مرة أخرى، تجددت المفاوضات بين السلطة الفلسطينية واسرائيل بعد توقفها على مدى العقدين الماضيين، وتحديداً في بداية التسعينات وسارت في اتجاه شكلي فقط دون وضع حلول جدية أمام الطرفين لتسوية الصراع، وعلى الرغم من وجود جهد عالمي مبذول لإيجاد شروط ترضي الجانبين للتوقيع على اتفاقية سلام، على غرار بعض الدول مثل مصر وإسرائيل 1979، والأردن وإسرائيل 1994. إلا أن هذه الجهود لم يكن لها أساس متبادل للقيام بذلك . في أعقاب حرب الأيام الستة أو نكسة 1967، اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 242 الذي اقترح حلا سلمياً للصراع العربي الإسرائيلي، حيث تم قبول القرار من قبل إسرائيل والأردن ومصر، ولكن سوريا عارضت الحل السلمي وأردات الدخول في معركة لتحرير الأرض العربية بالقوة كما تم انتزاعها بالقوة، حتى جاءت حرب 1973ووقتها أصبحت الدول العربية في موقف الند القوي القادر على بسط شروطه، لكن الرئيس الراحل أنور السادات فاجأ الجميع بوقف الحرب وذهب لعقد سلام مع إسرائيل رفضته كافة الدول العربية، لكن السادات أصرّ على مسعاه التفاوضي وتم عقد معاهدة كامب ديفيد. في مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد عام 1991، حضر رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير، ورئيس الولاياتالمتحدة جورج بوش الأب، للإعلان عن بدء المفاوضات المباشرة بين إسرائيل ووفد أردني فلسطيني على أساس قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي ينص على انسحاب إسرائيل من الأراضي ما قبل عام 1967، لكن المفاوضات توقفت بسبب رفض تل أبيب هذا الشرط وتمسك فلسطين بحدود دولتها. وفي عام 1993 قام رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، بالتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية حتى خرج اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993، الذي شهد اعترافاً متبادلاً من الطرفين بحدود الأرض العربية، وهذا الاتفاق الذي وقعه مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات تحت رعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، كما ينص على بدء مفاوضات بشأن اتفاق الوضع النهائي في موعد لا يتجاوز السنة الثالثة من الفترة الانتقالية، وبعدها بعام تم توقيع اتفاق "غزة - أريحا" لانسحاب القوات الإسرائيلية على مراحل من الضفة الغربيةوغزة. وفي أبريل 1996، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز وعرفات بدء المفاوضات بشأن اتفاق الوضع النهائي، تحت رعاية كلينتون, والتزم الجميع على تسويه دائمة مع هدف التوصل إلى اتفاق بحلول مايو 1999، استُؤنفت المفاوضات في يوليو عام 2000، في قمة كامب ديفيد، في محادثات مكثفة بين "إيهود باراك" و"عرفات" بمساعدة كلينتون وفريقه، وفي ديسمبر وضع كلينتون خارطة طريق لتسوية الأزمة في يناير 2001، لكن قبل وقت قصير شغر مقعد باراك لصالح أرييل شارون الذي سار في جولات ومحادثات مباشرة في طابا وشرم الشيخ برعاية الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك انتهت جميعها دون نتائج. وفي 2007، دعا الرئيس الأمريكي بوش الإبن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت وأبو مازن لحضور قمة في أنابوليس ليعلن عن بدء مفاوضات جديدة وفورية باتجاه السلام وإقامة دولتين، لكن بعدها توقفت العملية الدبلوماسية نهائياً بعد أن انهارت المحادثات التي كانت ترعاها الولاياتالمتحدة منذ أواخر عام 2010، بسبب استمرار تل أبيب في بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية وهي الأراضي التي احتلتها إبان هزيمة 1967، ومؤخراً بعد ست ساعات من المداولات يوم الأحد الماضي، صوت 13 مقابل 7 و اثنان امتنعوا عن التصويت من قبل وزراء الحكومة الإسرائيلية حول إطلاق سراح 104 من السجناء الفلسطينين، حيث اعتبر البعض أن قرار الإفراج مهد الطريق لاستئناف محادثات السلام وتجددها مرة أخرى، إلا أنه وعقب التصويت خرج مئات من الإسرائيليين إلى الشوارع للاحتجاج بمشاركة أفراد من الأسر الذين فقدوا ذويهم على أيدي مسلحين فلسطينيين، لكن نفس الأمر يمارسه الجيش الإسرائيلي يومياً مع الشعب الفلسطيني، ولم تعبأ الحكومة بهذا الخروج وسارت في مسار المفاوضات، حيث سيمثل تل أبيب وزير العدل الإسرائيلي، تسيبي ليفني، وإسحاق مولخو، المبعوث الخاص لرئيس الوزراء نتنياهو، أما الجانب الفلسطيني سيكون صائب عريقات كبير المفاوضين، ومحمد أشتية مستشار الرئيس محمود عباس. وقال نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي على صفحته بموقع التواصل فيسبوك: إن السجناء سيفرج عنهم بعد موافقة السلطة الفلسطينية على بدء المحادثات، وسيكون الأمر في شكل مجموعات على أساس التقدم الدبلوماسي في المحادثات، وأشار إلى أن تل أبيب وافقت على خروج بعض السجناء لإثبات حسن النوايا ولطالما طالب الفلسطينيون بالإفراج عن السجناء الذين تعرضوا للسجن في اسرائيل منذ عام 1993، عندما وقعت الدولتان معاهدة السلام المؤقتة المعروفة باسم اتفاقيات أوسلو. بينما أوضح صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين، أن خطوة الإفراج عن السجناء جاءت متأخرة لكنه موقف يستحق الإشادة من جانب حكومة نتانياهو، وقال: نحن ندعو إسرائيل إلى اغتنام الفرصة لوضع حد لعقود من الاحتلال والمنفى والبدء في مرحلة جديدة من العدالة والحرية والسلام لإسرائيل وفلسطين وبقية دول المنطقة، واعتبر عريقات أن الإفراج عن السجناء يعطي مرونة أمام نتانياهو للتفاوض حول المطالب الفلسطينية الأخرى، مثل وقف توسيع المستوطنات اليهودية وضمان أن المحادثات بشأن الحدود سوف تستند على حدود ما قبل 1967، عندما استولت إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. وتأتي مفاوضات السلام بين إسرائيل وفلسطين منذ فترة طويلة كجزء من اتفاق توسطت فيها الولاياتالمتحدة ليجلس كلا الجانبين على طاولة المفاوضات من جديد بعد جمود الدبلوماسية لمدة ثلاث سنوات، وبدورها قدمت السلطة لائحة السجناء المطلوب الإفراج عنهم دون شروط، وكشرط فلسطيني للمشاركة في محادثات واشنطن، حيث قبل الجانبان دعوات رسمية من وزيرة الخارجية جون كيري ليأتوا إلى واشنطن لاستئناف المفاوضات، ومحاولة وضع حل نهائي للأزمة العالقة مباشرة ووجهاً لوجه بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس. د.عماد جاد الخبير السياسي بمركز الأهرام للدرسات السياسية والاستراتيجية قال : إن خطوة بدء المحادثات بين فلسطين وإسرائيل من الناحية الشكلية هامة جداً، لكن على أرض الواقع هناك معضلات كثيرة أهمها عدم نية تل أبيب في التراجع عن بناء المستوطنات أو الرجوع إلى حدود ماقبل 67، رغم أن هذا هو شرط السلطة, حيث يريد الفلسطينيون إقامة دولة تضم الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، والأراضي التي استولت عليها إسرائيل في حرب الايام الستة أو النكسة، موضحاً أن اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين ضمن تلك الحدود عام 1967، سيكون لها تأثير مباشر على المفاوضات، ومن هنا لابد من دخول مصر كقوى ضعط إقليمية لتحقيق هذا الشرط وفقاً للدبلوماسية المصرية وعلاقاتها المتشعبة ومصالحها المتبادلة وأيضاً لتأمين المحادثات. بينما أكد د.حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الولاياتالمتحدة ينبغي أن تركز جهودها حول وضع حل دبلوماسي لنهاية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بدلاً من ترك هذا الملف في أيدي قوى إقليمية لن تستطيع أن تضع حلولاً أو تضمن تنفيذها لعدم وجود قوى ضامنة حقيقية بين الطرفين، فإما أن تكون محادثات السلام برعاية أمريكا أو مصرية وإما أن تتوقف نهائياً، نظراً لأن الدولتين يمثلان قوى ضاغطة على تل أبيب وفلسطين، ووجود القاهرةوواشنطن يضمن الاتفاقيات التي تتم داخل الغرف المغلقة، موضحاً أن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي لديه رغبة حقيقية في إنهاء الصراع المستمر في المنطقة ولذلك لابد من استغلال هذا الرجل لإنهاء المفاوضات التي قد تستغرق أشهر متعددة ومتوالية، ومع ذلك فإن تركيز كيري على استئناف إعادة الفرص الضائعة في التفاوض بين الطرفين المتوقف منذ ثلاث سنوات يعد بمثابة إحياء لحلم إقامة الدولتين وفرصة سانحة للسلطة للوقوف على أرض ثابتة وقوية في المحادثات. ويرى د.وحيد عبد المجيد الخبير السياسي، أن مايحدث الآن لا يعدو كونه مجرد مباحثات ومبادرات حول بعض البنود التي طرحها كيري، لكن بمجرد بدء المحادثات بشكل جدي بين إسرئيل وفلسطين فإن الفجوة بين الجانبين ستكون واسعة ومن الصعب التغلب عليها، حيث تتمسك السلطة بحدود ماقبل 67 بينما تصر تل أبيب على بناء المستوطنات وتجريف الهوية، وحتى إن كان الرئيس أوباما على استعداد لممارسة ضغوط على إسرائيل، فإن نتانياهو سيرفض ذلك لأنه يرفض مشاركته في صنع السلام، لكن واشنطن تستطيع أن تكسر عناد وعنجهية تل أبيب في حال هددت بتخفيض مساعداتها المالية والعسكرية إلى إسرائيل في حال رفضت أو راوغت قبول شروط الولاياتالمتحدة للتوصل إلى حل الدولتين، موضحاً أن الفشل في إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية على حدود 67 التي تحتلها إسرائيل سيؤدي على نحو متزايد من قبل الرأي العام العالمي أن تل أبيب ترفض السلام وتعمل على زيادة الوضع العنصري بين مواطنيها اليهود تجاه مواطني فلسطين، بجانب وجود العديد من العقبات السياسية التي تقف بينهما في التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. أما حنان عشراوي المتحدثة باسم السلطة الفلسطينية قالت، إن المحادثات تُجرى في ظل ظروف أكثر صعوبة من المفاوضات السابقة، لوجود انقسام فلسطيني داخلي بين القيادات السياسية ومع حكومة حماس التي ترفض مبدأ التفاوض من الأساس، كما أن الأحداث التي تمر بها مصر جعلتها أكثر انشغالاً على مسئولياتها الداخلية حيث توقفت تماماً جهود المصالحة بين الفصائل الفلسطينية التي كانت ترعاها القاهرة، وهو الأمر الذي جعل السلطة الفلسطيينة تتخوف من عدم وجود شريك عربي قادر على التفاوض مع تل أبيب لضمان التزام كل طرف بما يأتي في الوثيقة، وأوضحت أن المحادثات هذه المرة ستكون فرصة تاريخية ومن الصعب تكرارها في المستقبل القريب لوضع خطة عمل إجرائية لكافة الأطراف المتصارعة نحو ما يسمى حل الدولتين الذي يؤسس دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل. في المقابل رفض إسماعيل الأشقر القيادي بحركة حماس، ذهاب عباس إلى الأممالمتحده منفرداً دون مشورة مع الحكومة أو القاهرة، حيث ينبغي على السلطة أن تشارك الشعب في مصير بلاده، ومن غير المعقول أن يوافق عباس على شروط واشنطن وتل أبيب على غرار اتفاق أوسلو الذي أضاع مكتسبات البلاد وأخضع المجال الجوي والمياه الإقليمية التابعان لقطاع غزة لسيطرة حصرية للجانب الإسرائيلي، موضحاً أن التفاوض يعطي مكاسب سياسية وديمقراطية دائمة لدولة الاحتلال، بينما تجرّ هذه المفاوضات الويلات والنكبات على الشعب الفلسطيني، نظراً لأن تل أبيب دائماً تحتفظ بشروطها وتصر على تنفيذها مثل بناء المستوطنات، بينما تتراجع السلطة وتوافق على الشروط أملاً في إصلاح الموقف الإسرائيلي، ومن ثم يتحقق المكسب السياسي المرجو من المفاوضات تجاه الدولة العبرية, ويكون هناك خسائر مما تبقى في أراضي الدولة الفلسطينية.