بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    ترامب: جميع دول العالم ترغب في الانضمام إلى مجلس السلام حول غزة    بحضور ماسك ورونالدو، ترامب يقيم عشاء رسميا لولي العهد السعودي (فيديو)    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    "الوطنية للانتخابات": إلغاء نتائج 19 دائرة سببه مخالفات جوهرية أثرت على إرادة الناخب    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    فرحات: رسائل السيسي ترسم ملامح برلمان مسؤول يدعم الدولة    شمال سيناء تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس النواب 2025    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    أقرب إلى الخلع، وزير الآثار الأسبق يكشف مفاجآت عن وثيقة الجواز والطلاق في عصر الفراعنة    نمو الطلب على السلع المصنعة في أمريكا خلال أغسطس    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    إحالة مخالفات جمعية منتجي الأرز والقمح للنيابة العامة.. وزير الزراعة يكشف حجم التجاوزات وخطة الإصلاح    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    معرض «الأبد هو الآن» يضيء أهرامات الجيزة بليلة عالمية تجمع رموز الفن والثقافة    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    جميع المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026    شجار جماعي.. حادثة عنف بين جنود الجيش الإسرائيلي ووقوع إصابات    قوات الاحتلال تطرد عائلة الشهيد صبارنة من منزلها وتغلقه    وزير الدفاع الروسي: قوات الصواريخ والمدفعية تلعب الدور الحاسم في تدمير العدو    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    إنهاء تعاقد مُعلم في نجع حمادي بتهمة التعدي على تلميذ    عاجل مستشار التحول الرقمي: ليس كل التطبيقات آمنة وأحذر من استخدام تطبيقات الزواج الإلكترونية الأجنبية    أحمد موسى: الرئيس دائمًا يؤكد قيمة الوحدة الوطنية.. ودعم البوتاجاز مثال على اهتمام الدولة    الأحزاب تتوحد خلف شعار النزاهة والشفافية.. بيان رئاسي يهز المشهد الانتخابي    وزارة الاتصالات تنفذ برامج تدريبية متخصصة في الأمن السيبراني على مستوى 14 محافظة    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    الفنانون يدعمون تامر حسنى فى أزمته الصحية.. هنا الزاهد ودياب: تقوم بالسلامة    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    فضيحة الفساد في كييف تُسقط محادثات ويتكوف ويرماك في تركيا    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    «مصر العليا للكهرباء»: 4.3 مليار جنيه مشروعات للغير وفائض تشغيل كبير    وزير المالية: مبادرة جديدة لدعم ريادة الأعمال وتوسيع نظام الضريبة المبسطة وحوافز لأول 100 ألف مسجل    هيئة الدواء: نعتزم ضخ 150 ألف عبوة من عقار الديجوكسين لعلاج أمراض القلب خلال الفترة المقبلة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    الشيخ رمضان عبد المعز يبرز الجمال القرآني في سورة الأنبياء    التنسيقية تنظم رابع صالون سياسي للتعريف ببرامج المرشحين بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرواية تؤرخ بعيدا عن كتب التاريخ
نشر في صوت البلد يوم 13 - 06 - 2016

باتت الرواية التاريخية تجذب الكثير من الكتاب العرب وتغويهم بالكتابة في سياقها رغم ما يشوبها من مصاعب شتى أولها سؤال الأمانة ومدى التزام الرواية بأحداث التاريخ، وليس آخرها جدوى استقدام الحدث التاريخي وصياغته في جسد رواية. “العرب” استطلعت آراء بعض الروائيين العرب حول الرواية التاريخية العربية اليوم.
للرواية طريقتها في تخليد التاريخ حتى ذلك الذي حدث في مناطق بعيدة عن جغرافيتنا. فعن طريق “مصائر” لربعي المدهون كانت فلسطين حاضرة بتاريخها الطويل مع الإسرائيلي، ومع “الحفيدة الأميركية” لإنعام كجه جي ومن خلال الشابة زينة كانت معاناة بغداد إبان الغزو الأميركي، وفي “الطريق الطويل” لإشمائيل بيه قرأنا عن الحرب في سيراليون، وقرأنا روايات إبراهيم الكوني عن أغوار الصحراء الليبية. فهل أصبحت الرواية وثيقة تاريخية واجتماعية لحياة الشعوب؟ وهل الرواية أفضل من كتب التاريخ؟
يرى الروائي ممدوح رزق أن أسئلة التوثيق من الضرورات المحتملة عند التفكير في الرواية اليوم، بل وعند التأمل في تاريخها أيضاً، ويضيف “يمكن للرواية أن تكون وثيقة تاريخية واجتماعية هذا صحيح، ولكن لعل التساؤل الجوهري هنا: ما الذي يعنيه التوثيق بالنسبة إلى الرواية؟ هناك حقيقة تبدو بديهية بالنسبة إلي الآن، إذ يمتلك الواقع في المجتمعات العربية “فناً” أكثر مما يوجد في الروايات التي تحاول توثيقه. ويمكنك أن تعطي مرادفات عديدة لكلمة “الفن” في العبارة السابقة ولن تكون على خطأ: الانتهاك، الغرابة، الجموح.
في المقابل يظل معظم كتّاب الرواية مسالمين أمام هذا الواقع، محكومين بالنمطية، وخاضعين لسلطة المقدس الديني، وللقيم الأخلاقية التقليدية.
ليس هذا وحسب، بل ويقف الخطاب النقدي العربي والثقافي بشكل عام في ظهر تلك الهيمنة البائسة كحماية تنظيرية، وكداعم محفّز ومرسخ لوجودها”.
ويتابع “الواقع العربي أكثر خيالاً إذن من رواياته.. لم تعد الرواية العربية في تصوري نسخة من حياة مجتمعاتها، وهو ما كان يُنظر إليه كإدانة باعتبار أن الكتابة لا يجب أن تكون مجرد تكرار تسجيلي، أو ممرا أعمى لانتقال المشاهد والأحداث اليومية من الواقع إلى صفحات الكتب، ولا ينبغي أن تكون إعادة صياغة لما يُنشر في الصحف من أخبار وحوادث ومشاكل البشر.. الرواية العربية تأخرت بشكل أعنف مما يمكن تقديره عن الحياة التي كان التطابق معها يجردها عند البعض من الصفة الروائية”.
يشير رزق إلى أنه ليست هناك وصفة حاسمة أو منهج ثابت لجعل الرواية وثيقة تاريخية واجتماعية، وهذا، في رأيه، أمر بديهي بالطبع، لكنه يرى على جانب آخر أنه باتت هناك خطوات سهلة وتلقائية يمكن للقراء والكتّاب والنقاد ممارستها للترويض والعقاب في مواجهة التجارب الروائية التي يتم تصنيفها كجرائم نتيجة عدم امتثالها لليقينيات السائدة عن “التوثيق الروائي” كالاعتداء اللفظي والتحريض والمحاكمات والسجن والتشفي بعد السجن، لا بد أن الكاتب المصري أحمد ناجي هو النموذج الأقوى والمثال الأبرز لما يأتيه نقاد وقراء ومنظومة اجتماعية كاملة في حق كاتب. فأحمد ناجي، كما يقول رزق، حُكم عليه بالسجن سنتين بتهمة “خدش الحياء العام” بعد نشر فصل من روايته “استخدام الحياة”، والتي يمكن أن تُعد وثيقة تاريخية واجتماعية بجدارة. لذا يمكن للرواية أن توثّق، ولكن يجب على الأقل أن تحاول الاقتراب من شجاعة الواقع، من خياله الذي لا يحاكم.
هل الرواية وثيقة؟
يعتبر الروائي إبراهيم فرغلي التجارب الروائية العربية في غالبيتها مشغولة جدا بالمحلي، وغارقة في ذاتيتها، والأعمال التي حاولت أن تنفتح على تجارب كبرى من الواقع المحلي الذي ينتمي إليه كاتب ما، قليلة جدا ونادرة.
ويضيف “هناك محاولات مهمة جدا في هذا الصدد للكاتب اللبناني ربيع جابر، فحتى لو تمترس خلف شخصية لبنانية فإنه يطوف بها في مجال يمنح العمل كله طابعا إنسانيا أكبر من الهم الذاتي، مثلما فعل في روايته “دروز بلغراد”، حيث وسع إطار الرؤية لمجتمع البلقان كله في فترة تاريخية محددة، وكذلك في روايته “أميركا”، وهناك أيضا تجربة الكاتب الكويتي سعود السنعوسي عن الفلبين في “ساق البامبو”، التي قدم فيها معاناة الفرد الفلبيني جنبا إلى جنب مع مأساة المواطن العربي في نص يكشف فجاجة وتخلف العنصرية”.
يتابع ضيفنا “الأمر نفسه ينطبق على رواية بثينة العيسى الأخيرة “خرائط التيه”، ففيها امتداد للبعد الإنساني لأفراد خارج محيط الهوية الكويتية التي تمتد إلى ثقافات في مكة، وسيناء، وإلى شخصيات من عدة ثقافات أيضا”.
يقول “هناك محاولات أسبق من ذلك في مصر للكاتب المصري محمد المنسي قنديل الذي قدم في رواية “قمر على سمرقند” مثلا خارطة واسعة لثقافات أخرى لا نعرف عنها شيئا في آسيا الوسطى الإسلامية، وحاول ربط تلك الثقافة بأزمات المجتمعات التي ننتمي إليها على نحو أو آخر، وهو تقريبا ما فعله لكن مع إضفاء البعد التاريخي في روايته الأخيرة “كتيبة منسية”، لأنه قدم للقارئ العربي جانبا يكاد يكون غير معروف عن تلك الكتيبة التي حاربت في المكسيك قبل أكثر من قرن ولا يعرف عنها أحد شيئا”.
ويوضح فرغلي أنه ربما لو أجرينا حصرا لوجدنا عدد الأعمال من هذا النوع قليلة، وربما نادرة، رغم أهميتها في استعادة الألق للرواية التاريخية من جهة، ولتأكيد طابع الانفتاح على الثقافات الأخرى والذي يظن أنه أصبح ضروريا في مثل هذه الفترة الخانقة من فترات المعاصرة التي أدى فيها الانغلاق على الذات – إما لأسباب شوفينية أو لأزمات هوويّة أو لأسباب أخرى – إلى مآسي انغلاق الأفق وفقر الخيال والأوهام التي تضخم الذات المجوفة أساسا من فرط هشاشتها.
وظيفة جمالية
ويقول الروائي كريم كطافة “حين استباح جيش هولاكو بغداد المدينة التي كانت أصلاً مستباحة على يد حماتها من بقايا العباسيين وقادة جندهم الأتراك، قيل إن جندياً من المغول دخل بيتاً يبحث فيه عن فتاة ليغتصبها فوجد البيت خالياً إلا من رجل مختبئ ومرعوب ولم يكن مع ذلك الجندي سيفً، لعل فورة السيطرة والغرور أنسته إياه في مكان ما. غضب الجندي على سوء حظه لذا أمر الرجل الخائف بأن ينتظره في مكانه لحين ذهابه والإتيان بسيفه لينحره. وقيل إن الرجل لم يهرب بل انتظر قاتله الذي عاد وقطع رأسه. هذه التفصيلة الصغيرة الهامشية، التي بالكاد ذكرت في مكان صغير من كتب المؤرخين ستكون هي مادة الروائي. هي البؤرة التي ستتفجر على يد كاتب الرواية وتكشف كامل بانوراما الغزو والسقوط. ومعها فقط سنفهم نحن كائنات القرن الحادي والعشرين ماذا حدث في ذلك الزمن البعيد. من هنا يجب أن نفهم خطورة دور الرواية”.
ويعتقد كطافة أن سؤال هل يمكن اعتبار الرواية وثيقة تاريخية أم لا؟ لا يخص الرواية ولا يظن الروائيين معنيين بالإجابة عنه. للرواية، حسب رأيه، وظيفة كانت ومازالت، هي الاكتشاف عبر عمق وسلامة البصيرة. وهذه العملية الإنسانية هي جزء من رسالة الفن التي تعنى بتقديم الجمال ولا شيء غير الجمال.
يقول “الجمال يبهر ويفرح ويسعد الكائن البشري وهو موجود في البيئة على تنوعها الإنساني والحيواني والنباتي. وهذه هي أقدس رسالة يمكن أن يقدمها الفنان لمجتمعه. لكن السؤال يظل قائماً عن هذه العلاقة الملتبسة بين الرواية والتأريخ ولعله هو السبب الذي دفع بالشاعر الألماني هاينرش هاينه للاندهاش من هذه المفارقة إذ يقول ‘غريبة هي نزوة البشر! إنهم يطلبون تأريخهم من يد الشاعر وليس من يد المؤرخ. إنهم يطلبون ليس تقريراً أميناً عن حقائق مجردة، بل تلك الحقائق التي انحلت عائدة إلى الشعر الأصلي الذي جاءت منه‘.
إنه ميل البشر القديم لتجسيد والتعرف على أحوالهم عبر الفن على اختلاف وسائل تجسيده (شعراً، رواية، رسماً، نحتاً، موسيقى..إلخ) لا عبر سرديات المؤرخين المأخوذين بالأرقام وأسماء القادة. نحت الكهوف ورسوماتها كانت أولى الوثائق التأريخية وملحمة كلكامش على ضفاف الرافدين تحولت إلى مصدر لا غنى عنه لكل باحث في التأريخ.
باتت الرواية التاريخية تجذب الكثير من الكتاب العرب وتغويهم بالكتابة في سياقها رغم ما يشوبها من مصاعب شتى أولها سؤال الأمانة ومدى التزام الرواية بأحداث التاريخ، وليس آخرها جدوى استقدام الحدث التاريخي وصياغته في جسد رواية. “العرب” استطلعت آراء بعض الروائيين العرب حول الرواية التاريخية العربية اليوم.
للرواية طريقتها في تخليد التاريخ حتى ذلك الذي حدث في مناطق بعيدة عن جغرافيتنا. فعن طريق “مصائر” لربعي المدهون كانت فلسطين حاضرة بتاريخها الطويل مع الإسرائيلي، ومع “الحفيدة الأميركية” لإنعام كجه جي ومن خلال الشابة زينة كانت معاناة بغداد إبان الغزو الأميركي، وفي “الطريق الطويل” لإشمائيل بيه قرأنا عن الحرب في سيراليون، وقرأنا روايات إبراهيم الكوني عن أغوار الصحراء الليبية. فهل أصبحت الرواية وثيقة تاريخية واجتماعية لحياة الشعوب؟ وهل الرواية أفضل من كتب التاريخ؟
يرى الروائي ممدوح رزق أن أسئلة التوثيق من الضرورات المحتملة عند التفكير في الرواية اليوم، بل وعند التأمل في تاريخها أيضاً، ويضيف “يمكن للرواية أن تكون وثيقة تاريخية واجتماعية هذا صحيح، ولكن لعل التساؤل الجوهري هنا: ما الذي يعنيه التوثيق بالنسبة إلى الرواية؟ هناك حقيقة تبدو بديهية بالنسبة إلي الآن، إذ يمتلك الواقع في المجتمعات العربية “فناً” أكثر مما يوجد في الروايات التي تحاول توثيقه. ويمكنك أن تعطي مرادفات عديدة لكلمة “الفن” في العبارة السابقة ولن تكون على خطأ: الانتهاك، الغرابة، الجموح.
في المقابل يظل معظم كتّاب الرواية مسالمين أمام هذا الواقع، محكومين بالنمطية، وخاضعين لسلطة المقدس الديني، وللقيم الأخلاقية التقليدية.
ليس هذا وحسب، بل ويقف الخطاب النقدي العربي والثقافي بشكل عام في ظهر تلك الهيمنة البائسة كحماية تنظيرية، وكداعم محفّز ومرسخ لوجودها”.
ويتابع “الواقع العربي أكثر خيالاً إذن من رواياته.. لم تعد الرواية العربية في تصوري نسخة من حياة مجتمعاتها، وهو ما كان يُنظر إليه كإدانة باعتبار أن الكتابة لا يجب أن تكون مجرد تكرار تسجيلي، أو ممرا أعمى لانتقال المشاهد والأحداث اليومية من الواقع إلى صفحات الكتب، ولا ينبغي أن تكون إعادة صياغة لما يُنشر في الصحف من أخبار وحوادث ومشاكل البشر.. الرواية العربية تأخرت بشكل أعنف مما يمكن تقديره عن الحياة التي كان التطابق معها يجردها عند البعض من الصفة الروائية”.
يشير رزق إلى أنه ليست هناك وصفة حاسمة أو منهج ثابت لجعل الرواية وثيقة تاريخية واجتماعية، وهذا، في رأيه، أمر بديهي بالطبع، لكنه يرى على جانب آخر أنه باتت هناك خطوات سهلة وتلقائية يمكن للقراء والكتّاب والنقاد ممارستها للترويض والعقاب في مواجهة التجارب الروائية التي يتم تصنيفها كجرائم نتيجة عدم امتثالها لليقينيات السائدة عن “التوثيق الروائي” كالاعتداء اللفظي والتحريض والمحاكمات والسجن والتشفي بعد السجن، لا بد أن الكاتب المصري أحمد ناجي هو النموذج الأقوى والمثال الأبرز لما يأتيه نقاد وقراء ومنظومة اجتماعية كاملة في حق كاتب. فأحمد ناجي، كما يقول رزق، حُكم عليه بالسجن سنتين بتهمة “خدش الحياء العام” بعد نشر فصل من روايته “استخدام الحياة”، والتي يمكن أن تُعد وثيقة تاريخية واجتماعية بجدارة. لذا يمكن للرواية أن توثّق، ولكن يجب على الأقل أن تحاول الاقتراب من شجاعة الواقع، من خياله الذي لا يحاكم.
هل الرواية وثيقة؟
يعتبر الروائي إبراهيم فرغلي التجارب الروائية العربية في غالبيتها مشغولة جدا بالمحلي، وغارقة في ذاتيتها، والأعمال التي حاولت أن تنفتح على تجارب كبرى من الواقع المحلي الذي ينتمي إليه كاتب ما، قليلة جدا ونادرة.
ويضيف “هناك محاولات مهمة جدا في هذا الصدد للكاتب اللبناني ربيع جابر، فحتى لو تمترس خلف شخصية لبنانية فإنه يطوف بها في مجال يمنح العمل كله طابعا إنسانيا أكبر من الهم الذاتي، مثلما فعل في روايته “دروز بلغراد”، حيث وسع إطار الرؤية لمجتمع البلقان كله في فترة تاريخية محددة، وكذلك في روايته “أميركا”، وهناك أيضا تجربة الكاتب الكويتي سعود السنعوسي عن الفلبين في “ساق البامبو”، التي قدم فيها معاناة الفرد الفلبيني جنبا إلى جنب مع مأساة المواطن العربي في نص يكشف فجاجة وتخلف العنصرية”.
يتابع ضيفنا “الأمر نفسه ينطبق على رواية بثينة العيسى الأخيرة “خرائط التيه”، ففيها امتداد للبعد الإنساني لأفراد خارج محيط الهوية الكويتية التي تمتد إلى ثقافات في مكة، وسيناء، وإلى شخصيات من عدة ثقافات أيضا”.
يقول “هناك محاولات أسبق من ذلك في مصر للكاتب المصري محمد المنسي قنديل الذي قدم في رواية “قمر على سمرقند” مثلا خارطة واسعة لثقافات أخرى لا نعرف عنها شيئا في آسيا الوسطى الإسلامية، وحاول ربط تلك الثقافة بأزمات المجتمعات التي ننتمي إليها على نحو أو آخر، وهو تقريبا ما فعله لكن مع إضفاء البعد التاريخي في روايته الأخيرة “كتيبة منسية”، لأنه قدم للقارئ العربي جانبا يكاد يكون غير معروف عن تلك الكتيبة التي حاربت في المكسيك قبل أكثر من قرن ولا يعرف عنها أحد شيئا”.
ويوضح فرغلي أنه ربما لو أجرينا حصرا لوجدنا عدد الأعمال من هذا النوع قليلة، وربما نادرة، رغم أهميتها في استعادة الألق للرواية التاريخية من جهة، ولتأكيد طابع الانفتاح على الثقافات الأخرى والذي يظن أنه أصبح ضروريا في مثل هذه الفترة الخانقة من فترات المعاصرة التي أدى فيها الانغلاق على الذات – إما لأسباب شوفينية أو لأزمات هوويّة أو لأسباب أخرى – إلى مآسي انغلاق الأفق وفقر الخيال والأوهام التي تضخم الذات المجوفة أساسا من فرط هشاشتها.
وظيفة جمالية
ويقول الروائي كريم كطافة “حين استباح جيش هولاكو بغداد المدينة التي كانت أصلاً مستباحة على يد حماتها من بقايا العباسيين وقادة جندهم الأتراك، قيل إن جندياً من المغول دخل بيتاً يبحث فيه عن فتاة ليغتصبها فوجد البيت خالياً إلا من رجل مختبئ ومرعوب ولم يكن مع ذلك الجندي سيفً، لعل فورة السيطرة والغرور أنسته إياه في مكان ما. غضب الجندي على سوء حظه لذا أمر الرجل الخائف بأن ينتظره في مكانه لحين ذهابه والإتيان بسيفه لينحره. وقيل إن الرجل لم يهرب بل انتظر قاتله الذي عاد وقطع رأسه. هذه التفصيلة الصغيرة الهامشية، التي بالكاد ذكرت في مكان صغير من كتب المؤرخين ستكون هي مادة الروائي. هي البؤرة التي ستتفجر على يد كاتب الرواية وتكشف كامل بانوراما الغزو والسقوط. ومعها فقط سنفهم نحن كائنات القرن الحادي والعشرين ماذا حدث في ذلك الزمن البعيد. من هنا يجب أن نفهم خطورة دور الرواية”.
ويعتقد كطافة أن سؤال هل يمكن اعتبار الرواية وثيقة تاريخية أم لا؟ لا يخص الرواية ولا يظن الروائيين معنيين بالإجابة عنه. للرواية، حسب رأيه، وظيفة كانت ومازالت، هي الاكتشاف عبر عمق وسلامة البصيرة. وهذه العملية الإنسانية هي جزء من رسالة الفن التي تعنى بتقديم الجمال ولا شيء غير الجمال.
يقول “الجمال يبهر ويفرح ويسعد الكائن البشري وهو موجود في البيئة على تنوعها الإنساني والحيواني والنباتي. وهذه هي أقدس رسالة يمكن أن يقدمها الفنان لمجتمعه. لكن السؤال يظل قائماً عن هذه العلاقة الملتبسة بين الرواية والتأريخ ولعله هو السبب الذي دفع بالشاعر الألماني هاينرش هاينه للاندهاش من هذه المفارقة إذ يقول ‘غريبة هي نزوة البشر! إنهم يطلبون تأريخهم من يد الشاعر وليس من يد المؤرخ. إنهم يطلبون ليس تقريراً أميناً عن حقائق مجردة، بل تلك الحقائق التي انحلت عائدة إلى الشعر الأصلي الذي جاءت منه‘.
إنه ميل البشر القديم لتجسيد والتعرف على أحوالهم عبر الفن على اختلاف وسائل تجسيده (شعراً، رواية، رسماً، نحتاً، موسيقى..إلخ) لا عبر سرديات المؤرخين المأخوذين بالأرقام وأسماء القادة. نحت الكهوف ورسوماتها كانت أولى الوثائق التأريخية وملحمة كلكامش على ضفاف الرافدين تحولت إلى مصدر لا غنى عنه لكل باحث في التأريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.