تنسيق المرحلة الأولى 2025.. رابط موقع التنسيق الإلكترونى لتسجيل الرغبات    الكهرباء: الدفع ب 60 مولد متنقل وتوصيل كابل بمحطة جزيرة الذهب لتأمين التغذية    أسعار الأسماك بأسواق كفر الشيخ اليوم.. البوري ب130 جنيها    تراجع أسعار الذهب مع انحسار مخاوف الرسوم الجمركية وترقب اجتماع الفيدرالي الأمريكي    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    تراجع في 3 بنوك.. سعر الدولار اليوم ببداية تعاملات الثلاثاء    منال عوض تبحث موقف التعاون مع شركاء التنمية والمشروعات البيئية الحالية    اعتراف صهيوني بارتكاب حكومة نتنياهو إبادة جماعية في غزة    ارتفاع حصيلة ضحايا إطلاق النار فى نيويورك ل5 أشخاص بينهم ضابط شرطة    رئيس الوزراء البريطاني يعقد اجتماعا طارئا لبحث مسار السلام في غزة    ياسر إدريس أول مصري يفوز بمنصب نائب رئيس الاتحاد الدولي للألعاب المائية    رئيس اتحاد طنجة: عبد الحميد معالي اختار الانضمام إلى الزمالك عن أندية أوروبا    كريم رمزي يعلق على ستوري عبد القادر.. ويفجر مفاجأة بشأن موقف الزمالك    ثنائي المصري أحمد وهب وأحمد شرف ضمن معسكر منتخب الشباب استعدادًا لبطولة كأس العالم بشيلي    سودانيان ومصري، حبس تشكيل عصابي بتهمة سرقة عدادات المياه بمدينة نصر    "حرارة مرتفعة ورطوبة خانقة".. الأرصاد تكشف عن تفاصيل طقس الثلاثاء    موعد عرض مسلسل حرب الجبالي الحلقة الأخيرة    رانيا فريد شوقي تواسي المخرج خالد جلال في وفاة شقيقه    حصاد 13 يوما، «100 يوم صحة» تقدم 19 مليون و253 ألف خدمة طبية مجانية    قافلة طبية لجامعة جنوب الوادي تفحص 939 مواطن بمركز الوقف في قنا    تفاصيل القبض على رمضان صبحي في مطار القاهرة (إنفوجراف)    بفرمان من ريبيرو.. الأهلي يتراجع عن صفقته الجديدة.. شوبير يكشف    مصرع 30 شخصًا في العاصمة الصينية بكين جراء الأمطار الغزيرة    عاجل- قافلة "زاد العزة" تنطلق من مصر صوب غزة عبر كرم أبو سالم: مساعدات عاجلة وغذاء يكفي لآلاف الأسر    ضياء رشوان: الأصوات المشككة لن تسكت.. والرئيس السيسي قال ما لم يقله أحد من الزعماء العرب    «رجب»: احترام العقود والمراكز القانونية أساس بناء الثقة مع المستثمرين    رسميًا.. موعد بداية العام الدراسي الجديد 2026 بالمدارس الرسمية والدولية والجامعات    سفير تركيا: خريجو مدرسة السويدي للتكنولوجيا يكتسبون مهارات قيّمة    وصول قطار الأشقاء السودانيين إلى محطة السد العالى بأسوان.. صور    المرحلة الأولي 2025 أدبي.. مؤشرات تنسيق الثانوية العامة (الألسن 84.26%)    يوسف معاطي: «سمير غانم بيضحك ودمه خفيف أكتر من عادل إمام»    ماجدة الرومي تتصدر تريند جوجل بعد ظهورها المؤثر في جنازة زياد الرحباني: حضور مُبكٍ وموقف تاريخي    من «ظلمة» حطام غزة إلى «نور» العلم فى مصر    عطلة 10 أيام للموظفين.. هل هناك إجازات رسمية في شهر أغسطس 2025؟    تشييع جثماني طبيبين من الشرقية لقيا مصرعهما في حادث بالقاهرة    مرشح الجبهة الوطنية: تمكين الشباب رسالة ثقة من القيادة السياسية    تحت عنوان «إتقان العمل».. أوقاف قنا تعقد 126 قافلة دعوية    وزير الخارجية: العالم يصمت عن الحق في قطاع غزة صمت الأموات وإسرائيل تغتال الأطفال بشكل يومي    نشرة التوك شو| الوطنية للانتخابات تعلن جاهزيتها لانتخابات الشيوخ وحقيقة فرض رسوم على الهواتف بأثر رجعي    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «حواديت» على مسرح سيد درويش بالإسكندرية    لا تليق بمسيرتي.. سميرة صدقي تكشف سبب رفضها لبعض الأدوار في الدراما    بدء اختبارات مشروع تنمية المواهب بالتعاون بين الاتحادين الدولي والمصري لكرة القدم    السيطرة على حريق بمولدات كهرباء بالوادي الجديد.. والمحافظة: عودة الخدمة في أقرب وقت- صور    «النادي ممكن يتقفل».. رسائل نارية من نصر أبوالحسن لجماهير الإسماعيلي    تشييع جثمانى طبيبين من الشرقية لقيا مصرعهما فى حادث على الدائرى.. صور    قرار مفاجئ من أحمد عبدالقادر بشأن مسيرته مع الأهلي.. إعلامي يكشف التفاصيل    صراع على السلطة في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 29 يوليو    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    في عامها الدراسي الأول.. جامعة الفيوم الأهلية تعلن المصروفات الدراسية للعام الجامعي 2025/2026    جوتيريش: حل الدولتين أصبح الآن أبعد من أي وقت مضى    لها مفعول السحر.. رشة «سماق» على السلطة يوميًا تقضي على التهاب المفاصل وتخفض الكوليسترول.    للحماية من التهاب المرارة.. تعرف على علامات حصوات المرارة المبكرة    بدون تكلفة ومواد ضارة.. أفضل وصفة طبيعية لتبييض الأسنان    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هوليوود تصنع ثقافة الرعب بقوة أمريكا الناعمة
نشر في صوت البلد يوم 03 - 04 - 2016

تمثل السينما في الولايات المتحدة عصب الاقتصاد للدخل القومي، ومن ثم توجد هناك عناية فائقة بالمؤسسات الإنتاجية، وتعد هوليوود واحدة من قلاع الصناعة السينمائية الذهبية في العالم، وقد أشار لذلك الرئيس أوباما في واحدة من خُطبه المهمة قبل عام تقريباً، للتحفيز على الإبداع والرقي بمستوى التقنيات التي تعد من أهم دعائم الإبداع السينمائي الأمريكي.
وتبعاً لهذه الأهمية تولي الدولة والمؤسسات الرسمية النجوم عناية فائقة بوصفهم أدوات التأثير والتعبير المباشرين والقادرين على إحداث التغيير المطلوب، وهناك نماذج لنجوم ومخرجين أحدثوا دوياً هائلاً في المجتمع، من بينهم ميل غيبسون ومايكل مور وروبرت زيمكيس وتوم هانكس .
في هذا الإطار ومع رواج الحركة السينمائية في العالم ظهرت بعض الدراسات النقدية التي تطرقت لتحليل هذه الظاهرة وأفلح الكثير منها في تفنيد أدوات المبالغة الأمريكية وكشف عملية التنسيق السياسي السينمائي التي جرت عبر التاريخ بين المؤسسات السينمائية ومؤسسات الدولة الرسمية، وكان من بين الدراسات التي اعتنت بهذا الشأن تلك التي قام بها الكاتب والناقد السينمائي أحمد رأفت بهجت، وطبعت في إصدار أنيق يحمل عنوان «اتجاهات سينمائية « في عام 1994، وفي هذه الدراسة يلقي الكاتب الضوء على بعض الاتجاهات السينمائية البارزة في هوليوود ويحدد مجريات ومقتضيات الإنتاج التي تفرض أنماطاً معينة من السينما، وتجعلها التيار السائد بحكم اتجاهاتها السياسية ونفوذ الجهة الإنتاجية الممولة، ومدى التزامها بالخريطة العامة لحسابات الدولة، الأمر الذي ينفي وبقوة مزاعم الاستقلال السينمائي وحريته داخل المؤسسات الإنتاجية الأمريكية، ويؤكد أن الغالبية العظمى من الإنتاج السينمائي إنتاج موظف لخدمة السياسة العامة، وأن القليل من حجم هذا الإنتاج هو ما يمكن أن نعتبره ممثلاً للسينما المستقلة.. أي السينما التي تختار قضاياها ولا تخضع لموازين الصراع داخل المؤسسة الحكومية.
وقد أورد بهجت في دراسته نماذج للأفلام الأمريكية ذات الأبعاد السياسية الدعائية، وأفرد مساحة واسعة لملابسات وظروف إنتاج أفلام الحرب، وذكر أن كثيراً من الخلفيات غير المرئية في مئات الأفلام الأمريكية كانت الحروب فيها هي المحرك الأساسي والمحوري لمختلف القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وحسبما ذكرت الدراسة أيضاً بدأت موجة الأفلام الحربية في إطار الإشارة إلى المجتمع الأمريكي ونشأته، وكان لتحدياته الداخلية في البداية دورها الواضح في تحديد نوعية موضوعاته، ومن هنا يُلاحظ أن بداية الفيلم الحربي كانت منبثقة من الظروف التاريخية للمجتمع الأمريكي وأساسها معارك التحرير الأولى، والحرب الأهلية التي تعكس متناقضات التكوين الاجتماعي، إذ لم تمر فترة طويلة حتى جاءت الموجة الخارجية، وأدخلت عنصراً جديداً تمثل في تحديات أعقبتها الحرب العالمية الأولى، ثم الحرب العالمية الثانية، ثم الحروب ذات الطابع الاستعماري في الصين والهند، وجميعها حروب تباينت ردود أفعالها وتأثيراتها بالنسبة للسينما الأمريكية باختلاف درجة الوعي والتنبه الفكري .
وتركز الإنتاج الذي كان مشتتاً في شرق الولايات المتحدة، وبالتحديد في مدينة هوليوود، وظهرت الاستديوهات الكبرى الشهيرة مثل «وارنر»
و«يونيفرسال»، وعلى الرغم من كل ذلك نجد أن الصناعة السينمائية في أمريكا وقعت في تناقض حاد بين نوازعها العدوانية تجاه الشعوب ورغبتها في ضرب الصناعات السينمائية الأخرى في العالم، وبين ما حاولت تمريره من نوازع مثالية مفتعلة في فيلم «الأخت البيضاء» إنتاج عام 1914 لشركة إيسناي وكان يحاول خداع العالم بأن أمريكا ليست دولة عنف أو إرهاب . وظهرت البطلة في هذا الفيلم وقد تحولت إلى راهبة بعد علمها بمقتل حبيبها على جبهة الحرب وتكررت المحاولة نفسها في فيلم «الجبان»، الذي أُنتج عام 1915 للمخرج توماس هانيس، وأيضاً فيلم «الحضارة» 1916، وهو من أهم أفلام «إينس»، حيث ركز على نبذ الحروب وحقن الدماء والرفق بالضحايا، ومن دواعي الدهشة أن هذا الفيلم لاقى قبولاً جماهيراً واسعاً وبلغت إيراداته 800 مليون دولار، ولم تزد تكلفته على 100 مليون دولار فقط وكان الفيلم أكبر دعاية انتخابية للرئيس ويلسون عام 1916، حيث شاع أن رسالة الفيلم تتطابق مع مبادئ الرئيس ويلسون الداعية للسلام.
ومما يؤكد التناقض الفج في سيكولوجية السينما الأمريكية أنه في منتصف عام 1915 ظهرت موجة من أفلام العنف تنادي بمعاداة الألمان وتحرض الرأي العام الأمريكي على المطالبة بالحرب لإبادة الشعب الألماني . وفي إبريل/نيسان 1917 انضمت الولايات المتحدة إلى صف بريطانيا وحلفائها في الحرب، بعد أن وقع رئيسها ويلسون في براثن السياسة الإنكليزية وبعض الضغوط الداخلية، فدفع بكل إمكانياته للانتصار على الألمان، وأصبحت الحرب هي المادة الأساسية لكل الأفلام الأمريكية، واعتمدت في إنتاجها على الإشراف المباشر للدولة بواسطة لجنة العلاقات العامة، التي ترأسها الصحافي الشاب آنذاك جورج كريل، وهو من أصل يهودي وزوج الممثلة بلانش بانس.
والغريب أن الهدف الإستراتيجي للجنة العلاقات العامة كان حث رجال السينما الأمريكية على النظر للحرب باعتبارها الهدف الوطني الأمثل، وبظهور هذه اللجنة بدأت مرحلة جديدة من السينما الأمريكية تعتمد على التعاون الوثيق بين الهيئات السياسية والعسكرية ومؤسسات صناعة الأفلام في هوليوود، وقد ظل هذا التعاون كما يقول الكاتب الصحافي الأمريكي جاك سبيرز في مقاله «الحرب العالمية الأولى على الشاشة» في مجلة «فيلمنران ريفيو» مايو/أيار 66 قائماً حتى الآن، وهذا يعني أن الفيلم الأمريكي ما زال ولاؤه الأساسي للجهة الممولة وليس للقيمة الفنية، وغالباً ما تكون هذه الجبهة هيئة عسكرية أو مؤسسة لصناعة الأسلحة أو مجالس سياسية خفية متعددة الأهداف.
وكما كانت السينما الأمريكية سبباً مباشراً في شيوع العنف وانتشاره، كانت السينما أيضاً سبباً في اختراع كافة صمامات الأمان الأمنية، وفك طلاسم شيفرات التخابر في جهاز «سي. آي. أيه» الأمريكي والوصول إلى مبنى وزارة الدفاع (البنتاغون) والمركز التجاري العالمي، وإصابة الأهداف وفق سيناريو محكم يحاكي تماماً سيناريو الفيلم الأمريكي تحت الحصار.
ومثلما اتخذت الإدارة الأمريكية قراراتها الخاصة بهذا الشأن، وتمكنت من فرض حظر شامل على كافة المؤسسات السينمائية، سواء ما كان منها خاضعاً للمؤسسة العامة للدولة أو القطاع الخاص، استطاعت أيضاً أن تفرض ذلك على الدول الأوروبية الحليفة مثل، فرنسا وبريطانيا وألمانيا.. والأخيرة بالذات حيث كانت من أوائل الدول التي استجابت فوراً لتنفيذ التعليمات الصارمة للإدارة الأمريكية فسارعت هي الأخرى إلى إعلان رفضها لتجديد ظاهرة أفلام العنف كنوع من التضامن وخوفاً من العقوبات التي ربما قد توقع عليها لو لم تلتزم بتطبيق النظام السينمائي العالمي الجديد ومن ثم منعت عرض أي أفلام تشير من قريب أو بعيد للعنف بكافة أشكاله، حتى أنها صادرت سيناريوهات لأفلام كاراتيه وألعاب رياضية اعتادت المؤسسات السينمائية العالمية على إنتاجها للمراهقين كنوعية رائجة تحقق إيرادات مرتفعة.. وعلى رأس الدول التي خضعت للقانون الأمريكي، اسبانيا والبرتغال والسينما الحرة في دول شرق آسيا.
كل هذه الدول اعتبرت أن الشعار الذي ترفعه أمريكا بمثابة تحذير تلوح به مسبقاً قبل أن تهم بضرب السوق السينمائية ومنافذ التوزيع للإجهاز على مستقبل الصناعة في العالم والانفراد بسيادة السوق كعهدها دائماً، وحيث أن المؤسسات الإنتاجية تعلم مدى تجبر هوليوود في هيمنتها على السوق التجارية العالمية للفيلم ولها تجارب سابقة في هذا الشأن، اعتبرت أن ما يحدث يمكن أن يكون حرباً للتصفية على غرار الحرب في أفغانستان والعراق ومقدمات للتحرش بمؤسساتها السينمائية موازياً لتحرشها السياسي بالسودان.
وبالفعل نجحت الإدارة الأمريكية في تصدير كروت الإرهاب الحمراء لمعظم الدول وأجبرتها على محاذاة القطيع في المضي نحو القنوات أو الخنادق التي تعدها لدفن حريتها واستقلالها. وقد كان من نتاج هذا التعسف أن أعلن المخرج الألماني العالمي ألكسندر كلوج مصرع سينما العنف والأكشن تحت أنقاض مركز التجارة العالمي، وكذلك جاءت تصريحات المسؤولين الإداريين في شركة ووندر برونزرز الألمانية بضرورة إعادة النظر في خطتها الإنتاجية للموسم السينمائي الجديد، بما يتناسب مع الظروف الطارئة والواقع الجديد للمجتمع الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، فضلاً عن قيامها بتدارس فكرة تغيير اسم أحد أفلامها الذي أنتج في أعقاب التفجيرات «خسائر مُضاعفة» بطولة أرنولد شوارتزينجر بعد قيامها بشن حملة دعائية ضخمة كلفتها 20 مليون دولار، كما أرجأت في حينها فيلم «ترابلي» أو «متاعب كبرى» الذي يدور حول الخسائر التي نجمت عن ضرب مركز التجارة لحساسية الموقف السياسي.
ومن ناحية أخرى قامت شركة سوني إحدى الشركات الإنتاجية العملاقة في الولايات المتحدة الأمريكية بسحب فيلم «الرجل العنكبوت» من الأسواق حيث يظهر فيه عملاق ضخم وقد نسج خيوطه بين برجي مركز التجارة العالمي في محاولة لتدميرهما، وهذا الفيلم يعكس رؤية ساخرة من جهاز المخابرات الأمريكية (سي آى إيه) ووزارة الدفاع «البنتاغون» ويشبه الذين قاموا بتدمير مركز التجارة العالمي بالعملاق الذي يمتلك قوة هائلة مكنته من التسلل إلى المبنى وتدميره في غفلة من الحراس، ويتهكم الفيلم على الإدارة الأمريكية ومزاعم التفوق التجسسي أو التخابري، ولم تقتصر الشركة على هذا الإجراء تجاه فيلم «الرجل العنكبوت» بل أعلنت أيضاً أنها ستقوم بتغيير مشهد نهاية الجزء الثاني من فيلمها «رجال متشحون بالسواد» الذي يُظهر أيضاً مركز التجارة العالمي حتى لا يذكر الجمهور الأمريكي بالفاجعة.. واستمراراً للسيناريو المُفزع وحالة الاضطراب الشديدة التي شهدتها شركات الإنتاج في حينها، أعيد تصوير مشهد النهاية لفيلم «آلة الزمن» المأخوذ عن رواية الكاتب الأمريكي إتش. جي ويلز لأن المشهد يصور سقوط حجر ضخم من القمر على نيويورك فيحيلها ركاماً، ومن دلائل الرعب الذي بلغ مداه لدى القائمين على صناعة السينما في أمريكا أن الأزمة امتدت إلى الأفلام الكوميدية، حيث صدرت تعليمات من الجهات المختصة بتأجيل عرض بعض الأفلام الكوميدية المهمة مثل فيلم «عصابات نيويورك» لمجرد أن أحداثة تدور في حي مانهاتن الذي وقعت فيه التفجيرات.
هكذا أحكمت الولايات المتحدة الأمريكية قبضتها على صناعة السينما في العالم وفرضت نفوذها السياسي على الدول الصديقة ليتساوى الواقع الفني بالواقع العسكري.
تمثل السينما في الولايات المتحدة عصب الاقتصاد للدخل القومي، ومن ثم توجد هناك عناية فائقة بالمؤسسات الإنتاجية، وتعد هوليوود واحدة من قلاع الصناعة السينمائية الذهبية في العالم، وقد أشار لذلك الرئيس أوباما في واحدة من خُطبه المهمة قبل عام تقريباً، للتحفيز على الإبداع والرقي بمستوى التقنيات التي تعد من أهم دعائم الإبداع السينمائي الأمريكي.
وتبعاً لهذه الأهمية تولي الدولة والمؤسسات الرسمية النجوم عناية فائقة بوصفهم أدوات التأثير والتعبير المباشرين والقادرين على إحداث التغيير المطلوب، وهناك نماذج لنجوم ومخرجين أحدثوا دوياً هائلاً في المجتمع، من بينهم ميل غيبسون ومايكل مور وروبرت زيمكيس وتوم هانكس .
في هذا الإطار ومع رواج الحركة السينمائية في العالم ظهرت بعض الدراسات النقدية التي تطرقت لتحليل هذه الظاهرة وأفلح الكثير منها في تفنيد أدوات المبالغة الأمريكية وكشف عملية التنسيق السياسي السينمائي التي جرت عبر التاريخ بين المؤسسات السينمائية ومؤسسات الدولة الرسمية، وكان من بين الدراسات التي اعتنت بهذا الشأن تلك التي قام بها الكاتب والناقد السينمائي أحمد رأفت بهجت، وطبعت في إصدار أنيق يحمل عنوان «اتجاهات سينمائية « في عام 1994، وفي هذه الدراسة يلقي الكاتب الضوء على بعض الاتجاهات السينمائية البارزة في هوليوود ويحدد مجريات ومقتضيات الإنتاج التي تفرض أنماطاً معينة من السينما، وتجعلها التيار السائد بحكم اتجاهاتها السياسية ونفوذ الجهة الإنتاجية الممولة، ومدى التزامها بالخريطة العامة لحسابات الدولة، الأمر الذي ينفي وبقوة مزاعم الاستقلال السينمائي وحريته داخل المؤسسات الإنتاجية الأمريكية، ويؤكد أن الغالبية العظمى من الإنتاج السينمائي إنتاج موظف لخدمة السياسة العامة، وأن القليل من حجم هذا الإنتاج هو ما يمكن أن نعتبره ممثلاً للسينما المستقلة.. أي السينما التي تختار قضاياها ولا تخضع لموازين الصراع داخل المؤسسة الحكومية.
وقد أورد بهجت في دراسته نماذج للأفلام الأمريكية ذات الأبعاد السياسية الدعائية، وأفرد مساحة واسعة لملابسات وظروف إنتاج أفلام الحرب، وذكر أن كثيراً من الخلفيات غير المرئية في مئات الأفلام الأمريكية كانت الحروب فيها هي المحرك الأساسي والمحوري لمختلف القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وحسبما ذكرت الدراسة أيضاً بدأت موجة الأفلام الحربية في إطار الإشارة إلى المجتمع الأمريكي ونشأته، وكان لتحدياته الداخلية في البداية دورها الواضح في تحديد نوعية موضوعاته، ومن هنا يُلاحظ أن بداية الفيلم الحربي كانت منبثقة من الظروف التاريخية للمجتمع الأمريكي وأساسها معارك التحرير الأولى، والحرب الأهلية التي تعكس متناقضات التكوين الاجتماعي، إذ لم تمر فترة طويلة حتى جاءت الموجة الخارجية، وأدخلت عنصراً جديداً تمثل في تحديات أعقبتها الحرب العالمية الأولى، ثم الحرب العالمية الثانية، ثم الحروب ذات الطابع الاستعماري في الصين والهند، وجميعها حروب تباينت ردود أفعالها وتأثيراتها بالنسبة للسينما الأمريكية باختلاف درجة الوعي والتنبه الفكري .
وتركز الإنتاج الذي كان مشتتاً في شرق الولايات المتحدة، وبالتحديد في مدينة هوليوود، وظهرت الاستديوهات الكبرى الشهيرة مثل «وارنر»
و«يونيفرسال»، وعلى الرغم من كل ذلك نجد أن الصناعة السينمائية في أمريكا وقعت في تناقض حاد بين نوازعها العدوانية تجاه الشعوب ورغبتها في ضرب الصناعات السينمائية الأخرى في العالم، وبين ما حاولت تمريره من نوازع مثالية مفتعلة في فيلم «الأخت البيضاء» إنتاج عام 1914 لشركة إيسناي وكان يحاول خداع العالم بأن أمريكا ليست دولة عنف أو إرهاب . وظهرت البطلة في هذا الفيلم وقد تحولت إلى راهبة بعد علمها بمقتل حبيبها على جبهة الحرب وتكررت المحاولة نفسها في فيلم «الجبان»، الذي أُنتج عام 1915 للمخرج توماس هانيس، وأيضاً فيلم «الحضارة» 1916، وهو من أهم أفلام «إينس»، حيث ركز على نبذ الحروب وحقن الدماء والرفق بالضحايا، ومن دواعي الدهشة أن هذا الفيلم لاقى قبولاً جماهيراً واسعاً وبلغت إيراداته 800 مليون دولار، ولم تزد تكلفته على 100 مليون دولار فقط وكان الفيلم أكبر دعاية انتخابية للرئيس ويلسون عام 1916، حيث شاع أن رسالة الفيلم تتطابق مع مبادئ الرئيس ويلسون الداعية للسلام.
ومما يؤكد التناقض الفج في سيكولوجية السينما الأمريكية أنه في منتصف عام 1915 ظهرت موجة من أفلام العنف تنادي بمعاداة الألمان وتحرض الرأي العام الأمريكي على المطالبة بالحرب لإبادة الشعب الألماني . وفي إبريل/نيسان 1917 انضمت الولايات المتحدة إلى صف بريطانيا وحلفائها في الحرب، بعد أن وقع رئيسها ويلسون في براثن السياسة الإنكليزية وبعض الضغوط الداخلية، فدفع بكل إمكانياته للانتصار على الألمان، وأصبحت الحرب هي المادة الأساسية لكل الأفلام الأمريكية، واعتمدت في إنتاجها على الإشراف المباشر للدولة بواسطة لجنة العلاقات العامة، التي ترأسها الصحافي الشاب آنذاك جورج كريل، وهو من أصل يهودي وزوج الممثلة بلانش بانس.
والغريب أن الهدف الإستراتيجي للجنة العلاقات العامة كان حث رجال السينما الأمريكية على النظر للحرب باعتبارها الهدف الوطني الأمثل، وبظهور هذه اللجنة بدأت مرحلة جديدة من السينما الأمريكية تعتمد على التعاون الوثيق بين الهيئات السياسية والعسكرية ومؤسسات صناعة الأفلام في هوليوود، وقد ظل هذا التعاون كما يقول الكاتب الصحافي الأمريكي جاك سبيرز في مقاله «الحرب العالمية الأولى على الشاشة» في مجلة «فيلمنران ريفيو» مايو/أيار 66 قائماً حتى الآن، وهذا يعني أن الفيلم الأمريكي ما زال ولاؤه الأساسي للجهة الممولة وليس للقيمة الفنية، وغالباً ما تكون هذه الجبهة هيئة عسكرية أو مؤسسة لصناعة الأسلحة أو مجالس سياسية خفية متعددة الأهداف.
وكما كانت السينما الأمريكية سبباً مباشراً في شيوع العنف وانتشاره، كانت السينما أيضاً سبباً في اختراع كافة صمامات الأمان الأمنية، وفك طلاسم شيفرات التخابر في جهاز «سي. آي. أيه» الأمريكي والوصول إلى مبنى وزارة الدفاع (البنتاغون) والمركز التجاري العالمي، وإصابة الأهداف وفق سيناريو محكم يحاكي تماماً سيناريو الفيلم الأمريكي تحت الحصار.
ومثلما اتخذت الإدارة الأمريكية قراراتها الخاصة بهذا الشأن، وتمكنت من فرض حظر شامل على كافة المؤسسات السينمائية، سواء ما كان منها خاضعاً للمؤسسة العامة للدولة أو القطاع الخاص، استطاعت أيضاً أن تفرض ذلك على الدول الأوروبية الحليفة مثل، فرنسا وبريطانيا وألمانيا.. والأخيرة بالذات حيث كانت من أوائل الدول التي استجابت فوراً لتنفيذ التعليمات الصارمة للإدارة الأمريكية فسارعت هي الأخرى إلى إعلان رفضها لتجديد ظاهرة أفلام العنف كنوع من التضامن وخوفاً من العقوبات التي ربما قد توقع عليها لو لم تلتزم بتطبيق النظام السينمائي العالمي الجديد ومن ثم منعت عرض أي أفلام تشير من قريب أو بعيد للعنف بكافة أشكاله، حتى أنها صادرت سيناريوهات لأفلام كاراتيه وألعاب رياضية اعتادت المؤسسات السينمائية العالمية على إنتاجها للمراهقين كنوعية رائجة تحقق إيرادات مرتفعة.. وعلى رأس الدول التي خضعت للقانون الأمريكي، اسبانيا والبرتغال والسينما الحرة في دول شرق آسيا.
كل هذه الدول اعتبرت أن الشعار الذي ترفعه أمريكا بمثابة تحذير تلوح به مسبقاً قبل أن تهم بضرب السوق السينمائية ومنافذ التوزيع للإجهاز على مستقبل الصناعة في العالم والانفراد بسيادة السوق كعهدها دائماً، وحيث أن المؤسسات الإنتاجية تعلم مدى تجبر هوليوود في هيمنتها على السوق التجارية العالمية للفيلم ولها تجارب سابقة في هذا الشأن، اعتبرت أن ما يحدث يمكن أن يكون حرباً للتصفية على غرار الحرب في أفغانستان والعراق ومقدمات للتحرش بمؤسساتها السينمائية موازياً لتحرشها السياسي بالسودان.
وبالفعل نجحت الإدارة الأمريكية في تصدير كروت الإرهاب الحمراء لمعظم الدول وأجبرتها على محاذاة القطيع في المضي نحو القنوات أو الخنادق التي تعدها لدفن حريتها واستقلالها. وقد كان من نتاج هذا التعسف أن أعلن المخرج الألماني العالمي ألكسندر كلوج مصرع سينما العنف والأكشن تحت أنقاض مركز التجارة العالمي، وكذلك جاءت تصريحات المسؤولين الإداريين في شركة ووندر برونزرز الألمانية بضرورة إعادة النظر في خطتها الإنتاجية للموسم السينمائي الجديد، بما يتناسب مع الظروف الطارئة والواقع الجديد للمجتمع الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، فضلاً عن قيامها بتدارس فكرة تغيير اسم أحد أفلامها الذي أنتج في أعقاب التفجيرات «خسائر مُضاعفة» بطولة أرنولد شوارتزينجر بعد قيامها بشن حملة دعائية ضخمة كلفتها 20 مليون دولار، كما أرجأت في حينها فيلم «ترابلي» أو «متاعب كبرى» الذي يدور حول الخسائر التي نجمت عن ضرب مركز التجارة لحساسية الموقف السياسي.
ومن ناحية أخرى قامت شركة سوني إحدى الشركات الإنتاجية العملاقة في الولايات المتحدة الأمريكية بسحب فيلم «الرجل العنكبوت» من الأسواق حيث يظهر فيه عملاق ضخم وقد نسج خيوطه بين برجي مركز التجارة العالمي في محاولة لتدميرهما، وهذا الفيلم يعكس رؤية ساخرة من جهاز المخابرات الأمريكية (سي آى إيه) ووزارة الدفاع «البنتاغون» ويشبه الذين قاموا بتدمير مركز التجارة العالمي بالعملاق الذي يمتلك قوة هائلة مكنته من التسلل إلى المبنى وتدميره في غفلة من الحراس، ويتهكم الفيلم على الإدارة الأمريكية ومزاعم التفوق التجسسي أو التخابري، ولم تقتصر الشركة على هذا الإجراء تجاه فيلم «الرجل العنكبوت» بل أعلنت أيضاً أنها ستقوم بتغيير مشهد نهاية الجزء الثاني من فيلمها «رجال متشحون بالسواد» الذي يُظهر أيضاً مركز التجارة العالمي حتى لا يذكر الجمهور الأمريكي بالفاجعة.. واستمراراً للسيناريو المُفزع وحالة الاضطراب الشديدة التي شهدتها شركات الإنتاج في حينها، أعيد تصوير مشهد النهاية لفيلم «آلة الزمن» المأخوذ عن رواية الكاتب الأمريكي إتش. جي ويلز لأن المشهد يصور سقوط حجر ضخم من القمر على نيويورك فيحيلها ركاماً، ومن دلائل الرعب الذي بلغ مداه لدى القائمين على صناعة السينما في أمريكا أن الأزمة امتدت إلى الأفلام الكوميدية، حيث صدرت تعليمات من الجهات المختصة بتأجيل عرض بعض الأفلام الكوميدية المهمة مثل فيلم «عصابات نيويورك» لمجرد أن أحداثة تدور في حي مانهاتن الذي وقعت فيه التفجيرات.
هكذا أحكمت الولايات المتحدة الأمريكية قبضتها على صناعة السينما في العالم وفرضت نفوذها السياسي على الدول الصديقة ليتساوى الواقع الفني بالواقع العسكري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.