اتفق مجموعة من الأدباء والنقاد على أن الأدب عند الكاتب الكبير الراحل محمود السعدنى لم يكن تصويرا للحياة، وإنما كان الحياة نفسها، وهو الوصف الذى وصفه به منذ سنوات صلاح حافظ على السعدنى، جاء ذلك خلال الاحتفالية التى أقامها المجلس الأعلى للثقافة أمس، الخميس، لتأبين الراحل محمود السعدنى وجمعت عددا من النقاد والأدباء. جلسات الاحتفالية تناولت العديد من المحاور، منها المجموعات القصصية للراحل والروايات والمقالات، وعن القصص قال الشاعر شعبان يوسف إن الأديب الكبير محمود السعدنى نافس بمجموعاته القصصية القاص يوسف إدريس، لدى إصداره مجموعته القصصية "السماء السوداء" عام 1955 والتى اختيرت ضمن أفضل خمس مجموعات قصصية فى ذلك العام. وأشار يوسف إلى أن فترة الخمسينيات التى ظهرت فيها مجموعة السعدنى الأولى كانت عامرة بالقصة القصيرة، حيث صدر خلالها 20 مجموعة قصصية مهمة ليوسف إدريس وسعد مكاوى وغيرهم، وهو ما لم يتكرر فى الستينيات أو فى أى فترة. وأضاف شعبان أن عددا من الكتاب الكبار اختاروا مجموعة "السماء السوداء" للسعدنى باعتبارها مجموعة قصصية هامة تمثل تيار الواقعية، ومن هؤلاء القاص يوسف إدريس، والناقد الكبير عبد القادر القط، الذى أكد على موهبة السعدنى القصصية الكبيرة، وأنها تمثل تيار الواقعية فى ذلك الوقت. و أشار يوسف إلى أن مجموعة السماء السوداء للسعدنى لم تكن مجموعة هينة، فقد اختار السعدنى شخصيات دون الطبقات الغنية، ولم تكن من الموظفين أو المدرسين، أو العمال، وإنما شخصيات فقيرة جدا، غير نمطية، ومنها رجل عاطل عن العمل قبل أن يعمل مع الإنجليز، وكل القصص بها درجة من درجات المفارقة. وتحدث الناقد عايدى جمعة عن مقاربة تحليلية لمجموعة بنت مدارس للسعدنى، مؤكدا على صورة المهمش التى حرص عليها الكاتب الكبير محمود السعدنى وانحيازه لها فى هذه المجموعة، حيث عرض السعدنى لعدة صور متنوعة للمهمش، ومنها قصة تلميذة فى المدرسة تضطر للزواج من رجل غنى، فهذه صورة المهمش الضحية، كما أن هناك صورة المهمش النصاب، وصورة المهمش الذئب والمهمش البطل وغيرها من العديد من الصور المختلفة للمهمشين. وعن التقنيات السردية فى هذه المجموعة، قال عايدى إنه وجد فيها السرد المحكم الذى يتبنى العالم المنطقى، ويحافظ على عامود السرد، فالقصة واضحة لها بداية، تتطور إلى حبكة، ثم عقدة، ثم حل. وقال جمعة: هناك يقين فى قصص السعدنى، وتصالح مع القارئ، وليس هناك التباس، فالسارد دائما واحد، فى القصة الواحدة، ويؤسس لنمط المركزية فى الرؤية والوضوح، وصورته تبدو فاعلة فى هذه المجموعة القصصية، ويبدو اليقين واضحا. فيما تناول الروائى فؤاد قنديل ظلم محمود السعدنى إبداعيا، خاصة الإبداع القصصى الذى كان عطاؤه فيه مهم للغاية، وما كان ينبغى أن يهمله النقاد، مؤكدا أن المجموعات التى قدمها السعدنى غنية جدا. وأضاف قنديل أن السعدنى قدم لنا مجموعة من القصص تعتبر شهادة أدبية عن عصر ما قبل الثورة، لتصور حال المهمشين والمطحنوين، مؤكدا أن هذه الشهادة تعتبر أهم من شهادة المؤرخين وعلماء الاجتماع. وأشار قنديل إلى أن كل قصص السعدنى مكتوبة بطريقة "الفلاش باك" فى هذه المجموعة ما عدا قصة واحدة، حيث يبدأ من نقطة ساخنة، وبمختلف أحداثها يحتضنها ويعود ليسرد باقى الأحداث، وهى بنية قصصية مبكرة جدا، فالسعدنى كان صاحب إسهام مبكر قوى فى تقديم قصة حدثية لتلك الفترة، ولغته كانت عربية وقوية جدا وقادرة على التصوير، ومطعمة بالعامية التى ظهرت فيما بعد ذلك عند آخرين، والتطعيم باللهجة العامية لم يكن موجودا على نطاق واسع. من جهة أخرى، قال الناقد حسام عقل إن السعدنى دعا إلى الاحتفال بنكسة يونيو عام 1967، مشيرا إلى أنه كتب مقالا يدعو فيه المؤسسات والجامعات إلى استخراج الدروس والعبر المستفادة من نكسة يونيو، ووصفها بأنها تساوى هزيمة محمد على وأكد عقل على أن السعدنى رأى أن الاحتفال بالهزيمة أجدى من الاحتفال بالنصر. وأشار عقل خلال مداخلته إلى أن السعدنى كتب المقال بكل أشكاله، ومنها مقال الصورة الشخصية، والمقال القصصى، ومقال أدب الرحلة وغيرها، وكان يكتب بوعى شديد، ورغم بساطته المفرطة، فقد كان يبدأ مقاله بطلقات النار مباشرة، فيضع القارئ فى بؤرة اللقطة، ثم يورد حيثيات ما جاء به فى فكرة المقال الرئيسية. وأشار عقل إلى أن السعدنى كان يكثر من استخدام أساليب الاستفهام وأكثر مقالاته تنتمى إلى مقال للسيرة الذاتية والسيرة الغيرية، وكان يوثر أن يلعب لعبة كسر أفق التوقع حيث يفاجأ قارئه فى ذيل المقال بما لا يتوقعه. فيما تناول عبد الغنى داوود النصوص المسرحية التى كتبها السعدنى، ونشر السعدنى بعضها فى شكل قصص قصيرة، مؤكدا أن أعمال السعدنى تنتمى إلى الدراما الهجائية التى تسخر وتطلق هجومها على نقاط الضعف فى المجتمع ودعا داوود إلى نشر الأعمال المسرحية للسعدنى والتى لم يسبق نشرها من قبل ومنها مسرحية " 4-2-4". فيما أشار عوض الغبارى إلى أن السعدنى عميد الأدب الساخر، وتميزت سيرته الذاتية بعشقه لمصر، كما أشار إلى عبقرية السعدنى فى رسم الشخصيات التى يتناولها بالسخرية، خاصة شخصيات النصابين وأدعياء الثقافة والصحافة. وأكد الغبارى على ذكاء السعدنى، مشيرا إلى أن سيرته الذاتية صورة لمصر فى وقت كتابتها وصور المفارقة فى سيرته بقوله: رغم الظلام الذى اكتنف حياتى، إلا أننى لست آسفا على شىء، فقد كانت تلك الأيام من حياتى.