بينما كانت الآمال معقودة على تحقيق انفراجة في جنيف 2، لإنهاء معاناة الشعب السوري، أو على الأقل وصول مساعدات إنسانية إلى المناطق المحاصرة من قبل قوات النظام، فشلت جميع الجهود الدولية في التوصل إلى صيغة تفاهم مشتركة حول الأزمة السورية، ولم يعد هناك سوى خيار زيادة الدعم للمتمردين، وأعضاء المعارضة السورية، أملاً في إضعاف نفوذ حكومة الأسد، وتشير التقارير إلى قيام حلفاء المعارضة بإعطاء دفعة نقدية للمتمردين في منطقة (حوران) بالقرب من الحدود الأردنية المشتركة مع إسرائيل، لتوازن المعركة، بعد مفاوضات انتهت في جنيف إلى طريق مسدود. في المقابل تواصل روسيا زيادة الإمدادات العسكرية للرئيس الأسد، لتعزيز موقفه على الأرض، حتى أصبحت الأحداث في سوريا حرباً بالوكالة، بين قوى موالية لواشنطن، وأخرى تابعة لموسكو، وهو ما جعل الحرب الأهلية –حسب ما قال خبراء سياسيون- تصب في صالح الأسد، باعتباره يحارب الإرهاب. ويشير د.عمرو هاشم ربيع الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى أن وجود الجهاديين الإسلاميين في الحرب الأهلية السورية آخذ في الارتفاع، وهو ما يعرقل أي معالجة سياسية للأزمة، وبالطبع المستفيد الرئيسي من هذا الوضع هو نظام الرئيس السوري بشار الأسد، يرى أن الصور الموجودة على الإنترنت لمذابح المقاتلين والمدنيين في المناطق التي تهيمن عليها الحركات المتطرفة، مثل الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، جعلت المجتمع الدولي يعتقد أن الأسد يحارب الإرهاب، كما انتبه العالم بشكل متأخر إلى الرعب الذي ينتشر عن طريق الجماعات الجهادية الأجنبية في معارك داخل سوريا، ويؤكد أن المعارضة التي تزعم أنها معتدلة أصبحت منقسمة، بعد الأنباء التي تحدثت عن حكم الجهاديين في عدد من البلدات السورية، حتى أصبح المتمردون المعتدلون والجهاديون الإسلاميون أعداء، ويبدو أن المعارك بين الجماعات المسلحة قد نمت وأصبحت أكثر عنفاً، حتى أن الأسد أصبح مستفيداً من وحشية القوى المعارضة ضد المدنيين، ورغم أن الصور والتقارير التي يتم بثها عبر الإنترنت، تعتبر جزءاً من الحرب الإعلامية والاستخباراتية للنظام السوري، إلا أنه يمكن القول أن الأسد نجح في توصيل الرسالة إلى الغرب وأوروبا، بأنه يحارب الإرهاب. ومنذ بدء الحرب الأهلية السورية، أطلق النظام على المعارضة بأنها قوى إرهابية، كما يضيف، د.حسن أبو طالب الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ويقول: بغض النظر عما إذا كانوا مواطنين سوريين أو أجانب، لكن بفضل المتطرفين الذين يتوافدون إلى البلاد من الخارج، أصبح للنظام ما يبرره على نحو متزايد في استخدام مصطلح "إرهابية"، حيث كانت الكلمة في البداية تستخدم للتنديد بالمعارضة، لكنها أصبحت واقعاً سياسياً، ويرى أن تواجد قوى الإرهاب المتطرف يمثل هذا الواقع مكسباً سياسياً للحكومة، حيث تغيّرت أولويات الدول الغربية في مواجهة تزايد قوة المتطرفين في سوريا، بعد أن أيّدت الحكومات الغربية في البداية قتال المتمردين ضد الأسد، الآن أصبح الجميع يتقرب إلى الأسد، ليس لأنهم غيّروا ولاءهم، ولكن لأنهم قلقون من انتشار الإرهاب وتهديد الغرب وأوروبا، ويشير أبو طالب إلى أن ما يسمى بالحرب على الإرهاب أصبح أساساً للشراكة بين روسياوسوريا، حيث يعمل الطرفان على محاربة الإرهاب كوسيلة لتبرير عمليات النظام السوري العسكرية، بالإضافة إلى أن الحرب ضد الإرهاب ستكون عاملاً لتجنب النظام أي مساءلة قانونية أمام الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية في المستقبل، وألمح إلى أن هؤلاء المتطرفين أصبحوا سبباً لإنقاذ الأسد من السقوط الشعبي. وفي رأي د.شيرين فهمي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أن تناول الحرب ضد الإرهاب في سوريا، أعطى الدول الغربية متسعاً سياسياً للوصول إلى أهدافهم، وأن ما يحدث حالياً على أرض الواقع زاد من أسهم الأسد عند حلفائه، وتشير إلى أن هناك توقعات أن يلين موقف أمريكا نحو سوريا، وتتعامل مع الأسد للقضاء على الإرهاب، وتؤكد أن نظام الأسد بعد ترسيخ مفهوم الحرب على الإرهاب، يريد اتخاذ خطوة أخرى مماثلة لكسب تعاطف المجتمع الدولي، لكن يظل التخوّف الغربي من التحالف مع نظام الأسد، خوفاً من النظر للأمر على أنه دعم دكتاتور وحشي، خاصةً وأن الغرب دعّم المعارضة في وقت سابق لإسقاط الأسد، وسيتعامل فقط مع المواطن الغربي الذي اشترك في القتال حال عودته إلى موطنه، واستطردت قائلة: أياً كان اختيار القادة الغربيين، يظل الإرهاب الإسلامي قنبلة موقوتة تنتظر العالم بأسره، خاصةً بعد أن تحوّلت سوريا إلى أرض الجهاد العالمي، بالإضافة إلى أن الخطر الذي يشكّله الجهاديون نما بالفعل إلى البعد الذي من المفترض أن يغيّر نظرة الحكومات الغربية للصراع الدائر في سوريا، فالعاصفة تختمر وسوف تطال منطقة الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا، وتنوه إلى أن مصطلح (الجهاد ضد الجهاد) بدأ يطفو على السطح في سوريا، فحلفاء الأسد كما تضيف فهمي من الشيعة مثل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني يزعمون أنهم يجاهدون ضد قوى الجهاد المتطرف الإسلامي "السُنة" مثل تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به، حتى تحوّل الأمر إلى صراع طائفي بين المقاتلين. بينما يؤكد د.طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن تحالف حزب الله مع الرئيس الأسد الذي يمثل الطائفة العلوية من الإسلام الشيعي، جعل الاشتباكات تتصاعد جنوب غرب حمص، وفي بعض المناطق التي هي موطن لكلا طرفي الإسلام من الشيعة والسنة، وتابع: مقاتلو حزب الله اللبناني يسيطرون حالياً على ثماني قرى على الحدود السورية تابعة لأهل السُنة، وتحاول بين الحين والآخر الانتقال إلى ثلاث قرى أخرى مجاورة للسيطرة عليها، من قوات الجيش الحر السوري، وهو ما يجعل وتيرة الحرب تتحوّل إلى طائفية، ويشير إلى أن الرئيس بشار الأسد والده الراحل حافظ الأسد، سمح بتمرير الأسلحة من إيران لحزب الله عبر دمشق، والتي يتم نقلها بعد ذلك عبر الحدود الى لبنان، وهو طريق الإمدادات الرئيسية للجماعات المتمردة منذ قيام الثورة السورية، وهذه الأسلحة التي دخلت عبر سنوات تم استخدامها في الحرب اللبنانية الإسرائيلية، والآن يُجرى استخدام بعضها في الحرب الأهلية السورية حالياً، حيث نجح حزب الله في إضعاف قبضة المعارضة على الأحياء السنية، وينبه أستاذ العلوم السياسية إلى أن هناك تقارير تؤكد أن إيران وحزب الله قاما ببناء شبكة ميليشيات في سوريا لصون وحماية مصالحهم حال سقوط حكومة الرئيس بشار الأسد، أو أجبر على التراجع عن دمشق. وفي سياق متصل يقول د.خليل درويش أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة:أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تزعم أنها ترسل شحنات أسلحة إلى الفصائل المتمردة المعتدلة، وهناك تقارير تؤكد سعي واشنطن للاعتماد على خطة لزيادة تدريب المقاتلين، وشحنات الأسلحة الصغيرة للمتمردين، لزيادة وتيرة الحرب وتقويض سلطة الأسد، ويرى درويش أن أمريكا تستند في زيادة المساعدات وإرسال شحنات الأسلحة للفصائل المتمردة عبر الأردن على طول الحدود الجنوبية مع سوريا، لممارسة ضغوط عسكرية كبرى على الرئيس السوري المدعوم من روسيا بشار الأسد، وأوضح أنه رغم الإمدادات الأمريكية للمتمردين، إلا أنها تخشى من وقوع هذه الأسلحة في أيدي الجماعات الإسلامية المتشددة، والتي يمكن استخدامها مستقبلاً لمهاجمة إسرائيل، ويؤكد أن الأسد استفاد كثيراًَ من دعم أمريكا وأوروبا للفصائل المتشددة مثل جبهة النصرة، ودولة العراق الإسلامية وبلاد الشام الموحدة، المرتبطون بتنظيم القاعدة، في حشد بعض دول العالم إلى الضغط على أمريكا، لوقف إمدادت دعم المعارضة المتطرفة بالسلاح والمال.