مودرن سبورت يستعد لمواجهة الأهلي بالفوز على وادي دجلة    إغلاق عدد من المقار الانتخابية بالخارج مع استمرار عملية التصويت في انتخابات الشيوخ    قيادى فى "فتح": مصر شريك الدم ونرفض محاولات حرف البوصلة (فيديو)    إنجاز الضرائب    إعلام إسرائيلي: رئيس الأركان إيال زامير يفكر في الاستقالة    وزير الخارجية أدلى بصوته فور فتح اللجنة بواشنطن.. رسالة للمصريين في الخارج| فيديو    وزير الرياضة : الاسكواش المصري يواصل ريادته العالمية    الاتحاد الإسباني يوجه صدمة ل ريال مدريد بشأن افتتاح الليجا    العثور على جثة تاجر سيارات في عقار تحت الإنشاء بنجع حمادي    انطلاق النسخة التاسعة من معرض «أخبار اليوم للتعليم العالى» 13 أغسطس    قبل غلق التصويت.. توافد كثيف من الجالية المصرية بالرياض للمشاركة في انتخابات الشيوخ    الاستعدادات النهائية لحفل عمرو دياب بمهرجان العلمين.. حضور جماهيري كثيف    «الموسيقيين» تستنكر الهجوم على مصطفى كامل وتؤكد: ندعم قرارات النقيب    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    للرزق قوانين    الخوف المفاجئ أثناء النوم.. إليك الأسباب    دراسة| الأطعمة فائقة المعالجة تزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة    الزمالك يخسر ودياً بثلاثية أمام بروكسي    بعد تهديدات روسيا.. ترامب يأمر بنشر غواصتين نوويتين    ‬"لبست الكفن بدل فستان الفرح".. عروس وأمها يلقيان مصرعهما قبل ساعات من الزفاف في كفر الشيخ    القاهرة الإخبارية: وزير الخارجية بدر عبدالعاطي أدلى بصوته فور فتح اللجنة بواشنطن    الهيئة الوطنية للانتخابات: تصويت المصريين بالخارج يسير بسلاسة وتنظيم عالٍ    وزير الكهرباء: لدينا شبكة كهربائية آمنة ومستقرة وفرق عمل تواصل الليل بالنهار لتأمين التغذية والارتقاء بجودة الخدمات    هل أعمال الإنسان قدر أم من اختياره؟ أمين الفتوى يجيب    ضبط صانعتي محتوى بتهمة نشر مقاطع خادشة للحياء عبر مواقع التواصل الاجتماعي    مصدر مقرب من مصطفى محمد ل في الجول: الاتفاق قريب بين نيوم واللاعب.. وموقف نانت    تقارير: مفاوضات متقدمة من الترجي لضم شالوليلي    وزير الخارجية: مؤتمر «حل الدولتين» نجح في إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام    جامعة قناة السويس تطلق قافلة شاملة لخدمة أهالي فايد مجانًا    تحرير 141 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    «البحوث الزراعية» ينفذ ندوات توعوية لترشيد استخدام المياه في 6 محافظات    علي هامش كأس العالم لناشئي الاسكواش| وزير الرياضة يلتقي بالقائم بأعمال السفارة الأمريكية في مصر    تقرير: نيوكاسل يرفض عرضا من ليفربول لضم إيزاك مقابل 100 مليون جنيه استرليني    رئيس إيطاليا: تجاهل إسرائيل المتكرر لقواعد القانون الإنساني الدولي أمر غير مقبول    «الزراعة» تطلق حملات لمكافحة الآفات في حقول الشرقية    عمومية اتحاد المهن الطبية ترفض ميزانية 2020/2021 وتقر زيادة المعاشات إلى 2000 جنيه    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    مصر تتعاون مع شركات عالمية ومحلية لتنفيذ مشروع المسح الجوي للمعادن    ليلة استثنائية مع الهضبة.. جمهور عمرو دياب ينتظرون حفلته في مهرجان العلمين    إحالة اثنين من الأئمة للتحقيق لمخالفتهم التعليمات لخطبة الجمعة ببني سويف    لأول مرة.. القومي للمسالك البولية يجرى أول عمليتي زراعة كلى متزامنة    سلام: لا إنقاذ ل لبنان إلا بحصر السلاح في يد الجيش وحده    بدر عبد العاطي يجري اتصالًا هاتفيًا مع وزيرة خارجية موزمبيق    بمشاركة 231 كاتبًا وكاتبة من 28 بلدًا :انعقاد الدورة الثامنة من جائزة الملتقى للقصة القصيرة    أحمد السعدني عن مسرحية الملك هو الملك: من كتر حلاوتها كنت باتفرج عليها كل يوم    الصحة: اكتمال المرحلتين الأولى والثانية من المسح الميداني لمرض التراكوما في الفيوم وبني سويف    8 قرارات جمهورية مهمة وتكليفات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    إسرائيل تجلي معظم موظفي بعثتها الدبلوماسية في الإمارات    الإسكان: تكثيف الأعمال بالمشروعات الخدمية في منطقة غرب المطار بأكتوبر الجديدة    مصادر طبية: شهداء وعشرات المصابين بنيران الاحتلال في قطاع غزة اليوم    أسامة ربيع: قناة السويس عصية على المنافسة ومنصات أجنبية تتوقع تحسن الوضع الملاحي الفترة المقبلة    4 مصابين وأنباء عن حالة وفاة في حفل محمد رمضان بالساحل ومشاهد لهرولة سيارات الإسعاف لإنقاذ الضحايا    جريمة في عز الرجولة.. مقتل شاب أثناء دفاعه عن فتاة بالقليوبية    اليوم، بدء التسجيل لاختبارات الدبلومات والمعاهد الفنية للالتحاق بالجامعات 2025    مستقيل ويعاني مرضا نفسيا، الداخلية تكشف حقيقة اختفاء ضابط سابق قسريا    ننشر حركة تنقلات الشرطة وضباط المباحث في محافظة البحيرة    ننشر حركة التنقلات الداخلية لرؤساء المباحث والأقسام بالقليوبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الطيب": أدعو الله أن يوفق "السيسي" لتحقيق آمال المصريين وأحلامهم
نشر في صوت البلد يوم 02 - 06 - 2016

بدأ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف كلمته بتهنئة طيبة بقرب حلول شهر رمضان المبارك، أتقدَّم بها إلى مصر العزيزة الشَّامِخة: رئيسًا وحكومةً وشعبًا، وإلى العالَمينِ: العربيِّ والإسلاميِّ، والعالَم كله: شُعوبًا وملوكًا ورؤساء وسلاطين-مُتمنيًا للجميع عامًا حَافِلًا بالسَّلَامِ، والإِخاءِ الإِنسَانيِّ والزَّمالَة العالَميَّة واليُمن والخَيْر والبَركات.
وأضاف خلال المؤتمر الصحفى الذى عقد اليوم قائلا: "يُسعدني أن تجيء كَلِمَتِي الَّتِي أرجو ألَّا تَطُول أكثر مِمَّا يَنبغي، في إطارِ إعلان «استراتيجية الأزهر» في الإصلاحِ والتَّجدِيد، وإعداد جيل من شبابِ عُلَمَاء الأزهر ودُعاته، وتدريبهم تدريبًا جَيِّدًا مُناسِبًا لحَمْلِ الأمانة الَّتِي اضطلع بها هذا المعهد العَريق الَّذي رضيه المسلمون في الشَّرقِ والغربِ، وائتمنوه على تعليمِ أبنائهم وبناتهم حقائق الدِّين الحنيف الَّذي أنزله الله هُدًى ورحمة للناس، وأثبتت الأيَّام جدارته بحملِ هذه الأمانة، وتبليغها للناسِ صافية صفاء الماء الطَّهُور الَّذي لا تُعَكِّره أغاليط الانحرافات المذهبيَّة أو الطائفيَّة، أو المطامِع السياسيَّة الضيِّقة الَّتي لا تَنظُر إلَّا لنفسها ولِمَا تحت قدميها، وعلَّمتنا التجارب أن صوت الأزهر حين يخبو لسبب من الأسباب أو عِلَّة من العِلَل؛ فإنَّ الأُمَّة تضل طريقها وتضطرب مفاهيمها، ويَنْبهِمُ عليها أمر هذا الدين الإنساني العظيم، وآنذاك يخمد صوت العقل ويخفت نور الإيمان، ويعلو صوت التكفير وتسود السفسطة، ويصبح الحوار بالسِّلاح والدِّماء بديلًا عن الحوارِ بالحُجَّةِ والبُرهانِ".
نعم حين سادت العصبيات المذهبية والطائفية والفرقة البغيضة، ودُعِمَت بالمال والسلطان، قَتل أبناء المسلمين بعضهم بعضًا، وذبح بعضهم رقاب بعض، وصار بأس أبنائها أشد عليها من بأس أعدائها والمُتآمِرين عليها..
وإنِّي لَأُعلِنُها على المُسْلِمين في مشَارِقِ الأرضِ ومغاربها، تَبرِئةً للذِّمَة، هُنَا، وأمَام الله تعالى يَوم القِيامة: ألَّا مخرَج لنا -أيُّهَا المُسْلِمُون! - من هذه الفتنةِ العَمْيَاء الضَّالَة المُضِلَّة إلَّا بالعَودةِ إلى المنهج القويم في فَهْمِ القُرآن والسُّنَّة والشَّريعة وأحكامها، وهو منهجُ الأزهر، هذا المنهج الوحيد على ظهر الأرض -اليَوم-الَّذي عصمه الله من فوضى التَّكفير، واسْتِحلال دِمَاء النَّاس، واستِباحَة أعراضهم وأموالهم، وهو المنهج الَّذي لايزال ينظُر إلى الخَلْق على أنَّهُم عِبَاد الله، خلقهم وساوى بينهم، وأنَّ الله أمرَ نبيِّه ﷺ أن يُعلِن على العالَم أنَّ النَّاس سَواسِية كأسنانِ المشط، وأنَّهم لآدم وآدم من تُراب.
نعم هذا المنهج في فَهْمِ الإسلام هو طوق النجاة اليوم، بعد أن انحَرفت الأفهَام وسادَت الجهالات، وجلسَ الجُهَلاء على مقاعِدِ أهل العِلْم، وتَدَفَّقت الأموال، وتلألأت المُغريات لشراءِ العُقول والضَّمائِر والألسِنة والحناجِر والأقْلَام.
وتابع: "هذه الاستراتيجية في العمل ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، وكان من المفروض أن تُعلن منذ زمن ليس بقصير، لولا ما تعلمونه، من الظروف الصعبة التي مرت بها مصر، قبل أن تتداركها رحمة اللطيف الخبير، وقبل أن تثبت أقدامها على الطريق الصحيح.. ولا أدَّعي أن هذه الاستراتيجية هي نهاية المَطاف، أو هي كل ما في الجعبةِ من آمالٍ وأحلامٍ نتمنَّى تحقيقها للأزهر جامعًا وجامعة؛ فلا يزال هناك الكثير المُلقى على عواتقنا تجاه هذه المؤسسة – ولكن أُؤكِّد من موقع المسؤوليَّة أمامَ الله والناس أنه قد بُذل الكثير وتحقق الكثير أيضًا رغم صعوبة الطريق وكثرة المعوقات اللامعقولة واللامنطقية، وعلى طريق مبذور بالعقبات بل بالتربصات والمكائد.
والفضل -بعد الله تعالى – فيما أُنجز، مما سألخصه لحضراتكم، يعود إلى هذا الفريق الذي يعمل معي ليل نهار طوال السنوات الماضية، في تجرد ونكران للذات، وصمود لعِواصف هوجاء، ورياح عاتية من الافتراءات والأكاذيب لم تتوقف حتى الآن، وأخص بالتحية نخبة الشباب من القيادات والمستشارين التي أكرم الله بها الأزهر الشريف في وقت عزّ فيه المخلصون والصادقون.
وأول ما تحرص هذه الإستراتيجية على تأكيده وترسيخه في الأذهان هو أن الأزهر الشريف يقف بكل قوة إلى جوار مصر، ويدعم –بلا حدود – هذا الوطن الأصيل الذي احتضن أروقته ومآذنه، ومكّنه من نشر رسالة التعريف بالإسلام شرقًا وغربًا وعلى مدى أكثر من ألف عام .. ويؤمن الأزهر إيمانًا راسخًا بخصوصيَّة أرض الكنانة في التاريخ والجغرافيا، وبالشخصية المصرية التي صنعتها الحضارات المتعاقبة عبر أكثر من آلاف السنين، ويُقدِّر الأزهر حقَّ التقدير ما يحدث الآن على أرض مصر من نهضات مشهودة، وعلى كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية والصناعية والزراعية، والمشاريع الوطنية والقومية، وقبل كل ذلك وفوق كل ذلك مطاردة الكيانات الإرهابية التي عششت طويلًا على الحدود وتأمين مصر –في الداخل والخارج-من شرِّ هذه الكِيانات.. ومن هنا يتوجَّه الأزهر الشَّريف بالدُّعاء إلى الله تعالى أن يُوفِّق السيِّد الرَّئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، وكل الرِّجال المُخِلصين في هذا الوطن لتحقيق آمال المصريين وأحلامهم وأمانيهم، وتطلُّعهم إلى استِردادِ أمجادهم واستِعادَة دورهم الرَّائد الَّذي تميَّزت به مصر والمصريون.. ومن الإنصاف هنا أن أذكر بكل تقدير وتأييد واعتزاز رجال القوات المسلَّحة البواسل الأوفياء الذين نراهم كل يوم بل كل ساعة يُقدِّمون جُهدَهم وعرقَهم وأرواحهم فداءً لهذا الوطن، كما نذكر بالشكر رجال الأمن الأوفياء الذين يسهرون على حماية الأمن وتحقيقه للمواطنين.
ويُنادي الأزهر شعب مصر بكل أطيافه أن يكون على مستوى التَّحدِّيات الَّتِي تمُرُّ بها منطِقتنا العَربيَّة والإسلاميَّة، وأنْ يتيقَّنوا حَقَّ اليَقِين أنَّ الوحدَة والتآلُف وإعلَاء المَصلَحة العُليَا، والتَّفَاني والعَرَق، والمَشَقَّة والعَمَل في صمت واليقظَة الدَّائِمَة، كُل أولئِك هو طوق النجاة الوحيد، وهو الصَّخرة الَّتِي تتحطَّم عليها مكائِد الأعداء في الدَّاخِلِ والخَارج.
.. .. ..
أيُّهَا السَّادَة!
لقد تطوَّر الأزهر في العصر الحديث وأصبح مؤسسةً كبرى، به أقدم جامعة في العالم تضم إحدى وسبعين كلية تنتشر في أقاليم مصر من أسوان جنوبًا إلى الإسكندرية شمالًا.. يدرس بها ما يقرب من نصف مليون طالبٍ وطالبة، علومَ الدِّين في كليات إسلامية متخصصة، وعلوم الدنيا في كليات أخرى كالعلوم الفيزيقية والطب والصيدلة والهندسة والزراعة وغيرها.
ومن بين هؤلاء الدارسين أكثر من أربعين ألف طالب وطالبة وافدين من 102 دولة من دول العالم، ترسل بأبنائها وبناتها ليدرسوا في الأزهر الشريف علوم الدِّين والدُّنيا.
وهناك عشرة آلاف معهد للتعليم قبل الجامعي في مراحله الثلاث يدرس بها ما يقرب من مليونين من الطلاب والطالبات، بينهم عدد كبير من الطلبة والطالبات الوافدين من مختلف بلدان العالم، ويضيق المقام عن ذكر قطاع التعليم الأزهري قبل الجامعي، ومجمع البحوث الإسلامية ووعاظه المنتشرين في كامل ربوع مصر، بل وفي مختلف بقاع العالم وبخاصة في شهر رمضان الكريم.
وقد بدأنا بتطوير كافَّة المناهج الدراسية في التعليم قبل الجامعي؛ لتُواكب تطوُّرات العصر ونَوازله المُتجدِّدة مع الحِفاظ على التعمُّق في التُّراث، فالتجديدُ لا يكون إلا بهضم التراث القديم واستيعابه استيعابًا جيِّدًا، ثم بعدَ ذلك نُجدد فيه بالضوابط المعلومة عند أهل العلم، وبفضل الله وُفِّقنا إلى استحداث مادة جديدة بعنوان «الثقافة الإسلامية» تُدرَّس كمُتطلَّب عام في التعليم الأزهري قبل الجامعي، تُحرِّر المفاهيم الملتبسة، وتعصم الطلاب من الوقوع فريسةً لأصحاب الفكر الضالِّ والمنحرف، وتحصنهم ضد الانحراف عن المنهج الأزهري.
وقد عاد الجامع الأزهر إلى سابق عهده من خِلال أروقته التي دبَّت فيها الحياة مرة أخرى، ومجالسِ علماء الأزهر لتدريس علوم العقيدة والقرآن والتفسير والفقه والتجويد والحديث إلى جانب اللغة الأجنبية وعلوم الحاسب ومهارات التواصل لنشر الصورة الحقيقية لرسالة الإسلام والدعوة للسلام في جميع رُبوع العالم.
إن حرص الآلاف على الجلوس بين أيدي علماء الأمة في أروقة الأزهر أعاد لي الثقة في أننا ماضون على الطريق الصحيح في توعية جماهير المجتمع وربطهم بالأزهر الشريف وبمنهجه العلمي الذي يحول دون سقوطهم في براثن جماعات التطرُّف التي تستقطبهم بدعوى تلقِّي العلم مرة، وبالحصول على الإجازات في علوم الشرع مرة أخرى.
إنَّ التعليم في الأزهر الشريف متاحٌ اليوم لجميع المصريين وجميع المسلمين حول العالم لتَلقِّي العلم من كبار العلماء المختصِّين عبرَ أروقة الأزهر الشريف، وكذلك عن طريق برنامج التعليم عن بُعد الذي توفِّره الرَّابِطة العالميَّة لخرِّيجي الأزهر.
ولقد أولينا اهتمامًا خاصًّا بالطلاب الوافدين باعتبارهم سفراء الأزهر إلى العالم أجمع؛ فعملنا على تطوير معاهد التدريس الخاصة بالوافدين، وأنشأنا كليةً للعلوم الإسلامية خاصةً بهم، يلتحقون بها بعدَ دراسة اللغة العربيَّة في المركز العالمي المتخصِّص الذي تبرَّعت بإنشائه مؤسَّسة الشيخ زايد رحمه الله وأجزل له الفضل والمثوبة، وبارك في أبنائه من بعدِه، وجزاهم خيرًا الجزاء.
وطوَّرنا مُدن البعوث الإسلامية لتُناسب أعداد الطلاب، وأعطينا للطلاب فرصة انتخاب برلمان الوافدين نجتمع بقادته بصفةٍ دوريَّة لمُتابعة أحوالهم وحلِّ مشاكلهم؛ ليتفرَّغوا لتحصيل العلم وفق المنهج الأزهري الوسطي ونشره في جميع أنحاء العالم.
وعلى الصعيد الاجتماعي الإنساني وفَّقنا الله لإنشاء بيت الزكاة والصدقات المصري لصرف أموال الزكاة في وجوهها المُقرَّرة شرعًا، وبَثِّ رُوح التكافل والتراحُم بين أفراد المجتمع وحدَّد القانون موارد هذا البيت، ومنها على وجه الخصوص أموال الزكاة التي تُقدَّم طوعًا من الأفراد أو غيرهم، وكذلك الصدقات والتبرُّعات والهبات والوصايا والإعانات التي وُجِّهت للفُقَراء والمحتاجين ولمعالجة المرضى والمُصابين، ونُكرِّر للجميع أن كافة أعضاء مجلس أمناء بيت الزكاة يعملون تطوعًا حِسبةً لله.
كما نعمل من خلال بيت العائلة المصريَّة الذي يترأَّسه شيخ الأزهر بالتناوب مع بابا الكنيسة الأرثوذوكسية على تحقيق التآخِي الوطني، وترسيخ مفهوم المواطنة، ونبذ روح التفرقة والتعصب والخلاف، وتوحيد الصف، وقطع الطريق على من يريدون بث الفتنة بين أبناء الشعب المصري الواحد.
وكذلك هيئة كبار العلماء التي وفَّقنا الله لإحيائها مَرَّةً أخرى؛ لتكون هي المرجع الأول للمسلمين حول العالم في الاجتهاد الأصيل، والتصدِّي لما يستجد من قضايا فقهية، وإصدار فتاوى وأحكام بشأنها، وعدم ترك الأمر لأصحاب الهوى أو الرؤى المنحرفة والمنهج المُتشدِّد.
وعلى صعيد الاهتمام بالأئمَّةِ والوعَّاظِ نظَّمنا العديد من الدَّورات التأهيليَّة والتدريبيَّة لترتقي بهم إلى المستوى المطلوب، وليواكبوا التطورات ليس على مستوى الدعوة فقط، بل على المستوى التقني والتكنولوجي لتطوير أدواتهم في البحث وفي التواصل مع عامة الناس؛ لإيصال رسالة الأزهر السمحة.
واسمحوا لي أن أفصح عن أمرٍ ربما لا يكون معلومًا للكثيرين، أننا في الأزهر الشريف نتلقى يوميًّا طلبات من دول العالم المختلفة لإيفاد مبعوثينا إلى كافة ربوع العالم لنشر ثقافة الوسطية والسلام، سواء داخل العالم العربي أو خارجه، وفق منهج الأزهر الشريف الذي يحاول البعض تشويهه، أو التشكيك فيه.
لقد أرسل الأزهر الشريف خلالَ العام الماضي عشَراتِ القوافلِ إلى كافَّة ربوع مصر من سيناء شرقًا إلى مطروح غربًا، ومن الإسكندرية شمالًا إلى حلايب وشلاتين جنوبًا، تنوعت ما بين قوافل دعوية وتوعوية، وما بين قوافل طبية وإغاثية، ومساعدات للفقراء والمحتاجين، كما أوفد الأزهر الشريف للخارج عام 2015م (630) مبعوثًا منهم (420) إلى قارة إفريقيا و(198) إلى قارة آسيا، و(7) إلى أوروبا، و(5) إلى الأمريكتين، وذلك لنشر منهج الأزهر الوسطي وتعميق ثقافة الحوار واحترام الآخَر، كما أطلق الأزهر الشريف (64) قافلة للخارج العام الماضي 2015م، تنوعت ما بين قوافل دعوية وإغاثية وطبية وإنسانية، وأوفد الأزهر بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين - الذي أُنشِئ لتعزيز السلم في المجتمعات كل المجتمعات وأتشرَّف برئاسته - عشرَ قوافل سلام دوليَّة لقارَّات إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا لنشر ثقافة التعايش المشترك في هذه المجتمعات من خلال توضيح تعاليم الإسلام الصحيحة، وتوعية المسلمين وغير المسلمين في هذه البلدان بمخاطر الفِكر المُتطرِّف والإجابة على تساؤلاتهم واستفساراتهم.
وهناك دور هامٌّ تقوم به منظمة الرابطة العالمية لخرِّيجي الأزهر في تعضيد التواصل بين الأزهر وأبنائه في كل ربوع العالم، وإحياء الدور العالمي للأزهر في الحِفاظ على هوية الأمة وتراثها، والوقوف في وجه حملات التشكيك والتشويه المُغرِضة التي تتعرَّض لها.
وفي تحوُّل كبير في استراتيجية الأزهر أنشأنا مرصدًا للأزهر الشريف باللغات الأجنبية، للعمل على تفكيك أفكار الجماعات المتطرفة وأطروحاتهم، ولمساعدة المسلمين على الاندماج في مجتمعاتهم غير الإسلامية اندماجًا إيجابيًّا يحافظ على هُويَّتِهم الدينيَّة والثقافيَّة، ويضمن التعايش السلمي المشترَك.
وقد استطاع مرصد الأزهر خلال عامٍ واحد أن يُحقِّق نجاحًا كبيرًا وضَعَه على أعتاب العالميَّة، ولفت أنظار كثيرٍ من المؤسَّسات الرسميَّة والدوليَّة، وجعلها تسعى لدعم القائمين عليه، وعقد اتفاقيات تعاون معهم؛ للاستفادة من جُهودِهم في مواجهة التطرُّف والإرهاب.
وفي إطار تحركات الأزهر الخارجية من أجل نشر ثقافة السلام والتعايش المشترك، جاءت زياراتنا إلى إيطاليا وبريطانيا وإندونيسيا وألمانيا ونيجيريا والفاتيكان وفرنسا لتصحيح المفاهيم المغلوطة، وتزييف الصورة المشوَّهة التي يحاول البعض إلصاقها بالإسلام.
الإخوة الكرام.. هذا غيض من فيض من الجهود التي يبذلها الأزهر الشريف بسواعد أبناءه، خاصة من فئة الشباب الذين ذكرتهم من قبل، وحرصت على أن أفتح أمامَهم المجال للعمل في كافة المواقع والمراكز القيادية، ليعود الأزهر شابًّا فتيًّا يافعًا، ويكفي أن أذكُر في هذا المقام أنه يوجد الآن أكثر من 200 قيادة شابَّة في كافة قطاعات الأزهر الشريف تعمل على مدار الساعة في نشاطٍ كبيرٍ وملموس للنهوض بهذه المؤسسة.
أمَّا على صعيد استراتيجيَّتا للفترة المقبلة، فإنها ترتكز بالأساس على استمرار ما تم طرحه من جهودٍ وتطويره بما يُسهِم في إيصال رسالة الأزهر الشريف في كافة المجالات إلى جميع أنحاء العالم، وتصحيح صورة الإسلام في العالم، والتعريف بتعاليمه السمحة.
إننا اليوم ونحن نُعلن عن أكبر حركةِ تطوير ذاتي للأزهر الشريف، نؤكِّد أن هذا التطوير ينطلق من عالمية رسالة الأزهر الشريف عبر توظيف كافَّة قنوات الاتصال الحديثة وبخطط مدروسة تخاطب العالم بروح العصر، وتستأصل الفكر المتشدِّد من جذوره.
وترتكز استراتيجية التطوير على ما يلي:
أولًا: انطلاقة قوية على صفحات التواصل الاجتماعي تستهدف الملايين حول العالم، ولعلكم تلاحظون الآن أنَّ هناك انطلاقة قوية وبوتيرةٍ متسارعة للأزهر الشريف على مواقع التواصل الاجتماعي لمكافحة الفكر المتطرف.
ثانيًا: إطلاق عدة برامج تليفزيونية دينية واجتماعية لأوَّل مرة خلال شهر رمضان المقبل، لشباب دعاة الأزهر الشريف يُقدِّمون فيها محتوى اجتماعيًّا ودينيًّا، وبأسلوب جديد يأنس إليه الشباب، ولغة بعيدة عن التقعر والتعقيد.
كما يُشارك أساتذة وعلماء الأزهر في أكثر من برنامج في محطات تليفزيونية وإذاعية مختلفة حول العالم.
ونؤكد استمرار هذه البرامج الشابة بعد شهر رمضان لتحقيق التواصل الدائم مع الشباب.
ثالثًا: بث عشرات المقاطع الدعويَّة عبر شبكة الإنترنت لمجموعةٍ من شباب علماء الأزهر الشريف تتناول قضايا دينية وفكرية وشبابية وحياتية، مع توضيح حكم الشرع فيها وَفْق المنهج الأزهري الوسطي، بما يُسهم في تحصين الشباب ضد دعاوى التطرف والإرهاب.
رابعًا: تطوير آليَّة العمل بالمركز الإعلامي بالأزهر ليُواكب المتغيِّرات والعمل على مدار الساعة وتحقيق التواصل مع المؤسسات الإعلامية داخليًّا وخارجيًّا، من خلال ضَمِّ عناصر جديدة وتدشين مركز إعلامي عالمي مُجهَّز بكافة الإمكانات التقنية والتكنولوجية الحديثة.
خامسًا: إطلاق مركز الأزهر للرصد والفتوى الإلكترونية (أون لاين) بلغات عدة يتولاها علماء متخصصون بالأزهر الشريف؛ للإسهام في القضاء على فوضى الفتاوى، وتصدُّر المجترئين على فتاوى القتل والتكفير والتفجير واستباحة الدماء المعصومة.
سادسًا: انطلاقة جديدة لبوابة الأزهر الإلكترونية لتُواكب أحدث التطوُّرات التكنولوجية وبتصميمات جاذبة من شأنها تسهيل عمليَّة تصفُّح مواقع الأزهر المختلفة.
سابعًا: تطوير صحيفة صوت الأزهر من حيث الشكل والمضمون لتكون صحيفةً لكل المصريين تهتمُّ بالشأن الإسلامي المحلي والعالمي، وتُواجه الفكر المتطرِّف، على أن يتمَّ توزيعها عبر السفارات ومكاتب الرابطة العالميَّة لخرِّيجي الأزهر في كافَّة دول العالم.
ثامنًا: إطلاق قناة الأزهر الشريف خلال العام الجاري لتكون صوت الأزهر الوسطي إلى العالم، ودعمها بمجموعةٍ من شباب علماء الأزهر لنشر الوسطية والسلام ومواجهة الفكر المتطرِّف.
تاسعًا: إصدار كتب مُتخصِّصة في تصحيح المفاهيم المغلوطة والرد على الفكر المنحرف مع نشر عيون التراث الأزهري في القديم والحديث.
عاشرًا: وضع خطة محددة للتواصل مع كافَّة فئات المجتمع من خلال عقد لقاءات مُكثَّفة في الحدائق والمقاهي ومراكز الشباب، تستهدف الشباب بمخاطر الفكر المتطرف، وتضع حلولًا لمشكلاتهم وتفند الشبهات المثارة في أذهانهم وفقًا لمنهج الأزهر القويم، وقد بدأت تجربة تؤتي ثمارها في بعض المحافظات .
حادي عشر: إتاحة الفرصة لشباب الدعاة في المشاركة في تطوير الخطاب الديني، ومنحهم الثقة في مواجهة خطاب التطرُّف والإرهاب، والاستعانة بأكثر من (500) قيادة شابة بمختلف قطاعات الأزهر.
ثاني عشر: استمرار تطوير وتنقيح المناهج الأزهرية لتُواكب تطورات العصر وتعكس القيم الحقيقية السمحة للإسلام.
ثالث عشر: تطوير الشُّعبة الإسلاميَّة، ودمجها جميعًا في معهد واحد مركزي في القاهرة، يدرس فيه الطالب دراسة داخلية، بحيث يتلقَّى الطالب فيها العلوم الشرعية الرصينة، وفق المنهج الأزهري المطوَّر، كذلك معهدِ البعوث الجديد المزمعِ إنشاؤه لاستقبال الطلاب الوافدين من شتى بقاع الأرض لتكوين جيلٍ جديد من كتائب الدُّعاة قادر على حمل لواء الوسطيَّة الذي يَتَّسِمُ به الأزهر الشريف على مرِّ الأزمان.
رابع عشر: تطوير منظمة الرابطة العالميَّة لخرِّيجي الأزهر من خلال دعم التواصل مع مكاتبها الموجودة حاليًّا وافتتاح مكاتب خارجية جديدة لتحقيق التواصل مع خرِّيجي الأزهر الشريف في كافَّة رُبوع العالم، ونشر الفكر القويم من خلالهم أولًا بأوَّل.
خامس عشر: دراسة عقد مؤتمر عالمي للسلام بنهاية العام الجاري بمشاركة الفاتيكان ومجلس حكماء المسلمين.
وأخيرًا.. أودُّ أن أُعلِمَكم أنه جارٍ الآن إنشاء مدينة سكنية جامعية متكاملة للوافدين بالقاهرة الجديدة، تتسَعُ لأكثرَ من أربعين ألف وافدٍ ووافدةٍ من أكثر من 110 دولةٍ حول العالم بدعمٍ كبير من خادم الحرمين الشريفين الملك/ سلمان بن عبد العزيز - ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة، جزاه الله خيرًا عن خدمة الإسلام والمسلمين، وهذا الدعم كان قد بدأه المغفور له الملك/ عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله رحمة واسعة، بالإضافة إلى إنشاء مكتبة عالمية للأزهر الشريف يتم إنشاؤها وفق أحدث النظم العالمية في هذا المجال بدعمٍ من الإمارات العربية الشقيقية.
وهنا أود أن أعلن على حضراتكم أنه يجب أن تعلموا أن تكاليف كل هذه المشاريع لا يدخل منها قرش واحد للأزهر الشريف، وإنَّما تتكرم بتنفيذها من الألف إلى الياء هذه الدول الكريمة مباشرة عبر شركاتها المعتمدة لديها دون أي تدخل من الأزهر في قليل ولا كثير.
أيُّهَا السَّادَة:
إنَّ طرحَ الأزهر لاستراتيجيَّته يأتي من منطلق تحمُّل مسئوليَّاته باعتباره المرجعيَّة الأولى للإسلام في العالم، وحامل لواء الدِّفاع عن الإسلام على مدى قُرون عديدة، تعرَّض فيها الإسلام لأخطار عديدة ونجح الأزهر في التصدِّي لها، إلا أنَّ الأزمة الحاليَّة تعتبر هي الأخطر على الإطلاق فهي تُمثِّل طعنًا في الأسس السَّمحة التي يقوم عليها الإسلام، وتُنفِّر العالم منه، وتصوره كما لو كان الوجه الآخَر للإرهاب.
وكما ترون فإنَّ خطة تطوير الأزهر تُخاطب المسلمين وغير المسلمين، داخل مصر وخارجها، فنحن لدينا إصرار كبير على توعية المسلمين بحقيقة دينهم وتعاليمه النبيلة التي نفخر بها، ونحرص على التواصل بغير المسلمين عبر كافَّة قنوات الاتصال الحديثة وبخُطَط مدروسة لتصحيح الصورة المغلوطة الملصقة بالإسلام، وإظهار قِيَمِه الإنسانيَّة التي يدعو الأزهرُ العالمَ أجمع إلى اكتشافها والإفادة منها.
وندائي الأخير أُوجِّهه لكافَّة المواطنين من أبناء هذا الوطن العزيز: إنَّ من الواجب شرعًا على كل مواطن أن يعمل جاهدًا من أجل مصلحة الوطن وأن يقوم كل مسؤول في موقعه بواجبه وعدم التفريط في أية دقيقة من أوقات العمل، وأن من الواجب عليكم شرعًا وخلقًا وضميرًا أن تُظهِروا للعالم كلِّه أنَّ مصر كلها على قلب رجل واحد؛ حتى نقطع الطريق على مَن يريد خلق انقسامات تضرب استقرار الوطن، فاتقوا الله حيثما كنتم، واعلموا أنَّ الحِفاظ على الأوطان فرضُ عينٍ لا يجوز التفريط فيه.
بدأ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف كلمته بتهنئة طيبة بقرب حلول شهر رمضان المبارك، أتقدَّم بها إلى مصر العزيزة الشَّامِخة: رئيسًا وحكومةً وشعبًا، وإلى العالَمينِ: العربيِّ والإسلاميِّ، والعالَم كله: شُعوبًا وملوكًا ورؤساء وسلاطين-مُتمنيًا للجميع عامًا حَافِلًا بالسَّلَامِ، والإِخاءِ الإِنسَانيِّ والزَّمالَة العالَميَّة واليُمن والخَيْر والبَركات.
وأضاف خلال المؤتمر الصحفى الذى عقد اليوم قائلا: "يُسعدني أن تجيء كَلِمَتِي الَّتِي أرجو ألَّا تَطُول أكثر مِمَّا يَنبغي، في إطارِ إعلان «استراتيجية الأزهر» في الإصلاحِ والتَّجدِيد، وإعداد جيل من شبابِ عُلَمَاء الأزهر ودُعاته، وتدريبهم تدريبًا جَيِّدًا مُناسِبًا لحَمْلِ الأمانة الَّتِي اضطلع بها هذا المعهد العَريق الَّذي رضيه المسلمون في الشَّرقِ والغربِ، وائتمنوه على تعليمِ أبنائهم وبناتهم حقائق الدِّين الحنيف الَّذي أنزله الله هُدًى ورحمة للناس، وأثبتت الأيَّام جدارته بحملِ هذه الأمانة، وتبليغها للناسِ صافية صفاء الماء الطَّهُور الَّذي لا تُعَكِّره أغاليط الانحرافات المذهبيَّة أو الطائفيَّة، أو المطامِع السياسيَّة الضيِّقة الَّتي لا تَنظُر إلَّا لنفسها ولِمَا تحت قدميها، وعلَّمتنا التجارب أن صوت الأزهر حين يخبو لسبب من الأسباب أو عِلَّة من العِلَل؛ فإنَّ الأُمَّة تضل طريقها وتضطرب مفاهيمها، ويَنْبهِمُ عليها أمر هذا الدين الإنساني العظيم، وآنذاك يخمد صوت العقل ويخفت نور الإيمان، ويعلو صوت التكفير وتسود السفسطة، ويصبح الحوار بالسِّلاح والدِّماء بديلًا عن الحوارِ بالحُجَّةِ والبُرهانِ".
نعم حين سادت العصبيات المذهبية والطائفية والفرقة البغيضة، ودُعِمَت بالمال والسلطان، قَتل أبناء المسلمين بعضهم بعضًا، وذبح بعضهم رقاب بعض، وصار بأس أبنائها أشد عليها من بأس أعدائها والمُتآمِرين عليها..
وإنِّي لَأُعلِنُها على المُسْلِمين في مشَارِقِ الأرضِ ومغاربها، تَبرِئةً للذِّمَة، هُنَا، وأمَام الله تعالى يَوم القِيامة: ألَّا مخرَج لنا -أيُّهَا المُسْلِمُون! - من هذه الفتنةِ العَمْيَاء الضَّالَة المُضِلَّة إلَّا بالعَودةِ إلى المنهج القويم في فَهْمِ القُرآن والسُّنَّة والشَّريعة وأحكامها، وهو منهجُ الأزهر، هذا المنهج الوحيد على ظهر الأرض -اليَوم-الَّذي عصمه الله من فوضى التَّكفير، واسْتِحلال دِمَاء النَّاس، واستِباحَة أعراضهم وأموالهم، وهو المنهج الَّذي لايزال ينظُر إلى الخَلْق على أنَّهُم عِبَاد الله، خلقهم وساوى بينهم، وأنَّ الله أمرَ نبيِّه ﷺ أن يُعلِن على العالَم أنَّ النَّاس سَواسِية كأسنانِ المشط، وأنَّهم لآدم وآدم من تُراب.
نعم هذا المنهج في فَهْمِ الإسلام هو طوق النجاة اليوم، بعد أن انحَرفت الأفهَام وسادَت الجهالات، وجلسَ الجُهَلاء على مقاعِدِ أهل العِلْم، وتَدَفَّقت الأموال، وتلألأت المُغريات لشراءِ العُقول والضَّمائِر والألسِنة والحناجِر والأقْلَام.
وتابع: "هذه الاستراتيجية في العمل ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، وكان من المفروض أن تُعلن منذ زمن ليس بقصير، لولا ما تعلمونه، من الظروف الصعبة التي مرت بها مصر، قبل أن تتداركها رحمة اللطيف الخبير، وقبل أن تثبت أقدامها على الطريق الصحيح.. ولا أدَّعي أن هذه الاستراتيجية هي نهاية المَطاف، أو هي كل ما في الجعبةِ من آمالٍ وأحلامٍ نتمنَّى تحقيقها للأزهر جامعًا وجامعة؛ فلا يزال هناك الكثير المُلقى على عواتقنا تجاه هذه المؤسسة – ولكن أُؤكِّد من موقع المسؤوليَّة أمامَ الله والناس أنه قد بُذل الكثير وتحقق الكثير أيضًا رغم صعوبة الطريق وكثرة المعوقات اللامعقولة واللامنطقية، وعلى طريق مبذور بالعقبات بل بالتربصات والمكائد.
والفضل -بعد الله تعالى – فيما أُنجز، مما سألخصه لحضراتكم، يعود إلى هذا الفريق الذي يعمل معي ليل نهار طوال السنوات الماضية، في تجرد ونكران للذات، وصمود لعِواصف هوجاء، ورياح عاتية من الافتراءات والأكاذيب لم تتوقف حتى الآن، وأخص بالتحية نخبة الشباب من القيادات والمستشارين التي أكرم الله بها الأزهر الشريف في وقت عزّ فيه المخلصون والصادقون.
وأول ما تحرص هذه الإستراتيجية على تأكيده وترسيخه في الأذهان هو أن الأزهر الشريف يقف بكل قوة إلى جوار مصر، ويدعم –بلا حدود – هذا الوطن الأصيل الذي احتضن أروقته ومآذنه، ومكّنه من نشر رسالة التعريف بالإسلام شرقًا وغربًا وعلى مدى أكثر من ألف عام .. ويؤمن الأزهر إيمانًا راسخًا بخصوصيَّة أرض الكنانة في التاريخ والجغرافيا، وبالشخصية المصرية التي صنعتها الحضارات المتعاقبة عبر أكثر من آلاف السنين، ويُقدِّر الأزهر حقَّ التقدير ما يحدث الآن على أرض مصر من نهضات مشهودة، وعلى كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية والصناعية والزراعية، والمشاريع الوطنية والقومية، وقبل كل ذلك وفوق كل ذلك مطاردة الكيانات الإرهابية التي عششت طويلًا على الحدود وتأمين مصر –في الداخل والخارج-من شرِّ هذه الكِيانات.. ومن هنا يتوجَّه الأزهر الشَّريف بالدُّعاء إلى الله تعالى أن يُوفِّق السيِّد الرَّئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، وكل الرِّجال المُخِلصين في هذا الوطن لتحقيق آمال المصريين وأحلامهم وأمانيهم، وتطلُّعهم إلى استِردادِ أمجادهم واستِعادَة دورهم الرَّائد الَّذي تميَّزت به مصر والمصريون.. ومن الإنصاف هنا أن أذكر بكل تقدير وتأييد واعتزاز رجال القوات المسلَّحة البواسل الأوفياء الذين نراهم كل يوم بل كل ساعة يُقدِّمون جُهدَهم وعرقَهم وأرواحهم فداءً لهذا الوطن، كما نذكر بالشكر رجال الأمن الأوفياء الذين يسهرون على حماية الأمن وتحقيقه للمواطنين.
ويُنادي الأزهر شعب مصر بكل أطيافه أن يكون على مستوى التَّحدِّيات الَّتِي تمُرُّ بها منطِقتنا العَربيَّة والإسلاميَّة، وأنْ يتيقَّنوا حَقَّ اليَقِين أنَّ الوحدَة والتآلُف وإعلَاء المَصلَحة العُليَا، والتَّفَاني والعَرَق، والمَشَقَّة والعَمَل في صمت واليقظَة الدَّائِمَة، كُل أولئِك هو طوق النجاة الوحيد، وهو الصَّخرة الَّتِي تتحطَّم عليها مكائِد الأعداء في الدَّاخِلِ والخَارج.
.. .. ..
أيُّهَا السَّادَة!
لقد تطوَّر الأزهر في العصر الحديث وأصبح مؤسسةً كبرى، به أقدم جامعة في العالم تضم إحدى وسبعين كلية تنتشر في أقاليم مصر من أسوان جنوبًا إلى الإسكندرية شمالًا.. يدرس بها ما يقرب من نصف مليون طالبٍ وطالبة، علومَ الدِّين في كليات إسلامية متخصصة، وعلوم الدنيا في كليات أخرى كالعلوم الفيزيقية والطب والصيدلة والهندسة والزراعة وغيرها.
ومن بين هؤلاء الدارسين أكثر من أربعين ألف طالب وطالبة وافدين من 102 دولة من دول العالم، ترسل بأبنائها وبناتها ليدرسوا في الأزهر الشريف علوم الدِّين والدُّنيا.
وهناك عشرة آلاف معهد للتعليم قبل الجامعي في مراحله الثلاث يدرس بها ما يقرب من مليونين من الطلاب والطالبات، بينهم عدد كبير من الطلبة والطالبات الوافدين من مختلف بلدان العالم، ويضيق المقام عن ذكر قطاع التعليم الأزهري قبل الجامعي، ومجمع البحوث الإسلامية ووعاظه المنتشرين في كامل ربوع مصر، بل وفي مختلف بقاع العالم وبخاصة في شهر رمضان الكريم.
وقد بدأنا بتطوير كافَّة المناهج الدراسية في التعليم قبل الجامعي؛ لتُواكب تطوُّرات العصر ونَوازله المُتجدِّدة مع الحِفاظ على التعمُّق في التُّراث، فالتجديدُ لا يكون إلا بهضم التراث القديم واستيعابه استيعابًا جيِّدًا، ثم بعدَ ذلك نُجدد فيه بالضوابط المعلومة عند أهل العلم، وبفضل الله وُفِّقنا إلى استحداث مادة جديدة بعنوان «الثقافة الإسلامية» تُدرَّس كمُتطلَّب عام في التعليم الأزهري قبل الجامعي، تُحرِّر المفاهيم الملتبسة، وتعصم الطلاب من الوقوع فريسةً لأصحاب الفكر الضالِّ والمنحرف، وتحصنهم ضد الانحراف عن المنهج الأزهري.
وقد عاد الجامع الأزهر إلى سابق عهده من خِلال أروقته التي دبَّت فيها الحياة مرة أخرى، ومجالسِ علماء الأزهر لتدريس علوم العقيدة والقرآن والتفسير والفقه والتجويد والحديث إلى جانب اللغة الأجنبية وعلوم الحاسب ومهارات التواصل لنشر الصورة الحقيقية لرسالة الإسلام والدعوة للسلام في جميع رُبوع العالم.
إن حرص الآلاف على الجلوس بين أيدي علماء الأمة في أروقة الأزهر أعاد لي الثقة في أننا ماضون على الطريق الصحيح في توعية جماهير المجتمع وربطهم بالأزهر الشريف وبمنهجه العلمي الذي يحول دون سقوطهم في براثن جماعات التطرُّف التي تستقطبهم بدعوى تلقِّي العلم مرة، وبالحصول على الإجازات في علوم الشرع مرة أخرى.
إنَّ التعليم في الأزهر الشريف متاحٌ اليوم لجميع المصريين وجميع المسلمين حول العالم لتَلقِّي العلم من كبار العلماء المختصِّين عبرَ أروقة الأزهر الشريف، وكذلك عن طريق برنامج التعليم عن بُعد الذي توفِّره الرَّابِطة العالميَّة لخرِّيجي الأزهر.
ولقد أولينا اهتمامًا خاصًّا بالطلاب الوافدين باعتبارهم سفراء الأزهر إلى العالم أجمع؛ فعملنا على تطوير معاهد التدريس الخاصة بالوافدين، وأنشأنا كليةً للعلوم الإسلامية خاصةً بهم، يلتحقون بها بعدَ دراسة اللغة العربيَّة في المركز العالمي المتخصِّص الذي تبرَّعت بإنشائه مؤسَّسة الشيخ زايد رحمه الله وأجزل له الفضل والمثوبة، وبارك في أبنائه من بعدِه، وجزاهم خيرًا الجزاء.
وطوَّرنا مُدن البعوث الإسلامية لتُناسب أعداد الطلاب، وأعطينا للطلاب فرصة انتخاب برلمان الوافدين نجتمع بقادته بصفةٍ دوريَّة لمُتابعة أحوالهم وحلِّ مشاكلهم؛ ليتفرَّغوا لتحصيل العلم وفق المنهج الأزهري الوسطي ونشره في جميع أنحاء العالم.
وعلى الصعيد الاجتماعي الإنساني وفَّقنا الله لإنشاء بيت الزكاة والصدقات المصري لصرف أموال الزكاة في وجوهها المُقرَّرة شرعًا، وبَثِّ رُوح التكافل والتراحُم بين أفراد المجتمع وحدَّد القانون موارد هذا البيت، ومنها على وجه الخصوص أموال الزكاة التي تُقدَّم طوعًا من الأفراد أو غيرهم، وكذلك الصدقات والتبرُّعات والهبات والوصايا والإعانات التي وُجِّهت للفُقَراء والمحتاجين ولمعالجة المرضى والمُصابين، ونُكرِّر للجميع أن كافة أعضاء مجلس أمناء بيت الزكاة يعملون تطوعًا حِسبةً لله.
كما نعمل من خلال بيت العائلة المصريَّة الذي يترأَّسه شيخ الأزهر بالتناوب مع بابا الكنيسة الأرثوذوكسية على تحقيق التآخِي الوطني، وترسيخ مفهوم المواطنة، ونبذ روح التفرقة والتعصب والخلاف، وتوحيد الصف، وقطع الطريق على من يريدون بث الفتنة بين أبناء الشعب المصري الواحد.
وكذلك هيئة كبار العلماء التي وفَّقنا الله لإحيائها مَرَّةً أخرى؛ لتكون هي المرجع الأول للمسلمين حول العالم في الاجتهاد الأصيل، والتصدِّي لما يستجد من قضايا فقهية، وإصدار فتاوى وأحكام بشأنها، وعدم ترك الأمر لأصحاب الهوى أو الرؤى المنحرفة والمنهج المُتشدِّد.
وعلى صعيد الاهتمام بالأئمَّةِ والوعَّاظِ نظَّمنا العديد من الدَّورات التأهيليَّة والتدريبيَّة لترتقي بهم إلى المستوى المطلوب، وليواكبوا التطورات ليس على مستوى الدعوة فقط، بل على المستوى التقني والتكنولوجي لتطوير أدواتهم في البحث وفي التواصل مع عامة الناس؛ لإيصال رسالة الأزهر السمحة.
واسمحوا لي أن أفصح عن أمرٍ ربما لا يكون معلومًا للكثيرين، أننا في الأزهر الشريف نتلقى يوميًّا طلبات من دول العالم المختلفة لإيفاد مبعوثينا إلى كافة ربوع العالم لنشر ثقافة الوسطية والسلام، سواء داخل العالم العربي أو خارجه، وفق منهج الأزهر الشريف الذي يحاول البعض تشويهه، أو التشكيك فيه.
لقد أرسل الأزهر الشريف خلالَ العام الماضي عشَراتِ القوافلِ إلى كافَّة ربوع مصر من سيناء شرقًا إلى مطروح غربًا، ومن الإسكندرية شمالًا إلى حلايب وشلاتين جنوبًا، تنوعت ما بين قوافل دعوية وتوعوية، وما بين قوافل طبية وإغاثية، ومساعدات للفقراء والمحتاجين، كما أوفد الأزهر الشريف للخارج عام 2015م (630) مبعوثًا منهم (420) إلى قارة إفريقيا و(198) إلى قارة آسيا، و(7) إلى أوروبا، و(5) إلى الأمريكتين، وذلك لنشر منهج الأزهر الوسطي وتعميق ثقافة الحوار واحترام الآخَر، كما أطلق الأزهر الشريف (64) قافلة للخارج العام الماضي 2015م، تنوعت ما بين قوافل دعوية وإغاثية وطبية وإنسانية، وأوفد الأزهر بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين - الذي أُنشِئ لتعزيز السلم في المجتمعات كل المجتمعات وأتشرَّف برئاسته - عشرَ قوافل سلام دوليَّة لقارَّات إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا لنشر ثقافة التعايش المشترك في هذه المجتمعات من خلال توضيح تعاليم الإسلام الصحيحة، وتوعية المسلمين وغير المسلمين في هذه البلدان بمخاطر الفِكر المُتطرِّف والإجابة على تساؤلاتهم واستفساراتهم.
وهناك دور هامٌّ تقوم به منظمة الرابطة العالمية لخرِّيجي الأزهر في تعضيد التواصل بين الأزهر وأبنائه في كل ربوع العالم، وإحياء الدور العالمي للأزهر في الحِفاظ على هوية الأمة وتراثها، والوقوف في وجه حملات التشكيك والتشويه المُغرِضة التي تتعرَّض لها.
وفي تحوُّل كبير في استراتيجية الأزهر أنشأنا مرصدًا للأزهر الشريف باللغات الأجنبية، للعمل على تفكيك أفكار الجماعات المتطرفة وأطروحاتهم، ولمساعدة المسلمين على الاندماج في مجتمعاتهم غير الإسلامية اندماجًا إيجابيًّا يحافظ على هُويَّتِهم الدينيَّة والثقافيَّة، ويضمن التعايش السلمي المشترَك.
وقد استطاع مرصد الأزهر خلال عامٍ واحد أن يُحقِّق نجاحًا كبيرًا وضَعَه على أعتاب العالميَّة، ولفت أنظار كثيرٍ من المؤسَّسات الرسميَّة والدوليَّة، وجعلها تسعى لدعم القائمين عليه، وعقد اتفاقيات تعاون معهم؛ للاستفادة من جُهودِهم في مواجهة التطرُّف والإرهاب.
وفي إطار تحركات الأزهر الخارجية من أجل نشر ثقافة السلام والتعايش المشترك، جاءت زياراتنا إلى إيطاليا وبريطانيا وإندونيسيا وألمانيا ونيجيريا والفاتيكان وفرنسا لتصحيح المفاهيم المغلوطة، وتزييف الصورة المشوَّهة التي يحاول البعض إلصاقها بالإسلام.
الإخوة الكرام.. هذا غيض من فيض من الجهود التي يبذلها الأزهر الشريف بسواعد أبناءه، خاصة من فئة الشباب الذين ذكرتهم من قبل، وحرصت على أن أفتح أمامَهم المجال للعمل في كافة المواقع والمراكز القيادية، ليعود الأزهر شابًّا فتيًّا يافعًا، ويكفي أن أذكُر في هذا المقام أنه يوجد الآن أكثر من 200 قيادة شابَّة في كافة قطاعات الأزهر الشريف تعمل على مدار الساعة في نشاطٍ كبيرٍ وملموس للنهوض بهذه المؤسسة.
أمَّا على صعيد استراتيجيَّتا للفترة المقبلة، فإنها ترتكز بالأساس على استمرار ما تم طرحه من جهودٍ وتطويره بما يُسهِم في إيصال رسالة الأزهر الشريف في كافة المجالات إلى جميع أنحاء العالم، وتصحيح صورة الإسلام في العالم، والتعريف بتعاليمه السمحة.
إننا اليوم ونحن نُعلن عن أكبر حركةِ تطوير ذاتي للأزهر الشريف، نؤكِّد أن هذا التطوير ينطلق من عالمية رسالة الأزهر الشريف عبر توظيف كافَّة قنوات الاتصال الحديثة وبخطط مدروسة تخاطب العالم بروح العصر، وتستأصل الفكر المتشدِّد من جذوره.
وترتكز استراتيجية التطوير على ما يلي:
أولًا: انطلاقة قوية على صفحات التواصل الاجتماعي تستهدف الملايين حول العالم، ولعلكم تلاحظون الآن أنَّ هناك انطلاقة قوية وبوتيرةٍ متسارعة للأزهر الشريف على مواقع التواصل الاجتماعي لمكافحة الفكر المتطرف.
ثانيًا: إطلاق عدة برامج تليفزيونية دينية واجتماعية لأوَّل مرة خلال شهر رمضان المقبل، لشباب دعاة الأزهر الشريف يُقدِّمون فيها محتوى اجتماعيًّا ودينيًّا، وبأسلوب جديد يأنس إليه الشباب، ولغة بعيدة عن التقعر والتعقيد.
كما يُشارك أساتذة وعلماء الأزهر في أكثر من برنامج في محطات تليفزيونية وإذاعية مختلفة حول العالم.
ونؤكد استمرار هذه البرامج الشابة بعد شهر رمضان لتحقيق التواصل الدائم مع الشباب.
ثالثًا: بث عشرات المقاطع الدعويَّة عبر شبكة الإنترنت لمجموعةٍ من شباب علماء الأزهر الشريف تتناول قضايا دينية وفكرية وشبابية وحياتية، مع توضيح حكم الشرع فيها وَفْق المنهج الأزهري الوسطي، بما يُسهم في تحصين الشباب ضد دعاوى التطرف والإرهاب.
رابعًا: تطوير آليَّة العمل بالمركز الإعلامي بالأزهر ليُواكب المتغيِّرات والعمل على مدار الساعة وتحقيق التواصل مع المؤسسات الإعلامية داخليًّا وخارجيًّا، من خلال ضَمِّ عناصر جديدة وتدشين مركز إعلامي عالمي مُجهَّز بكافة الإمكانات التقنية والتكنولوجية الحديثة.
خامسًا: إطلاق مركز الأزهر للرصد والفتوى الإلكترونية (أون لاين) بلغات عدة يتولاها علماء متخصصون بالأزهر الشريف؛ للإسهام في القضاء على فوضى الفتاوى، وتصدُّر المجترئين على فتاوى القتل والتكفير والتفجير واستباحة الدماء المعصومة.
سادسًا: انطلاقة جديدة لبوابة الأزهر الإلكترونية لتُواكب أحدث التطوُّرات التكنولوجية وبتصميمات جاذبة من شأنها تسهيل عمليَّة تصفُّح مواقع الأزهر المختلفة.
سابعًا: تطوير صحيفة صوت الأزهر من حيث الشكل والمضمون لتكون صحيفةً لكل المصريين تهتمُّ بالشأن الإسلامي المحلي والعالمي، وتُواجه الفكر المتطرِّف، على أن يتمَّ توزيعها عبر السفارات ومكاتب الرابطة العالميَّة لخرِّيجي الأزهر في كافَّة دول العالم.
ثامنًا: إطلاق قناة الأزهر الشريف خلال العام الجاري لتكون صوت الأزهر الوسطي إلى العالم، ودعمها بمجموعةٍ من شباب علماء الأزهر لنشر الوسطية والسلام ومواجهة الفكر المتطرِّف.
تاسعًا: إصدار كتب مُتخصِّصة في تصحيح المفاهيم المغلوطة والرد على الفكر المنحرف مع نشر عيون التراث الأزهري في القديم والحديث.
عاشرًا: وضع خطة محددة للتواصل مع كافَّة فئات المجتمع من خلال عقد لقاءات مُكثَّفة في الحدائق والمقاهي ومراكز الشباب، تستهدف الشباب بمخاطر الفكر المتطرف، وتضع حلولًا لمشكلاتهم وتفند الشبهات المثارة في أذهانهم وفقًا لمنهج الأزهر القويم، وقد بدأت تجربة تؤتي ثمارها في بعض المحافظات .
حادي عشر: إتاحة الفرصة لشباب الدعاة في المشاركة في تطوير الخطاب الديني، ومنحهم الثقة في مواجهة خطاب التطرُّف والإرهاب، والاستعانة بأكثر من (500) قيادة شابة بمختلف قطاعات الأزهر.
ثاني عشر: استمرار تطوير وتنقيح المناهج الأزهرية لتُواكب تطورات العصر وتعكس القيم الحقيقية السمحة للإسلام.
ثالث عشر: تطوير الشُّعبة الإسلاميَّة، ودمجها جميعًا في معهد واحد مركزي في القاهرة، يدرس فيه الطالب دراسة داخلية، بحيث يتلقَّى الطالب فيها العلوم الشرعية الرصينة، وفق المنهج الأزهري المطوَّر، كذلك معهدِ البعوث الجديد المزمعِ إنشاؤه لاستقبال الطلاب الوافدين من شتى بقاع الأرض لتكوين جيلٍ جديد من كتائب الدُّعاة قادر على حمل لواء الوسطيَّة الذي يَتَّسِمُ به الأزهر الشريف على مرِّ الأزمان.
رابع عشر: تطوير منظمة الرابطة العالميَّة لخرِّيجي الأزهر من خلال دعم التواصل مع مكاتبها الموجودة حاليًّا وافتتاح مكاتب خارجية جديدة لتحقيق التواصل مع خرِّيجي الأزهر الشريف في كافَّة رُبوع العالم، ونشر الفكر القويم من خلالهم أولًا بأوَّل.
خامس عشر: دراسة عقد مؤتمر عالمي للسلام بنهاية العام الجاري بمشاركة الفاتيكان ومجلس حكماء المسلمين.
وأخيرًا.. أودُّ أن أُعلِمَكم أنه جارٍ الآن إنشاء مدينة سكنية جامعية متكاملة للوافدين بالقاهرة الجديدة، تتسَعُ لأكثرَ من أربعين ألف وافدٍ ووافدةٍ من أكثر من 110 دولةٍ حول العالم بدعمٍ كبير من خادم الحرمين الشريفين الملك/ سلمان بن عبد العزيز - ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة، جزاه الله خيرًا عن خدمة الإسلام والمسلمين، وهذا الدعم كان قد بدأه المغفور له الملك/ عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله رحمة واسعة، بالإضافة إلى إنشاء مكتبة عالمية للأزهر الشريف يتم إنشاؤها وفق أحدث النظم العالمية في هذا المجال بدعمٍ من الإمارات العربية الشقيقية.
وهنا أود أن أعلن على حضراتكم أنه يجب أن تعلموا أن تكاليف كل هذه المشاريع لا يدخل منها قرش واحد للأزهر الشريف، وإنَّما تتكرم بتنفيذها من الألف إلى الياء هذه الدول الكريمة مباشرة عبر شركاتها المعتمدة لديها دون أي تدخل من الأزهر في قليل ولا كثير.
أيُّهَا السَّادَة:
إنَّ طرحَ الأزهر لاستراتيجيَّته يأتي من منطلق تحمُّل مسئوليَّاته باعتباره المرجعيَّة الأولى للإسلام في العالم، وحامل لواء الدِّفاع عن الإسلام على مدى قُرون عديدة، تعرَّض فيها الإسلام لأخطار عديدة ونجح الأزهر في التصدِّي لها، إلا أنَّ الأزمة الحاليَّة تعتبر هي الأخطر على الإطلاق فهي تُمثِّل طعنًا في الأسس السَّمحة التي يقوم عليها الإسلام، وتُنفِّر العالم منه، وتصوره كما لو كان الوجه الآخَر للإرهاب.
وكما ترون فإنَّ خطة تطوير الأزهر تُخاطب المسلمين وغير المسلمين، داخل مصر وخارجها، فنحن لدينا إصرار كبير على توعية المسلمين بحقيقة دينهم وتعاليمه النبيلة التي نفخر بها، ونحرص على التواصل بغير المسلمين عبر كافَّة قنوات الاتصال الحديثة وبخُطَط مدروسة لتصحيح الصورة المغلوطة الملصقة بالإسلام، وإظهار قِيَمِه الإنسانيَّة التي يدعو الأزهرُ العالمَ أجمع إلى اكتشافها والإفادة منها.
وندائي الأخير أُوجِّهه لكافَّة المواطنين من أبناء هذا الوطن العزيز: إنَّ من الواجب شرعًا على كل مواطن أن يعمل جاهدًا من أجل مصلحة الوطن وأن يقوم كل مسؤول في موقعه بواجبه وعدم التفريط في أية دقيقة من أوقات العمل، وأن من الواجب عليكم شرعًا وخلقًا وضميرًا أن تُظهِروا للعالم كلِّه أنَّ مصر كلها على قلب رجل واحد؛ حتى نقطع الطريق على مَن يريد خلق انقسامات تضرب استقرار الوطن، فاتقوا الله حيثما كنتم، واعلموا أنَّ الحِفاظ على الأوطان فرضُ عينٍ لا يجوز التفريط فيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.