تدوّن الكاتبة السعودية أثير عبدالله النشمي في روايتها الجديدة الموسومة ب”ذات فقد”، حياة ياسمين منذ الولادة، مرورا بطفولتها وخسارتها لوالدها إثر حادث سير، ثم تعرّفها على مالك الذي تقع في غرامه والمشكلات التي تواجههما أثناء زواجهما، ثم إنجابها طفلهما الوحيد نهار، لتسبر الكاتبة المعاناة التي شهدتها ياسمين في زواجها إثر خيانات زوجها مالك لها. الحكاية في الرواية، الصادرة عن دار الفارابي، ببيروت، بسيطة وتسير في خط أفقي، إذ تقوم الحبكة على أساس استرجاع الأحداث منذ لحظة الولادة، لنقرأ على لسان ياسمين نفسها تاريخها الشخصي، خسارتها لوالدها، ثم علاقتها مع من حولها، وقصة زواجها من مالك، بالرغم من المصادفة الرومانسية بل والساذجة التي جمعتهما في بيروت. إلا أنهما يلتقيان في الرياض ويقرران الزواج بالرغم من رفض والدتها لهذا الزواج، لتبدأ بعد ذلك معاناة ياسمين مع مالك، الذي بالرغم من أننا نراها أسيرة حبّه في البداية، فإنها تسكت عن خياناته المتكررة لها، والتي تشاهدها بوضوح، وتتجاهلها بحجة الحب، بوصفه الفارس الفحل الذي يأسرها بابتسامته ونظراته. هذه الخيانات المتكررة تسببت في نموّ شرخ بينهما، لكن ذلك لا يُبرر إلا بضعف ياسمين وانسياقها الرومانسي، وعقدة اليتم المصابة بها نتيجة موت والدها، وكأنها لا تريد أن تستغني عن الذكر الوحيد في حياتها، لا تريد تكرار الخسارة القضيبيّة، بالرغم من خيانة مالك لها، وحتى بعد حملها، وإنجابها طفلهما الأول، بعد ثلاث سنوات من الزواج، لم يتغير شيء؛ فالخيانات تستمر، ونراها تتجاهلها منصاعة للمنطق التقليدي المرتبط بالأسرة والحفاظ على الزوج مهما كانت الظروف. ترسم الرواية أنثى خسرت الذّكر مرة وتخشى فقدانه دوماً، وكأن الغياب المرتبط به، بوصفه انقطاعا عن السند الذكوري الأول باعتباره “الأكمل” يسمها بالنقصان، لتبدو ساذجة، بل نراها محكومة ضمن وضعية الأنثى الضحية التي ما إن جابهت زوجها بخيانته، وخرجت من الشلل الذي تعيشه على صعيد الفعل، حتى تفقد ابنها، وكأن الموت هو سلاح ذكوري بحت يستخدم لتحطيم الأنثى، ما يجعل الرواية تعج بالأحكام والنصائح في سبيل الانصياع الكلي للأعراف والتقاليد الممعنة في إهانة الأنثى والتقليل من شأنها، إذ تغفر للذكر بحجة الحفاظ على بنيان وهمي يسمى الأسرة، والتي في الأصل فقدت قدسيتها منذ أول خيانة لمالك. الأنثى المهزومة العاجزة عن الفعل ترسخ الرواية صورة المرأة المُهانة، بوصفها حبيسة مشلولة، حتى لو كانت الأحداث تدور في الرياض مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة المجتمع هناك إلا أن هذا لا يبرر العطالة في الفعل، بل يبرز التناقض، فمن أصرت وخالفت إرادة والدتها لتتزوج بمن تحب، لن تخاف إن طلبت الطلاق حتى لو لم تنل دعم أسرتها، لنراها أسيرة قفص حقيقي، يُحكم خناقها، وكأنها مهزومة منذ لحظة الولادة، منذ أول فقدان للذكر، وكأنه تأسيس للخسارات والنقصان. الشخصيات السطحية في الرواية تثير الضحك أحياناً بالرغم من معاناتها، فنحن نقرأ الحلول الأولى للحبكة، فحتى مالك الذي هو محور “الضد” في الرواية لا نعرف عنه الكثير، بل هو أقرب إلى كيان غامض يمثل تارة الذكر البطل، وتارة الذكر الخائن مصدر شرور العالم، دون غوص عميق في تكوينه، ليبدو أيضاً ساذجا، بل أقرب إلى صور “البوستارات” التي نرى فيها صورة الرجل اللعوب دون أن نسمع “صوته”. خطابات ووعظ تنساق الرواية لاحقا في أحاديث عن الأمومة، تأخذ شكل النصح والإرشاد، لتبدو أقرب إلى بيان عاطفي لترسيخ ذات المؤسسة والبنية التي أدت إلى موت نهار وقمع ياسمين، لتبرز الصيغة الدعوية والوعظية التي قد تنفر القارئ، إذ لا نقرأ أحداثاً، بل نقرأ تخيلات امرأة ترفض التغيير وتخافه، ففي البداية نراها تستشهد بالمتنبي وجبران خليل جبران وتستمع لموسيقى كورسكوف وسمفونيته شهرزاد، وفي الوقت ذاته تهاب أن تواجه من أذاها وتَسلط عليها، لتستسلم لبكائية طويلة عن الفقدان وألمه، ثم السعي للحفاظ على الصيغة المهزومة للأنثى العاجزة عن الفعل. نهاية الرواية المتوقعة المتمثلة في موت نهار، تجعل قيام الأنثى بالمواجهة أو الفعل للخروج من حالتها المقموعة مرتبطا بالتضحية، كأن نهارا هو اختزال للعنف الذي شهدته ياسمين، ولا بد من التضحية به ليكون الفقدان وسيلة للانعتاق، علماً أنّا لا نعلم ما يحدث بعد غرقه، فهو وليد المصادفة والخيانة، ولا بد من التضحية به لتجنب العنف القادم، والتضحية هنا مرتبطة بقطع النسل والتكاثر في ظل هذه الصيغة القاهرة، ليبدو كقربانٍ، إما لثورة وتغيير جذري، وإما لمجرد تمكين للوضعية السابقة بوصف ياسمين ستغرق بعدها في مستنقع اليأس. تدوّن الكاتبة السعودية أثير عبدالله النشمي في روايتها الجديدة الموسومة ب”ذات فقد”، حياة ياسمين منذ الولادة، مرورا بطفولتها وخسارتها لوالدها إثر حادث سير، ثم تعرّفها على مالك الذي تقع في غرامه والمشكلات التي تواجههما أثناء زواجهما، ثم إنجابها طفلهما الوحيد نهار، لتسبر الكاتبة المعاناة التي شهدتها ياسمين في زواجها إثر خيانات زوجها مالك لها. الحكاية في الرواية، الصادرة عن دار الفارابي، ببيروت، بسيطة وتسير في خط أفقي، إذ تقوم الحبكة على أساس استرجاع الأحداث منذ لحظة الولادة، لنقرأ على لسان ياسمين نفسها تاريخها الشخصي، خسارتها لوالدها، ثم علاقتها مع من حولها، وقصة زواجها من مالك، بالرغم من المصادفة الرومانسية بل والساذجة التي جمعتهما في بيروت. إلا أنهما يلتقيان في الرياض ويقرران الزواج بالرغم من رفض والدتها لهذا الزواج، لتبدأ بعد ذلك معاناة ياسمين مع مالك، الذي بالرغم من أننا نراها أسيرة حبّه في البداية، فإنها تسكت عن خياناته المتكررة لها، والتي تشاهدها بوضوح، وتتجاهلها بحجة الحب، بوصفه الفارس الفحل الذي يأسرها بابتسامته ونظراته. هذه الخيانات المتكررة تسببت في نموّ شرخ بينهما، لكن ذلك لا يُبرر إلا بضعف ياسمين وانسياقها الرومانسي، وعقدة اليتم المصابة بها نتيجة موت والدها، وكأنها لا تريد أن تستغني عن الذكر الوحيد في حياتها، لا تريد تكرار الخسارة القضيبيّة، بالرغم من خيانة مالك لها، وحتى بعد حملها، وإنجابها طفلهما الأول، بعد ثلاث سنوات من الزواج، لم يتغير شيء؛ فالخيانات تستمر، ونراها تتجاهلها منصاعة للمنطق التقليدي المرتبط بالأسرة والحفاظ على الزوج مهما كانت الظروف. ترسم الرواية أنثى خسرت الذّكر مرة وتخشى فقدانه دوماً، وكأن الغياب المرتبط به، بوصفه انقطاعا عن السند الذكوري الأول باعتباره “الأكمل” يسمها بالنقصان، لتبدو ساذجة، بل نراها محكومة ضمن وضعية الأنثى الضحية التي ما إن جابهت زوجها بخيانته، وخرجت من الشلل الذي تعيشه على صعيد الفعل، حتى تفقد ابنها، وكأن الموت هو سلاح ذكوري بحت يستخدم لتحطيم الأنثى، ما يجعل الرواية تعج بالأحكام والنصائح في سبيل الانصياع الكلي للأعراف والتقاليد الممعنة في إهانة الأنثى والتقليل من شأنها، إذ تغفر للذكر بحجة الحفاظ على بنيان وهمي يسمى الأسرة، والتي في الأصل فقدت قدسيتها منذ أول خيانة لمالك. الأنثى المهزومة العاجزة عن الفعل ترسخ الرواية صورة المرأة المُهانة، بوصفها حبيسة مشلولة، حتى لو كانت الأحداث تدور في الرياض مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة المجتمع هناك إلا أن هذا لا يبرر العطالة في الفعل، بل يبرز التناقض، فمن أصرت وخالفت إرادة والدتها لتتزوج بمن تحب، لن تخاف إن طلبت الطلاق حتى لو لم تنل دعم أسرتها، لنراها أسيرة قفص حقيقي، يُحكم خناقها، وكأنها مهزومة منذ لحظة الولادة، منذ أول فقدان للذكر، وكأنه تأسيس للخسارات والنقصان. الشخصيات السطحية في الرواية تثير الضحك أحياناً بالرغم من معاناتها، فنحن نقرأ الحلول الأولى للحبكة، فحتى مالك الذي هو محور “الضد” في الرواية لا نعرف عنه الكثير، بل هو أقرب إلى كيان غامض يمثل تارة الذكر البطل، وتارة الذكر الخائن مصدر شرور العالم، دون غوص عميق في تكوينه، ليبدو أيضاً ساذجا، بل أقرب إلى صور “البوستارات” التي نرى فيها صورة الرجل اللعوب دون أن نسمع “صوته”. خطابات ووعظ تنساق الرواية لاحقا في أحاديث عن الأمومة، تأخذ شكل النصح والإرشاد، لتبدو أقرب إلى بيان عاطفي لترسيخ ذات المؤسسة والبنية التي أدت إلى موت نهار وقمع ياسمين، لتبرز الصيغة الدعوية والوعظية التي قد تنفر القارئ، إذ لا نقرأ أحداثاً، بل نقرأ تخيلات امرأة ترفض التغيير وتخافه، ففي البداية نراها تستشهد بالمتنبي وجبران خليل جبران وتستمع لموسيقى كورسكوف وسمفونيته شهرزاد، وفي الوقت ذاته تهاب أن تواجه من أذاها وتَسلط عليها، لتستسلم لبكائية طويلة عن الفقدان وألمه، ثم السعي للحفاظ على الصيغة المهزومة للأنثى العاجزة عن الفعل. نهاية الرواية المتوقعة المتمثلة في موت نهار، تجعل قيام الأنثى بالمواجهة أو الفعل للخروج من حالتها المقموعة مرتبطا بالتضحية، كأن نهارا هو اختزال للعنف الذي شهدته ياسمين، ولا بد من التضحية به ليكون الفقدان وسيلة للانعتاق، علماً أنّا لا نعلم ما يحدث بعد غرقه، فهو وليد المصادفة والخيانة، ولا بد من التضحية به لتجنب العنف القادم، والتضحية هنا مرتبطة بقطع النسل والتكاثر في ظل هذه الصيغة القاهرة، ليبدو كقربانٍ، إما لثورة وتغيير جذري، وإما لمجرد تمكين للوضعية السابقة بوصف ياسمين ستغرق بعدها في مستنقع اليأس.