نشرة «المصري اليوم» الصباحية.. الأرصاد تعلن موعد انكسار الموجة الحارة وأحمد مجاهد يرد على اتهامات كهربا ب«تزوير عقده»    ارتفاع جديد.. أسعار الفراخ والبيض في الشرقية اليوم الخميس 25 إبريل 2024    الشعب جاب آخره، المنوفية تنضم اليوم لحملة مقاطعة الأسماك بعد ارتفاع أسعارها    ب86 ألف جنيه.. أرخص 3 سيارات في مصر بعد انخفاض الأسعار    استشهاد فلسطيني برصاص قوات الاحتلال خلال اقتحام مدينة رام الله    رئيس موريتانيا يعلن ترشحه لولاية رئاسية ثانية    شرطة لوس أنجلوس تعتقل عددا من طلاب جامعة جنوب كاليفورنيا المؤيدين لفلسطين    كلوب يعتذر لجماهير ليفربول وهذا ما قاله عن فرص الفوز بالدوري الإنجليزي    ميدو يطالب بالتصدي لتزوير أعمار لاعبي قطاع الناشئين    حزب المصريين: البطولة العربية للفروسية تكشف حجم تطور المنظومة الرياضية العسكرية في عهد السيسي    المنيا.. السيطرة على حريق بمخزن أجهزة كهربائية بملوى دون خسائر في الأرواح    زوج بدرية طلبة لصدى البلد: ربيت بناتي على القديم..والفنانة: اديني في الشعبي    نقل الفنان الكويتي شعبان عباس إلى المستشفى بعد تعرضه لوعكة صحية مفاجئة (فيديو)    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    عن تشابه «العتاولة» و«بدون سابق إنذار».. منة تيسير: التناول والأحداث تختلف (فيديو)    الرشفة ب3500 ريال وتصنيفاته ما بتخيبش، قصة شاب سعودي في مهنة تذوق القهوة    إصابة 9 أشخاص في حريق منزل بأسيوط    أبو رجيلة: فوجئت بتكريم الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    لتفانيه في العمل.. تكريم مأمور مركز سمالوط بالمنيا    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمخزن أجهزة كهربائية بالمنيا.. صور    يحيى السنوار يشغل المتظاهرين أمام منزل نتنياهو.. ماذا حدث؟    طلاب مدرسة أمريكية يتهمون الإدارة بفرض رقابة على الأنشطة المؤيدة للفلسطينيين    تعديل موعد مباراة الزمالك وشبيبة سكيكدة الجزائري في بطولة أفريقيا لكرة اليد    توقعات ميتا المخيبة للآمال تضغط على سعر أسهمها    مستشار الأمن القومي الأمريكي: روسيا تطور قمرا صناعيا يحمل جهازا نوويا    بعد الصعود للمحترفين.. شمس المنصورة تشرق من جديد    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بالصاغة    صندوق التنمية الحضرية يعلن بيع 27 محلا تجاريا في مزاد علني    الليلة.. أدهم سليمان يُحيي حفل جديد بساقية الصاوي    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    حصول 5 وحدات طب أسرة جديدة على اعتماد «GAHAR» (تفاصيل)    رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: تخصصنا يحافظ على الشخص في وضعه الطبيعي    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    "مربوط بحبل في جنش المروحة".. عامل ينهي حياته في منطقة أوسيم    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على ضفاف النهر.. فنون تتألق في بيت نجم الدين
نشر في صوت البلد يوم 18 - 07 - 2016

حين اتجهت الى عمّان عاصمة الاردن الجميل بعد مشاركتي في معرض فلسطين العاشر للكتاب في مدينتي الأجمل رام الله، وما أن عبرت النهر حتى كان هاتفي الجوال يدق باتصال من الفنانة التشكيلية رنا حتاملة، تدعوني لحضور معرض فن تشكيلي في مدينة اربد عروس الشمال في الأردن، وحين اعلمتها أني قد عبرت النهر من قليل متجها للعاصمة، حتى ضحكت وقالت: رغبت أن أدعوك لمعرض تشكيلي في بيت نجم الدين، وها أنت تعبر النهر والمعرض يحمل اسم: فنون على ضفاف النهر، فآمل أن تتمكن من زيارة المعرض بما انك قد عبرت ضفاف النهر.
هي أيام قليلة وكنت أشد الرحال لمدينة اربد، فقد كان برنامجي يضم ثلاثة مسائل، ومن مداخل المدينة اتصلت بالفنانة رنا فأعلمتني انها في صالة العرض في بيت نجم الدين، فاتجهت فورا لهناك فالمعرض في نهاية فترته ولا مجال لأن اتأخر عن حضور المعرض رغم ارتفاع درجات الحرارة وضيق الوقت، فالفن التشكيلي يأسر مني الروح ولا أسمح لنفسي بالتغيب عن حضور معرض يمكنني حضوره، وبعد المعرض كنت اتجه لقاعة بلدية اربد الكبرى لحضور حفل تكريمي لأحد رواد العمل التطوعي، ومن البلدية كنت أتجه لبلدة الحصن جنوب اربد لأوثق بعدستي ذاكرة الشاعرة والكاتبة والفنانة المرحومة روضة أبو الشعر، ليكون هذا بعض من توثيقي بمقالاتي عن ذاكرة الحصن وبوح الأمكنة فيها.
وصلت بيت نجم الدين حيث عبق الذاكرة والفن والجمال والذي حمل اسم الأستاذ والمربي والمثقف نجم الدين عبدالله الناصر، وكان منزله الذي أصبح من خلال الورثة للبيت التراثي مركزا ومنارة ثقافية وفنية تجمع أعمال المبدعين في المجالات الثقافية والفنية، وهذه الزيارة الثانية لصالة العرض هذه، وإن فوجئت بأن صالة العرض قد قلت مساحتها كما أن الحديقة الصغيرة الجميلة لم تعد جزءًا من هذا المكان الذي كان أجمل واكثر سعة ولكن يظهر انه قد جرى اجتزاء بعض من مساحته وفصلها عن هذه المنارة الثقافية لسبب أو لآخر، لأجول بعدها في اروقة المعرض برفقة الفنانة رنا حتامله مدير بيت نجم الدين، متذوقا عبق مدارس مختلفة من الفن التشكيلي الجميل، وكانت فرصة رائعة أن أتعرف على بعض من ابداعات فنانين لم ارى أعمالهم في معارض وإنما صور عبر الشبكة العنكبوتية، فالمعرض يضم لوحات لتسعة عشر فنانا وفنانة، وإن لاحظت خلال تجوالي بين اللوحات أن قسما لا بأس فيه منها عبارة عن صور للأعمال الأصلية، ودوما أرى أن الصورة لا يمكن أن تعبر عن حقيقة العمل الفني، وأعتقد أن مشاركتها بين اللوحات الاصلية تضعف من قوة المعرض ومن جماليته، وربما تم اللجوء لذلك لتعذر وصول الأعمال الأصلية من أصحابها المتواجدين في فلسطين لسبب أو آخر، علما أن وصولها ليس مسألة صعبة فهناك شركات عديدة يمكنها نقل الأعمال بتكلفة لا تعتبر عالية، أو أن يحملها أشخاص معهم بسهولة فالحركة بين الضفتين حركة يومية وأيضا مع العمق الفلسطيني، وربما تكون المشكلة فقط في صعوبة وصول الأعمال الفنية من قطاع غزة بحكم الحصار المفروض على القطاع، وهذا أزعج رغبة ذائقتي الفنية بالتجوال بين أعمال فعلية وقرائتها عن قرب.
لفتت نظري العديد من الأعمال الفنية وجعلتني أقف أمامها بصمت متأملا ومحلقا في فضائها ومنها لوحتين للفنان خلدون أبو طالب، وهو فنان متميز بريشته ونشيط، فقد اقام 18 معرض شخصي في مدينته السلط، اضافة لمشاركته في العديد من المعارض المشتركة في الاردن وخارجه، وتميزت له لوحتان من ثلاثة لوحات شارك بها في المعرض وهي لوحات تمازج بين المدرستين الانطباعية والواقعية، حيث اللوحة الأولى تميزت بجمال حديقة وأزهارها والوان الفرح تغمرها، وفي وسطها مقعد فارغ ولكنه من المقاعد القديمة التي لم تعد موجودة الآن، وهي من خشب الزان القوي، وأذكر بطفولتي أن بيت اهلي كان به ستة من هذه المقاعد المتميزة بجمالها وقوتها ودقة صنعها، وبجوار المقعد صندوق خشبي عليه دلة القهوة، وواضح من الدرجات الخشبية الثلاثة وآنية الأزهار ان اللوحة تمثل حديقة منزلية، وهي تخلو من وجود بشري ظاهر، وكأن اللوحة ترمز إلى لحظات انتظار للقادم المشرق الأجمل، واللوحة الثانية تصور بيتا تراثيا من باب خشبي ونافذتين بجوار الباب، وأيضا كانت هناك شجرة مزهرة بالوان الفرح ومقعد خشبي عريض، وأيضا المقعد فارغ ولكن من طبيعة الأزهار وساق الشجرة ونظافة الارض اشارة رمزية أن المكان حافل بالحياة، حافل بالفرح، يمازج الفنان فيها بين الواقع ورمزية الفرح المنتظر، وأعتقد أن اللوحة انطباعية عن دارة الفنون في جبل اللويبدة في عمَّان، وفي اللوحتين لا نجد وجود بشري ظاهر، ولكن رمزية هذا الوجود ظاهرة من خلال جمال المكان وألوان الفرح فيه.
ومن اللوحات المتميزة التي شدتني بقوة لوحتان للفنان محمود أسعد، وهي لوحات تظهر تميزا وحرفية عالية، فرسم الوجوه (بورتريه) ليس بالفن السهل من خلال ممارسته كفن يحمل فكرة وتروي اللوحة حكاية وليس مجرد رسم منقول عن الصور، وهذا ما يميز الرسام عن الفنان، والفنان هنا اضافة لحرفيته في رسم وجوه الفتاة بلوحتين في المعرض، أعطى للوحات فن وجمال وفكرة، فخرج عن الإطار التقليدي في رسم الوجوه، فنجد خلفيات اللوحتين تحويا رسوم فنية وهذا انعكس بألوان على الشعر منحت التسريحة في اللوحتين شكل معاصر وغير تقليدي، وكل لوحة أخذت شكلا وأوحت بفكرة مختلفة عن الأخرى، فلوحة كانت الرموش تغطي على العينين الناظرتين للأسفل، مع انفراجة الشفتين وكأن هناك حديث أو دهشة، بينما اللوحة الأخرى كانت العينان مفتوحتين ولكن مع نظرة يشوبها الألم وهي تضع ذقنها على يدها.
كما لفت نظري الفنان مهند القسوس في لوحاته عن الأزهار والطبيعة، وقد تميز عبر مسيرته في الفن بتوثيق التراث الاردني والطبيعة والبيئة، فكان حقيقة معبرا عن الفنان الذي هو نتاج لبيئته، ولوحته التي شارك بها وهي تصور زهرات يانعة شعرت بها تتكلم وتنشد انشودة الجمال، ولوحة أخرى لمشهد طبيعي ينثر الراحة في نفس المشاهد وروحه.
بالتأكيد ان حديثي عن الفنانين الثلاثة لا يعني انتقاصا من الفنانين الآخرين المشاركين، ولكن ربما أن الوقت لعب دوره بسرعة التجوال وبالتالي تركت الدهشة في الأعمال التي تحدثت عنها أثرها على روحي، اضافة أن اللوحات المصورة لا يمكن ان تثير فيّ الدهشة والرغبة في الكتابة، رغم ان بعض الفنانين مبدعون، ومضافا لذلك أن هناك أعمال لا تتجاوز العمل الحرفي ولا ترقى لمرحلة الفن التشكيلي، وهناك لوحات لفنانين تحتاج ان يبذلوا جهودا أكثر وأن يبتعدوا عن السرعة في الانجاز حتى يأخذ العمل حقه.
المعرض بحد ذاته فكرة جيدة ولكن كان يجب الاعداد له بشكل أفضل، وكان من المهم أن تكون غالبية اللوحات القادمة من الضفة الأخرى للنهر لوحات حقيقية وليست صور، حتى يعطي المعرض الفكرة الحقيقية للأعمال الفنية وأرواح المشاركين، كي يحقق الفكرة من المعرض التي تقوم على أن المشاركين هم أحفاد من عاشوا على ضفاف نهر الأردن وبنوا الحضارات المتميزة، حتى جاء الأحفاد وتواصلوا عبر جسور المحبة التي بنوها فوق نهرهم المقدس.
حين اتجهت الى عمّان عاصمة الاردن الجميل بعد مشاركتي في معرض فلسطين العاشر للكتاب في مدينتي الأجمل رام الله، وما أن عبرت النهر حتى كان هاتفي الجوال يدق باتصال من الفنانة التشكيلية رنا حتاملة، تدعوني لحضور معرض فن تشكيلي في مدينة اربد عروس الشمال في الأردن، وحين اعلمتها أني قد عبرت النهر من قليل متجها للعاصمة، حتى ضحكت وقالت: رغبت أن أدعوك لمعرض تشكيلي في بيت نجم الدين، وها أنت تعبر النهر والمعرض يحمل اسم: فنون على ضفاف النهر، فآمل أن تتمكن من زيارة المعرض بما انك قد عبرت ضفاف النهر.
هي أيام قليلة وكنت أشد الرحال لمدينة اربد، فقد كان برنامجي يضم ثلاثة مسائل، ومن مداخل المدينة اتصلت بالفنانة رنا فأعلمتني انها في صالة العرض في بيت نجم الدين، فاتجهت فورا لهناك فالمعرض في نهاية فترته ولا مجال لأن اتأخر عن حضور المعرض رغم ارتفاع درجات الحرارة وضيق الوقت، فالفن التشكيلي يأسر مني الروح ولا أسمح لنفسي بالتغيب عن حضور معرض يمكنني حضوره، وبعد المعرض كنت اتجه لقاعة بلدية اربد الكبرى لحضور حفل تكريمي لأحد رواد العمل التطوعي، ومن البلدية كنت أتجه لبلدة الحصن جنوب اربد لأوثق بعدستي ذاكرة الشاعرة والكاتبة والفنانة المرحومة روضة أبو الشعر، ليكون هذا بعض من توثيقي بمقالاتي عن ذاكرة الحصن وبوح الأمكنة فيها.
وصلت بيت نجم الدين حيث عبق الذاكرة والفن والجمال والذي حمل اسم الأستاذ والمربي والمثقف نجم الدين عبدالله الناصر، وكان منزله الذي أصبح من خلال الورثة للبيت التراثي مركزا ومنارة ثقافية وفنية تجمع أعمال المبدعين في المجالات الثقافية والفنية، وهذه الزيارة الثانية لصالة العرض هذه، وإن فوجئت بأن صالة العرض قد قلت مساحتها كما أن الحديقة الصغيرة الجميلة لم تعد جزءًا من هذا المكان الذي كان أجمل واكثر سعة ولكن يظهر انه قد جرى اجتزاء بعض من مساحته وفصلها عن هذه المنارة الثقافية لسبب أو لآخر، لأجول بعدها في اروقة المعرض برفقة الفنانة رنا حتامله مدير بيت نجم الدين، متذوقا عبق مدارس مختلفة من الفن التشكيلي الجميل، وكانت فرصة رائعة أن أتعرف على بعض من ابداعات فنانين لم ارى أعمالهم في معارض وإنما صور عبر الشبكة العنكبوتية، فالمعرض يضم لوحات لتسعة عشر فنانا وفنانة، وإن لاحظت خلال تجوالي بين اللوحات أن قسما لا بأس فيه منها عبارة عن صور للأعمال الأصلية، ودوما أرى أن الصورة لا يمكن أن تعبر عن حقيقة العمل الفني، وأعتقد أن مشاركتها بين اللوحات الاصلية تضعف من قوة المعرض ومن جماليته، وربما تم اللجوء لذلك لتعذر وصول الأعمال الأصلية من أصحابها المتواجدين في فلسطين لسبب أو آخر، علما أن وصولها ليس مسألة صعبة فهناك شركات عديدة يمكنها نقل الأعمال بتكلفة لا تعتبر عالية، أو أن يحملها أشخاص معهم بسهولة فالحركة بين الضفتين حركة يومية وأيضا مع العمق الفلسطيني، وربما تكون المشكلة فقط في صعوبة وصول الأعمال الفنية من قطاع غزة بحكم الحصار المفروض على القطاع، وهذا أزعج رغبة ذائقتي الفنية بالتجوال بين أعمال فعلية وقرائتها عن قرب.
لفتت نظري العديد من الأعمال الفنية وجعلتني أقف أمامها بصمت متأملا ومحلقا في فضائها ومنها لوحتين للفنان خلدون أبو طالب، وهو فنان متميز بريشته ونشيط، فقد اقام 18 معرض شخصي في مدينته السلط، اضافة لمشاركته في العديد من المعارض المشتركة في الاردن وخارجه، وتميزت له لوحتان من ثلاثة لوحات شارك بها في المعرض وهي لوحات تمازج بين المدرستين الانطباعية والواقعية، حيث اللوحة الأولى تميزت بجمال حديقة وأزهارها والوان الفرح تغمرها، وفي وسطها مقعد فارغ ولكنه من المقاعد القديمة التي لم تعد موجودة الآن، وهي من خشب الزان القوي، وأذكر بطفولتي أن بيت اهلي كان به ستة من هذه المقاعد المتميزة بجمالها وقوتها ودقة صنعها، وبجوار المقعد صندوق خشبي عليه دلة القهوة، وواضح من الدرجات الخشبية الثلاثة وآنية الأزهار ان اللوحة تمثل حديقة منزلية، وهي تخلو من وجود بشري ظاهر، وكأن اللوحة ترمز إلى لحظات انتظار للقادم المشرق الأجمل، واللوحة الثانية تصور بيتا تراثيا من باب خشبي ونافذتين بجوار الباب، وأيضا كانت هناك شجرة مزهرة بالوان الفرح ومقعد خشبي عريض، وأيضا المقعد فارغ ولكن من طبيعة الأزهار وساق الشجرة ونظافة الارض اشارة رمزية أن المكان حافل بالحياة، حافل بالفرح، يمازج الفنان فيها بين الواقع ورمزية الفرح المنتظر، وأعتقد أن اللوحة انطباعية عن دارة الفنون في جبل اللويبدة في عمَّان، وفي اللوحتين لا نجد وجود بشري ظاهر، ولكن رمزية هذا الوجود ظاهرة من خلال جمال المكان وألوان الفرح فيه.
ومن اللوحات المتميزة التي شدتني بقوة لوحتان للفنان محمود أسعد، وهي لوحات تظهر تميزا وحرفية عالية، فرسم الوجوه (بورتريه) ليس بالفن السهل من خلال ممارسته كفن يحمل فكرة وتروي اللوحة حكاية وليس مجرد رسم منقول عن الصور، وهذا ما يميز الرسام عن الفنان، والفنان هنا اضافة لحرفيته في رسم وجوه الفتاة بلوحتين في المعرض، أعطى للوحات فن وجمال وفكرة، فخرج عن الإطار التقليدي في رسم الوجوه، فنجد خلفيات اللوحتين تحويا رسوم فنية وهذا انعكس بألوان على الشعر منحت التسريحة في اللوحتين شكل معاصر وغير تقليدي، وكل لوحة أخذت شكلا وأوحت بفكرة مختلفة عن الأخرى، فلوحة كانت الرموش تغطي على العينين الناظرتين للأسفل، مع انفراجة الشفتين وكأن هناك حديث أو دهشة، بينما اللوحة الأخرى كانت العينان مفتوحتين ولكن مع نظرة يشوبها الألم وهي تضع ذقنها على يدها.
كما لفت نظري الفنان مهند القسوس في لوحاته عن الأزهار والطبيعة، وقد تميز عبر مسيرته في الفن بتوثيق التراث الاردني والطبيعة والبيئة، فكان حقيقة معبرا عن الفنان الذي هو نتاج لبيئته، ولوحته التي شارك بها وهي تصور زهرات يانعة شعرت بها تتكلم وتنشد انشودة الجمال، ولوحة أخرى لمشهد طبيعي ينثر الراحة في نفس المشاهد وروحه.
بالتأكيد ان حديثي عن الفنانين الثلاثة لا يعني انتقاصا من الفنانين الآخرين المشاركين، ولكن ربما أن الوقت لعب دوره بسرعة التجوال وبالتالي تركت الدهشة في الأعمال التي تحدثت عنها أثرها على روحي، اضافة أن اللوحات المصورة لا يمكن ان تثير فيّ الدهشة والرغبة في الكتابة، رغم ان بعض الفنانين مبدعون، ومضافا لذلك أن هناك أعمال لا تتجاوز العمل الحرفي ولا ترقى لمرحلة الفن التشكيلي، وهناك لوحات لفنانين تحتاج ان يبذلوا جهودا أكثر وأن يبتعدوا عن السرعة في الانجاز حتى يأخذ العمل حقه.
المعرض بحد ذاته فكرة جيدة ولكن كان يجب الاعداد له بشكل أفضل، وكان من المهم أن تكون غالبية اللوحات القادمة من الضفة الأخرى للنهر لوحات حقيقية وليست صور، حتى يعطي المعرض الفكرة الحقيقية للأعمال الفنية وأرواح المشاركين، كي يحقق الفكرة من المعرض التي تقوم على أن المشاركين هم أحفاد من عاشوا على ضفاف نهر الأردن وبنوا الحضارات المتميزة، حتى جاء الأحفاد وتواصلوا عبر جسور المحبة التي بنوها فوق نهرهم المقدس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.