من أسرة واحدة.. إصابة 4 أشخاص في انقلاب سيارة ملاكي بالإسماعيلية    التمثيل العمالي بجدة يبحث مطالب 250 عاملًا مصريًا بشركة مقاولات    إعلام غزة الحكومى: 44% من الشهداء فى مناطق يدعى الاحتلال أنها "إنسانية آمنة"    الهولندي أرت لانجيلير مديرًا فنيًّا لقطاع الناشئين في الأهلي    الرئيس الكازاخي لوفد أزهري: تجمعني علاقات ود وصداقة بالرئيس السيسي    بعد سرقتها وصهرها وبيعها للصاغة.. 5 معلومات عن إسورة الملك أمنمؤوبي    ما حكم تبديل سلعة بسلعة؟.. أمين الفتوى يجيب    مصر والسودان تبحثان تنفيذ المرحلة الثانية من خط الربط الكهربائي    مذكرة تفاهم مصرية يابانية لتصنيع محطات إنتاج المياه من الهواء    البورصة المصرية تربح 15.5 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    إقامة 21 معرض «أهلا مدارس» في المنوفية.. وحملات رقابية لضبط المخالفات (تفاصيل)    الكابينة الفردي ب850 جنيهًا.. مواعيد وأسعار قطارات النوم اليوم الخميس    نائب محافظ الجيزة يلتقى مستثمرى المنطقة الصناعية لبحث المشاكل والتحديات    توزيع 100 شنطة مدرسية لذوي الهمم بالأقصر    النائب محمد أبو النصر: زيارة ملك إسبانيا تمثل دفعة قوية للاستثمار والسياحة في مصر    رغم الحرب والحصار.. فلسطين تطلق رؤيتها نحو المستقبل 2050    دخول 103 شاحنات مساعدات عبر معبر رفح البري لإغاثة أهالي قطاع غزة    موعد بدء الدراسة بجامعة عين شمس الأهلية    الخطيب يحدد ملامح قائمته حال الترشح في انتخابات الأهلي    الإسبانى أوسكار مديرًا فنيًا لسلة للاتحاد السكندرى    مشاهدة مباراة برشلونة ونيوكاسل يونايتد اليوم في دوري أبطال أوروبا عبر القنوات الناقلة    ليس صلاح.. كيليان مبابي يتوقع الفائز بجائزة الكرة الذهبية    المقاولون العرب يكشف عن هوية المدرب المؤقت بعد رحيل محمد مكي    إدارة الصف التعليمية: أنهينا كافة أعمال الصيانة ومستعدون لاستقبال العام الدراسي الجديد    ضبط 280 كيلو لحوم فاسدة بأختام مزوّرة في حملة للطب البيطري بسوهاج    تجديد حبس البلوجر أم سجدة 45 يوما في اتهامها بغسل أموال متحصلة من محتوى خادش    أمطار ورياح.. بيان عاجل بشأن حالة الطقس غدا: «اتخذوا كافة التدابير»    تأجيل نظر تجديد حبس "علياء قمرون" بتهمة خدش الحياء العام ل 20 سبتمبر    سحب 961 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    قبل انتخابات النواب.. الهيئة الوطنية تتيح خدمة مجانية للاستعلام عن الناخبين    الكشف عن ميناء أثري مغمور بالمياه في الإسكندرية    ماستر كلاس للناقد السينمائي رامي عبد الرازق ضمن فعاليات مهرجان ميدفست مصر    هدى المفتي تخطف الأنظار بإطلالة مختلفة من كواليس إعلانها الجديد    «هربانة منهم».. نساء هذه الأبراج الأكثر جنونًا    جامعة أسيوط تجدد تعاونها مع الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني الأهلية في المجالات الأكاديمية والبحثية    استمتع بصلواتك مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    الإمام الأكبر يكرِّم الطلاب الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18-9-2025 في بني سويف    هل تواجد امرأة في بلكونة المسجد وقت العذر الشرعي يُعتبر جلوسا داخله؟.. أمين الفتوى يوضح    محافظ البحيرة: افتتاح 5 مشروعات طبية جديدة بتكلفة 84 مليون جنيه تزامنا مع العيد القومي للمحافظة    فيديو.. وزير الصحة: جامعة الجلالة أنشئت في وقت قياسي وبتكليف رئاسي مباشر    سرقتها أخصائية ترميم.. الداخلية تتمكن من ضبط مرتكبى واقعة سرقة أسورة ذهبية من المتحف المصرى    هل اقترب موعد زفافها؟.. إيناس الدغيدي وعريسها المنتظر يشعلان مواقع التواصل    فى حوار له مع باريس ريفيو فلاديمير سوروكين: نغمة الصفحة الأولى مفتتح سيمفونية    الكلاسيكو 147.. التاريخ يميل نحو الزمالك قبل مواجهة الإسماعيلي الليلة    ديستيني كوسيسو خليفة ميسي ويامال يتألق فى أكاديمية لا ماسيا    ملك إسبانيا في الأقصر.. ننشر جدول الزيارة الكامل    سرداب دشنا.. صور جديدة من مكان التنقيب عن الآثار داخل مكتب صحة بقنا    التأمين الصحي الشامل: 495 جهة حاصلة على الاعتماد متعاقدة مع المنظومة حتى أغسطس 2025    جبران: تحرير 3676 محضرًا خاصًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 5 أيام فقط    «أنتي بليوشن» تعتزم إنشاء مشروع لمعالجة المخلفات البحرية بإستثمارات 150 مليون دولار    مورينيو يرحب بالعودة لتدريب بنفيكا بعد رحيل لاجي    مصر وروسيا تبحثان سبل التعاون بمجالات التعليم الطبي والسياحة العلاجية    مفوضية اللاجئين ترحب بخارطة طريق لحل أزمة السويداء وتؤكد دعم النازحين    الاحتلال الاسرائيلى يقتحم عدة مناطق فى محافظة بيت لحم    الهلال الأحمر يدفع بأكثر من 80 ألف سلة غذائية للأشقاء الفلسطينيين عبر قافلة «زاد العزة» ال 40    ملك إسبانيا: المتحف الكبير أيقونة مصر السياحية والثقافية الجديدة    نائب وزير الصحة تتفقد وحدة طب الأسرة ومركز تنمية الأسرة بقرية بخانس بقنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسين يوسف أمين.. أول من قام بتمصير اللوحة
نشر في صوت البلد يوم 21 - 04 - 2016

"الفنان حسين يوسف أمين.. صانع المبدعين" عنوان الكتاب الذي صدر أخيرا للدكتورة إيناس حسني ضمن سلسلة ذاكرة الفن التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهو دراسة عن رائد الفن المصري المعاصر حسين يوسف أمين، الذي لعب دورًا تاريخيًا في حركة الفنون التشكيلية في مصر، حيث تعيد المؤلفة اكتشاف هذا الفنان الكبير من خلال ما استطاعت الوصول إليه من معلومات شخصية شديدة الندرة بعد وفاته بقرابة 30 عامًا. مؤكدة أنه كان فناناً تشكيلياً متميزاً، بما تمتع به من بصيرة نافذة، وذوق رفيع، ومن عطاء كبير ظل يقدمه طوال حياته، فظهر كمعلم للكثير من الأجيال، حيث بدا للجميع أنه نموذج نادر في سلوكه تجاه الفن، وأنه صاحب مدرسة فنية، بل رائد، له أسلوب بسيط واضح، تتميز لوحاته بمستواها الرفيع في التكوين والتلوين وقوة التعبير.
تاريخ طويل من الإنجازات
وتضيف "كان يمتلك مهارة متفردة، تجلت في الشخصية التي يرسمها بأسلوب يميل إلى التبسيط والاقتصاد في الدرجات اللونية، كما كان له أسلوبه المميز، عبر تخصصه في رسم الاسكتشات، وبما حفلت به رحلته من خطوات واثقة وإيمان راسخ بالفن وتاريخ طويل من الإنجازات، أهله لأن يحصل على لقب الرائد بجدارة، وكان فنه تلخيص حياة على مسطح، حياة لها ماض وحاضر ومستقبل صنعه كتكوين وعلاقات يتقرب بها من الشخصية التي يعبر عنها باللون واللمسة. وانطلاقاً من ثقافته البصرية العميقة، اتسمت خطوطه بالانسيابية وتكويناته بالإحكام إذ كان يضفي على اللوحة شيئاً من سكينة روحه.. ووداعتها، لهذا جاء أغلبها حالماً.. رقيقاً. كانت خطوطه موجزة، وتكويناته محكمة، لا تفقدها التجريدية شكلها ومعناها وجمالها، ولذا خرج من عباءته الكثير من الفنانين الذين استفادوا من أستاذيته وتعلموا منه على المستويين الفني والإنساني.
ترك "أمين" بصمة مشرفة على الحركة التشكيلية، باعتباره أول من قام بتمصير اللوحة، بما كان له من أثر عميق على الأجيال التي تتلمذ على يديه، أثر تركز في قدرته على التعبير بالملامح، وعما تكنه الشخصيات من عواطف ونزوات ومشاعر وأحاسيس، فلوحاته تمتاز باللمسات الحساسة القوية والألوان الشفافة الصريحة.
وكان لموهبته أثر كبير على فنه إذ برزت خصوبته القصوى في التلوين وتجلت براعته في امتصاص ألوان الطيف، وسكبها فوق لوحاته بغزارة متدفقة وكأنما كان يغني بفرشاته. كما تميزت أعماله بالشموخ والوضوح، والبراعة في رسم الطبيعة الصامتة والاسكتشات، التي تجعلك تحس إزاء لوحاته بألفة بينه وبين ما يصور، إنه من الفنانين الذين خلقوا ليضيئوا بفنهم وخبراتهم حياة مجتمعهم حتى لو كان ذلك على حساب حياته الشخصية.
غاص "أمين" في أسرار اللون، فأصبح عنده عمق وبناء وقيمة وتحليل نفسي، لا مجرد طلاء سطحي، وتغنَّي بالجمال والبهجة على أنغام ألوانه الشجية السابحة في أطياف النور ومفاتن الحياة.
قدرة الفنان "حسين يوسف أمين" وعظمته كفنان حقيقي، ترجع إلى أنه استطاع أن يتجاوز عالمنا الراهن فنجح في أن يتخذ من كل خبراته المعاشة أداة لتفسير العالم، وكان لاعتداده بنفسه وشخصيته القوية وإصراره على بلوغ الحق دور كبير الأثر في مسيرة حياته الفنية، وهو ما جعل منه أحد نجوم "جماعة الفن المعاصر" التي ظهرت في النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين، تلك الجماعة التي اهتمت بالتعبير عن الحياة الشعبية من خلال التفسير الميتافيزيقي والتشخيصي لسلوك أبناء الطبقات الشعبية.
كان نداء "أمين" هو البداية، فالمعاصرة عنده تكمن في الغوص حتى القاع في متن المأثورات الشعبية، وإحلال التقاليد والقيم المصرية الأصلية، على أساس أنها عناصر لبطولات وطنية، واستخدام الرموز المتخمة بمكنونات الضمير الشعبي باعتبارها موجودات قدسية الطابع في حد ذاتها..
صانع المبدعين
وتؤكد د. إيناس أن حسين يوسف أمين هو رائد من رواد حركة الفن المصري الحديث في القرن العشرين، وهو مصور حوشي الطابع، وتضيف "أولى اهتمامه للكشف عن العذوبة الخافية في خشونة الموضوعات الشعبية وقوة حضورها، ويبدو في بعض أعماله متأثراً ب "هنري ماتيس" وبالخط المحيط بالعنصر، لكن الدور الأكبر الذي لعبه في الحياة التشكيلية أنه كان معلماً ومفكراً يرجع إليه الفضل في تشكيل "جماعة الفن المعاصر" التي قلبت موازين الفن في النصف الثاني من الأربعينيات، وضمت إليها مجموعة من فناني الشباب الموهوبين آنذاك: حامد ندا، وعبدالهادي الجزار، وسمير رافع، وإبراهيم مسعودة، وأحمد ماهر رائف، وسالم الحبشي، وكمال يوسف، أولئك تلاميذه الذين دفعهم دفعاً إلى تكسير القوالب والثورة على التقاليد البرجوازية في صناعة الصورة الفنية، وبالتعبير عن الجوهر الشامل للجمال الذي يتمثل في القيمة التي تطرحها رسالة الفنان، وفي الخيال المتحرر المعبر عن الهوية والمجتمع، بحثاً عن التحرر من القالب الأجنبي الذي كان يسود الفن آنذاك.. كان شعاره: "لا فن بلا علم ولا علم بلا مدرسة ولا مدرسة بلا تربية صحيحة ومنزل مناسب".
وقد اعتكف في بيته فترة من حياته، اكتأب وانطوى على نفسه بعد انشغال تلاميذه عنه، عندما صاروا نجوماً، وعندما هاجر ولداه إلى أميركا وعاش هو مع رفيقة عمره حتى الممات، وكان السلطان حسين كامل هو من أصدر أمراً بتعليمه الفن في الخارج.
صياغة الشخصية الفنية
وتقول "لعب دوراً تاريخياً في حركة الفنون التشكيلية في مصر، وارتبط اسمه بصياغة الشخصية الفنية لنجوم الإبداع الحديث، عبدالهادي الجزار، وسمير رافع، وحامد ندا، و إبراهيم مسعودة، ومحمود خليل، وكمال يوسف، وسالم الحبشي.
وتكفي هذه الأسماء للدلالة على قيمة الرجل الذي كان أستاذاً منتجاً، وملهماً للمبدعين، فلم يكن يتوقف أبداً عن إشعال جذوة التعبير الفني عند تلاميذه ومناقشتهم في كل الأفكار، وقد وهب حياته لرعايتهم ثقافياً وذهنياً، وإعدادهم للتطور ولقيادة الفن الحديث بكل اقتدار.
ميلاده
ولد "حسين يوسف أمين" عام 1904، في القاهرة، والتحق بمدرسة المحمودية الإعدادية، ومارس الرسم تحت رعاية الفنان "حبيب جورجي"، ثم التحق بمدرسة المعلمين العليا، وتخرج فيها، وكان نموذجاً للتلميذ والطالب المتألق ذهنياً وفكرياً، وقد شهد له أستاذ الأجيال "حبيب جورجي"، الذي كان آنذاك علماً من أعلام التعليم الفني، وراعياً للفن الفطري، شهد له بأنه يحمل الكثير من الفكر والموهبة القوية.
وقد دفعه طموحه إلى السفر إلى فرنسا عام 1924، ومنها إلى أسبانيا حيث درس اللغة الأسبانية ثم إلى البرازيل حيث أقام هناك حتى عام 1929. حصل على الدبلوم من سان باولو في فلسفة الفن وتاريخه بالبرازيل، ثم رحل إلى فلورنسا بإيطاليا حيث اشتعلت الجوانب الإبداعية عنده فحصل على دبلوم الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة بفلورنسا.
وهكذا اجتمعت في "أمين" الدراسة العلمية والفنية وفلسفة الإبداع، كما أنه لم يكن بعيداً عن دراسة النظم السياسية والاجتماعية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى وانتقال شرارة الثورة من أوروبا إلى مختلف بلاد العالم.
كان في الخامسة عشرة من عمره، عند قيام ثورة 1919، وشهد بنفسه الكثير من تفاصيل حركة الشعب المصري تحت قيادة سعد زغلول، وبعد عودته إلى مصر عمل على تدريس مادة الرسم، بالمدارس المصرية ووضع الأسس التربوية والعملية لها مع أحمد شفيق زاهر ومحمد عبدالهادي ويوسف العفيفي وحامد سعيد وفتوح الرافعي والغرابلي.. وغيرهم من المؤسسين للتربية الفنية، وأنظمة التدريس في مختلف المراحل التعليمية، وكان منهج هؤلاء الأساتذة مبنياً على الدراسة والعلم والبحث والفكر الأصيل الثوري مع التركيز على أن يكون الفن محلياً ومعاصراً.
علاقة حميمة مع تلاميذه
وحول علاقاته مع تلاميذه تقول د. إيناس: أقام أمين علاقة حميمة مع تلاميذه النوابغ، وفتح بيته لهم، ملازماً لأفكارهم، ناقداً لأعمالهم، مرشداً لهم في كل مراحل الإنتاج الفني، وكانت التعاليم الغربية تفرض وجودها على الساحة الفنية، وكانت النزعة الرومانسية هي أمله، فدفع بتلاميذه إلى التعبير عن المشاهد الشعبية، والتعرف على ما يخفيه الشعب المصري من خرافات، وأسباب تخلف الأحياء الشعبية ورجل الشارع، وفتح أعينهم على المدرسة السريالية والتعبيرية في آن.
كان المعلم حسين يوسف أمين يشارك تلاميذه كأستاذ مخلص، مبدع، يشاركهم التجربة كاملة، يرسم ويزور معهم الموالد، والشوارع، والحواري الضيقة، كما لم يكتف بذلك، بل اهتم بالحوارات العامة، فأقام المحاضرات، وكتب المقالات، وكان يقرأها في الجلسات الخاصة معهم. واستطاع أن يحافظ على هوية كل موهبة من المواهب الثماني، وأن ينمى استقلالهم، فلا نجد أي تشابه بينهم في التقنية أو في الأداء، وإن كانت البنية الأساسية واضحة إلا أن كلاً منهم كانت له شخصيته المستقلة.
جماعة الفن المعاصر
كانت توجهاته تهدف آنذاك إلى تأمل الطبيعة، والتعمق في أشكالها، وتسجيل ما لا تلاحظه العين للوهلة الأولى، وكان الطابع العام ل "جماعة الفن المعاصر" في تلك المرحلة، هو الأمانة في الدراسة عن الطبيعة، ما أدى إلى اكتشافهم تلك القوانين الميكانيكية التي تحكم حركات النمو في الأجسام الحية والتعرية والترسب وغيرها في الأجسام الجامدة، وهى نفس الدراسات التي اشتهرت بها مدرسة حامد سعيد، ولكن مدرسة حامد سعيد توقفت طويلاً عند هذا الحد، ولم تتطور إلا قليلاً، في حين كانت هذه المرحلة في مدرسة حسين يوسف أمين مجرد بداية ومقدمة لمراحل أخرى تالية.
قام بتوفير المناخ الثقافي السليم لتنمية قدرات أعضاء الجماعة الفنية والفكرية؛ وكانت ثقافته العالمية، وتفتحه الذهني عاملاً أساسياً في إنضاج شخصياتهم الفنية في عمر مبكر، ما هيأ لهم الفرصة لأن يؤدوا دوراً مهماً ومؤثراً في تطور الحركة الفنية في مصر وإثرائها منذ الأربعينيات. ووجه إلى أهمية التراث المصري والفن الشعبي.
وحتى نعرف أمين حق المعرفة لا بد أن نتعرض لجماعة الفن المعاصر التي جاءت في أعقاب التفاعلات النشطة لجماعة "الفن والحرية" التي تمثلت في رموزها (جورج حنين وكامل التلمساني ورمسيس يونان وفؤاد كامل)، لتحدث توازناً بين الأهداف التي لم تتحقق ل "جماعة الفنانين الشرقيين الجدد"، ومبادئ الحرية والتمرد التي أرستها جماعة "الفن والحرية" معاً، فتبنت السعي لإرساء فن مصري معاصر، يتفاعل مع التيارات الفنية الحديثة بما فيها التعبيرية والسريالية، ويعبر عن واقع الإنسان المصري وتراثه الشعبي والأسطوري بصفة خاصة.
حاولت "جماعة الفن المعاصر" عند تكوينها، أن تحقق فناً مصرياً غير تابع للفنون الغربية، فكانت أول محاولة فنية تتجه اتجاهاً محلياً تميز برمزيته وتعبيريته، فقد استفاد أعضاؤها من تجارب الجماعات المتمردة السابقة، والتي كان أثر الغرب واضحاً فيها، واجتهدوا أن ينتجوا فناً مصرياً رمزياً وسريالياً في الوقت ذاته، وفي سبيل ذلك اهتموا باكتشاف الرموز والعلاقات الداخلية في المجتمع المصري من خلال سخريتهم من التقاليد البالية والمعتقدات الخرافية.
رحل الفنان حسين يوسف أمين في 16 أغسطس/آب 1984، بعد أن ضرب المثل في الأستاذية والعطاء والإبداع وأصبح صانعاً للمبدعين وراعياً قلما يتكرر.
"الفنان حسين يوسف أمين.. صانع المبدعين" عنوان الكتاب الذي صدر أخيرا للدكتورة إيناس حسني ضمن سلسلة ذاكرة الفن التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهو دراسة عن رائد الفن المصري المعاصر حسين يوسف أمين، الذي لعب دورًا تاريخيًا في حركة الفنون التشكيلية في مصر، حيث تعيد المؤلفة اكتشاف هذا الفنان الكبير من خلال ما استطاعت الوصول إليه من معلومات شخصية شديدة الندرة بعد وفاته بقرابة 30 عامًا. مؤكدة أنه كان فناناً تشكيلياً متميزاً، بما تمتع به من بصيرة نافذة، وذوق رفيع، ومن عطاء كبير ظل يقدمه طوال حياته، فظهر كمعلم للكثير من الأجيال، حيث بدا للجميع أنه نموذج نادر في سلوكه تجاه الفن، وأنه صاحب مدرسة فنية، بل رائد، له أسلوب بسيط واضح، تتميز لوحاته بمستواها الرفيع في التكوين والتلوين وقوة التعبير.
تاريخ طويل من الإنجازات
وتضيف "كان يمتلك مهارة متفردة، تجلت في الشخصية التي يرسمها بأسلوب يميل إلى التبسيط والاقتصاد في الدرجات اللونية، كما كان له أسلوبه المميز، عبر تخصصه في رسم الاسكتشات، وبما حفلت به رحلته من خطوات واثقة وإيمان راسخ بالفن وتاريخ طويل من الإنجازات، أهله لأن يحصل على لقب الرائد بجدارة، وكان فنه تلخيص حياة على مسطح، حياة لها ماض وحاضر ومستقبل صنعه كتكوين وعلاقات يتقرب بها من الشخصية التي يعبر عنها باللون واللمسة. وانطلاقاً من ثقافته البصرية العميقة، اتسمت خطوطه بالانسيابية وتكويناته بالإحكام إذ كان يضفي على اللوحة شيئاً من سكينة روحه.. ووداعتها، لهذا جاء أغلبها حالماً.. رقيقاً. كانت خطوطه موجزة، وتكويناته محكمة، لا تفقدها التجريدية شكلها ومعناها وجمالها، ولذا خرج من عباءته الكثير من الفنانين الذين استفادوا من أستاذيته وتعلموا منه على المستويين الفني والإنساني.
ترك "أمين" بصمة مشرفة على الحركة التشكيلية، باعتباره أول من قام بتمصير اللوحة، بما كان له من أثر عميق على الأجيال التي تتلمذ على يديه، أثر تركز في قدرته على التعبير بالملامح، وعما تكنه الشخصيات من عواطف ونزوات ومشاعر وأحاسيس، فلوحاته تمتاز باللمسات الحساسة القوية والألوان الشفافة الصريحة.
وكان لموهبته أثر كبير على فنه إذ برزت خصوبته القصوى في التلوين وتجلت براعته في امتصاص ألوان الطيف، وسكبها فوق لوحاته بغزارة متدفقة وكأنما كان يغني بفرشاته. كما تميزت أعماله بالشموخ والوضوح، والبراعة في رسم الطبيعة الصامتة والاسكتشات، التي تجعلك تحس إزاء لوحاته بألفة بينه وبين ما يصور، إنه من الفنانين الذين خلقوا ليضيئوا بفنهم وخبراتهم حياة مجتمعهم حتى لو كان ذلك على حساب حياته الشخصية.
غاص "أمين" في أسرار اللون، فأصبح عنده عمق وبناء وقيمة وتحليل نفسي، لا مجرد طلاء سطحي، وتغنَّي بالجمال والبهجة على أنغام ألوانه الشجية السابحة في أطياف النور ومفاتن الحياة.
قدرة الفنان "حسين يوسف أمين" وعظمته كفنان حقيقي، ترجع إلى أنه استطاع أن يتجاوز عالمنا الراهن فنجح في أن يتخذ من كل خبراته المعاشة أداة لتفسير العالم، وكان لاعتداده بنفسه وشخصيته القوية وإصراره على بلوغ الحق دور كبير الأثر في مسيرة حياته الفنية، وهو ما جعل منه أحد نجوم "جماعة الفن المعاصر" التي ظهرت في النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين، تلك الجماعة التي اهتمت بالتعبير عن الحياة الشعبية من خلال التفسير الميتافيزيقي والتشخيصي لسلوك أبناء الطبقات الشعبية.
كان نداء "أمين" هو البداية، فالمعاصرة عنده تكمن في الغوص حتى القاع في متن المأثورات الشعبية، وإحلال التقاليد والقيم المصرية الأصلية، على أساس أنها عناصر لبطولات وطنية، واستخدام الرموز المتخمة بمكنونات الضمير الشعبي باعتبارها موجودات قدسية الطابع في حد ذاتها..
صانع المبدعين
وتؤكد د. إيناس أن حسين يوسف أمين هو رائد من رواد حركة الفن المصري الحديث في القرن العشرين، وهو مصور حوشي الطابع، وتضيف "أولى اهتمامه للكشف عن العذوبة الخافية في خشونة الموضوعات الشعبية وقوة حضورها، ويبدو في بعض أعماله متأثراً ب "هنري ماتيس" وبالخط المحيط بالعنصر، لكن الدور الأكبر الذي لعبه في الحياة التشكيلية أنه كان معلماً ومفكراً يرجع إليه الفضل في تشكيل "جماعة الفن المعاصر" التي قلبت موازين الفن في النصف الثاني من الأربعينيات، وضمت إليها مجموعة من فناني الشباب الموهوبين آنذاك: حامد ندا، وعبدالهادي الجزار، وسمير رافع، وإبراهيم مسعودة، وأحمد ماهر رائف، وسالم الحبشي، وكمال يوسف، أولئك تلاميذه الذين دفعهم دفعاً إلى تكسير القوالب والثورة على التقاليد البرجوازية في صناعة الصورة الفنية، وبالتعبير عن الجوهر الشامل للجمال الذي يتمثل في القيمة التي تطرحها رسالة الفنان، وفي الخيال المتحرر المعبر عن الهوية والمجتمع، بحثاً عن التحرر من القالب الأجنبي الذي كان يسود الفن آنذاك.. كان شعاره: "لا فن بلا علم ولا علم بلا مدرسة ولا مدرسة بلا تربية صحيحة ومنزل مناسب".
وقد اعتكف في بيته فترة من حياته، اكتأب وانطوى على نفسه بعد انشغال تلاميذه عنه، عندما صاروا نجوماً، وعندما هاجر ولداه إلى أميركا وعاش هو مع رفيقة عمره حتى الممات، وكان السلطان حسين كامل هو من أصدر أمراً بتعليمه الفن في الخارج.
صياغة الشخصية الفنية
وتقول "لعب دوراً تاريخياً في حركة الفنون التشكيلية في مصر، وارتبط اسمه بصياغة الشخصية الفنية لنجوم الإبداع الحديث، عبدالهادي الجزار، وسمير رافع، وحامد ندا، و إبراهيم مسعودة، ومحمود خليل، وكمال يوسف، وسالم الحبشي.
وتكفي هذه الأسماء للدلالة على قيمة الرجل الذي كان أستاذاً منتجاً، وملهماً للمبدعين، فلم يكن يتوقف أبداً عن إشعال جذوة التعبير الفني عند تلاميذه ومناقشتهم في كل الأفكار، وقد وهب حياته لرعايتهم ثقافياً وذهنياً، وإعدادهم للتطور ولقيادة الفن الحديث بكل اقتدار.
ميلاده
ولد "حسين يوسف أمين" عام 1904، في القاهرة، والتحق بمدرسة المحمودية الإعدادية، ومارس الرسم تحت رعاية الفنان "حبيب جورجي"، ثم التحق بمدرسة المعلمين العليا، وتخرج فيها، وكان نموذجاً للتلميذ والطالب المتألق ذهنياً وفكرياً، وقد شهد له أستاذ الأجيال "حبيب جورجي"، الذي كان آنذاك علماً من أعلام التعليم الفني، وراعياً للفن الفطري، شهد له بأنه يحمل الكثير من الفكر والموهبة القوية.
وقد دفعه طموحه إلى السفر إلى فرنسا عام 1924، ومنها إلى أسبانيا حيث درس اللغة الأسبانية ثم إلى البرازيل حيث أقام هناك حتى عام 1929. حصل على الدبلوم من سان باولو في فلسفة الفن وتاريخه بالبرازيل، ثم رحل إلى فلورنسا بإيطاليا حيث اشتعلت الجوانب الإبداعية عنده فحصل على دبلوم الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة بفلورنسا.
وهكذا اجتمعت في "أمين" الدراسة العلمية والفنية وفلسفة الإبداع، كما أنه لم يكن بعيداً عن دراسة النظم السياسية والاجتماعية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى وانتقال شرارة الثورة من أوروبا إلى مختلف بلاد العالم.
كان في الخامسة عشرة من عمره، عند قيام ثورة 1919، وشهد بنفسه الكثير من تفاصيل حركة الشعب المصري تحت قيادة سعد زغلول، وبعد عودته إلى مصر عمل على تدريس مادة الرسم، بالمدارس المصرية ووضع الأسس التربوية والعملية لها مع أحمد شفيق زاهر ومحمد عبدالهادي ويوسف العفيفي وحامد سعيد وفتوح الرافعي والغرابلي.. وغيرهم من المؤسسين للتربية الفنية، وأنظمة التدريس في مختلف المراحل التعليمية، وكان منهج هؤلاء الأساتذة مبنياً على الدراسة والعلم والبحث والفكر الأصيل الثوري مع التركيز على أن يكون الفن محلياً ومعاصراً.
علاقة حميمة مع تلاميذه
وحول علاقاته مع تلاميذه تقول د. إيناس: أقام أمين علاقة حميمة مع تلاميذه النوابغ، وفتح بيته لهم، ملازماً لأفكارهم، ناقداً لأعمالهم، مرشداً لهم في كل مراحل الإنتاج الفني، وكانت التعاليم الغربية تفرض وجودها على الساحة الفنية، وكانت النزعة الرومانسية هي أمله، فدفع بتلاميذه إلى التعبير عن المشاهد الشعبية، والتعرف على ما يخفيه الشعب المصري من خرافات، وأسباب تخلف الأحياء الشعبية ورجل الشارع، وفتح أعينهم على المدرسة السريالية والتعبيرية في آن.
كان المعلم حسين يوسف أمين يشارك تلاميذه كأستاذ مخلص، مبدع، يشاركهم التجربة كاملة، يرسم ويزور معهم الموالد، والشوارع، والحواري الضيقة، كما لم يكتف بذلك، بل اهتم بالحوارات العامة، فأقام المحاضرات، وكتب المقالات، وكان يقرأها في الجلسات الخاصة معهم. واستطاع أن يحافظ على هوية كل موهبة من المواهب الثماني، وأن ينمى استقلالهم، فلا نجد أي تشابه بينهم في التقنية أو في الأداء، وإن كانت البنية الأساسية واضحة إلا أن كلاً منهم كانت له شخصيته المستقلة.
جماعة الفن المعاصر
كانت توجهاته تهدف آنذاك إلى تأمل الطبيعة، والتعمق في أشكالها، وتسجيل ما لا تلاحظه العين للوهلة الأولى، وكان الطابع العام ل "جماعة الفن المعاصر" في تلك المرحلة، هو الأمانة في الدراسة عن الطبيعة، ما أدى إلى اكتشافهم تلك القوانين الميكانيكية التي تحكم حركات النمو في الأجسام الحية والتعرية والترسب وغيرها في الأجسام الجامدة، وهى نفس الدراسات التي اشتهرت بها مدرسة حامد سعيد، ولكن مدرسة حامد سعيد توقفت طويلاً عند هذا الحد، ولم تتطور إلا قليلاً، في حين كانت هذه المرحلة في مدرسة حسين يوسف أمين مجرد بداية ومقدمة لمراحل أخرى تالية.
قام بتوفير المناخ الثقافي السليم لتنمية قدرات أعضاء الجماعة الفنية والفكرية؛ وكانت ثقافته العالمية، وتفتحه الذهني عاملاً أساسياً في إنضاج شخصياتهم الفنية في عمر مبكر، ما هيأ لهم الفرصة لأن يؤدوا دوراً مهماً ومؤثراً في تطور الحركة الفنية في مصر وإثرائها منذ الأربعينيات. ووجه إلى أهمية التراث المصري والفن الشعبي.
وحتى نعرف أمين حق المعرفة لا بد أن نتعرض لجماعة الفن المعاصر التي جاءت في أعقاب التفاعلات النشطة لجماعة "الفن والحرية" التي تمثلت في رموزها (جورج حنين وكامل التلمساني ورمسيس يونان وفؤاد كامل)، لتحدث توازناً بين الأهداف التي لم تتحقق ل "جماعة الفنانين الشرقيين الجدد"، ومبادئ الحرية والتمرد التي أرستها جماعة "الفن والحرية" معاً، فتبنت السعي لإرساء فن مصري معاصر، يتفاعل مع التيارات الفنية الحديثة بما فيها التعبيرية والسريالية، ويعبر عن واقع الإنسان المصري وتراثه الشعبي والأسطوري بصفة خاصة.
حاولت "جماعة الفن المعاصر" عند تكوينها، أن تحقق فناً مصرياً غير تابع للفنون الغربية، فكانت أول محاولة فنية تتجه اتجاهاً محلياً تميز برمزيته وتعبيريته، فقد استفاد أعضاؤها من تجارب الجماعات المتمردة السابقة، والتي كان أثر الغرب واضحاً فيها، واجتهدوا أن ينتجوا فناً مصرياً رمزياً وسريالياً في الوقت ذاته، وفي سبيل ذلك اهتموا باكتشاف الرموز والعلاقات الداخلية في المجتمع المصري من خلال سخريتهم من التقاليد البالية والمعتقدات الخرافية.
رحل الفنان حسين يوسف أمين في 16 أغسطس/آب 1984، بعد أن ضرب المثل في الأستاذية والعطاء والإبداع وأصبح صانعاً للمبدعين وراعياً قلما يتكرر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.