تسع ل10 آلاف فرد.. الجيش الأمريكي يدرس إنشاء قاعدة عسكرية بالقرب من غزة    موسكو تحذر من عودة النازية في ألمانيا وتؤكد تمسكها بالمبادئ    نيوسوم يهاجم ترامب في قمة المناخ ويؤكد التزام كاليفورنيا بالتكنولوجيا الخضراء    القوات الجوية السعودية و الدفاع الجوي تواصلان مشاركتهما في تمرين مركز الحرب الجوي الصاروخي    قلبهم جامد.. 5 أبراج مش بتخاف من المرتفعات    لتجنب زيادة الدهون.. 6 نصائح ضرورية للحفاظ على وزنك في الشتاء    نائب محافظ الإسماعيلية يتفقد مستوى النظافة العامة والتعامل مع الإشغالات والتعديات    «الجبهة الوطنية» يُشيد بسير العملية الانتخابية: المصريون سطروا ملحمة تاريخية    التعليم تحسم الجدل بشأن تحويل طلاب الابتدائي صغار السن بين المدارس 2025-2026    قبل غلق اللجان الانتخابية.. محافظ الأقصر يتفقد غرفة العمليات بالشبكة الوطنية    الحسيني أمينا لصندوق اتحاد المهن الطبية وسالم وحمدي أعضاء بالمجلس    سلاح ذو حدين، عمدة نيويورك يعتزم اتخاذ خطوة هامة تجاه ترامب قبل تولي المنصب    اتهام رجل أعمال مقرب من زيلينسكي باختلاس 100 مليون دولار في قطاع الطاقة    مواجهة قوية تنتظر منتخب مصر للناشئين ضد سويسرا في دور ال32 بكأس العالم تحت 17 سنة    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواصل استعداداته لمواجهتي الجزائر (صور)    حبس سائق المطرب الراحل إسماعيل الليثي 4 أيام على ذمة التحقيق، اعرف السبب    النيابة تطلب تحريات سقوط شخص من الطابق ال17 بميامي في الإسكندرية    حبس المتهم بالتسبب في وفاة والدته بعيار ناري أثناء لعبه بالسلاح بشبرا الخيمة    تصالح الإعلامي توفيق عكاشة وعمال حفر بعد مشاجرة الكمبوند ب 6 أكتوبر    800 للجنيه دفعة واحدة.. ارتفاع كبير في سعر الذهب اليوم بالصاغة والشعبة تكشف السبب    فى عز فرحتها مانسيتش مامتها.. مى عز الدين تمسك صورة والدتها فى حفل زفافها    البترول: التحقيق فى سقوط برج أحد أجهزة الحفر وخروج اثنين من المصابين    علشان تنام مرتاح.. 7 أعشاب طبيعية للتخلص من الكحة أثناء النوم    وفد السياحة يبحث استعدادات موسم الحج وخدمات الضيافة    نقيب الإعلاميين: الإعلام الرقمي شريك أساسي في التطوير.. والذكاء الاصطناعي فرصة لا تهديد.    بيان رسمي من خوان بيزيرا بشأن تجاهل مصافحة وزير الرياضة بنهائي السوبر    «ميقدرش يعمل معايا كده».. ميدو يفتح النار على زيزو بعد تصرفه الأخير    «ستأخذ الطريق الخاطئ».. ميدو يحذر حسام عبد المجيد من الانتقال ل الأهلي    منتخب مصر يستعد لأوزبكستان وديا بتدريبات مكثفة في استاد العين    الغندور يكشف حقيقة تدخل حسام حسن في استبعاد ناصر ماهر من منتخب حلمي طولان    كرة سلة - الأهلي يفوز على سبورتنج في ذهاب نهائي دوري المرتبط للسيدات    انتخابات مجلس النواب 2025.. محافظ الفيوم يتابع أعمال غلق لجان التصويت في ختام اليوم الثاني    انتخابات مجلس النواب 2025.. بدء عمليات الفرز في لجان محافظة الجيزة    موعد إعلان نتائج المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب 2025 (متى يتم قبول الطعون؟)    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الأربعاء 12 نوفمبر 2025    أمطار غزيرة وثلج .. بيان مهم بشأن حالة الطقس: 24 ساعة ونستقبل العاصفة الرعدية    في ظروف غامضة.. سقوط فتاة من الطابق الرابع بمنزلها بالمحلة الكبرى    مصرع شخص غرقًا في دمياط والأهالي تنتشل الجثمان    سعر التفاح والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025    السياحة تصدر ضوابط ترخيص نمط جديد لشقق الإجازات Holiday Home    المستشار بنداري يشيد بتغطية إكسترا نيوز وإكسترا لايف ووعي الناخبين بانتخابات النواب    مي سليم تطلق أغنية "تراكمات" على طريقة الفيديو كليب    السفير التركي: العلاقات مع مصر تدخل مرحلة تعاون استراتيجي شامل    قلق وعدم رضا.. علامات أزمة منتصف العمر عند الرجال بعد قصة فيلم «السلم والثعبان 2»    6 أبراج رجال «بيحبوا الأكل السبايسي».. مغامرون يعشقون الإثارة ويتلذّذون بطعم الفلفل الحار والتوابل    لماذا نحب مهرجان القاهرة السينمائي؟    ارتفاع حصيلة ضحايا إعصار فونج-وونج بالفلبين ل 25 قتيلا    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. روسيا تمنع 30 مواطنا يابانيا من دخول البلاد.. اشتباكات بين قوات الاحتلال وفلسطينيين فى طوباس.. وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلة يقدم استقالته لنتنياهو    أخطاء تقع فيها الأمهات تُضعف العلاقة مع الأبناء دون وعي    أمين بدار الإفتاء يعلق على رسالة انفصال كريم محمود عبد العزيز: الكلام المكتوب ليس طلاقا صريحا    رئيس مجلس الشيوخ يستقبل رئيس نادي قضاه الأسكندرية    استجابة من محافظ القليوبية لتمهيد شارع القسم استعدادًا لتطوير مستشفى النيل    هل يجوز تنفيذ وصية أم بمنع أحد أبنائها من حضور جنازتها؟.. أمين الفتوى يجيب    نقل جثمان نجل مرشح مجلس النواب بدائرة حلايب وشلاتين ونجل شقيقته لمحافظة قنا    هل الحج أم تزويج الأبناء أولًا؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف نتغلب على الضيق والهم؟.. أمين الفتوى يجيب    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    وزير الصحة يؤكد على أهمية نقل تكنولوجيا تصنيع هذه الأدوية إلى مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احتشام اللغة عدسة مكبرة بيد حراس الفضيلة
نشر في صوت البلد يوم 07 - 05 - 2016

من خلال محاورته لعشرات النصوص العربية والأجنبية بحث الأديب السوري خليل صويلح في كتابه قانون حراسة الشهوة عن سر شهوة الإبداع محاولاً "هتك اللغة من الاحتشام المزيف وخلع أقفال العفة عن الكتابة".
ويضع في محاولته تلك مقارنة أو بالأحرى يبرز المفارقة بين حساسية المجتمعات العربية الآن لحرية الكتابة وبين الحرية في كتب التراث العربي من ألف ليلة وليلة إلى نزهة الألباب للتيفاشي.
في الكتاب الصادر حديثا عن قطاع الثقافة بدار أخبار اليوم المصرية يشجب صويلح وضع قيود على الكتابة ممن سماهم "حراس الفضيلة وسدنتها" في المجتمعات العربية ملفتا إلى التناقض بين هذه العفة المدعاة في الكتابة وبين الانحطاط الأخلاقي في الحياة اليومية.
هكذا يصرخ صويلح في وجه الرقيب الذي يحمل عدسة مكبرة يفتش بها عن عبارة مارقة تحت بند خدش الحياء العام قائلا إن "تنظيف" النص من قاموس الرغبات هو نوع من وأد اللذة.. لذة الكتابة في مكمنها.
ويقول الأديب الحاصل على جائزة نجيب محفوظ للإبداع عن روايته وراق الحب إن "انتهاك اللغة بسطوة الفضيلة الكاذبة أنتج نصا هجينا بمشية عرجاء".
"لا توجد كلمة عذراء" عبارة يستعيرها صويلح من رولان بارت ويشير إلى أن تلك المقولة هي التي دفعته لأن يشتغل في رواياته الست "حائك نصوص بمغزل جديد".
وبعد بحث في كتابات السالفين والمعاصرين في مطاردته لشهوة الكتابة وكتابة الشهوة معا يقول صويلح إن كتابة الإيروتيكية "الشهوانية" العربية ستبقى إثما محضا لسبب بسيط هو أن محاكمتها تأتي من موقع أخلاقي في الدرجة الأولى وليس من عتبة نقدية تناوش النص جماليا.. "هذا الرعب من رنين عبارة جنسية في ثنايا حياة متخيلة سيبقى ملازما لهتك القيم الراسخة كنوع من الطهرانية الكاذبة".
يستطرد الكاتب مشيرا إلى معضلة التلصص من خلال الكتابة ويقول إن الضمير المظلوم في اللغة العربية هو (ضمير المتكلم) الذي يقصيه معظم الروائيين والروائيات "لإبعاد شبهة السيرة أو الاعترافات" عن أنفسهم.
لقد قدم الكاتب ست روايات استخدم فيها جميعا ضمير المتكلم فتعامل معه القراء والنقاد العرب على أن ما كتبه سيرة ذاتية وأن نساء الروايات شخصيات حقيقية قام بفضحن جنسيا علنا، بل إنه يقول إن هناك من سعى لاستدراجه من أجل التعرف عليهن في الحقيقة!
لا يعارض صويلح في كتابه -الذي يتألف من نحو 40 فصلا- النص المعصوم من الوقوع في الخطيئة لكنه يدعو إلى الحرية في استخدام اللغة وفق مقتضيات النص دون التقيد بتقديم فروض الطاعة لسدنة الفضيلة ومقص الرقيب.
كما يتتبع الكتاب في أحد نصوصه تاريخ "الإيروتيكية " و "الإيروسية" وكلتاهما تشيران إلى الشهوانية وكيف تشكلت صورتها في الثقافتين الإغريقية والرومانية.
ويشير إلى نصوص باسكال كينار بعنوان "الجنس والفزع" عام 1994 التي يلفت فيها إلى اللوحات الجدارية التي رسمها قدماء اليونان لسيدات نبيلات، ثم يتتبع انتقال الشهوانية الإغريقية إلى روما الإمبراطورية واصفا ذلك بأنه كان منعطفا واضحا انتقل بها من معنى النشوة إلى "الفزع".
ويقول "لم يكدر العلاقات الجنسية للإغريق القدماء أي أثر لخطيئة فيما حكمها في روما الذعر الذي تفرضه قواعد المراتب الاجتماعية وبدا الزواج القائم على الحب انتصارا للمجون، فالحب حسب الإمبراطور الروماني أغسطس يلغي الفوارق الاجتماعية بين السيد والعبد وهو ما جعله ينفي ابنته جوليا إلى جزيرة صغيرة لأنها وقعت في الحب".
يصل بعد ذلك في رحلة تتبع تاريخ الشهوانية إلى عصر النهضة الذي بدأ فيه التمييز جليا بين الرغبة والعاطفة وجرى فيه الفصل بين الممارسة الحسية والحب.
ينتقل الكاتب إلى فصل آخر بعنوان "ولكن هل مات المكتوبجي العثماني حقا؟" متناولا تاريخ الرقابة في تراثنا العربي منذ الحقبة العثمانية، ويفتش في صفحات كتاب "الرقابة بوجوهها وأقنعتها المختلفة" فيجد شذرات عما أعمله مقص الرقيب في تاريخ التفكير العربي وآليات المنع والمصادرة في اجتثاث "أية أفكار مارقة".
في رأي الكاتب أن "المكتوبجي" وهو الرقيب العثماني لم يمت بل إن رقيب اليوم "لا يكتفي بمنع الكلام كنوع من العنف الرمزي" لكنه "تجاوز حرية القول إلى هدر دم المبدع" وإذا بالرقابة العربية "تطال حتى الأحلام والنوايا".
وهنا يرتأي الكاتب محنة العقل العربي الذي "يتستر بأقنعة في حفلة تنكرية لا يعرف فيها أبدا من هو الضحية ومن الجلاد"، ثم يسوق أمثلة صارخة على المنع والمصادرة في العالم العربي. وقال إن كتب إدوارد سعيد مُنعت إثر مقالات كتبها في نقد اتفاقية أوسلو والقيادة الفلسطينية.
إن الوضع في رأي الكاتب لم يختلف كثيرا بل ربما ساء عن عصر المكتوبجي العثماني في القرن التاسع عشر وما تلاه حين قرأ ذلك المكتوبجي مانشيتا في إحدى الصحف عن اشتعال الثورة في روسيا عام 1917 لم يستسغ كلمة ثورة.. فكر طويلا إلى أن اهتدى إلى صوغ مانشيت بديل "قامت خناقة في روسيا"!.
في النص التالي بعنوان "عندما يستعير سائق التاكسي مقعد الروائي" يتصدى الكاتب إلى ظاهرة الاستخفاف بمهنة الكتابة في العالم العربي.. فحتى سائق التاكسي يعتبر نفسه روائيا مؤجلا يمارس الحكي لكل راكب، في كل مرة يحكي قصة حياته بشكل مختلف ويفرضها على الركاب، وكاتب محضر الشرطة أيضا يكتب الوقائع على هواه يضيف إليها وينزع منها ما يشاء حتى "يحبك" المحضر بعناية.
عند هذا الحد يكتفي الكاتب في نقد نظرة المجتمع للرواية والراوي والقصة والمؤلف قبل أن يعرج على تناول مفهوم الأدب وشهوة الكتابة عند عدد كبير من الأسماء اللامعة العربية والأجنبية، فالأديب الألماني غونتر غراس الحائز على نوبل وضع لمذكراته بكل بساطة عنوان (تقشير البصلة). أما غابرييل غارسيا ماركيز (عشت لأروي).. فالأخير عاش حياة عريضة لكي يرويها. أما جونتر جراس فإنه يروي في الاتجاه المضاد، فتقشير البصلة يتطلب إزالة طبقة وراء أخرى كي نصل إلى اللب، وبالطبع لا يمكننا تقشير بصلة دون أن تسيل دموعنا.
ويحاور صويلح في كتابه العديد من النصوص الروائية الغربية، يعرض لرواية مئة عام من العزلة التي انتظر ماركيز 17 عاما لكتابتها، ولجأ إلى 11 ألف وثيقة لكتابة الجنرال في متاهته، أما الأديبة التشيلية إيزابيل الليندي فكانت تنتظر أسبوعا محددا من الشهر الأول من كل سنة كي تستحضر أرواح شخصياتها.
ويمر سريعا بوصايا الروائي الإيطالي ايتالو كالفينو الست ورسائل أديب بيرو ماريو فارغاس في كتابة الرواية للمستجدين.
لا ينسى المؤلف في محاورته للنصوص المرور على ابن حزم الذي كان بالنسبة له "البوصلة الأولى في تجميد الحب واقتحام حصون البلاغة وخلخلة سطوتها القديمة والذهاب إلى مناطق أبعد في المكاشفة".
وفي نص بعنوان مقبرة من جثث الأسلاف يعرض الكاتب إشكالية ربط التراث بالحاضر المعاش المنفتح على عوالم لم تكن متصورة من قبل، ويستدعى قولا مأثورا لمحمد الماغوط "محاصر بين تيار العولمة وتيار الاصولية فكيف أوفق بين الاثنين هل أصلي على الإنترنت؟".
يقع الكتاب في 230 صفحة ويحتوي على رؤى أدبية ونقدية تتسم بالعمق حول عدد كبير من الأعمال العربية والأجنبية بأسلوب راق ولغة رصينة، ويتصدى الكتاب لقضية هامة وشائكة في نفس الوقت إذ يطرح الإشكالية بين الحرية التي يحتاجها الأديب من أجل الإبداع والحدود التي يتعين عليه التقيد بها في المجتمعات العربية المحافظة بشكل عام.
من خلال محاورته لعشرات النصوص العربية والأجنبية بحث الأديب السوري خليل صويلح في كتابه قانون حراسة الشهوة عن سر شهوة الإبداع محاولاً "هتك اللغة من الاحتشام المزيف وخلع أقفال العفة عن الكتابة".
ويضع في محاولته تلك مقارنة أو بالأحرى يبرز المفارقة بين حساسية المجتمعات العربية الآن لحرية الكتابة وبين الحرية في كتب التراث العربي من ألف ليلة وليلة إلى نزهة الألباب للتيفاشي.
في الكتاب الصادر حديثا عن قطاع الثقافة بدار أخبار اليوم المصرية يشجب صويلح وضع قيود على الكتابة ممن سماهم "حراس الفضيلة وسدنتها" في المجتمعات العربية ملفتا إلى التناقض بين هذه العفة المدعاة في الكتابة وبين الانحطاط الأخلاقي في الحياة اليومية.
هكذا يصرخ صويلح في وجه الرقيب الذي يحمل عدسة مكبرة يفتش بها عن عبارة مارقة تحت بند خدش الحياء العام قائلا إن "تنظيف" النص من قاموس الرغبات هو نوع من وأد اللذة.. لذة الكتابة في مكمنها.
ويقول الأديب الحاصل على جائزة نجيب محفوظ للإبداع عن روايته وراق الحب إن "انتهاك اللغة بسطوة الفضيلة الكاذبة أنتج نصا هجينا بمشية عرجاء".
"لا توجد كلمة عذراء" عبارة يستعيرها صويلح من رولان بارت ويشير إلى أن تلك المقولة هي التي دفعته لأن يشتغل في رواياته الست "حائك نصوص بمغزل جديد".
وبعد بحث في كتابات السالفين والمعاصرين في مطاردته لشهوة الكتابة وكتابة الشهوة معا يقول صويلح إن كتابة الإيروتيكية "الشهوانية" العربية ستبقى إثما محضا لسبب بسيط هو أن محاكمتها تأتي من موقع أخلاقي في الدرجة الأولى وليس من عتبة نقدية تناوش النص جماليا.. "هذا الرعب من رنين عبارة جنسية في ثنايا حياة متخيلة سيبقى ملازما لهتك القيم الراسخة كنوع من الطهرانية الكاذبة".
يستطرد الكاتب مشيرا إلى معضلة التلصص من خلال الكتابة ويقول إن الضمير المظلوم في اللغة العربية هو (ضمير المتكلم) الذي يقصيه معظم الروائيين والروائيات "لإبعاد شبهة السيرة أو الاعترافات" عن أنفسهم.
لقد قدم الكاتب ست روايات استخدم فيها جميعا ضمير المتكلم فتعامل معه القراء والنقاد العرب على أن ما كتبه سيرة ذاتية وأن نساء الروايات شخصيات حقيقية قام بفضحن جنسيا علنا، بل إنه يقول إن هناك من سعى لاستدراجه من أجل التعرف عليهن في الحقيقة!
لا يعارض صويلح في كتابه -الذي يتألف من نحو 40 فصلا- النص المعصوم من الوقوع في الخطيئة لكنه يدعو إلى الحرية في استخدام اللغة وفق مقتضيات النص دون التقيد بتقديم فروض الطاعة لسدنة الفضيلة ومقص الرقيب.
كما يتتبع الكتاب في أحد نصوصه تاريخ "الإيروتيكية " و "الإيروسية" وكلتاهما تشيران إلى الشهوانية وكيف تشكلت صورتها في الثقافتين الإغريقية والرومانية.
ويشير إلى نصوص باسكال كينار بعنوان "الجنس والفزع" عام 1994 التي يلفت فيها إلى اللوحات الجدارية التي رسمها قدماء اليونان لسيدات نبيلات، ثم يتتبع انتقال الشهوانية الإغريقية إلى روما الإمبراطورية واصفا ذلك بأنه كان منعطفا واضحا انتقل بها من معنى النشوة إلى "الفزع".
ويقول "لم يكدر العلاقات الجنسية للإغريق القدماء أي أثر لخطيئة فيما حكمها في روما الذعر الذي تفرضه قواعد المراتب الاجتماعية وبدا الزواج القائم على الحب انتصارا للمجون، فالحب حسب الإمبراطور الروماني أغسطس يلغي الفوارق الاجتماعية بين السيد والعبد وهو ما جعله ينفي ابنته جوليا إلى جزيرة صغيرة لأنها وقعت في الحب".
يصل بعد ذلك في رحلة تتبع تاريخ الشهوانية إلى عصر النهضة الذي بدأ فيه التمييز جليا بين الرغبة والعاطفة وجرى فيه الفصل بين الممارسة الحسية والحب.
ينتقل الكاتب إلى فصل آخر بعنوان "ولكن هل مات المكتوبجي العثماني حقا؟" متناولا تاريخ الرقابة في تراثنا العربي منذ الحقبة العثمانية، ويفتش في صفحات كتاب "الرقابة بوجوهها وأقنعتها المختلفة" فيجد شذرات عما أعمله مقص الرقيب في تاريخ التفكير العربي وآليات المنع والمصادرة في اجتثاث "أية أفكار مارقة".
في رأي الكاتب أن "المكتوبجي" وهو الرقيب العثماني لم يمت بل إن رقيب اليوم "لا يكتفي بمنع الكلام كنوع من العنف الرمزي" لكنه "تجاوز حرية القول إلى هدر دم المبدع" وإذا بالرقابة العربية "تطال حتى الأحلام والنوايا".
وهنا يرتأي الكاتب محنة العقل العربي الذي "يتستر بأقنعة في حفلة تنكرية لا يعرف فيها أبدا من هو الضحية ومن الجلاد"، ثم يسوق أمثلة صارخة على المنع والمصادرة في العالم العربي. وقال إن كتب إدوارد سعيد مُنعت إثر مقالات كتبها في نقد اتفاقية أوسلو والقيادة الفلسطينية.
إن الوضع في رأي الكاتب لم يختلف كثيرا بل ربما ساء عن عصر المكتوبجي العثماني في القرن التاسع عشر وما تلاه حين قرأ ذلك المكتوبجي مانشيتا في إحدى الصحف عن اشتعال الثورة في روسيا عام 1917 لم يستسغ كلمة ثورة.. فكر طويلا إلى أن اهتدى إلى صوغ مانشيت بديل "قامت خناقة في روسيا"!.
في النص التالي بعنوان "عندما يستعير سائق التاكسي مقعد الروائي" يتصدى الكاتب إلى ظاهرة الاستخفاف بمهنة الكتابة في العالم العربي.. فحتى سائق التاكسي يعتبر نفسه روائيا مؤجلا يمارس الحكي لكل راكب، في كل مرة يحكي قصة حياته بشكل مختلف ويفرضها على الركاب، وكاتب محضر الشرطة أيضا يكتب الوقائع على هواه يضيف إليها وينزع منها ما يشاء حتى "يحبك" المحضر بعناية.
عند هذا الحد يكتفي الكاتب في نقد نظرة المجتمع للرواية والراوي والقصة والمؤلف قبل أن يعرج على تناول مفهوم الأدب وشهوة الكتابة عند عدد كبير من الأسماء اللامعة العربية والأجنبية، فالأديب الألماني غونتر غراس الحائز على نوبل وضع لمذكراته بكل بساطة عنوان (تقشير البصلة). أما غابرييل غارسيا ماركيز (عشت لأروي).. فالأخير عاش حياة عريضة لكي يرويها. أما جونتر جراس فإنه يروي في الاتجاه المضاد، فتقشير البصلة يتطلب إزالة طبقة وراء أخرى كي نصل إلى اللب، وبالطبع لا يمكننا تقشير بصلة دون أن تسيل دموعنا.
ويحاور صويلح في كتابه العديد من النصوص الروائية الغربية، يعرض لرواية مئة عام من العزلة التي انتظر ماركيز 17 عاما لكتابتها، ولجأ إلى 11 ألف وثيقة لكتابة الجنرال في متاهته، أما الأديبة التشيلية إيزابيل الليندي فكانت تنتظر أسبوعا محددا من الشهر الأول من كل سنة كي تستحضر أرواح شخصياتها.
ويمر سريعا بوصايا الروائي الإيطالي ايتالو كالفينو الست ورسائل أديب بيرو ماريو فارغاس في كتابة الرواية للمستجدين.
لا ينسى المؤلف في محاورته للنصوص المرور على ابن حزم الذي كان بالنسبة له "البوصلة الأولى في تجميد الحب واقتحام حصون البلاغة وخلخلة سطوتها القديمة والذهاب إلى مناطق أبعد في المكاشفة".
وفي نص بعنوان مقبرة من جثث الأسلاف يعرض الكاتب إشكالية ربط التراث بالحاضر المعاش المنفتح على عوالم لم تكن متصورة من قبل، ويستدعى قولا مأثورا لمحمد الماغوط "محاصر بين تيار العولمة وتيار الاصولية فكيف أوفق بين الاثنين هل أصلي على الإنترنت؟".
يقع الكتاب في 230 صفحة ويحتوي على رؤى أدبية ونقدية تتسم بالعمق حول عدد كبير من الأعمال العربية والأجنبية بأسلوب راق ولغة رصينة، ويتصدى الكتاب لقضية هامة وشائكة في نفس الوقت إذ يطرح الإشكالية بين الحرية التي يحتاجها الأديب من أجل الإبداع والحدود التي يتعين عليه التقيد بها في المجتمعات العربية المحافظة بشكل عام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.