دعا مؤرخون مصريون إلي إعادة النظر في مناهج البحث العلمي التي تدرس في اقسام التاريخ بالجامعات.. واعترفوا بأن ما يدرس الآن "بائس"، ويحتاج إلي تطوير جذري.. جاء ذلك خلال الندوة التي نظمها قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة لمناقشة كتاب "نظرات جديدة علي الكتابة التاريخية"، والصادر مؤخرًا عن المركز القومي للترجمة، تحرير: بيتر بوركي أستاذ التاريخ الثقافي بجامعة كمبردج، ترجمة وتقديم د. قاسم عبده قاسم أستاذ تاريخ العصور الوسطي. وشهدت فعاليات الندوة، تقديم المفكر السيد ياسين مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لمسح لاتجاهات الكتابة التاريخية الجديدة، وركز خلالها علي الفروق بين مفهوم التاريخ قديمًا وحديثًا.. معددًا علامات الاختلاف بين المفهومين؛ حيث إن التاريخ بمفهومه الجديد يوسع من مجالات البحث التاريخي ويسمح بتداخل العلوم الإنسانية والاجتماعية. وأكد ياسين أن الكتاب موضوع المناقشة يقدم لقارئه تنويعات مختلفة من التاريخ الجديد وتأثيرات ما بعد الحداثة علي مناهج كتابته في محاولة لخلق نموذج معرفي جديد، يسقط فيه مفهوم الموضوعية، ويعلي من معني التأويل، وتحليل البنية؛ وبهذا المعني لم يعد التاريخ علما للدراسة. وأضاف: ويضم الكتاب اثنتي عشرة دراسة؛ أبرزها: "التاريخ الجديد ماضيه ومستقبله" لبيتر بوركي، والتاريخ من أسفل لجيم شارب، وتاريخ ما وراء البحار ليهنك ويسلنج، وتاريخ القراءة لروبرت درانتون، وتاريخ الحوادث، وأحياء السرد لبيتر بوركي، ودراسة جيوفاني ليفي بعنوان "عن التاريخ المصغر"، ودراسة "تاريخ المرأة" التي كتبتها جان سكوت، و"تاريخ الجسد" لروي بوتر.. ويرصد الكتاب ما جاء به القرن الحادي والعشرين من تغيرات كانت لها انعكاساتها علي الكتابة التاريخية مع الترويج لمقولات عن "نهاية التاريخ" ، "وصراع الحضارات". واستطرد ياسين: لكن وراء هذه اللافتات الضخمة - كما يقول مترجم الكتاب - "كانت تجري محاولات دءوبة لترسيخ فروع جديدة من العلم التاريخي، تهتم بالإنسان الفرد أو الجماعات الصغيرة، فيما عرف باسم "التاريخ المصغر" وتعيد النظر في موضوعات قديمة مثل التاريخ السياسي، وتستشرف آفاقًا جديدة في فروع راسخة مثل تاريخ البيئة وتاريخ الجسد والتاريخ المرئي وتعيد الاعتبار إلي التاريخ الشفاهي وإلي السرد التاريخي. فيما أشار مترجم الكتاب د. قاسم عبده قاسم إلي أن قارئ الكتاب لابد أن يضع في اعتباره أمرين؛ أولهما: أن المعرفة التاريخية لم تكن وقفًا علي أمة أو مجموعة من الأمم، وأن الفكر التاريخي ليس مقصورًا علي الثقافة الغربية بشقيها الأوربي والأمريكي. أما د. خالد فهمي رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، فأكد عددًا من النقاط الخلافية التي وجدها في مقدمة د. قاسم للترجمة العربية من الكتاب، وعنها يقول: أختلف مع قاسم في حكمه علي فصل "تاريخ النساء"، وفصل "تاريخ الجسد" الواردين بالكتاب؛ فالكتاب قيم علي حد قوله، كما أن المقالتين هما أبرز ما فيه؛ لأن محاولات كتابة تاريخ النساء وإدخال تاريخ المرأة هي محاولة لإدخال تفصيلية بينوية لا تقل اهمية عن محاولات تقويض المركزية الاوروبية.. واصفًا المؤرخ روي بوتر صاحب فصل تاريخ الجسد في الكتاب ب"المؤرخ الموسوعي" الذي يقوض ثنائية ميتافزيقا الجسد والعقل، وهي ثنائية لا تخلتف عن ثنائية الشرق والغرب؛ مما يعني أن كتابته تضمنت محاولة ثورية لإعادة كتابة التاريخ مثلها مثل الكتابات التي اهتمت بالتفكير في الجسد كمنتج لخطاب ثقافي, وحضاري تاريخي، وهذا ليس إقحامًا علي الكتاب كما يعتقد د. قاسم حتي فيما يخص المكتوب بشأن "تمايزات الجسد اليهودي واختلافه". وأضاف فهمي أن الكتاب بهوامشه يقدم مفاتيح لدراسة اتجاهات الكتابة التاريخية، ومن المؤسف أن مشروع الترجمة لم يذهب باتجاه ترجمة الأصول أو المراجع الرئيسية التي تشير اليها هوامش الكتاب الذي يقدم مفاتيح لقراءة استرشادية، وقال: "نحن بحاجة إلي ترجمة الأصول"، وأتفق مع إشارة قاسم الواردة في مقدمة الكتاب والتي اعتبرت أن الكتاب "لم يفلت من أسر المركزية الأوروبية"، ولم يصل في مقالاته إلي الإضافات التي قدمتها مدرسة التابع ونظريات ما بعد الاستعمار والنقلة الموضوعية التي أحدثها كتاب "الاستشراق" في سياق دراسات الشرق والغرب. أما د. عماد أبو غازي أمين عام المجلس الأعلي للثقافة، فاكد أن الكتاب موضوع النقاش يمثل إضافة للمكتبة العربية، وهو يتتبع تحولات الدراسات التاريخية معتبرًا أننا بحاجة إلي ترجمة الأعمال المكملة والشارحة، وهي جزء من مشروع المركز القومي للترجمه. واضاف أبو غازي: "لفت انتباهي خلال القراءة النظر بأسي إلي حال الكتابات التاريخية في مصر، وحجم الماسأة فيها، إذ لا يوجد تطور في مناهج البحث التاريخي، فنحن ما زلنا ضحايا لأسر الرؤي التي تحصر موضوع التاريخ في "الموضوع السياسي"، ولا نجرؤ علي كسر هذه المنهجية، وأقر أبو غازي بأنه لا توجد رؤية تحكم المستهدف من دراسة التاريخ في الجامعة المصرية، كما يوجد تهميش لمناطق جغرافية كاملة، منها الشرق الاقصي والامريكتين. ومن جهته، أكد د. محمد عفيفي رئيس قسم التاريخ بجامعة القاهرة، مقولة أبو غازي.. مشيرًا إلي "بؤس الدراسة التاريخية في الجامعة وجمودها".