"التفاح والتين الشوكي"، هو عنوان الفصل الذي أضافه الراحل محمود السعدني في التسعينيات إلي كتابه "ألحان السماء"، والذي صدر لأول مرة عام 1959، وكتب له المقدمة فضيلة الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، والذي تناول خلاله السعدني نبذات عن حياة مجموعة من قراء "دولة التلاوة" في مصر، والذين قسمهم المؤلف إلي قمة الأحكام، وقمة الصرت، وقمة الفن الرفيع، ومن معه تلك المحاسن جميعها كالشيخ محمد رفعت. ويضفي الكتاب برمته تأملًا خاصًا علي مدي الفارق بين مشايخ الأربعينيات والخمسينيات والستينيات وبين ما سمعه السعدني في التسعينيات، والذي وصفه بالأصوات الملساء والأصوات الصلعاء. أما عن الفصل الجديد الذي أضافه السعدني، فقد تناول فيه المشايخ الذين رتلوا الكتاب في العصر الحديث والذين وصفهم بالمقلدين، بدءًا بالشيخ أحمد ندا إلي الشيخ فؤاد محجوب. ويفند، قائلًا: وأبرز مثال علي هؤلاء المحدثين د. نعينع والذي يعتبر صورة طبق الأصل من الشيخ مصطفي إسماعيل، ولكن ما أبعد الفرق بين الصورة والأصل؛ موضحًا: إذا كان صوت مصطفي إسماعيل من معدن الذهب الرنان فصوت الشيخ نعينع من معدن الألومنيوم، ورغم ذاك فقد احتل د. نعينع مكان الصدارة وأصبح القارئ الرسمي للدولة، مع أنه يأتي في الترتيب بعد عشرات من الأحياء فالشيخ محمد بدر حسين يفضله بالتأكيد ولكن لأنه الدكتور ولأنه يرتدي البدلة أصبح أثيرا لدي المصالح الحكومية علي أساس أن لقب الدكتور أصبح في الزمن الحاضر زينة. ويتابع السعدني: إذا فتحت الراديو فجأة وكان د. نعينع هو القارئ، فستظن في البداية أنك تستمع إلي الشيخ مصطفي إسماعيل.. وفي الآية التالية سيخيل إليك أنك تستمع إلي الشيخ طه الفشني ولن تستطيع اكتشاف الاسم الحقيقي إلا إذا انتهت التلاوة وأعلن المذيع اسم القارئ.. وأرجع السبب وراء ذلك إلي أن التقليد لا يضع بصمة ولا يترك أثرا.. ويعقد مقارنة بين الأجيال المتعاقبة، فيقول: زمان كان لكل صوت سمة خاصة وملامح مميزة، وكل قارئ كان له لون وله طعم وكانوا مثل الأشجار المثمرة في جنة فواكه. وعن قارئي العصر الحديث، يضيف: بعضهم بدأ بداية طيبة مثل الشيخ عبد الواحد زكي ثم أصابته العدوي فأصبح كالآخرين وسار علي درب الشيخ هاشم هيبة وهو اختيار غريب للغاية لأن الشيخ هاشم هيبة نفسه ليس من الطبقة الأولي في "دولة القراء" ولأن التقليد صار هو الأصل الآن، فهناك عشرة قراء علي الأقل يقلدون الشيخ الطبلاوي.. وذكر منهم: القارئ فؤاد محجوب، والقارئ نجيب شحاتة، والقارئ أسامة أبو النور، والقارئ شريف محمد، وهناك عشرة آخرون يقلدون الشيخ محمد صديق المنشاوي؛ أشهرهم: صلاح شمس الدين، ومحمود أبو الوفا الصعيدي، ومنهم من يقلدون الشيخ مصطفي اسماعيل أشهرهم: د. نعينع والشيخ فتحي الملجي. وعن ذلك الواقع المر - كما وصفه السعدني - وكيفية الخروج منه، يقول: يجب ألا نيأس، فهناك حلول كثيرة، أهمها: تعديل النظام المعمول به في اختيار الأصوات الجديدة في الإذاعة والتليفزيون، إضافة إلي تعديل لجنة الاستماع، وأن ينضم إليها إلي جانب أصحاب الفضيلة بعض السادة الذين نثق في حسن استماعهم وفي عدالة أحكامهم وأرشح لهذه المهمة الشيخ أبو العينين شعيشع نظرًا لخبرته في علوم وفنون القراءات. ويواصل: وهناك اقتراح آخر أرجو أن يبحثه وزير الإعلام، بأن يستثني شرط سن المعاش بالنسبة لمن يتولي منصب مدير الاستماع في الإذاعة؛ نظرًا لأن الأمور أخذت طريقها إلي الانحدار بعد محمد حسن الشجاعي ومدحت عاصم، لذا فلابد أن نعهد بهذه المهمة إلي خبير حقيقي وليس إلي موظف حكومي بدرجة مدير . ويختتم السعدني فصله المعنون ب "الفتاح والتين الشوكي"، بالقول: إن مصر تستحق أن تكون موسيقاها أرفع مما هي عليه الآن، وأن تكون فنونها كلها أروع مما هي عليه الآن، فعيب أن ينحدر فن التلاوة إلي هذا السفه الذي وصل إليه، وعيب أن نلجأ إلي تقليد بعض المدارس الغربية علي فننا.. ويعاب علينا أن يلجأ بعض المنشدين وبعض القراء إلي هذا الطريق، فمصر هي التي أنجبت الشيخ أحمد ندا، والشيخ علي محمود، والشيخ مصطفي إسماعيل، والشيخ الشعشاعي، والشيخ زاهر، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد.