وزير الاستثمار يبحث مع مؤسسة التمويل الدولية «IFC» دعم أولويات الحكومة المصرية    صواريخ إيرانية تصيب 4 أشخاص ومبنيين في مدينة حيفا شمال إسرائيل    راحة سلبية لإمام عاشور بعد جراحة الترقوة    بدء عرض مسلسل "مملكة الحرير" الأحد 29 يونيو الجاري    السعودية: وصول طلائع الحجاج الإيرانيين إلى مطار "عرعر" تمهيدًا لمغادرتهم    أوليس أفضل لاعب بمباراة بايرن ميونخ ضد أوكلاند سيتى فى كأس العالم للأندية    قافلة الصمود تتراجع إلى نقطة آمنة بسرت في ليبيا "حتى إطلاق سراح الموقوفين"    «التنظيم والإدارة» يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف حتى نهاية العام    مجلس إدارة الزمالك بالكامل فى عزاء والد محمد طارق    بمجموع 280 درجة.. الطالبة أسماء رضا بالإسكندرية تروي ل "الفجر" أسرار تفوقها بالمرحلة الإعدادية    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    مسلسل فات الميعاد الحلقة 3.. أحمد صفوت يقرر تبنى طفل من الملجأ لإسعاد زوجته    نجوى كرم تطرح أحدث أغانيها «حالة طوارئ» | فيديو    وجدي زين الدين: إسرائيل تخوض حربًا دينية والهدف الحقيقي من التصعيد هو مصر    المتحف المصري الكبير.. صرح عالمي يسرد تاريخ الحضارة المصرية    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    العمليات العسكرية الإسرائيلية وتوجيهات رئاسية جديدة تتصدر نشاط السيسي اليوم    ضبط المتهمين بقتل سائق توك توك وإلقاء جثته بمقابر أسوان    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    توتر في الأهلي.. لماذا انفجر بن شرقي بسبب صدام إنتر ميامي؟    التعليم: تدريب مجاني لمعلمي الإنجليزية بالتنسيق مع السفارة الأمريكية -(مستند)    «جزار الوراق» ينكر التعدي على تلميذة: «ردت علىَّ بقلة ذوق فضربتها بس» (خاص)    رامي جمال يوجه رسالة لجمهور جدة بعد حفله الأخير    صراع مع آلة لا تعرف الرحمة.. «نيويورك تايمز»: الذكاء الاصطناعي يدفع البشر للجنون    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    10 سلوكيات خاطئة ابتعدى عنهم مع أطفالك حفاظا على صحتهم    التنظيم والإدارة يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف بالجهاز الإداري للدولة    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    رئيس مجلس الدولة يفتتح فرع توثيق مجمع المحاكم بالأقصر    احذر عند التعامل معهم.. أكثر 3 أبراج غضبًا    لطيفة تؤجل طرح ألبومها الجديد بعد صدمة وفاة شقيقها نور الدين    محافظ الغربية يجرى جولة مفاجئة داخل مبنى الوحدة المحلية بسبرباى بمركز طنطا    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    طريقة عمل فطيرة السكر باللبن في خطوات بسيطة    قوافل الأحوال المدنية تواصل تقديم خدماتها للمواطنين بالمحافظات    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    تعليم الأقصر: غرفة العمليات لم تتلقَ أي شكاوى بشأن امتحاني مادتي التربية الوطنية والدين للثانوية العامة    توتنهام يضم الفرنسي ماتيل تيل بشكل نهائي من بايرن ميونخ    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    "طوارئ" بشركات الكهرباء تزامنًا مع امتحانات الثانوية العامة    استمرار استقبال محصول القمح المحلي للمواقع التخزينية بالشرقية    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    رئيس مجلس النواب يدين العدوان الإسرائيلي على إيران    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    «خلافات أسرية».. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    ماراثون الثانوية العامة بدأ.. طلاب الأقصر يتوافدون على اللجان لأداء أول يوم امتحانات    الأهلي أوقفه.. ميسي يتعطل لأول مرة في كأس العالم للأندية    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    تعليق ساخر من مجدي عبد الغني على مدرب الأهلي قبل مواجهة إنتر ميامي    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احتشام اللغة عدسة مكبرة بيد حراس الفضيلة
نشر في صوت البلد يوم 07 - 05 - 2016

من خلال محاورته لعشرات النصوص العربية والأجنبية بحث الأديب السوري خليل صويلح في كتابه قانون حراسة الشهوة عن سر شهوة الإبداع محاولاً "هتك اللغة من الاحتشام المزيف وخلع أقفال العفة عن الكتابة".
ويضع في محاولته تلك مقارنة أو بالأحرى يبرز المفارقة بين حساسية المجتمعات العربية الآن لحرية الكتابة وبين الحرية في كتب التراث العربي من ألف ليلة وليلة إلى نزهة الألباب للتيفاشي.
في الكتاب الصادر حديثا عن قطاع الثقافة بدار أخبار اليوم المصرية يشجب صويلح وضع قيود على الكتابة ممن سماهم "حراس الفضيلة وسدنتها" في المجتمعات العربية ملفتا إلى التناقض بين هذه العفة المدعاة في الكتابة وبين الانحطاط الأخلاقي في الحياة اليومية.
هكذا يصرخ صويلح في وجه الرقيب الذي يحمل عدسة مكبرة يفتش بها عن عبارة مارقة تحت بند خدش الحياء العام قائلا إن "تنظيف" النص من قاموس الرغبات هو نوع من وأد اللذة.. لذة الكتابة في مكمنها.
ويقول الأديب الحاصل على جائزة نجيب محفوظ للإبداع عن روايته وراق الحب إن "انتهاك اللغة بسطوة الفضيلة الكاذبة أنتج نصا هجينا بمشية عرجاء".
"لا توجد كلمة عذراء" عبارة يستعيرها صويلح من رولان بارت ويشير إلى أن تلك المقولة هي التي دفعته لأن يشتغل في رواياته الست "حائك نصوص بمغزل جديد".
وبعد بحث في كتابات السالفين والمعاصرين في مطاردته لشهوة الكتابة وكتابة الشهوة معا يقول صويلح إن كتابة الإيروتيكية "الشهوانية" العربية ستبقى إثما محضا لسبب بسيط هو أن محاكمتها تأتي من موقع أخلاقي في الدرجة الأولى وليس من عتبة نقدية تناوش النص جماليا.. "هذا الرعب من رنين عبارة جنسية في ثنايا حياة متخيلة سيبقى ملازما لهتك القيم الراسخة كنوع من الطهرانية الكاذبة".
يستطرد الكاتب مشيرا إلى معضلة التلصص من خلال الكتابة ويقول إن الضمير المظلوم في اللغة العربية هو (ضمير المتكلم) الذي يقصيه معظم الروائيين والروائيات "لإبعاد شبهة السيرة أو الاعترافات" عن أنفسهم.
لقد قدم الكاتب ست روايات استخدم فيها جميعا ضمير المتكلم فتعامل معه القراء والنقاد العرب على أن ما كتبه سيرة ذاتية وأن نساء الروايات شخصيات حقيقية قام بفضحن جنسيا علنا، بل إنه يقول إن هناك من سعى لاستدراجه من أجل التعرف عليهن في الحقيقة!
لا يعارض صويلح في كتابه -الذي يتألف من نحو 40 فصلا- النص المعصوم من الوقوع في الخطيئة لكنه يدعو إلى الحرية في استخدام اللغة وفق مقتضيات النص دون التقيد بتقديم فروض الطاعة لسدنة الفضيلة ومقص الرقيب.
كما يتتبع الكتاب في أحد نصوصه تاريخ "الإيروتيكية " و "الإيروسية" وكلتاهما تشيران إلى الشهوانية وكيف تشكلت صورتها في الثقافتين الإغريقية والرومانية.
ويشير إلى نصوص باسكال كينار بعنوان "الجنس والفزع" عام 1994 التي يلفت فيها إلى اللوحات الجدارية التي رسمها قدماء اليونان لسيدات نبيلات، ثم يتتبع انتقال الشهوانية الإغريقية إلى روما الإمبراطورية واصفا ذلك بأنه كان منعطفا واضحا انتقل بها من معنى النشوة إلى "الفزع".
ويقول "لم يكدر العلاقات الجنسية للإغريق القدماء أي أثر لخطيئة فيما حكمها في روما الذعر الذي تفرضه قواعد المراتب الاجتماعية وبدا الزواج القائم على الحب انتصارا للمجون، فالحب حسب الإمبراطور الروماني أغسطس يلغي الفوارق الاجتماعية بين السيد والعبد وهو ما جعله ينفي ابنته جوليا إلى جزيرة صغيرة لأنها وقعت في الحب".
يصل بعد ذلك في رحلة تتبع تاريخ الشهوانية إلى عصر النهضة الذي بدأ فيه التمييز جليا بين الرغبة والعاطفة وجرى فيه الفصل بين الممارسة الحسية والحب.
ينتقل الكاتب إلى فصل آخر بعنوان "ولكن هل مات المكتوبجي العثماني حقا؟" متناولا تاريخ الرقابة في تراثنا العربي منذ الحقبة العثمانية، ويفتش في صفحات كتاب "الرقابة بوجوهها وأقنعتها المختلفة" فيجد شذرات عما أعمله مقص الرقيب في تاريخ التفكير العربي وآليات المنع والمصادرة في اجتثاث "أية أفكار مارقة".
في رأي الكاتب أن "المكتوبجي" وهو الرقيب العثماني لم يمت بل إن رقيب اليوم "لا يكتفي بمنع الكلام كنوع من العنف الرمزي" لكنه "تجاوز حرية القول إلى هدر دم المبدع" وإذا بالرقابة العربية "تطال حتى الأحلام والنوايا".
وهنا يرتأي الكاتب محنة العقل العربي الذي "يتستر بأقنعة في حفلة تنكرية لا يعرف فيها أبدا من هو الضحية ومن الجلاد"، ثم يسوق أمثلة صارخة على المنع والمصادرة في العالم العربي. وقال إن كتب إدوارد سعيد مُنعت إثر مقالات كتبها في نقد اتفاقية أوسلو والقيادة الفلسطينية.
إن الوضع في رأي الكاتب لم يختلف كثيرا بل ربما ساء عن عصر المكتوبجي العثماني في القرن التاسع عشر وما تلاه حين قرأ ذلك المكتوبجي مانشيتا في إحدى الصحف عن اشتعال الثورة في روسيا عام 1917 لم يستسغ كلمة ثورة.. فكر طويلا إلى أن اهتدى إلى صوغ مانشيت بديل "قامت خناقة في روسيا"!.
في النص التالي بعنوان "عندما يستعير سائق التاكسي مقعد الروائي" يتصدى الكاتب إلى ظاهرة الاستخفاف بمهنة الكتابة في العالم العربي.. فحتى سائق التاكسي يعتبر نفسه روائيا مؤجلا يمارس الحكي لكل راكب، في كل مرة يحكي قصة حياته بشكل مختلف ويفرضها على الركاب، وكاتب محضر الشرطة أيضا يكتب الوقائع على هواه يضيف إليها وينزع منها ما يشاء حتى "يحبك" المحضر بعناية.
عند هذا الحد يكتفي الكاتب في نقد نظرة المجتمع للرواية والراوي والقصة والمؤلف قبل أن يعرج على تناول مفهوم الأدب وشهوة الكتابة عند عدد كبير من الأسماء اللامعة العربية والأجنبية، فالأديب الألماني غونتر غراس الحائز على نوبل وضع لمذكراته بكل بساطة عنوان (تقشير البصلة). أما غابرييل غارسيا ماركيز (عشت لأروي).. فالأخير عاش حياة عريضة لكي يرويها. أما جونتر جراس فإنه يروي في الاتجاه المضاد، فتقشير البصلة يتطلب إزالة طبقة وراء أخرى كي نصل إلى اللب، وبالطبع لا يمكننا تقشير بصلة دون أن تسيل دموعنا.
ويحاور صويلح في كتابه العديد من النصوص الروائية الغربية، يعرض لرواية مئة عام من العزلة التي انتظر ماركيز 17 عاما لكتابتها، ولجأ إلى 11 ألف وثيقة لكتابة الجنرال في متاهته، أما الأديبة التشيلية إيزابيل الليندي فكانت تنتظر أسبوعا محددا من الشهر الأول من كل سنة كي تستحضر أرواح شخصياتها.
ويمر سريعا بوصايا الروائي الإيطالي ايتالو كالفينو الست ورسائل أديب بيرو ماريو فارغاس في كتابة الرواية للمستجدين.
لا ينسى المؤلف في محاورته للنصوص المرور على ابن حزم الذي كان بالنسبة له "البوصلة الأولى في تجميد الحب واقتحام حصون البلاغة وخلخلة سطوتها القديمة والذهاب إلى مناطق أبعد في المكاشفة".
وفي نص بعنوان مقبرة من جثث الأسلاف يعرض الكاتب إشكالية ربط التراث بالحاضر المعاش المنفتح على عوالم لم تكن متصورة من قبل، ويستدعى قولا مأثورا لمحمد الماغوط "محاصر بين تيار العولمة وتيار الاصولية فكيف أوفق بين الاثنين هل أصلي على الإنترنت؟".
يقع الكتاب في 230 صفحة ويحتوي على رؤى أدبية ونقدية تتسم بالعمق حول عدد كبير من الأعمال العربية والأجنبية بأسلوب راق ولغة رصينة، ويتصدى الكتاب لقضية هامة وشائكة في نفس الوقت إذ يطرح الإشكالية بين الحرية التي يحتاجها الأديب من أجل الإبداع والحدود التي يتعين عليه التقيد بها في المجتمعات العربية المحافظة بشكل عام.
من خلال محاورته لعشرات النصوص العربية والأجنبية بحث الأديب السوري خليل صويلح في كتابه قانون حراسة الشهوة عن سر شهوة الإبداع محاولاً "هتك اللغة من الاحتشام المزيف وخلع أقفال العفة عن الكتابة".
ويضع في محاولته تلك مقارنة أو بالأحرى يبرز المفارقة بين حساسية المجتمعات العربية الآن لحرية الكتابة وبين الحرية في كتب التراث العربي من ألف ليلة وليلة إلى نزهة الألباب للتيفاشي.
في الكتاب الصادر حديثا عن قطاع الثقافة بدار أخبار اليوم المصرية يشجب صويلح وضع قيود على الكتابة ممن سماهم "حراس الفضيلة وسدنتها" في المجتمعات العربية ملفتا إلى التناقض بين هذه العفة المدعاة في الكتابة وبين الانحطاط الأخلاقي في الحياة اليومية.
هكذا يصرخ صويلح في وجه الرقيب الذي يحمل عدسة مكبرة يفتش بها عن عبارة مارقة تحت بند خدش الحياء العام قائلا إن "تنظيف" النص من قاموس الرغبات هو نوع من وأد اللذة.. لذة الكتابة في مكمنها.
ويقول الأديب الحاصل على جائزة نجيب محفوظ للإبداع عن روايته وراق الحب إن "انتهاك اللغة بسطوة الفضيلة الكاذبة أنتج نصا هجينا بمشية عرجاء".
"لا توجد كلمة عذراء" عبارة يستعيرها صويلح من رولان بارت ويشير إلى أن تلك المقولة هي التي دفعته لأن يشتغل في رواياته الست "حائك نصوص بمغزل جديد".
وبعد بحث في كتابات السالفين والمعاصرين في مطاردته لشهوة الكتابة وكتابة الشهوة معا يقول صويلح إن كتابة الإيروتيكية "الشهوانية" العربية ستبقى إثما محضا لسبب بسيط هو أن محاكمتها تأتي من موقع أخلاقي في الدرجة الأولى وليس من عتبة نقدية تناوش النص جماليا.. "هذا الرعب من رنين عبارة جنسية في ثنايا حياة متخيلة سيبقى ملازما لهتك القيم الراسخة كنوع من الطهرانية الكاذبة".
يستطرد الكاتب مشيرا إلى معضلة التلصص من خلال الكتابة ويقول إن الضمير المظلوم في اللغة العربية هو (ضمير المتكلم) الذي يقصيه معظم الروائيين والروائيات "لإبعاد شبهة السيرة أو الاعترافات" عن أنفسهم.
لقد قدم الكاتب ست روايات استخدم فيها جميعا ضمير المتكلم فتعامل معه القراء والنقاد العرب على أن ما كتبه سيرة ذاتية وأن نساء الروايات شخصيات حقيقية قام بفضحن جنسيا علنا، بل إنه يقول إن هناك من سعى لاستدراجه من أجل التعرف عليهن في الحقيقة!
لا يعارض صويلح في كتابه -الذي يتألف من نحو 40 فصلا- النص المعصوم من الوقوع في الخطيئة لكنه يدعو إلى الحرية في استخدام اللغة وفق مقتضيات النص دون التقيد بتقديم فروض الطاعة لسدنة الفضيلة ومقص الرقيب.
كما يتتبع الكتاب في أحد نصوصه تاريخ "الإيروتيكية " و "الإيروسية" وكلتاهما تشيران إلى الشهوانية وكيف تشكلت صورتها في الثقافتين الإغريقية والرومانية.
ويشير إلى نصوص باسكال كينار بعنوان "الجنس والفزع" عام 1994 التي يلفت فيها إلى اللوحات الجدارية التي رسمها قدماء اليونان لسيدات نبيلات، ثم يتتبع انتقال الشهوانية الإغريقية إلى روما الإمبراطورية واصفا ذلك بأنه كان منعطفا واضحا انتقل بها من معنى النشوة إلى "الفزع".
ويقول "لم يكدر العلاقات الجنسية للإغريق القدماء أي أثر لخطيئة فيما حكمها في روما الذعر الذي تفرضه قواعد المراتب الاجتماعية وبدا الزواج القائم على الحب انتصارا للمجون، فالحب حسب الإمبراطور الروماني أغسطس يلغي الفوارق الاجتماعية بين السيد والعبد وهو ما جعله ينفي ابنته جوليا إلى جزيرة صغيرة لأنها وقعت في الحب".
يصل بعد ذلك في رحلة تتبع تاريخ الشهوانية إلى عصر النهضة الذي بدأ فيه التمييز جليا بين الرغبة والعاطفة وجرى فيه الفصل بين الممارسة الحسية والحب.
ينتقل الكاتب إلى فصل آخر بعنوان "ولكن هل مات المكتوبجي العثماني حقا؟" متناولا تاريخ الرقابة في تراثنا العربي منذ الحقبة العثمانية، ويفتش في صفحات كتاب "الرقابة بوجوهها وأقنعتها المختلفة" فيجد شذرات عما أعمله مقص الرقيب في تاريخ التفكير العربي وآليات المنع والمصادرة في اجتثاث "أية أفكار مارقة".
في رأي الكاتب أن "المكتوبجي" وهو الرقيب العثماني لم يمت بل إن رقيب اليوم "لا يكتفي بمنع الكلام كنوع من العنف الرمزي" لكنه "تجاوز حرية القول إلى هدر دم المبدع" وإذا بالرقابة العربية "تطال حتى الأحلام والنوايا".
وهنا يرتأي الكاتب محنة العقل العربي الذي "يتستر بأقنعة في حفلة تنكرية لا يعرف فيها أبدا من هو الضحية ومن الجلاد"، ثم يسوق أمثلة صارخة على المنع والمصادرة في العالم العربي. وقال إن كتب إدوارد سعيد مُنعت إثر مقالات كتبها في نقد اتفاقية أوسلو والقيادة الفلسطينية.
إن الوضع في رأي الكاتب لم يختلف كثيرا بل ربما ساء عن عصر المكتوبجي العثماني في القرن التاسع عشر وما تلاه حين قرأ ذلك المكتوبجي مانشيتا في إحدى الصحف عن اشتعال الثورة في روسيا عام 1917 لم يستسغ كلمة ثورة.. فكر طويلا إلى أن اهتدى إلى صوغ مانشيت بديل "قامت خناقة في روسيا"!.
في النص التالي بعنوان "عندما يستعير سائق التاكسي مقعد الروائي" يتصدى الكاتب إلى ظاهرة الاستخفاف بمهنة الكتابة في العالم العربي.. فحتى سائق التاكسي يعتبر نفسه روائيا مؤجلا يمارس الحكي لكل راكب، في كل مرة يحكي قصة حياته بشكل مختلف ويفرضها على الركاب، وكاتب محضر الشرطة أيضا يكتب الوقائع على هواه يضيف إليها وينزع منها ما يشاء حتى "يحبك" المحضر بعناية.
عند هذا الحد يكتفي الكاتب في نقد نظرة المجتمع للرواية والراوي والقصة والمؤلف قبل أن يعرج على تناول مفهوم الأدب وشهوة الكتابة عند عدد كبير من الأسماء اللامعة العربية والأجنبية، فالأديب الألماني غونتر غراس الحائز على نوبل وضع لمذكراته بكل بساطة عنوان (تقشير البصلة). أما غابرييل غارسيا ماركيز (عشت لأروي).. فالأخير عاش حياة عريضة لكي يرويها. أما جونتر جراس فإنه يروي في الاتجاه المضاد، فتقشير البصلة يتطلب إزالة طبقة وراء أخرى كي نصل إلى اللب، وبالطبع لا يمكننا تقشير بصلة دون أن تسيل دموعنا.
ويحاور صويلح في كتابه العديد من النصوص الروائية الغربية، يعرض لرواية مئة عام من العزلة التي انتظر ماركيز 17 عاما لكتابتها، ولجأ إلى 11 ألف وثيقة لكتابة الجنرال في متاهته، أما الأديبة التشيلية إيزابيل الليندي فكانت تنتظر أسبوعا محددا من الشهر الأول من كل سنة كي تستحضر أرواح شخصياتها.
ويمر سريعا بوصايا الروائي الإيطالي ايتالو كالفينو الست ورسائل أديب بيرو ماريو فارغاس في كتابة الرواية للمستجدين.
لا ينسى المؤلف في محاورته للنصوص المرور على ابن حزم الذي كان بالنسبة له "البوصلة الأولى في تجميد الحب واقتحام حصون البلاغة وخلخلة سطوتها القديمة والذهاب إلى مناطق أبعد في المكاشفة".
وفي نص بعنوان مقبرة من جثث الأسلاف يعرض الكاتب إشكالية ربط التراث بالحاضر المعاش المنفتح على عوالم لم تكن متصورة من قبل، ويستدعى قولا مأثورا لمحمد الماغوط "محاصر بين تيار العولمة وتيار الاصولية فكيف أوفق بين الاثنين هل أصلي على الإنترنت؟".
يقع الكتاب في 230 صفحة ويحتوي على رؤى أدبية ونقدية تتسم بالعمق حول عدد كبير من الأعمال العربية والأجنبية بأسلوب راق ولغة رصينة، ويتصدى الكتاب لقضية هامة وشائكة في نفس الوقت إذ يطرح الإشكالية بين الحرية التي يحتاجها الأديب من أجل الإبداع والحدود التي يتعين عليه التقيد بها في المجتمعات العربية المحافظة بشكل عام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.