أثار تصريح اللواء سالم إدريس رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر، "أنه سيكون على استعداد للانضمام الى قوات النظام التابعة للرئيس بشار الأسد للقتال ضد مجموعات تابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، لطرد هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة من البلاد".. تأتي هذه التصريحات بعد أن تأكد أمام العالم أن هناك ثلاثة اتجاهات تتصارع في أرض المعركة داخل دمشق، وهي النظام والمعارضة المسلحة والجماعات المتشددة التي اتضح أنها مرتبطة بالقاعدة بشكل رئيسي لتقسيم البلاد، ولم يعد الهدف نجاح الثورة السورية الشعبية كونها تحولت إلى ثورة مسلحة وحرب أهلية. د. غالب قنديل مدير مركز الشرق الجديد للدراسات السياسية قال: إن المعارضة السورية خففت من مطالبها أمام القوى الدولية قبل انعقاد محادثات السلام في جنيف المقررة الشهر القادم، حيث تخلت تماماً عن فكرة تنحي الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة، نظراً لأن الواقع يؤكد أن النظام مازال قوياً ومتماسكاً في مواجهة المسلحين، ولابديل أمام القوى المسلحة في الداخل والقوى الخارجية سوي الاستسلام أمام الحل السلمي للأزمة قبل أن تتحول سوريا إلى مأوى لتنظيم القاعدة والمتطرفين من حول العالم، موضحاً أن ديناميكية فوضى الحرب الأهلية السورية تحولت جذرياً بعد إعلان رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر نوايا قوات المعارضة في الانضمام إلى قوات النظام للدخول في مواجهة مشتركة ضد نفوذ الجماعات الجهادية المتزايد المرتبطة بتنظيم القاعدة، وقد تكون هذه رسالة للجيش النظامي أنه في حال رحيل الأسد لن يتم حل هذا الجيش أو محاكمة قياداته كما حدث مع الجيش العراقي بعد الإطاحة بالرئيس صدام حسين وأيضاً مع الجيش الليبي بعد سقوط معمر القذافي، مؤكداً أن قوات الجيش السوري الحر لن تقاتل تحت خدمة النظام الحالي، ولكن في حال تنحي الأسد فإن المعارضة المسلحة قد تكون جاهزة للانضمام إلى القوات الحكومية للقتال في صف واحد ضد الحركات الإسلامية المتطرفة، ويبقى السؤال قائماً، من يضمن عدم دخول القوى المسلحة المتباينة في سوريا حروباً مريرة بعد رحيل الأسد؟، ورغم أن الدول الغربية باتت تعتقد أن سوريا أصبحت تمثل أكبر خطر محتمل لتسرب الإرهاب إلى أوروبا وأمريكا، بجانب سفر الآلاف من المسلمين حول العالم للانضمام إلى الجهاد، إلا أنها لا تستطيع ضمان هذا الاتفاق، ومن هنا جاء ازدهار الجماعات الإرهابية التي استغلت الفراغ الأمني الحاصل بعد سقوط الأنظمة الحاكمة في دول الربيع العربي. ومن جانبه وصف د.عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للعلاقات الدولية، تراجع المعارضة المسلحة المعتدلة في سوريا عن أهدافها في نجاح الثورة وإسقاط نظام بشار الأسد، بأنه دافع من اليأس المرير واعتراف بالخطأ بعد انشقاق كثير من الجنرالات بوحداتهم العسكرية عن الجيش النظامي، وهو ما سمح للجماعات المتطرفة بالنفاذ إلى الجيش السوري الحر بحجة مساعدتهم في الحرب لإسقاط النظام، لافتاً إلى أن منظمة المعارضة المسلحة التي أقسم جنرالاتها على عدم التعامل مع الرئيس بشار الأسد، والتي كان هدفها فقط الإطاحة به من السلطة، أصبحت الآن تتحدث عن مكائد وتعقيدات وحيل يقوم بها تنظيم القاعدة داخل الصراع السوري، لكن بعد فوات الأوان وبعد أن اقتربت الأزمة من دخول عامها الثالث والانزلاق أكثر من أي وقت مضى في أعماق مستنقع الفوضى، بالإضافة إلى أن المعارضة المسلحة حتى وإن كانت تبدو في ظاهرها معتدلة نسبياً، إلا أنها تحمل الكثير من الأجندات العربية والغربية من أجل تنفيذ مخططات وهمية لكيفية الاستيلاء على الجيش النظامي، من أجل وضع أيديهم من جديد على مخازن الأسحلة بحجة القتال المشترك ضد تنظيم القاعدة، مؤكداً أن تعرض الجيش السوري الحر لنكسات عسكرية على أيدي قوات النظام، وعدم قدرتهم على مجاراة المتمردين الإسلاميين الجهاديين (أفضل تمويلاً وتنظيماً)، يؤكد أنهم بين مطرقة وسندان النفس الأخير في المعركة، بعد تخلي القوى العالمية عن الدعم بالمال والسلاح من مواصلة القتال، وتخوف واشنطن من وقوع أسلحتها في أيدي المتطرفين الإسلاميين. في حين أوضح د. أحمد مهران مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية، أن المعارضة المسلحة لديها الكثير من التنازلات التي ستقدمها لاحقاً قبل مؤتمر جنيف الثاني، خاصةً بعد تراجع شعبيتها في الشارع السوري وهزائمها المتتالية في معركة القلمون على الحدود مع لبنان، ومن قبلها معركة القصير، وكونها مناطق حدودية فإن النظام السوري استطاع خنق المعارضة عسكرياً وأغلق أمامهم المعابر الحدودية التي تزودهم بالمعدات والأسلحة من الخارج، وبالتالي فإن الواقع يقول إن الجيش السوري الحر بعد أن كان من كبار اللاعبين في الملعب السوري بوجوده وتحالفه مع التنظيمات الإسلامية على غرار تنظيم القاعدة، إلا أن الخلافات دبت بين الفصيل المسلح فإن كل طرف يحاول تقديم أفضل ما لديه أملاً في الحفاظ على مكانه ومكانته وكسب العديد من النقاط الممكنة ضد الآخر، حتى تحولت المعركة من حرب بين النظام والمعارضة بجميع أطيافها، إلى حرب بين معارضة معتدلة ومعارضة متطرفة، وكل طرف يحاول إزاحة الآخر من المشهد، موضحاً أن المعارضة برمتها ليس لها طريق أو قواعد ثابتة متفق عليها، ولذلك ظهرت الكثير من الانشقاقات بين صفوفهم، وظهرت مؤخراً "الجبهة الإسلامية" التي تعتبر مزيجاً من الجماعات السلفية الجهادية الإسلامية، وجماعة الولاء الإسلامي، وغيرها من التنظيمات التي خرجت من فكر وأسلوب دولة القاعدة في العراق الإسلامية والشام وجبهة النصرة الموالين لتنظيم القاعدة، ولكن بأي حال من الأحوال السائدة فإن هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة تتفق في مبدأ واحد فقط وهو حكم الشريعة الإسلامية بدلاً من الديمقراطية العلمانية بعد رحيل الأسد، وهو ما اتضح أمام قيادات الجيش السوري الحر أن بقاء التحالف مع هذه الجماعات التي ترتكب جرائم حرب موثقة، يضر بمصلحته وعدالة قضيته المزعومة التي يطالب بها، ومن هنا يرغب في إيجاد شريك قوي حتى وإن قدم تنازلات وتحالفاً مع الجيش السوري النظامي للمساعدة في التخلص من هذه الجماعات المتطرفة، ورغم أن الأمر من الناحية الشكلية مرفوض تماماً عند الأسد، إلا أن مصلحة الطرفين في التخلص من هذه التيارات قد ينتج عنها تبديل في المواقف والاستراتيجيات المستقبلية حول الصراع. وفي رأي د. مجاهد الزيات رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، أن رغبة الجيش السوري الحر في التحالف مع الجيش النظامي يأتي بعد النفوذ المتنامي لتنظيم القاعدة، وخاصة في شمال سوريا، ورغم تقويض حركة المعارضة المسلحة المدعومة من الغرب بعد نقص السلاح، إلا أن اغتيال اثنين من ضباط الجيش السوري الحر مؤخراً ألقى باللوم فيها على دولة العراق والشام الموحدة الموالية لتنظيم القاعدة، وهي منظمة تعمل ضد الجيشين (النظامي والحر) وتريد التناحر بين طرفي النزاع وتخرج هي منتصرة، فضلاً عن تعدد هجمات التنظيمات الإسلامية المتلاحقة على المعبر الحدودي الاستراتيجي من باب الهوى على الحدود التركية، وهو المعبر الذي كان تحت سيطرة الجيش السوري الحر لأكثر من عام، بجانب هجوم الإسلاميين على هيئة الرقابة المالية بعد أن كانت في قبضة الجيش الحر، وهي الآن تحت سيطرة الجبهة الإسلامية، وبالتالي خُلق صراع مسلح بين قوات المعارضة المسلحة والتنظيمات الإسلامية الموالية للقاعدة على المستودعات والأسلحة الثقيلة، وقد يخلف نقص السلاح في أيدي الجيش الحر إلى تفكيك وحداته مما يعطي أجراس الإنذار في العواصمالغربية الداعمة للمعارضة المسلحة، لاسيما وأنه قريب جداً لن يكون هناك في الواقع أي وجود فعلي للجيس الحر في شمال شرق سوريا، وبالتحديد في محافظة الرقة التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة، مؤكداً أنه رغم تفكك التنظيمات الإسلامية في سوريا لرغبتهم في عدم القتال كوحدة واحدة حتى لا يتم القضاء عليهم بسهولة، لكنهم جميعاً تعهدوا بالولاء لتنظيم القاعدة، فمثلاً انقسم تنظيم أحفاد الرسول إلى مجموعات مختلفة، وتكررت نفس القصة في المناطق الغنية بالنفط في دير الزور، حيث اختار زعماء القبائل قبول وجود القاعدة بدلاً من تحديها، وهو ما أدى في النهاية إلى تراجع الجيش الحر بعد أن عزز الإسلاميون تواجدهم وقبضتهم المسلحة على الريف الجنوبي في محافظة حلب وغيرها من المناطق، وبالنظر إلى أن العديد من الفصائل المقاتلة وأبرزها المتشددين الإسلاميين المتطرفين، فإن الجميع لم يلتزم بأي من الاتفاقات أو العهود، وبالتالي أصبح هناك عدو مشترك بين الجيش السوري الحر ونظام الأسد. ويرى د. عمرو هاشم ربيع الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن تباينات الصراع السياسي والعسكري خلقت ذراعاً ملتوية للمعارضة المسلحة قبل جنيف2، ويبدو أن الأولوية الرئيسية أمام الجيش السوري الحر هي كيفية إيجاد طريقة لمعالجة الخطر الوشيك لقوى تنظيم القاعدة المتنامي، التي أصبحت الصديق والعدو على حد سواء، بجانب اعتراف دول عربية أن بقاء هذا التنظيم يمثل تهديداً لمصالحهم الإقليمية وللاستقرار العالمي، فلا أمريكا وروسيا ولا حلفاء كل منهما تريد أن ترى سوريا تحولت إلى قاعدة انطلاق للحركة الجهادية العالمية، وعلى ما يبدو خفتت أبواق إزالة الأسد من المقعد الرئاسي الذي كان مطلباً أكثر إلحاحاً من قبل المعارضة، وأصبه هناك إمكانية بناء تحالف من قوات النظام والمعارضة لمعالجة تهديد القاعدة، وهو الهدف الأول قبل أي تسوية سياسية، كما أن هذا التحالف بات أولوية تحظى بدعم جميع اللاعبين الرئيسيين في الصراع السوري باستثناء المملكة العربية السعودية، مؤكداً أن الدعم العلني السعودي لتمويل الجبهة الإسلامية يبدو موجهاً تحديداً نحو إجهاض أي صفقة من هذا القبيل، لأنه من حيث الحسابات السعودية فإنها ترغب في الحد من النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وترفض وجود أي نظام صديق لإيران في سوريا في المستقبل.