قبول دفعة جديدة من الأطباء البشريين الحاصلين على الماجستير والدكتوراه للعمل كضباط مكلفين بالقوات المسلحة    تنسيق الجامعات.. تفاصيل الدراسة ببرنامج الهندسة الإنشائية ب"هندسة حلوان"    حفل جماهيري حاشد بالشرقية لدعم مرشح حزب الجبهة بالشرقية    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    انتخابات مجلس الشيوخ.. الآليات والضوابط المنظمة لتصويت المصريين فى الخارج    "الزراعة" تنفيذ 286 ندوة إرشادية والتعامل مع 5300 شكوى للمزارعين    وزارة التموين تنتهى من صرف مقررات شهر يوليو 2025 للبقالين    ميناء سفاجا ركيزة أساسية في الممر التجاري الإقليمي الجديد    عبدالغفار التحول الرقمي ركيزة أساسية لتطوير المنظومة الصحية    وزير الإسكان يُصدر قرارًا بإزالة 89 حالة تعد ومخالفة بناء بمدينة الشروق    إدارة الطوارئ في ولاية هاواي الأمريكية: إغلاق جميع المواني التجارية بسبب تسونامي    1000 طن مساعدات غذائية إلى غزة في اليوم الرابع لقوافل «زاد العزة»    محمد السادس: مستعدون لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    تحليل جديد: رسوم ترامب الجمركية سترفع نفقات المصانع الأمريكية بنسبة 4.5%    الخارجية الأمريكية: قمنا بتقييم عواقب العقوبات الجديدة ضد روسيا علينا    33 لاعبا فى معسكر منتخب 20 سنة استعدادا لكأس العالم    لم نؤلف اللائحة.. ثروت سويلم يرد على انتقاد عضو الزمالك    إصابة طفل نتيجة هجوم كلب في مدينة الشيخ زايد    انخفاض تدريجي في الحرارة.. والأرصاد تحذر من شبورة ورياح نشطة    جدول امتحانات الشهادة الإعداية 2025 الدور الثاني في محافظة البحيرة    البترول: السيطرة على حريق سفينة حاويات قرب «جنوب شرق الحمد»    التصريح بدفن جثة طفل لقى مصرعه غرقا بإحدى الترع بمركز سوهاج    ليلى علوي تعيد ذكريات «حب البنات» بصور نادرة من الكواليس    فقد الوعي بشكل جزئي، آخر تطورات الحالة الصحية للفنان لطفي لبيب    عزاء شقيق المخرج خالد جلال في الحامدية الشاذلية اليوم    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    قافلة طبية توقع الكشف على 1586 مواطنا في "المستعمرة الشرقية" بالدقهلية (صور)    محافظ الدقهلية:1586 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية المستعمرة الشرقية بلقاس    فتح باب التقدم لاختبارات الدبلومات والمعاهد الفنية للقبول بكلية الهندسة    توقعات الأبراج وحظك اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025.. انفراجة مالية قوية تنتظر هذا البرج    السيد أمين شلبي يقدم «كبسولة فكرية» في الأدب والسياسة    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    جدول مباريات بيراميدز في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    البنك العربى الإفريقى يقود إصدار سندات توريق ب 4.7 مليار جنيه ل«تساهيل»    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    الخارجية الباكستانية تعلن عن مساعدات إنسانية طارئة لقطاع غزة    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    نبيل الكوكي يقيم مأدبة عشاء للاعبى وأفراد بعثة المصرى بمعسكر تونس    الجنايني يتحدث عن مفاوضات عبد القادر.. وعرض نيوم "الكوبري" وصدمة الجفالي    وزير الخارجية يتوجه إلى واشنطن في زيارة ثنائية    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو بعد الانخفاض بالصاغة    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. موعد الانطلاق والمؤشرات الأولية المتوقعة للقبول    التفاصيل الكاملة لسيدة تدعي أنها "ابنة مبارك" واتهمت مشاهير بجرائم خطيرة    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على ضفاف النهر.. فنون تتألق في بيت نجم الدين
نشر في صوت البلد يوم 18 - 07 - 2016

حين اتجهت الى عمّان عاصمة الاردن الجميل بعد مشاركتي في معرض فلسطين العاشر للكتاب في مدينتي الأجمل رام الله، وما أن عبرت النهر حتى كان هاتفي الجوال يدق باتصال من الفنانة التشكيلية رنا حتاملة، تدعوني لحضور معرض فن تشكيلي في مدينة اربد عروس الشمال في الأردن، وحين اعلمتها أني قد عبرت النهر من قليل متجها للعاصمة، حتى ضحكت وقالت: رغبت أن أدعوك لمعرض تشكيلي في بيت نجم الدين، وها أنت تعبر النهر والمعرض يحمل اسم: فنون على ضفاف النهر، فآمل أن تتمكن من زيارة المعرض بما انك قد عبرت ضفاف النهر.
هي أيام قليلة وكنت أشد الرحال لمدينة اربد، فقد كان برنامجي يضم ثلاثة مسائل، ومن مداخل المدينة اتصلت بالفنانة رنا فأعلمتني انها في صالة العرض في بيت نجم الدين، فاتجهت فورا لهناك فالمعرض في نهاية فترته ولا مجال لأن اتأخر عن حضور المعرض رغم ارتفاع درجات الحرارة وضيق الوقت، فالفن التشكيلي يأسر مني الروح ولا أسمح لنفسي بالتغيب عن حضور معرض يمكنني حضوره، وبعد المعرض كنت اتجه لقاعة بلدية اربد الكبرى لحضور حفل تكريمي لأحد رواد العمل التطوعي، ومن البلدية كنت أتجه لبلدة الحصن جنوب اربد لأوثق بعدستي ذاكرة الشاعرة والكاتبة والفنانة المرحومة روضة أبو الشعر، ليكون هذا بعض من توثيقي بمقالاتي عن ذاكرة الحصن وبوح الأمكنة فيها.
وصلت بيت نجم الدين حيث عبق الذاكرة والفن والجمال والذي حمل اسم الأستاذ والمربي والمثقف نجم الدين عبدالله الناصر، وكان منزله الذي أصبح من خلال الورثة للبيت التراثي مركزا ومنارة ثقافية وفنية تجمع أعمال المبدعين في المجالات الثقافية والفنية، وهذه الزيارة الثانية لصالة العرض هذه، وإن فوجئت بأن صالة العرض قد قلت مساحتها كما أن الحديقة الصغيرة الجميلة لم تعد جزءًا من هذا المكان الذي كان أجمل واكثر سعة ولكن يظهر انه قد جرى اجتزاء بعض من مساحته وفصلها عن هذه المنارة الثقافية لسبب أو لآخر، لأجول بعدها في اروقة المعرض برفقة الفنانة رنا حتامله مدير بيت نجم الدين، متذوقا عبق مدارس مختلفة من الفن التشكيلي الجميل، وكانت فرصة رائعة أن أتعرف على بعض من ابداعات فنانين لم ارى أعمالهم في معارض وإنما صور عبر الشبكة العنكبوتية، فالمعرض يضم لوحات لتسعة عشر فنانا وفنانة، وإن لاحظت خلال تجوالي بين اللوحات أن قسما لا بأس فيه منها عبارة عن صور للأعمال الأصلية، ودوما أرى أن الصورة لا يمكن أن تعبر عن حقيقة العمل الفني، وأعتقد أن مشاركتها بين اللوحات الاصلية تضعف من قوة المعرض ومن جماليته، وربما تم اللجوء لذلك لتعذر وصول الأعمال الأصلية من أصحابها المتواجدين في فلسطين لسبب أو آخر، علما أن وصولها ليس مسألة صعبة فهناك شركات عديدة يمكنها نقل الأعمال بتكلفة لا تعتبر عالية، أو أن يحملها أشخاص معهم بسهولة فالحركة بين الضفتين حركة يومية وأيضا مع العمق الفلسطيني، وربما تكون المشكلة فقط في صعوبة وصول الأعمال الفنية من قطاع غزة بحكم الحصار المفروض على القطاع، وهذا أزعج رغبة ذائقتي الفنية بالتجوال بين أعمال فعلية وقرائتها عن قرب.
لفتت نظري العديد من الأعمال الفنية وجعلتني أقف أمامها بصمت متأملا ومحلقا في فضائها ومنها لوحتين للفنان خلدون أبو طالب، وهو فنان متميز بريشته ونشيط، فقد اقام 18 معرض شخصي في مدينته السلط، اضافة لمشاركته في العديد من المعارض المشتركة في الاردن وخارجه، وتميزت له لوحتان من ثلاثة لوحات شارك بها في المعرض وهي لوحات تمازج بين المدرستين الانطباعية والواقعية، حيث اللوحة الأولى تميزت بجمال حديقة وأزهارها والوان الفرح تغمرها، وفي وسطها مقعد فارغ ولكنه من المقاعد القديمة التي لم تعد موجودة الآن، وهي من خشب الزان القوي، وأذكر بطفولتي أن بيت اهلي كان به ستة من هذه المقاعد المتميزة بجمالها وقوتها ودقة صنعها، وبجوار المقعد صندوق خشبي عليه دلة القهوة، وواضح من الدرجات الخشبية الثلاثة وآنية الأزهار ان اللوحة تمثل حديقة منزلية، وهي تخلو من وجود بشري ظاهر، وكأن اللوحة ترمز إلى لحظات انتظار للقادم المشرق الأجمل، واللوحة الثانية تصور بيتا تراثيا من باب خشبي ونافذتين بجوار الباب، وأيضا كانت هناك شجرة مزهرة بالوان الفرح ومقعد خشبي عريض، وأيضا المقعد فارغ ولكن من طبيعة الأزهار وساق الشجرة ونظافة الارض اشارة رمزية أن المكان حافل بالحياة، حافل بالفرح، يمازج الفنان فيها بين الواقع ورمزية الفرح المنتظر، وأعتقد أن اللوحة انطباعية عن دارة الفنون في جبل اللويبدة في عمَّان، وفي اللوحتين لا نجد وجود بشري ظاهر، ولكن رمزية هذا الوجود ظاهرة من خلال جمال المكان وألوان الفرح فيه.
ومن اللوحات المتميزة التي شدتني بقوة لوحتان للفنان محمود أسعد، وهي لوحات تظهر تميزا وحرفية عالية، فرسم الوجوه (بورتريه) ليس بالفن السهل من خلال ممارسته كفن يحمل فكرة وتروي اللوحة حكاية وليس مجرد رسم منقول عن الصور، وهذا ما يميز الرسام عن الفنان، والفنان هنا اضافة لحرفيته في رسم وجوه الفتاة بلوحتين في المعرض، أعطى للوحات فن وجمال وفكرة، فخرج عن الإطار التقليدي في رسم الوجوه، فنجد خلفيات اللوحتين تحويا رسوم فنية وهذا انعكس بألوان على الشعر منحت التسريحة في اللوحتين شكل معاصر وغير تقليدي، وكل لوحة أخذت شكلا وأوحت بفكرة مختلفة عن الأخرى، فلوحة كانت الرموش تغطي على العينين الناظرتين للأسفل، مع انفراجة الشفتين وكأن هناك حديث أو دهشة، بينما اللوحة الأخرى كانت العينان مفتوحتين ولكن مع نظرة يشوبها الألم وهي تضع ذقنها على يدها.
كما لفت نظري الفنان مهند القسوس في لوحاته عن الأزهار والطبيعة، وقد تميز عبر مسيرته في الفن بتوثيق التراث الاردني والطبيعة والبيئة، فكان حقيقة معبرا عن الفنان الذي هو نتاج لبيئته، ولوحته التي شارك بها وهي تصور زهرات يانعة شعرت بها تتكلم وتنشد انشودة الجمال، ولوحة أخرى لمشهد طبيعي ينثر الراحة في نفس المشاهد وروحه.
بالتأكيد ان حديثي عن الفنانين الثلاثة لا يعني انتقاصا من الفنانين الآخرين المشاركين، ولكن ربما أن الوقت لعب دوره بسرعة التجوال وبالتالي تركت الدهشة في الأعمال التي تحدثت عنها أثرها على روحي، اضافة أن اللوحات المصورة لا يمكن ان تثير فيّ الدهشة والرغبة في الكتابة، رغم ان بعض الفنانين مبدعون، ومضافا لذلك أن هناك أعمال لا تتجاوز العمل الحرفي ولا ترقى لمرحلة الفن التشكيلي، وهناك لوحات لفنانين تحتاج ان يبذلوا جهودا أكثر وأن يبتعدوا عن السرعة في الانجاز حتى يأخذ العمل حقه.
المعرض بحد ذاته فكرة جيدة ولكن كان يجب الاعداد له بشكل أفضل، وكان من المهم أن تكون غالبية اللوحات القادمة من الضفة الأخرى للنهر لوحات حقيقية وليست صور، حتى يعطي المعرض الفكرة الحقيقية للأعمال الفنية وأرواح المشاركين، كي يحقق الفكرة من المعرض التي تقوم على أن المشاركين هم أحفاد من عاشوا على ضفاف نهر الأردن وبنوا الحضارات المتميزة، حتى جاء الأحفاد وتواصلوا عبر جسور المحبة التي بنوها فوق نهرهم المقدس.
حين اتجهت الى عمّان عاصمة الاردن الجميل بعد مشاركتي في معرض فلسطين العاشر للكتاب في مدينتي الأجمل رام الله، وما أن عبرت النهر حتى كان هاتفي الجوال يدق باتصال من الفنانة التشكيلية رنا حتاملة، تدعوني لحضور معرض فن تشكيلي في مدينة اربد عروس الشمال في الأردن، وحين اعلمتها أني قد عبرت النهر من قليل متجها للعاصمة، حتى ضحكت وقالت: رغبت أن أدعوك لمعرض تشكيلي في بيت نجم الدين، وها أنت تعبر النهر والمعرض يحمل اسم: فنون على ضفاف النهر، فآمل أن تتمكن من زيارة المعرض بما انك قد عبرت ضفاف النهر.
هي أيام قليلة وكنت أشد الرحال لمدينة اربد، فقد كان برنامجي يضم ثلاثة مسائل، ومن مداخل المدينة اتصلت بالفنانة رنا فأعلمتني انها في صالة العرض في بيت نجم الدين، فاتجهت فورا لهناك فالمعرض في نهاية فترته ولا مجال لأن اتأخر عن حضور المعرض رغم ارتفاع درجات الحرارة وضيق الوقت، فالفن التشكيلي يأسر مني الروح ولا أسمح لنفسي بالتغيب عن حضور معرض يمكنني حضوره، وبعد المعرض كنت اتجه لقاعة بلدية اربد الكبرى لحضور حفل تكريمي لأحد رواد العمل التطوعي، ومن البلدية كنت أتجه لبلدة الحصن جنوب اربد لأوثق بعدستي ذاكرة الشاعرة والكاتبة والفنانة المرحومة روضة أبو الشعر، ليكون هذا بعض من توثيقي بمقالاتي عن ذاكرة الحصن وبوح الأمكنة فيها.
وصلت بيت نجم الدين حيث عبق الذاكرة والفن والجمال والذي حمل اسم الأستاذ والمربي والمثقف نجم الدين عبدالله الناصر، وكان منزله الذي أصبح من خلال الورثة للبيت التراثي مركزا ومنارة ثقافية وفنية تجمع أعمال المبدعين في المجالات الثقافية والفنية، وهذه الزيارة الثانية لصالة العرض هذه، وإن فوجئت بأن صالة العرض قد قلت مساحتها كما أن الحديقة الصغيرة الجميلة لم تعد جزءًا من هذا المكان الذي كان أجمل واكثر سعة ولكن يظهر انه قد جرى اجتزاء بعض من مساحته وفصلها عن هذه المنارة الثقافية لسبب أو لآخر، لأجول بعدها في اروقة المعرض برفقة الفنانة رنا حتامله مدير بيت نجم الدين، متذوقا عبق مدارس مختلفة من الفن التشكيلي الجميل، وكانت فرصة رائعة أن أتعرف على بعض من ابداعات فنانين لم ارى أعمالهم في معارض وإنما صور عبر الشبكة العنكبوتية، فالمعرض يضم لوحات لتسعة عشر فنانا وفنانة، وإن لاحظت خلال تجوالي بين اللوحات أن قسما لا بأس فيه منها عبارة عن صور للأعمال الأصلية، ودوما أرى أن الصورة لا يمكن أن تعبر عن حقيقة العمل الفني، وأعتقد أن مشاركتها بين اللوحات الاصلية تضعف من قوة المعرض ومن جماليته، وربما تم اللجوء لذلك لتعذر وصول الأعمال الأصلية من أصحابها المتواجدين في فلسطين لسبب أو آخر، علما أن وصولها ليس مسألة صعبة فهناك شركات عديدة يمكنها نقل الأعمال بتكلفة لا تعتبر عالية، أو أن يحملها أشخاص معهم بسهولة فالحركة بين الضفتين حركة يومية وأيضا مع العمق الفلسطيني، وربما تكون المشكلة فقط في صعوبة وصول الأعمال الفنية من قطاع غزة بحكم الحصار المفروض على القطاع، وهذا أزعج رغبة ذائقتي الفنية بالتجوال بين أعمال فعلية وقرائتها عن قرب.
لفتت نظري العديد من الأعمال الفنية وجعلتني أقف أمامها بصمت متأملا ومحلقا في فضائها ومنها لوحتين للفنان خلدون أبو طالب، وهو فنان متميز بريشته ونشيط، فقد اقام 18 معرض شخصي في مدينته السلط، اضافة لمشاركته في العديد من المعارض المشتركة في الاردن وخارجه، وتميزت له لوحتان من ثلاثة لوحات شارك بها في المعرض وهي لوحات تمازج بين المدرستين الانطباعية والواقعية، حيث اللوحة الأولى تميزت بجمال حديقة وأزهارها والوان الفرح تغمرها، وفي وسطها مقعد فارغ ولكنه من المقاعد القديمة التي لم تعد موجودة الآن، وهي من خشب الزان القوي، وأذكر بطفولتي أن بيت اهلي كان به ستة من هذه المقاعد المتميزة بجمالها وقوتها ودقة صنعها، وبجوار المقعد صندوق خشبي عليه دلة القهوة، وواضح من الدرجات الخشبية الثلاثة وآنية الأزهار ان اللوحة تمثل حديقة منزلية، وهي تخلو من وجود بشري ظاهر، وكأن اللوحة ترمز إلى لحظات انتظار للقادم المشرق الأجمل، واللوحة الثانية تصور بيتا تراثيا من باب خشبي ونافذتين بجوار الباب، وأيضا كانت هناك شجرة مزهرة بالوان الفرح ومقعد خشبي عريض، وأيضا المقعد فارغ ولكن من طبيعة الأزهار وساق الشجرة ونظافة الارض اشارة رمزية أن المكان حافل بالحياة، حافل بالفرح، يمازج الفنان فيها بين الواقع ورمزية الفرح المنتظر، وأعتقد أن اللوحة انطباعية عن دارة الفنون في جبل اللويبدة في عمَّان، وفي اللوحتين لا نجد وجود بشري ظاهر، ولكن رمزية هذا الوجود ظاهرة من خلال جمال المكان وألوان الفرح فيه.
ومن اللوحات المتميزة التي شدتني بقوة لوحتان للفنان محمود أسعد، وهي لوحات تظهر تميزا وحرفية عالية، فرسم الوجوه (بورتريه) ليس بالفن السهل من خلال ممارسته كفن يحمل فكرة وتروي اللوحة حكاية وليس مجرد رسم منقول عن الصور، وهذا ما يميز الرسام عن الفنان، والفنان هنا اضافة لحرفيته في رسم وجوه الفتاة بلوحتين في المعرض، أعطى للوحات فن وجمال وفكرة، فخرج عن الإطار التقليدي في رسم الوجوه، فنجد خلفيات اللوحتين تحويا رسوم فنية وهذا انعكس بألوان على الشعر منحت التسريحة في اللوحتين شكل معاصر وغير تقليدي، وكل لوحة أخذت شكلا وأوحت بفكرة مختلفة عن الأخرى، فلوحة كانت الرموش تغطي على العينين الناظرتين للأسفل، مع انفراجة الشفتين وكأن هناك حديث أو دهشة، بينما اللوحة الأخرى كانت العينان مفتوحتين ولكن مع نظرة يشوبها الألم وهي تضع ذقنها على يدها.
كما لفت نظري الفنان مهند القسوس في لوحاته عن الأزهار والطبيعة، وقد تميز عبر مسيرته في الفن بتوثيق التراث الاردني والطبيعة والبيئة، فكان حقيقة معبرا عن الفنان الذي هو نتاج لبيئته، ولوحته التي شارك بها وهي تصور زهرات يانعة شعرت بها تتكلم وتنشد انشودة الجمال، ولوحة أخرى لمشهد طبيعي ينثر الراحة في نفس المشاهد وروحه.
بالتأكيد ان حديثي عن الفنانين الثلاثة لا يعني انتقاصا من الفنانين الآخرين المشاركين، ولكن ربما أن الوقت لعب دوره بسرعة التجوال وبالتالي تركت الدهشة في الأعمال التي تحدثت عنها أثرها على روحي، اضافة أن اللوحات المصورة لا يمكن ان تثير فيّ الدهشة والرغبة في الكتابة، رغم ان بعض الفنانين مبدعون، ومضافا لذلك أن هناك أعمال لا تتجاوز العمل الحرفي ولا ترقى لمرحلة الفن التشكيلي، وهناك لوحات لفنانين تحتاج ان يبذلوا جهودا أكثر وأن يبتعدوا عن السرعة في الانجاز حتى يأخذ العمل حقه.
المعرض بحد ذاته فكرة جيدة ولكن كان يجب الاعداد له بشكل أفضل، وكان من المهم أن تكون غالبية اللوحات القادمة من الضفة الأخرى للنهر لوحات حقيقية وليست صور، حتى يعطي المعرض الفكرة الحقيقية للأعمال الفنية وأرواح المشاركين، كي يحقق الفكرة من المعرض التي تقوم على أن المشاركين هم أحفاد من عاشوا على ضفاف نهر الأردن وبنوا الحضارات المتميزة، حتى جاء الأحفاد وتواصلوا عبر جسور المحبة التي بنوها فوق نهرهم المقدس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.