لعبت السينما والآلة الإعلامية الأمريكية دوراً كبيراً في الدعاية والترسيخ لفكرة الأسطورة الأمريكية وأنفقت " هوليوود " بلايين الدولارات علي أفلام صدرت للعالم وهم القوة العظمي ، والسيادة الدفاعية ، وقدرة الأجهزة المخابراتية علي رصد كافة التفاصيل التي تجري علي سطح الكرة الأرضية !! وقد استفادت الولاياتالأمريكية من سيادتها الدعائية أيما استفادة ، خاصة في ظل التنسيق مع أجهزة الموساد الصهيونية ، فالأثنان لعبا دوراً فاعلاً في إنتاج مئات الأفلام المشتركة غذت جميعها هذا الإتجاه وكونت ما يشبه اليقين بأن أمريكا هي المحتكرة الأولي لوسائل القوة وأسلحة الردع في العالم ، وأن خطوطها الدفاعية ومؤسساتها الحيوية محميات دولية لا يمكن الإقتراب منها !! وقد شاءت أحداث 11 سبتمبر أن تضع نهاية لهذا الزعم بعد أن إخترقت الطائرات الكتل الخرسانية لمبني المركز التجاري العالمي ومبني "البنتاجون " الحصين لتحيلهما في لمح البصر إلي كومة من الرماد وتسقط عنهما لقب محميات التي تطوعت السينما بخلعه عليهما دون أن يتراءي لها خيال الضربة التاريخية التي صارت واقعاً مجرداً أشد وقعاً من " الكابوس" وفاق إخراجه وتنفيذه أخيلة كل عباقرة ورموز " هوليوود" من صناع سينما الأكشن والعنف ، ومع رواج الحركة السينمائية واللعب علي الوتر الإعلامي الإستفزازي ظهرت بعض الدراسات النقدية التي تطرقت لتحليل هذه الظاهرة ، وأفلح الكثير منها في تفنيد أدوات الكذب الأمريكي وكشف المزاعم المزيفة في عملية التنسيق السياسي السينمائي التي جرت علي مدي تاريخ صناعة السينما وبدت كأنها زواجاً كاثوليكياً بين المؤسستين وكان من بين الدراسات التي عنيت بهذا الشأن تلك التي قام بها الكاتب والناقد السينمائي " أحمد رأفت بهجت " في إصدار أنيق يحمل عنوان " إتجاهات سينمائية " وزع ضمن إصدارات مهرجان القاهرة السينمائي عام 94 ، وفي هذه الدراسة يُلقي الكاتب الضوء علي بعض الإتجاهات السينمائية البارزة في الولاياتالمتحدةالأمريكية ويحدد مجريات ومقتضيات الإنتاج التي تفرض أنماطاً معينة من السينما وتجعلها التيار السائد بحكم إتجاهات السياسة ونفوذ الجهة الإنتاجية الممولة ومدي التزامها بالخريطة العامة لحسابات الدول .. الأمر الذي ينفي وبقوة مزاعم الأستقلال السينمائي وحريته داخل المؤسسات الإنتاجية بأمريكا ، ويؤكد أن الغالبية العظمي من الإنتاج السينمائي إنتاج موظف لخدمة السياسة العامة وأن القليل جداً من حجم هذا الإنتاج هو ما يمكن إعتباره ممثلاً للسينما المستقلة أي السينما التي تختار قضاياها ولا تخضع لموازين الصراع داخل المؤسسة الحكومية !! وقد أورد بهجت في دراسته نماذج للأفلام الأمريكية ذات الأبعاد السياسية الدعائية وأفرد مساحة واسعة لملابسات وظروف إنتاج أفلام الحروب وذكر أن كثيراً من الخلفيات غير المرئية في مئات الأفلام كانت الحروب فيها هي المحرك الأساسي والمحوري لمختلف القضايا الإجتماعية والسياسية والإقتصادية ، وترجم بهجت عن " جون جريدسون " أحد النقاد العالميين أن هوليوود مصنع من أضخم مصانع الذخيرة علي وجه الأرض ، ويقصد بمصانع الذخيرة أدوات الدعاية السينمائية التي تروج و تدعم الأفلام الحربية !! وحسبما ذكرت الدراسة ، بدأت موجة الأفلام الحربية في إطار الإشارة إلي المجتمع الأمريكي ونشأته ، وكان لتحدياته الداخلية في البداية دور واضح في تحديد نوعية موضوعاته ، ومن هنا يلاحظ أن بداية الفيلم الحربي كانت منبثقة من الظروف التاريخية للمجتمع الأمريكي وأساسها معارك التحرير الأولي والحرب الأهلية والمعارك التي تعكس متناقضات التكوين الإجتماعي . ولم تمر فترة طويلة حتي جاءت الموجه الخارجية وأدخلت عنصراً جديداً تمثل في تحديات أعقبتها الحرب العالمية الأولي ثم الحرب العالمية الثانية ، ثم الحروب ذات الطابع الإستعماري في الصين والهند وكلها حروب تباينت ردود أفعالها وتأثيرها في السينما الأمريكية بإختلاف درحة الوعي والتنبه الفكري ، وتؤكد الدراسة أيضاً أنه خلال الحروب التي خاضتها أمريكا علي مدي تاريخها ظلت تبحث عن وسيلة تثبت بها شكل الحياة وتسمح للشعب بنوع من الرضا وتمنحه نقطة إرتكاز للثقة في حكومته ، فلم تجد أفضل من السينما لتلعب هذا الدور ، وفي سبيل ذلك تخلت السينما عن كل معايير الشرف والأمانة لإيهام الشعب الأمريكي بقوة الدولة وقدرتها علي توفير كافة سبل الرفاهية والتنعم حتي وهي في حالة حرب .. ويقول الكاتب الأمريكي " فيشر " في هذا الصدد .. لم يكن مستطاعاً مواصلة الحرب الطويلة القاسية إلا بمجهود هائل من الدعاية المتلاحقة والمؤثرة في نفوس عامة الشعب وكذلك بوسائل الدعاية الطافحة بعوالم الأساطير والخرافات ! وعملاً بهذا المنطق إتجهت أنظار السينمائيين إلي الفيلم التسجيلي ولجأت إلي الأستعانة بالمشاهد الحربية الحية لإقناع المشاهد بالدور البطولي الذي تقوم به السينما في عملية التوثيق ، الأمر الذي أدي إلي تراجع الخدع السينمائية التي كانت تعتبر من الملامح الإيجابية في تاريخ السينما . وقد وقعت السينما الأمريكية في تناقض حاد بين نوازعها العدوانية تجاه الشعوب ورغبتها في ضرب الصناعات السينمائية الأخري في العالم وبين ما حاولت تمريره من نوازع مثالية مفتعلة كما حدث في فيلم " الأخت البيضاء " إنتاج عام 1914 لشركة " إيسناي " والذي كان يحاول خداع العالم بأن أمريكا ليست دولة عنف أو إرهاب وظهرت البطلة وقد تحولت إلي راهبة بعد علمها بمقتل حبيبها علي الجبهة وتكررت نفس المحاولة في فيلم " الجبان " الذي أنتج عام 1915 للمخرج توماس هايتس ، وأيضاً فيلم " الحضارة " 1916 وهومن أهم أفلام إنيس ، حيث ركز علي نبذ الحروب وحقن الدماء والرفق بالضحايا ، ومن دواعي الدهشة أن هذا الفيلم لاقي قبولاً جماهيرياً واسعاً وبلغت إيراداته 800 مليون دولار ولم تزد تكلفته علي 100 مليون دولار ! وكان هذا الفيلم بمثابة أكبر دعاية إنتخابية للرئيس الأمريكي " ويلسون " عام 1916 حيث شاع أن رسالة الفيلم تتطابق مع مبادئه نحو السلام .. ومما يؤكد التناقض الفج في سيكولوجية السينما الأمريكية ظهور موجة العداء للألمان وإنتاج أفلام تحرض الرأي العام للمطالبة بإبادة الشعب الألماني ، وتزعم هذه الحملة العدوانية رجال الهيئات والإستديوهات، أصحاب المصالح السياسية والإقتصادية المشبوهة وكبار تجار الأسلحة وأغنياء الحرب ! وفي إبريل من عام 1917 إنضمت الولاياتالمتحدة إلي صف بريطانيا وحلفائها في الحرب بعد أن وقع رئيسها ويلسون في براثن السياسة الإنجليزية وأصبحت الحرب هي المادة الأساسية لكل الأفلام الأمريكية وإعتمدت في إنتاجها علي الإشراف المباشر للدولة بواسطة لجنة العلاقات العامة التي ترأسها الصحفي الشاب آن ذاك " جورج كريل " وهو من أصل يهودي وزوج الممثلة " بلانش بانس " والغريب أن الهدف الإستراتيجي للجنة العلاقات العامة كان حث رجال السينما الأمريكية علي النظر للحرب بإعتبارها الهدف الوطني الأمثل ؟! وظل التعاون بين المؤسسات العسكرية وأجهزة المخابرات الأمريكية والمؤسسات السينمائية قائماً كما يقول الصحفي الأمريكي " جاك سبيرز " في مقاله التاريخي بمجلة " فيلمندان ريفيو " عام 66 وإمتداداً لنشاط السينما الأمريكية المشبوهة أنتجت أفلاماً حديثة تدور حول الحروب والتفجيرات والعمليات الإنتحارية ، وهي ظاهرة تؤكد أن هوليوود لم تخرج عن هذه الدائرة وما زالت تغذي هذا الإتجاه . إنها الأيدي الأمريكية التي توقع إتفاقيات التحالف مع الكيان الصهيوني للإنتاج المشترك ليستمرالإشتعال والإبادة عنواناً وقحاً لطموح الساسة والعسكريين وسماسرة المؤسسة التي تبني مجدها السينمائي من جماجم الشعوب الآمنة !