مصر بين جمهوريتى 23 يوليو و30 يونيو ورسائل الرئيس    تشكيل المصري - منذر طمين يقود الهجوم أمام النجم الساحلي وديا    حوار في الجول - تيدي أوكو يكشف أسباب فشل انتقاله إلى الزمالك.. وموقف الكشف الطبي    مؤشرات تنسيق الثانوية العامة 2025 علمي.. كليات ومعاهد تقبل مجموع 50% فقط في 2024    محمد الجالى: توجيهات الرئيس السيسي عن الطاقة استراتيجية للتحول لمركز إقليمى.. وتحقيق الاكتفاء الذاتي يرتبط ب"الأمن القومي"    وزير الخارجية والهجرة يسلم رسالة خطية من فخامة رئيس الجمهورية الى رئيس جمهورية النيجر    «أجبرتها على التراجع».. مروحية إيرانية تتصدى لمدمرة أمريكية في المياه الإقليمية    صلاح عبدالعاطي: إسرائيل تستخدم المفاوضات غطاءً لإطالة أمد الحرب وفرض ترتيبات قسرية    أوكرانيا وروسيا تستعدان لإجراء محادثات سلام في تركيا    حزب إرادة جيل يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بذكرى ثورة 23 يوليو    البابا تواضروس يستقبل مجموعة خدام من كنيستنا في نيوكاسل    أرسنال يهزم ميلان في مباراة ودية بسنغافورة    علي معلول يوقع على عقود انضمامه إلى ناديه الجديد    الرابط المعتمد لنتيجة الثانوية الأزهرية 2025.. استعلم عبر بوابة الأزهر الشريف برقم الجلوس (فور ظهورها)    محمد رياض: نبحث عن تيارات فكرية جديدة في الكتابة المسرحية    "شفتشي" ثاني أغنيات الوش الثاني من "بيستهبل" ل أحمد سعد    خلال استقبال مساعد وزير الصحة.. محافظ أسوان: التأمين الشامل ساهم في تطوير الصروح الطبية    بالأسماء.. رئيس أمناء جامعة بنها الأهلية يُصدر 9 قرارات بتعيين قيادات جامعية جديدة    منهم برج الدلو والحوت.. الأبراج الأكثر حظًا في الحياة العاطفية في شهر أغسطس 2025    متحدث الوزراء يكشف السبب الرئيسي وراء تأجيل احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    وزير الدفاع يكرم أصحاب الإنجازات الرياضية من أبناء القوات المسلحة (تفاصيل)    ماذا يحدث لجسمك عند تناول السلمون نيئًا؟    من الارتفاع إلى الهبوط.. قراءة في أداء سهم "بنيان" في ثاني يوم تداول بالبورصة    خادم الحرمين وولى العهد السعودى يهنئان الرئيس السيسى بذكرى ثورة 23 يوليو    القاهرة والرياض تبحثان مستجدات الأوضاع بالبحر الأحمر    بعد تراجع 408.. تعرف على أسعار جميع سيارات بيجو موديل 2026 بمصر    برلين تمهد الطريق أمام تصدير مقاتلات يوروفايتر لتركيا    حمدى رزق يكتب: الحبُ للحبيبِ الأوَّلِ    113 شهيدًا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    محادثات اقتصادية وتجارية بين الصين والولايات المتحدة.. على أساس مبادئ الاحترام المتبادل    «اتصرف غلط».. نجم الأهلي السابق يعلق على أزمة وسام أبو علي ويختار أفضل بديل    فسخ العقود وإنذارات للمتأخرين.. ماذا يحدث في تقنين أراضي أملاك الدولة بقنا؟    خطة استثمارية ب100 مليون دولار.. «البترول» و«دانة غاز» تعلنان نتائج بئر «بيجونيا-2» بإنتاج 9 مليارات قدم    تحرير 7 محاضر لأصحاب أنشطة تجارية في حملة تموينية بالعاشر من رمضان    «فتحنا القبر 6 مرات في أسبوعين».. أهالي قرية دلجا بالمنيا يطالبون بتفسير وفاة أطفال «الأسرة المكلومة»    ب2.5 مليون.. افتتاح أعمال رفع كفاءة وحدة الأشعة بمستشفى فاقوس في الشرقية (تفاصيل)    لماذا لا ينخفض ضغط الدم رغم تناول العلاج؟.. 9 أسباب وراء تلك المشكلة    «ادهشيهم في الساحل الشرير».. حضري «الكشري» في حلة واحدة لغذاء مميز (المكونات والطريقة)    رضا البحراوي يمازح طلاب الثانوية العامة    "المطورين العقاريين" تطالب بحوار عاجل بشأن قرار إلغاء تخصيص الأراضي    طرح إعلان فيلم Giant لأمير المصري تمهيدا لعرضه عالميا    الأهلي يترقب انتعاش خزينته ب 5.5 مليون دولار خلال ساعات    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر والأصل أن تعود للخاطب عند فسخ الخطبة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم نتمنى ان نكون مثلكم ?!    فيريرا يركز على الجوانب الفنية في مران الزمالك الصباحي    تباين أداء مؤشرات البورصة في منتصف تعاملات اليوم    وفاة شخصين متأثرين بإصابتهما في حادث تصادم سيارتين بقنا    أسرة مريم الخامس أدبي تستقبل نتيجتها بالزغاريد في دمياط    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    بالفيديو.. الأرصاد: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد حتى منتصف الأسبوع المقبل    "الأعلى للإعلام" يُوقف مها الصغير ويحيلها للنيابة بتهمة التعدي على الملكية الفكرية    الرئيس السيسي: هذا الوطن قادر بأبنائه على تجاوز التحديات والصعاب    البنك الزراعي المصري يبحث تعزيز التعاون مع اتحاد نقابات جنوب إفريقيا    رئيس الوزراء يتفقد موقع إنشاء المحطة النووية بالضبعة    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    خلال فترة التدريب.. مندوب نقل أموال ينهب ماكينات ATM بشبرا الخيمة    حريق يلتهم محلين تجاريين وشقة في أسيوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرواية تؤرخ بعيدا عن كتب التاريخ
نشر في صوت البلد يوم 13 - 06 - 2016

باتت الرواية التاريخية تجذب الكثير من الكتاب العرب وتغويهم بالكتابة في سياقها رغم ما يشوبها من مصاعب شتى أولها سؤال الأمانة ومدى التزام الرواية بأحداث التاريخ، وليس آخرها جدوى استقدام الحدث التاريخي وصياغته في جسد رواية. “العرب” استطلعت آراء بعض الروائيين العرب حول الرواية التاريخية العربية اليوم.
للرواية طريقتها في تخليد التاريخ حتى ذلك الذي حدث في مناطق بعيدة عن جغرافيتنا. فعن طريق “مصائر” لربعي المدهون كانت فلسطين حاضرة بتاريخها الطويل مع الإسرائيلي، ومع “الحفيدة الأميركية” لإنعام كجه جي ومن خلال الشابة زينة كانت معاناة بغداد إبان الغزو الأميركي، وفي “الطريق الطويل” لإشمائيل بيه قرأنا عن الحرب في سيراليون، وقرأنا روايات إبراهيم الكوني عن أغوار الصحراء الليبية. فهل أصبحت الرواية وثيقة تاريخية واجتماعية لحياة الشعوب؟ وهل الرواية أفضل من كتب التاريخ؟
يرى الروائي ممدوح رزق أن أسئلة التوثيق من الضرورات المحتملة عند التفكير في الرواية اليوم، بل وعند التأمل في تاريخها أيضاً، ويضيف “يمكن للرواية أن تكون وثيقة تاريخية واجتماعية هذا صحيح، ولكن لعل التساؤل الجوهري هنا: ما الذي يعنيه التوثيق بالنسبة إلى الرواية؟ هناك حقيقة تبدو بديهية بالنسبة إلي الآن، إذ يمتلك الواقع في المجتمعات العربية “فناً” أكثر مما يوجد في الروايات التي تحاول توثيقه. ويمكنك أن تعطي مرادفات عديدة لكلمة “الفن” في العبارة السابقة ولن تكون على خطأ: الانتهاك، الغرابة، الجموح.
في المقابل يظل معظم كتّاب الرواية مسالمين أمام هذا الواقع، محكومين بالنمطية، وخاضعين لسلطة المقدس الديني، وللقيم الأخلاقية التقليدية.
ليس هذا وحسب، بل ويقف الخطاب النقدي العربي والثقافي بشكل عام في ظهر تلك الهيمنة البائسة كحماية تنظيرية، وكداعم محفّز ومرسخ لوجودها”.
ويتابع “الواقع العربي أكثر خيالاً إذن من رواياته.. لم تعد الرواية العربية في تصوري نسخة من حياة مجتمعاتها، وهو ما كان يُنظر إليه كإدانة باعتبار أن الكتابة لا يجب أن تكون مجرد تكرار تسجيلي، أو ممرا أعمى لانتقال المشاهد والأحداث اليومية من الواقع إلى صفحات الكتب، ولا ينبغي أن تكون إعادة صياغة لما يُنشر في الصحف من أخبار وحوادث ومشاكل البشر.. الرواية العربية تأخرت بشكل أعنف مما يمكن تقديره عن الحياة التي كان التطابق معها يجردها عند البعض من الصفة الروائية”.
يشير رزق إلى أنه ليست هناك وصفة حاسمة أو منهج ثابت لجعل الرواية وثيقة تاريخية واجتماعية، وهذا، في رأيه، أمر بديهي بالطبع، لكنه يرى على جانب آخر أنه باتت هناك خطوات سهلة وتلقائية يمكن للقراء والكتّاب والنقاد ممارستها للترويض والعقاب في مواجهة التجارب الروائية التي يتم تصنيفها كجرائم نتيجة عدم امتثالها لليقينيات السائدة عن “التوثيق الروائي” كالاعتداء اللفظي والتحريض والمحاكمات والسجن والتشفي بعد السجن، لا بد أن الكاتب المصري أحمد ناجي هو النموذج الأقوى والمثال الأبرز لما يأتيه نقاد وقراء ومنظومة اجتماعية كاملة في حق كاتب. فأحمد ناجي، كما يقول رزق، حُكم عليه بالسجن سنتين بتهمة “خدش الحياء العام” بعد نشر فصل من روايته “استخدام الحياة”، والتي يمكن أن تُعد وثيقة تاريخية واجتماعية بجدارة. لذا يمكن للرواية أن توثّق، ولكن يجب على الأقل أن تحاول الاقتراب من شجاعة الواقع، من خياله الذي لا يحاكم.
هل الرواية وثيقة؟
يعتبر الروائي إبراهيم فرغلي التجارب الروائية العربية في غالبيتها مشغولة جدا بالمحلي، وغارقة في ذاتيتها، والأعمال التي حاولت أن تنفتح على تجارب كبرى من الواقع المحلي الذي ينتمي إليه كاتب ما، قليلة جدا ونادرة.
ويضيف “هناك محاولات مهمة جدا في هذا الصدد للكاتب اللبناني ربيع جابر، فحتى لو تمترس خلف شخصية لبنانية فإنه يطوف بها في مجال يمنح العمل كله طابعا إنسانيا أكبر من الهم الذاتي، مثلما فعل في روايته “دروز بلغراد”، حيث وسع إطار الرؤية لمجتمع البلقان كله في فترة تاريخية محددة، وكذلك في روايته “أميركا”، وهناك أيضا تجربة الكاتب الكويتي سعود السنعوسي عن الفلبين في “ساق البامبو”، التي قدم فيها معاناة الفرد الفلبيني جنبا إلى جنب مع مأساة المواطن العربي في نص يكشف فجاجة وتخلف العنصرية”.
يتابع ضيفنا “الأمر نفسه ينطبق على رواية بثينة العيسى الأخيرة “خرائط التيه”، ففيها امتداد للبعد الإنساني لأفراد خارج محيط الهوية الكويتية التي تمتد إلى ثقافات في مكة، وسيناء، وإلى شخصيات من عدة ثقافات أيضا”.
يقول “هناك محاولات أسبق من ذلك في مصر للكاتب المصري محمد المنسي قنديل الذي قدم في رواية “قمر على سمرقند” مثلا خارطة واسعة لثقافات أخرى لا نعرف عنها شيئا في آسيا الوسطى الإسلامية، وحاول ربط تلك الثقافة بأزمات المجتمعات التي ننتمي إليها على نحو أو آخر، وهو تقريبا ما فعله لكن مع إضفاء البعد التاريخي في روايته الأخيرة “كتيبة منسية”، لأنه قدم للقارئ العربي جانبا يكاد يكون غير معروف عن تلك الكتيبة التي حاربت في المكسيك قبل أكثر من قرن ولا يعرف عنها أحد شيئا”.
ويوضح فرغلي أنه ربما لو أجرينا حصرا لوجدنا عدد الأعمال من هذا النوع قليلة، وربما نادرة، رغم أهميتها في استعادة الألق للرواية التاريخية من جهة، ولتأكيد طابع الانفتاح على الثقافات الأخرى والذي يظن أنه أصبح ضروريا في مثل هذه الفترة الخانقة من فترات المعاصرة التي أدى فيها الانغلاق على الذات – إما لأسباب شوفينية أو لأزمات هوويّة أو لأسباب أخرى – إلى مآسي انغلاق الأفق وفقر الخيال والأوهام التي تضخم الذات المجوفة أساسا من فرط هشاشتها.
وظيفة جمالية
ويقول الروائي كريم كطافة “حين استباح جيش هولاكو بغداد المدينة التي كانت أصلاً مستباحة على يد حماتها من بقايا العباسيين وقادة جندهم الأتراك، قيل إن جندياً من المغول دخل بيتاً يبحث فيه عن فتاة ليغتصبها فوجد البيت خالياً إلا من رجل مختبئ ومرعوب ولم يكن مع ذلك الجندي سيفً، لعل فورة السيطرة والغرور أنسته إياه في مكان ما. غضب الجندي على سوء حظه لذا أمر الرجل الخائف بأن ينتظره في مكانه لحين ذهابه والإتيان بسيفه لينحره. وقيل إن الرجل لم يهرب بل انتظر قاتله الذي عاد وقطع رأسه. هذه التفصيلة الصغيرة الهامشية، التي بالكاد ذكرت في مكان صغير من كتب المؤرخين ستكون هي مادة الروائي. هي البؤرة التي ستتفجر على يد كاتب الرواية وتكشف كامل بانوراما الغزو والسقوط. ومعها فقط سنفهم نحن كائنات القرن الحادي والعشرين ماذا حدث في ذلك الزمن البعيد. من هنا يجب أن نفهم خطورة دور الرواية”.
ويعتقد كطافة أن سؤال هل يمكن اعتبار الرواية وثيقة تاريخية أم لا؟ لا يخص الرواية ولا يظن الروائيين معنيين بالإجابة عنه. للرواية، حسب رأيه، وظيفة كانت ومازالت، هي الاكتشاف عبر عمق وسلامة البصيرة. وهذه العملية الإنسانية هي جزء من رسالة الفن التي تعنى بتقديم الجمال ولا شيء غير الجمال.
يقول “الجمال يبهر ويفرح ويسعد الكائن البشري وهو موجود في البيئة على تنوعها الإنساني والحيواني والنباتي. وهذه هي أقدس رسالة يمكن أن يقدمها الفنان لمجتمعه. لكن السؤال يظل قائماً عن هذه العلاقة الملتبسة بين الرواية والتأريخ ولعله هو السبب الذي دفع بالشاعر الألماني هاينرش هاينه للاندهاش من هذه المفارقة إذ يقول ‘غريبة هي نزوة البشر! إنهم يطلبون تأريخهم من يد الشاعر وليس من يد المؤرخ. إنهم يطلبون ليس تقريراً أميناً عن حقائق مجردة، بل تلك الحقائق التي انحلت عائدة إلى الشعر الأصلي الذي جاءت منه‘.
إنه ميل البشر القديم لتجسيد والتعرف على أحوالهم عبر الفن على اختلاف وسائل تجسيده (شعراً، رواية، رسماً، نحتاً، موسيقى..إلخ) لا عبر سرديات المؤرخين المأخوذين بالأرقام وأسماء القادة. نحت الكهوف ورسوماتها كانت أولى الوثائق التأريخية وملحمة كلكامش على ضفاف الرافدين تحولت إلى مصدر لا غنى عنه لكل باحث في التأريخ.
باتت الرواية التاريخية تجذب الكثير من الكتاب العرب وتغويهم بالكتابة في سياقها رغم ما يشوبها من مصاعب شتى أولها سؤال الأمانة ومدى التزام الرواية بأحداث التاريخ، وليس آخرها جدوى استقدام الحدث التاريخي وصياغته في جسد رواية. “العرب” استطلعت آراء بعض الروائيين العرب حول الرواية التاريخية العربية اليوم.
للرواية طريقتها في تخليد التاريخ حتى ذلك الذي حدث في مناطق بعيدة عن جغرافيتنا. فعن طريق “مصائر” لربعي المدهون كانت فلسطين حاضرة بتاريخها الطويل مع الإسرائيلي، ومع “الحفيدة الأميركية” لإنعام كجه جي ومن خلال الشابة زينة كانت معاناة بغداد إبان الغزو الأميركي، وفي “الطريق الطويل” لإشمائيل بيه قرأنا عن الحرب في سيراليون، وقرأنا روايات إبراهيم الكوني عن أغوار الصحراء الليبية. فهل أصبحت الرواية وثيقة تاريخية واجتماعية لحياة الشعوب؟ وهل الرواية أفضل من كتب التاريخ؟
يرى الروائي ممدوح رزق أن أسئلة التوثيق من الضرورات المحتملة عند التفكير في الرواية اليوم، بل وعند التأمل في تاريخها أيضاً، ويضيف “يمكن للرواية أن تكون وثيقة تاريخية واجتماعية هذا صحيح، ولكن لعل التساؤل الجوهري هنا: ما الذي يعنيه التوثيق بالنسبة إلى الرواية؟ هناك حقيقة تبدو بديهية بالنسبة إلي الآن، إذ يمتلك الواقع في المجتمعات العربية “فناً” أكثر مما يوجد في الروايات التي تحاول توثيقه. ويمكنك أن تعطي مرادفات عديدة لكلمة “الفن” في العبارة السابقة ولن تكون على خطأ: الانتهاك، الغرابة، الجموح.
في المقابل يظل معظم كتّاب الرواية مسالمين أمام هذا الواقع، محكومين بالنمطية، وخاضعين لسلطة المقدس الديني، وللقيم الأخلاقية التقليدية.
ليس هذا وحسب، بل ويقف الخطاب النقدي العربي والثقافي بشكل عام في ظهر تلك الهيمنة البائسة كحماية تنظيرية، وكداعم محفّز ومرسخ لوجودها”.
ويتابع “الواقع العربي أكثر خيالاً إذن من رواياته.. لم تعد الرواية العربية في تصوري نسخة من حياة مجتمعاتها، وهو ما كان يُنظر إليه كإدانة باعتبار أن الكتابة لا يجب أن تكون مجرد تكرار تسجيلي، أو ممرا أعمى لانتقال المشاهد والأحداث اليومية من الواقع إلى صفحات الكتب، ولا ينبغي أن تكون إعادة صياغة لما يُنشر في الصحف من أخبار وحوادث ومشاكل البشر.. الرواية العربية تأخرت بشكل أعنف مما يمكن تقديره عن الحياة التي كان التطابق معها يجردها عند البعض من الصفة الروائية”.
يشير رزق إلى أنه ليست هناك وصفة حاسمة أو منهج ثابت لجعل الرواية وثيقة تاريخية واجتماعية، وهذا، في رأيه، أمر بديهي بالطبع، لكنه يرى على جانب آخر أنه باتت هناك خطوات سهلة وتلقائية يمكن للقراء والكتّاب والنقاد ممارستها للترويض والعقاب في مواجهة التجارب الروائية التي يتم تصنيفها كجرائم نتيجة عدم امتثالها لليقينيات السائدة عن “التوثيق الروائي” كالاعتداء اللفظي والتحريض والمحاكمات والسجن والتشفي بعد السجن، لا بد أن الكاتب المصري أحمد ناجي هو النموذج الأقوى والمثال الأبرز لما يأتيه نقاد وقراء ومنظومة اجتماعية كاملة في حق كاتب. فأحمد ناجي، كما يقول رزق، حُكم عليه بالسجن سنتين بتهمة “خدش الحياء العام” بعد نشر فصل من روايته “استخدام الحياة”، والتي يمكن أن تُعد وثيقة تاريخية واجتماعية بجدارة. لذا يمكن للرواية أن توثّق، ولكن يجب على الأقل أن تحاول الاقتراب من شجاعة الواقع، من خياله الذي لا يحاكم.
هل الرواية وثيقة؟
يعتبر الروائي إبراهيم فرغلي التجارب الروائية العربية في غالبيتها مشغولة جدا بالمحلي، وغارقة في ذاتيتها، والأعمال التي حاولت أن تنفتح على تجارب كبرى من الواقع المحلي الذي ينتمي إليه كاتب ما، قليلة جدا ونادرة.
ويضيف “هناك محاولات مهمة جدا في هذا الصدد للكاتب اللبناني ربيع جابر، فحتى لو تمترس خلف شخصية لبنانية فإنه يطوف بها في مجال يمنح العمل كله طابعا إنسانيا أكبر من الهم الذاتي، مثلما فعل في روايته “دروز بلغراد”، حيث وسع إطار الرؤية لمجتمع البلقان كله في فترة تاريخية محددة، وكذلك في روايته “أميركا”، وهناك أيضا تجربة الكاتب الكويتي سعود السنعوسي عن الفلبين في “ساق البامبو”، التي قدم فيها معاناة الفرد الفلبيني جنبا إلى جنب مع مأساة المواطن العربي في نص يكشف فجاجة وتخلف العنصرية”.
يتابع ضيفنا “الأمر نفسه ينطبق على رواية بثينة العيسى الأخيرة “خرائط التيه”، ففيها امتداد للبعد الإنساني لأفراد خارج محيط الهوية الكويتية التي تمتد إلى ثقافات في مكة، وسيناء، وإلى شخصيات من عدة ثقافات أيضا”.
يقول “هناك محاولات أسبق من ذلك في مصر للكاتب المصري محمد المنسي قنديل الذي قدم في رواية “قمر على سمرقند” مثلا خارطة واسعة لثقافات أخرى لا نعرف عنها شيئا في آسيا الوسطى الإسلامية، وحاول ربط تلك الثقافة بأزمات المجتمعات التي ننتمي إليها على نحو أو آخر، وهو تقريبا ما فعله لكن مع إضفاء البعد التاريخي في روايته الأخيرة “كتيبة منسية”، لأنه قدم للقارئ العربي جانبا يكاد يكون غير معروف عن تلك الكتيبة التي حاربت في المكسيك قبل أكثر من قرن ولا يعرف عنها أحد شيئا”.
ويوضح فرغلي أنه ربما لو أجرينا حصرا لوجدنا عدد الأعمال من هذا النوع قليلة، وربما نادرة، رغم أهميتها في استعادة الألق للرواية التاريخية من جهة، ولتأكيد طابع الانفتاح على الثقافات الأخرى والذي يظن أنه أصبح ضروريا في مثل هذه الفترة الخانقة من فترات المعاصرة التي أدى فيها الانغلاق على الذات – إما لأسباب شوفينية أو لأزمات هوويّة أو لأسباب أخرى – إلى مآسي انغلاق الأفق وفقر الخيال والأوهام التي تضخم الذات المجوفة أساسا من فرط هشاشتها.
وظيفة جمالية
ويقول الروائي كريم كطافة “حين استباح جيش هولاكو بغداد المدينة التي كانت أصلاً مستباحة على يد حماتها من بقايا العباسيين وقادة جندهم الأتراك، قيل إن جندياً من المغول دخل بيتاً يبحث فيه عن فتاة ليغتصبها فوجد البيت خالياً إلا من رجل مختبئ ومرعوب ولم يكن مع ذلك الجندي سيفً، لعل فورة السيطرة والغرور أنسته إياه في مكان ما. غضب الجندي على سوء حظه لذا أمر الرجل الخائف بأن ينتظره في مكانه لحين ذهابه والإتيان بسيفه لينحره. وقيل إن الرجل لم يهرب بل انتظر قاتله الذي عاد وقطع رأسه. هذه التفصيلة الصغيرة الهامشية، التي بالكاد ذكرت في مكان صغير من كتب المؤرخين ستكون هي مادة الروائي. هي البؤرة التي ستتفجر على يد كاتب الرواية وتكشف كامل بانوراما الغزو والسقوط. ومعها فقط سنفهم نحن كائنات القرن الحادي والعشرين ماذا حدث في ذلك الزمن البعيد. من هنا يجب أن نفهم خطورة دور الرواية”.
ويعتقد كطافة أن سؤال هل يمكن اعتبار الرواية وثيقة تاريخية أم لا؟ لا يخص الرواية ولا يظن الروائيين معنيين بالإجابة عنه. للرواية، حسب رأيه، وظيفة كانت ومازالت، هي الاكتشاف عبر عمق وسلامة البصيرة. وهذه العملية الإنسانية هي جزء من رسالة الفن التي تعنى بتقديم الجمال ولا شيء غير الجمال.
يقول “الجمال يبهر ويفرح ويسعد الكائن البشري وهو موجود في البيئة على تنوعها الإنساني والحيواني والنباتي. وهذه هي أقدس رسالة يمكن أن يقدمها الفنان لمجتمعه. لكن السؤال يظل قائماً عن هذه العلاقة الملتبسة بين الرواية والتأريخ ولعله هو السبب الذي دفع بالشاعر الألماني هاينرش هاينه للاندهاش من هذه المفارقة إذ يقول ‘غريبة هي نزوة البشر! إنهم يطلبون تأريخهم من يد الشاعر وليس من يد المؤرخ. إنهم يطلبون ليس تقريراً أميناً عن حقائق مجردة، بل تلك الحقائق التي انحلت عائدة إلى الشعر الأصلي الذي جاءت منه‘.
إنه ميل البشر القديم لتجسيد والتعرف على أحوالهم عبر الفن على اختلاف وسائل تجسيده (شعراً، رواية، رسماً، نحتاً، موسيقى..إلخ) لا عبر سرديات المؤرخين المأخوذين بالأرقام وأسماء القادة. نحت الكهوف ورسوماتها كانت أولى الوثائق التأريخية وملحمة كلكامش على ضفاف الرافدين تحولت إلى مصدر لا غنى عنه لكل باحث في التأريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.