعادة تشكيل مفردات الوعي التراثي من خلال ربطها بخصائص اللحظة التاريخية الراهنة، وأن هذه البنية الفكرية والنظرية للوعي تم تدميرها ببطء وبخطوات متدرّجة عبر التاريخ الإسلامي، إلى أن اختفت نهائيا خلال القرون القليلة الماضية، وأدى الصراع التاريخي بين منظوري الرأي والحديث إلى تراجع الأول، ولتتحول البنية المعرفية للوعي الجمعي للمجتمعات العربية والإسلامية إلى بنية فكرية لا تمتلك القدرة على ربط الذات بسياقها التاريخي وفضائها الجغرافي. وهذا ما ولد رؤية أحادية لا تستشعر أهمية ربط القيم الرسالية بخصوصيات الزمان والمكان، بل تعيد إنتاج الفكر التاريخي بلغة وصفية معاصرة. ويسلط الكاتب الضوء على سعي المجتمع العربي والإسلامي في القرون الأولى للحضارة الإسلامية إلى تطوير مقاربة فكرية نظرية لفهم النصوص والوقائع، وأعمال المدرسة الفلسفية الإسلامية ثم المدرسة المعتزلية الكلامية والمدرسة الأشعرية، وتحالف المدرسة المعتزلية مع البيت العباسي، وممارساتها التي ولّدت الحركة السلفية الحديثية، ومن ثمة أدت إلى اختفاء الفكر النظري، بشكليه الفلسفي والكلامي.
كما يتطرق إلى محاولات البعض من المفكرين المعاصرين خلال العقود الثلاثة الماضية، توليد حوار داخلي بين الأطروحات التراثية التاريخية والحداثية المعاصرة، كمحاولات مالك بن نبي، ومحمد عابد الجابري، وحسن حنفي، ومحمد أركون، وعبدالوهاب المسيري، والتي رأى أنها اقتصرت على التحليل النقدي للتراث أو الحداثة أو كليهما دون تقديم مقاربة نظرية جديدة على المستويات المعرفية والوجودية والأخلاقية، وشدد على أن غياب مشروع فكري يوافق بين التراث الفكري التاريخي وبين المساهمات الفكرية الحداثية، يُمثّل تحديا كبيرا للجهود الإصلاحية اليوم.
ويرى الكاتب أن مهمة كتاب الإنسان وجدلية الوجود والوجدان، هي خلق فضاء فكري يسمح بتقييم الفكرين التراثي والحداثي، وهو ما يتطلب “تطوير بنية داخلية لهذا الفضاء لتمكينهما من تقديم رؤية كلية لمعنى الوجود الإنساني وبنية الوعي والفكر والشروط النظرية والتاريخية لقيام فعل حضاري يبدو اليوم أنه غائب كليا عن الواقع العربي.
يتعامل لؤي صافي مع مفاهيم فكرية تأسيسية ويسعى إلى تطويرها إلى مقاربة نظرية تتعاطى مع الدائرة المعرفية الأوسع، دائرة الوجود بكل أبعاده، بعيدا عن الاستفاضة والتبسيط، كما يسعى إلى تطوير رؤية مركبة تُوظّف المفاهيم المعرفية التراثية والحداثية وتربطها بسياق الوعي التاريخي، وإلى تطوير فهم متقدم لبنية الفكر وآلياته النظرية، وفتح الباب للحوار الثقافي في دائرة وعي الذات العربية، ويضع المعالم الأساسية لتحديد بنية الذات الإنسانية وصيرورتها الزمنية الضرورية لفهم الإنسان ومهمته التاريخية أولا، وفهم العلاقة بين الوعي الديني الذي يعود من جديد لتوجيه حركة التاريخ .
.......
كاتب من سوريا
يحاول الباحث السوري لؤي صافي البحث بشكل معمّق في بنية الوعي السياسي العربي ووضع أزمة الفكر في سياق قراءة موقع العقل العربي تاريخيا وحضاريا. فقد أكد صافي أن هذا العقل إما أن يكون سجين مقولات التراث الإسلامي (الديني) وإما أنه مغترب وذائب في الآخر الغربي ذي النماذج البراقة والصالحة لمحيطه فقط، وكل ذلك جاء في كتابه الجديد “الإنسان وجدلية الوجود والوجدان”، الصادر حديثا عن دار الفكر المعاصر ببيروت.
ويشير الكاتب إلى أن الأعمال الفكرية التي تسعى إلى فهم الوجود الكلي والنظر في معنى الحياة وغاياتها في الثقافة العربية تنقسم إلى قسمين، الأول يتألف من أعمال تنطلق من التراث وتسعى إلى بناء تصور كلي للوجود، والثاني يشمل مقولات منقولة عن فلسفات غربية، دون تقديم جهد كاف لمعارضتها بالأطروحات التراثية.
ويركّز الباحث السوري على أن انقطاع التراث كان نتيجة لتراجع التيار العقلي، مما زاد من صعوبة قيام حوار نظري بين التراث العربي الإسلامي والحداثة الغربية التي قادت دوائر التفكير العالمي خلال القرنين الأخيرين، ورأى أن ما زاد الصورة تعقيدا هو سعي المفكرين العرب خلال القرن الماضي إلى تبني الفلسفات اليسارية الماركسية والليبرالية الغربية واعتمادها لبناء مجتمع عربي حديث دون النظر في العناصر التكوينية للثقافة العربية وسياقها الاجتماعي التاريخي.
وينتقد المؤلف العقلية التقليدية، سواء التراثية منها أو العلمانية، بشقيها اليساري والليبرالي، التي تعمل على استنساخ النماذج الناجزة في وعي الإنسان العربي المعاصر، وكتب يقول إن “التقليد المعرفي بشقيه الإسلامي الذي يسعى إلى إحياء النماذج التاريخية، والعلماني الذي يعمل على استعارة النماذج الغربية الحداثية بتفاصيلها الثقافية والاجتماعية، أصبح الممارسة اليومية لأعداد مؤثرة من المثقفين المعاصرين”. ويشدد صافي على أن القاسم المشترك بين التيارين الفكريين المتصارعين في المجتمع العربي المعاصر، أي التيار الإسلامي والتيار العلماني رغم الاختلاف الكبير في المضمون الفكري الذي يحتكمان إليه، هو “الإصرار على عملية الاستنساخ المعرفي من جهة، والرغبة في تبني الأشكال التنظيمية والخطابية الحداثية من جهة ثانية، وذلك نظرا لفاعلية هذه الأشكال ونجاعتها وقدرتها على تشكيل الحياة المعاصرة”.
ويرى أن الحركة العلمانية، لم تتمكن من نقل المضمون الفكري الغربي وتنزيله في شكل حداثي يتطابق فيه الشكل مع المضمون، بل أسقطت المضمون الغربي على بنية العقل العربي التقليدية، والنتيجة مؤسسات وعلاقات مقتبسة من المجتمع الحداثي الغربي، تملك شكلا غربيا أُنزل قصريّا على مضمون ثقافي يعكس لحظة التخلف في التاريخ العربي الحديث، وهذا التناقض يظهر واضحا برأيه “في مؤسسات الدولة الحديثة والنماذج السياسية الحديثة، التي تحولت إلى هياكل خاوية من المعاني الذي أنشئت لتحقيقها، فالنظام النيابي الحديث يتبنى أشكال الانتخاب الديمقراطية، ولكنه يعكس ممارسات سلطانية تعود إلى المراحل المتأخرة من الثقافة السياسية التاريخية، وبالمثل فإن المؤسسات الاقتصادية والتجارية الحديثة غالبا ما توظف من قبل العاملين عليها للثراء الشخصي ولم تتمكن بعد عقود من اعتمادها من تطوير الحياة الاقتصادية والصناعية في البلدان العربية”.
وبالمقابل يجد الكاتب أن التيار الإسلامي يتبنى مضمون التراث التاريخي ولكنه يسعى إلى تنزيله على أساس معاصر يتناقض معه في مستوى المقاصد والتكوين “فحركات الإسلام السياسي تتبنى نظريات الأحكام السلطانية التي طورها الفقهاء التاريخيون في القرون الأولى للإسلام، ولكنها تعمل على تنزيلها على بنية سياسية حداثية، وبالتحديد الدولة المركزية التي تتولى السلطة السياسية فيها مهمة تنظيم الحياة”، فحركات الإسلام السياسي هذه “لا تدعو إلى عملية تشريعية يرتبط فيها القرار التشريعي بالإرادة الشعبية الممثلة في المجالس النيابية، بل تصر على تطبيق الشريعة الإسلامية وفرضها على المجتمع السياسي وفق مؤسساتها التاريخية”.
ويستنتج صافي أن عدم فقه العلاقة بين الشكل والمضمون وغياب الوعي التاريخي، يمنعان حركات الإسلام السياسي من إدراك أن الشريعة تطورت عبر التاريخ في أحضان المجتمع المدني المسلم، وبعيدا عن دوائر الدولة والسلطة السياسية وأنها على العكس من الفهم الشائع في الدوائر الدينية المعاصرة، تطورت في البعض من جوانبها لمنع تغوّل السلطة السياسية وتسلّطها على المجتمع.
وفي كلا الحالتين، فإن العنصر المفقود برأي الكاتب هو وجود بنية فكرية ونظرية للوعي الفردي والجمعي تسمح بالتعاطي مع النموذجين التراثي والحداثي، وإعادة تشكيل مفردات الوعي التراثي من خلال ربطها بخصائص اللحظة التاريخية الراهنة، وأن هذه البنية الفكرية والنظرية للوعي تم تدميرها ببطء وبخطوات متدرّجة عبر التاريخ الإسلامي، إلى أن اختفت نهائيا خلال القرون القليلة الماضية، وأدى الصراع التاريخي بين منظوري الرأي والحديث إلى تراجع الأول، ولتتحول البنية المعرفية للوعي الجمعي للمجتمعات العربية والإسلامية إلى بنية فكرية لا تمتلك القدرة على ربط الذات بسياقها التاريخي وفضائها الجغرافي. وهذا ما ولد رؤية أحادية لا تستشعر أهمية ربط القيم الرسالية بخصوصيات الزمان والمكان، بل تعيد إنتاج الفكر التاريخي بلغة وصفية معاصرة. ويسلط الكاتب الضوء على سعي المجتمع العربي والإسلامي في القرون الأولى للحضارة الإسلامية إلى تطوير مقاربة فكرية نظرية لفهم النصوص والوقائع، وأعمال المدرسة الفلسفية الإسلامية ثم المدرسة المعتزلية الكلامية والمدرسة الأشعرية، وتحالف المدرسة المعتزلية مع البيت العباسي، وممارساتها التي ولّدت الحركة السلفية الحديثية، ومن ثمة أدت إلى اختفاء الفكر النظري، بشكليه الفلسفي والكلامي.
كما يتطرق إلى محاولات البعض من المفكرين المعاصرين خلال العقود الثلاثة الماضية، توليد حوار داخلي بين الأطروحات التراثية التاريخية والحداثية المعاصرة، كمحاولات مالك بن نبي، ومحمد عابد الجابري، وحسن حنفي، ومحمد أركون، وعبدالوهاب المسيري، والتي رأى أنها اقتصرت على التحليل النقدي للتراث أو الحداثة أو كليهما دون تقديم مقاربة نظرية جديدة على المستويات المعرفية والوجودية والأخلاقية، وشدد على أن غياب مشروع فكري يوافق بين التراث الفكري التاريخي وبين المساهمات الفكرية الحداثية، يُمثّل تحديا كبيرا للجهود الإصلاحية اليوم.
ويرى الكاتب أن مهمة كتاب الإنسان وجدلية الوجود والوجدان، هي خلق فضاء فكري يسمح بتقييم الفكرين التراثي والحداثي، وهو ما يتطلب “تطوير بنية داخلية لهذا الفضاء لتمكينهما من تقديم رؤية كلية لمعنى الوجود الإنساني وبنية الوعي والفكر والشروط النظرية والتاريخية لقيام فعل حضاري يبدو اليوم أنه غائب كليا عن الواقع العربي.
يتعامل لؤي صافي مع مفاهيم فكرية تأسيسية ويسعى إلى تطويرها إلى مقاربة نظرية تتعاطى مع الدائرة المعرفية الأوسع، دائرة الوجود بكل أبعاده، بعيدا عن الاستفاضة والتبسيط، كما يسعى إلى تطوير رؤية مركبة تُوظّف المفاهيم المعرفية التراثية والحداثية وتربطها بسياق الوعي التاريخي، وإلى تطوير فهم متقدم لبنية الفكر وآلياته النظرية، وفتح الباب للحوار الثقافي في دائرة وعي الذات العربية، ويضع المعالم الأساسية لتحديد بنية الذات الإنسانية وصيرورتها الزمنية الضرورية لفهم الإنسان ومهمته التاريخية أولا، وفهم العلاقة بين الوعي الديني الذي يعود من جديد لتوجيه حركة التاريخ .
.......
كاتب من سوريا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.