البابا تواضروس: عيد القيامة المجيد هو عيد الأعياد وفرحة الأفراح    قرار رسمي جديد بشأن بشأن "زي المدارس" على مستوى الجمهورية    "إسكان النواب" تكشف أسباب عدم تطبيق التصالح في مخالفات البناء    نميرة نجم: حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها غير موجود لأنها دولة احتلال    وزير الأمن القومي الإسرائيلي:" لا للتفاوض مع حماس ونعم لاجتياح رفح"    مريم متولي أفضل لاعبة في بطولة إفريقيا لكرة الطائرة سيدات    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. ريال مدريد يحسم الليجا ومعلول يرتدي شارة الأهلي وسام مرسي يصعد للبريميرليج    معلول: تشرفت بارتداء شارة قيادة أعظم نادي في الكون    بعد الوحدة.. كم هاتريك أحرزه رونالدو في الدوري السعودي حتى الآن؟    أول تعليق من كولر على أزمته مع أفشة عقب مبارة مازيمبي    بمناسبة عيد القيامة.. رئيس قضايا الدولة يشارك في احتفال الكاتدرائية المرقسية    بسبب ماس كهربائي.. المعمل الجنائي يعاين حريق مخزن قطع غيار بالعجوزة    إصابة 10 أشخاص فى أسيوط إثر انقلاب سيارة "تمناية"    الإنقاذ النهرى بالغربية ينتشل جثة غريق فى السنطة    "قطعتها على طريقة الجزارين".. اعترافات مثيرة لقاتلة الحاجة عائشة بالفيوم    قصة شم النسيم الحقيقية وسبب تسميته بهذا الاسم.. اعرف الجديد    تنبؤات المعهد القومي للبحوث الفلكية بتحديد موعد عيد شم النسيم لعام 2024    سعاد صالح: لم أندم على فتوى خرجت مني.. وانتقادات السوشيال ميديا لا تهمني    صيام شم النسيم في عام 2024: بين التزام الدين وتقاطع الأعياد الدينية    خاص| زاهي حواس يكشف تفاصيل جديدة عن البحث على مقبرة نفرتيتي    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    عوض تاج الدين: تأجير المستشفيات الحكومية يدرس بعناية والأولوية لخدمة المواطن    اتحاد الصناعات: نواقص الدواء بالسوق المحلي 7% فقط    لطلاب الثانوية العامة 2024.. خطوات للوصول لأعلى مستويات التركيز أثناء المذاكرة    زغاريد وترانيم فرايحي بقداس عيد القيامة المجيد فى الدقهلية    بالصور.. الأجراس والترانيم تتعالى داخل كنائس وأديرة جنوب سيناء    قداس بدولة الهند احتفالا بعيد القيامة    المحبة والأخوة.. محافظ الغربية يشهد قداس عيد القيامة بكنيسة ماري جرجس بطنطا    محافظ بني سويف يشهد مراسم قداس عيد القيامة المجيد بمطرانية ببا    حقيقة وصول عروض احتراف لنجم الجونة    ملف رياضة مصراوي.. طاقم تحكيم الزمالك.. صعود سام مرسي.. وفوز الأهلي    الزمالك وديربي إنجليزي.. مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    عيار 21 بعد الارتفاع الجديد.. أسعار الذهب اليوم الأحد 5 مايو 2024 في مصر المصنعية (تفاصيل)    أسعار سيارات مرسيدس EQ في السوق المصري    التحالف الوطني يكرم ذوي الهمم العاملين بالقطاعين العام والخاص بالأقصر    ب 150 ألف مقدم.. تفاصيل شقق الإسكان المتميز قبل طرحها بأيام- (صور)    رئيس الغرفة التجارية بالجيزة: شركات عدة خفضت أسعار الأجهزة الكهربائية بنسب تصل إلى 30%    شديد الحرارة ورياح وأمطار .. "الأرصاد" تعلن تفاصيل طقس شم النسيم وعيد القيامة    نجل «موظف ماسبيرو» يكشف حقيقة «محاولة والده التخلص من حياته» بإلقاء نفسه من أعلى المبنى    المنيا تستعد لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    مهران يكشف أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في التأمين    وزارة العمل تكشف اخر مستجدات قانون العمل    بمشاركة رؤساء تحرير الصحف القومية.. مكتبة مصر العامة تناقش دور الصحافة في دعم الدولة المصرية    ضياء رشوان: لم يتبقى أمام نتنياهو سوى العودة بالأسرى بعد فشل إسرائيل.. فيديو    أهالي الجنود لجيش الاحتلال: اقتحام رفح يعني فخ الموت.. لم نعد نثق بكم    برج العقرب .. حظك اليوم الأحد 5 مايو 2024 : مشاعر غير متوقعة    عمرو أديب يوجه رسالة إلى التجار ويحذر: «علامة مش كويسة للسوق» (فيديو)    فستان حورية البحر.. نجوى كرم تثير الجدل بأحدث إطلالة| شاهد    قتيلان وجرحى في هجمات روسية على 3 مناطق أوكرانية    حكم سفر المرأة الكبيرة للحج دون محرم.. دار الإفتاء ترد    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    أوكرانيا تعلن إسقاط طائرة روسية من طراز "سوخوي - 25" فوق دونيتسك    ألمانيا تحقق مع متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين    غصة للاحتلال .. "السنوار" يهاتف فصائل فلسطينية لبحث ملف التفاوض بعد تجوله بغزة    "زلزال".. تعليق صادم من تامر أمين على صورة حسام موافي وأبو العينين (فيديو وصور)    من القطب الشمالي إلى أوروبا .. اتساع النطاق البري لإنفلونزا الطيور عالميًا    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    رمضان عبد المعز يطالب بفرض وثيقة التأمين على الطلاق لحماية الأسرة المصرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ندوة عن "أهمية دولتي شمال وجنوب السودان في دعم الأمن القومي"
نشر في صوت البلد يوم 17 - 06 - 2013

لاشك أن قضية انفصال جنوب السودان عن شماله نشأ عنها مشاكل ومخاطر كثيرة، إذ تم تمزيق الوحدة الوطنية والقومية من خلال هذا الانفصال.. وإذا بحثنا عن واقع السودان نجده أنه يشكل بمساحته الكبيرة "2.5 مليون كيلو متر مربع( أو بدولتيه حاليًا) جمهورية السودان "1.864.000 كم 2" وجمهورية جنوب السودان "635 ألف كم 2"ويشكل الامتداد الفسيح إلى قلب أفريقيا وحلقة الاتصال أو الوصل بين مصر ودول حوض النيل والقرن الأفريقي شرق أفريقيا، فضلًا عن البحر الأحمر..كما يشكل السودان بدولتيه الجزء المكمل لمصر في وادي النيل، فكل من الدول الثلاث تشمل جغرافيا ما يطلق عليه "دول المصب" بالنسبة للنيل، والدول الثلاث تشكل نسبة 75% من طول مجرى النيل وروافده، بما في ذلك من دلالة جغرافية وطبيعية ومن ثم قانونية.
والعلاقات والروابط الخاصة جدًّا التي تربط مصر بالسودان "بدولتيه" سواء من الناحية التاريخية أو البشرية أو الثقافية والدينية، كلها تمثل خصوصية فريدة في العلاقات البينية وكذلك في الأمن الإقليمي في المنطقة العربية والأفريقية، وبصفة خاصة في منطقة حوض النيل والقرن الأفريقي.ولذلك أقام المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية ندوة بعنوان "أهمية دولتي شمال وجنوب السودان في دعم الأمن القومي"؛ لمناقشة تلك الأخطار الاستراتيجية التي تحيط بالسودان وحوض النيل.
في البداية قدم أسامة الجريدلي رئيس المركز السادة المتحدثين في الندوة ومنهم د. هاني رسلان، والسفير محمد الشاذلي، ود. محمود أبو العينين أستاذ العلوم السياسية، العميد السابق لمعهد البحوث والدراسات الأفريقية جامعة القاهرة، الذي بدأ الحديث عن "تطورات الأوضاع الداخلية في دولتي السودان، وأثرها على الأمن الإقليمي". فشرح التطورات الداخلية المهمة في شمال السودان بعد انفصال الجنوب: على المستوى الاقتصادي، حيث أحدث انفصال الجنوب هزة عنيفة في اقتصاد الشمال، فمعدل النمو السنوي انخفض إلى 1.2%، وارتفع التضخم من 7% إلى 23%، وصل في آخر تقديرات 46.5%، كما أحدث خروج ما بين 70% من النفط من ميزانية الشمال لصالح الجنوب، أحدث أزمة كبيرة في قطاعات كثيرة، منها القطاع الصناعي الذي انخفض نسبيًّا من الناتج القومي 24.7% إلى 16.7% منذ عام 2010، وكذلك القطاع الزراعي الذي انخفض نصيبه كذلك، وصار على الحكومة سد العجز سواء بالاقتراض الداخلي من الجمهور أو البنك المركزي، أو السحب من القروض الداخلية، كما أصبح من الضروري الاعتماد بشكل رئيس على الاستثمار الخارجي لتمويل التنمية، وهو ما يحتاج لجهود كبيرة لم تحدث بعد. وقد أثرت هذه الأوضاع على مستوى حياة المواطنين في الشمال، حيث بدأت الشكوى من الغلاء وعدم وجود السلع، التي تم منع كمية كبيرة منها كانت تستورد من الخارج "150 سلعة"؛ لعدم وجود عملة صعبة. على المستوى السياسي شعرت الحكومة وحزبها "حزب المؤتمر الوطني" بأزمة أو ربما انكسار بعد انفصال جنوب السودان، ورغم أن بعضهم يكابر في هذه المسألة، ويحاول البعض الآخر التمسك بأمل إيجاد روابط أقوى بين الشمال والجنوب في المرحلة القادمة قد تصل في رأي البعض مثل الرئيس البشير إلى حد الاتحاد، إلا أن المشهد السياسي عكس مسئولية الرئيس والحكومة عما حدث من تقسيم السودان، ومدى الآثار السلبية الناجمة عن ذلك، ومحاولة قيادات حزب المؤتمر الحاكم، والتعامل مع التداعيات بكل الوسائل الممكنة.
تناحر وصراعات
وتحدث د. محمود أبو العينين عن الأوضاع الداخلية في جنوب السودان بأنها استمرار لمظاهر عدم الاستقرار الداخلي في الجنوب، والذي يعود إلى التناحر والصراعات القبلية، وهو ما يؤدي إلى خسائر وكوارث إنسانية بشكل يكاد يكون يوميًّا، وقد حذر تقرير البنك الدولي من هذه العسكرة المفرطة سواء على المستوى القبلي أو الحكومي والقيادات، فقد برزت نحو 7 حركات مسلحة متمردة تحمل السلاح ضد الحكومة في الجنوب، وفي الوقت نفسه الذي عجزت فيه حكومة الجنوب عن فرض الأمن، فإن ميزانية التسلح التي تخصصها حكومة جوبا تعد الأكبر في دول المنطقة، حيث تصل إلى 2.7 مليار دولار سنويًّا، حيث تقوم شركات أمريكية فضلًا عن إسرائيل بتحديث الجيش الشعبي وتحويله إلى جيش نظامي، يقدر بنحو 200 ألف جندي ، وثمة مساعدات أمريكية لجنوب السودان "500 مليون دولار سنويًّا" في أقل التقديرات منذ عام 2005، وما زالت المساعدات الأجنبية تتدفق على الجنوب، خاصة بعد وقف تصدير النفط.
ومن المشاكل الأخرى أيضًا تفاقم الأزمة الاقتصادية في ظل وقف تصدير البترول والفساد الحكومي والإداري: فالدولة الوليدة تكاد تكون خالية أو محرومة تمامًا من البنية الأساسية والخدمات العامة، كالمستشفيات والطرق والكهرباء والإسكان لاستيعاب الجنوبيين القادمين من الشمال، وبالرغم من التوقعات المتفائلة حول الثروة البترولية التي تمثل 98% من الدخل القومي لجنوب السودان، إلا أن الخلافات حول رسوم العبور والقضايا الأمنية أدت إلى قرار الحكومة في جوبا بوقف وإغلاق خط أنابيب نقل البترول في 20 يناير 2012، وبذلك خسرت جنوب السودان نحو 650 مليون دولار كانت تدخل خزينتها شهريًا، الأمر الذي وصفه البعض بأنه "انتحار اقتصادي"، وقد زاد الأمر سوءًا الفساد الإداري والحكومي، على سبيل المثال تأجير أراضٍ خصبة إلى مستثمرين أجانب بأسعار رمزية مقابل رشاوٍ، بلغت نحو 2.6 مليون كم من أكثر القطاعات خصوبة، وهي من الأمور الصادمة في دولة جديدة تبلغ نسبة الأمية فيها إلى 80%، كما أن 4.7 أي نصف السكان ليس لديهم ما يكفي من الطعام ويتعرضون لأزمة غذائية حادة، في ظل تضخم بلغ نحو 80% وارتفاع أسعار الدواء.
تحركات دولية واقليمية
ثم تحدث د. هاني رسلان، رئيس تحرير ملف الأهرام الإستراتيجي، رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عن "مواقف وتحركات القوى الإقليمية والدولية تجاه الدولتين". فقال : بررت أزمة السودان الموافقة على حق تقرير المصير على أساس أنها تمثل حلًا نهائيًّا لمشكلة الحرب الأهلية في جنوب السودان. وكان من المأمول أنه بانفصال الجنوب واستجابة الشمال لهذا الأمر بشكل طوعي، سوف يكسب السودان السلام ويوقف نزيف الدم ويتجه إلى التنمية، إلا أنه من الواضح أن هذه الآمال تذهب الآن أدراج الرياح، إذ نشبت الحرب في جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق التي لم تحسم بعد. وما زالت هناك أزمة أبيي بكل تعقيداتها بالإضافة إلى أزمة دارفور التي من الواضح أنها ما زالت بعيدة عن الحل رغم توقيع اتفاق الدوحة الأخير.وكل هذه المشاكل والأزمات تقع داخل الشمال الجغرافي، في الوقت الذي لم تحل فيه أيضًا القضايا العالقة مع دولة الجنوب وأهمها: الحدود، والنفط، وأبيي، وطبيعة العلاقات الاجتماعية والتجارية على جانبي خط الحدود الممتد إلى ما يقرب 2000 كم، وما زالت الاتفاقيات الموقعة بين دولتي الشمال والجنوب في سبتمبر 2012 لحل هذه القضايا تتعثر حتى الآن.
وأضاف " رسلان " : لاشك في أن مصر سوف تواجه مأزقًا إستراتيجيًّا لا يُستهان به في مدى زمني قصير لا يتجاوز عشر سنوات، إن لم تسارع إلى تبني تحركات نشطة تستثمر فيها الموارد المتاحة إلى حدها الأقصى، من أجل تنفيذ إستراتيجية مركبة تقوم على الحفاظ على تماسك دولة شمال السودان، وكذلك مساعدة دولة جنوب السودان على الاستقرار والتنمية بجهد مصري عربي مشترك، مع السعي بقوة إلى خلق وتشجيع علاقة تعاونية بين شمال وجنوب السودان. وفي الوقت ذاته فإنه يجب الشروع في إطلاق مبادرة جديدة لإنشاء إطار إقليمي تعاوني جديد، يوطد وينظم تفاعلات دول حوض النيل على أسس موضوعية تقوم على أساس الاعتراف بالمصالح المتبادلة، والسعي إلى تحقيق منافع متوازية للجميع بعيدًا عن الأجندات الخارجية التي لن تجلب إلى المنطقة إلا الصراع والدمار والتخريب.
والمتابع لدور وسياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه السودان يدرك بلا شك أنها تمثل اللاعب الرئيس الذي يوجه مسار العمليات السياسية الرئيسة في السودان. وقد تمخض هذا المسار عن توقيع بروتوكول "مشاكوس" في عشرين يوليو 2002، والذي تم خلاله لأول مرة إقرار حكومة السودان لأول مرة بحق تقرير المصير لجنوب السودان كصيغة تعاقدية ملزمة، ثم ترتب على ذلك توقيع اتفاقية "نيفاشا" 9 يناير 2005 إلى أن انتهت بإعلان جنوب السودان كدولة مستقلة في 9 يوليو 2011. والشاهد أن الولايات المتحدة تقوم من خلال هذه السياسة المتدرجة والممنهجة بتوجيه مسار الأحداث في السودان من خلال الحفاظ على التوازن الهش القائم، عبر الضغط على نظام الإنقاذ السوداني دون أن تصل هذه الضغوط إلى مستوى إسقاط النظام، فيما يبدو أنه إبقاء على النظام كحارس دون الانزلاق إلى الفوضى في الوقت الذي تتم فيه عملية هندسة الأوضاع وصياغتها في الاتجاه الذي تراه الولايات المتحدة محققًا أو قريبًا من مصالحها.
وقد التفتت إسرائيل منذ وقت مبكر إلى أهمية توظيف والاستفادة من الصراع في جنوب السودان، ورغم أن السودان ليست دولة مواجهة، إلا أنها بمساحتها الشاسعة وثرواتها الهائلة غير المستغلة يمكنها التحول إلى كيان اقتصادي كبير سيكون بالتأكيد مصدر قوة وإسناد لمصر والعالم العربي، ولذا يجب عدم السماح له بإنهاء الحرب الأهلية في الجنوب بل يجب إطالة أمد هذه الحرب إلى أقصى مدى ممكن عن طريق الدعم التسليحي والتدريبي والدبلوماسي والإعلامي، ومن ثم تحويل الحرب الأهلية إلى أداة لتفكيك الدولة السودانية.
وأشار" رسلان " إلى تقرير وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي والذي نشر في سبتمبر 2008 حول إستراتيجية إسرائيل تجاه أزمتي جنوب السودان ودار فور، إذ يورد التقرير حرفيًا: "إن إسرائيل حين تبلور محددات سياستها وإستراتيجياتها حيال العالم العربي، تنطلق من عملية استجلاء واستشراف للمستقبل وأبعاده، وتقييمات تتجاوز المدى الحالي أو المنظور، وأنه كانت هناك تقديرات إسرائيلية منذ بداية استقلال السودان، وأنه لا يجب أن يسمح لهذا البلد رغم بعده عن إسرائيل أن يصبح قوة مضافة إلى قوة العالم العربي.. وفي ضوء التقديرات كان على إسرائيل أن تتجه إلى هذه الساحة وتعمل على مفاقمة الأزمات وإنتاج أزمات جديدة؛ حتى يكون حاصل هذه الأزمات معضلات يصعب معالجتها فيما بعد.. لإضعاف السودان وانتزاع قدرته على بناء دولة قوية موحدة.. باعتبار هذا ضرورة من ضرورات دعم وتعظيم الأمن القومي الإسرائيلي".
لقد لعبت إسرائيل دورًا محوريًّا في استمرارية الحرب الأهلية في جنوب السودان، وذلك منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي، وكيف كانت تصل الأسلحة عبر الحدود الكونغولية والأوغندية، وكيف كان يتم ذلك في أحيان كثيرة عن طريق النقل الجوي، وتشير تقارير ودراسات عديدة إلى استمرارية هذا الدور في الثمانينيات والتسعينيات. ومن الواضح أنه بعد تحقق انفصال الجنوب جاء الدور الآن على تسريع المرحلة الثانية بالسعي إلى إعادة تقسيم الشمال، وأكد على أن إسرائيل سوف تسعى لاستخدام تواجدها الكثيف في جنوب السودان للعمل على محورين أساسيين الأول يتعلق بأزمة المياه في حوض النيل، حيث تسعى إلى عرقلة أي مشروعات لاستقطاب الفواقد في جنوب السودان، والتي كان مخططًا في السابق أن تتم لصالح السودان ومصر، ولن تعدم لذلك تحت دعاوى ومبررات بيئية أو اقتصادية أو غيرها، وفي الوقت نفسه سوف تسعى إلى تعقيد أزمة اتفاقية عنتيبي، عبر علاقتها الممتدة مع أوغندا وكينيا وإثيوبيا.
والمحور الثاني للتواجد الإسرائيلي ينصرف إلى إعطاء دفعة قوية لكل الصراعات والتوترات القائمة في شمال السودان في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وغيرها؛ لتنفيذ المرحلة الثانية من المخطط الإستراتيجي الإسرائيلي بتفكيك شمال السودان، وهذا يعني حصار مصر من ناحية الجنوب وإعادة رسم التوازنات في حوض النيل والقرن الأفريقي وأمن البحر الأحمر لصالح الإستراتيجية الإسرائيلية وعلى حساب الأمن القومي المصري. وإذا أخذنا في الاعتبار الضغوط الناتجة عن أزمة المياه فإن الهدف الماثل هو تركيع مصر وإجبارها على الانغلاق في صندوق محكم، بما يجعلها تغص بمشاكلها الداخلية وتستمر في الدوران في حلقة مفرغة من المشاكل السياسية والاجتماعية.
علينا أن نفهم هذه العلاقة، وأن يكون هناك عمل ودعم حقيقي لجنوب السودان للاستقرار والتنمية، وعدم دفعه إلى الارتباط أكثر فأكثر بالمصالح والسياسات الإسرائيلية، الخلاصة أن هناك فاعلًا إقليميًّا هو إثيوبيا، وفاعلًا إقليميًّا من خارج المنطقة وهو مؤثر إسرائيل، وعندنا دور لمؤسسة قارية الاتحاد الأفريقي، وقوة دولية هي الولايات المتحدة وهي صانع رئيس للتطورات السياسية.
وأكد على غياب الدور المصري حتى الآن، وأنه أيضًا غير مبالٍ ولا يسعى للحفاظ على الأمن القومي المصري، ويترتب عليه تداعيات بالغة الخطورة على أمن مصر واستقرارها.
خطورة الانفصال
وتحدث السفير محمد الشاذلي - سفير مصر السابق في السودان - عن تأثير محصلة العلاقات بين الدولتين على الأمن الإقليمي "عربيًا وأفريقيًا وقال في كلمته: لا يمكن النظر إلى ما يحدث في السودان بمعزل عن ما يحدث في سوريا، والعراق، وفلسطين، وليبيا، وهي كلها صراعات بين دول مُستهدَفة ودول مُستهدِفة. إن خطورة انفصال جنوب السودان تتمثل في ثلاثة أمور أساسية: أولًا: ضياع 650 ألف كيلومتر مربع من الأراضي العربية، ومما يزيد من وطأة هذا الأمر الفتور العربي وأقرب مثال ضياع فلسطين عام 1948 التي لم يتجاوز مساحتها 28 ألف كيلومتر مربع، ولعل ذلك يرجع إلى اعتياد العرب على ضياع أقاليمهم بدءًا من عام 1922 مرورًا بفلسطين في الأربعينات، والقدس في الستينيات، والجزر الإماراتية في السبعينيات، وصولًا إلى جنوب السودان. الأمر الثاني: هو إلقاء المنطقة في خضم حالة من التوتر والعنف وعدم استقرار تعوق التنمية، حيث يُعلمنا التاريخ أن تقسيم أي إقليم لم يؤدِ أبدًا إلى الاستقرار، بل أدى إلى الاحتقان والعنف، "تقسيم ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية حوّل وسط أوروبا إلى عالم مهدد بحرب نووية يهدد وجود البشرية، وتقسيم كوريا حول شبه الجزيرة الكورية، وهي منطقة من أكبر المناطق التهابًا في العالم، كما فعلت الصين في بحر الصين في الجنوب، ناهيك طبعًا عن تقسيم فلسطين".
وفي التقدير أن إبقاء هذه المنطقة دون عنف طالما تستأثر الصين بالبترول، ولإلهاء السودان عن تنمية أهم مواردها التي أُهملت تمامًا لصالح البترول وهي ثرواتها الزراعية، والتي تتمثل في 220 مليون فدان قابلة لزراعة 150 مليون رأس ماشية، وهي بذلك الدولة العربية الوحيدة القادرة على علاج أضعف حلقة في سلسلة الأمن القومي العربي، وهي حلقة الأمن الغذائي.
وأود أن أشير إلى ما قاله د. هاني رسلان، أن تنمية السودان تحتاج إلى بناء البنية التحتية من طرق برية ومحطات رفع مياه ومحطات طاقة وصوامع ومخازن ومجازر وثلاجات كلها تحتاج إلى تمويل، وللأسف نجد أن دولة مثل دولة الإمارات العربية المتحدة لديها صندوق أبو ظبي للتنمية يتحكم في تريليون دولار مستثمرة في شمال أمريكا وغرب أوروبا، وكان بقدر يسير من هذا يكفي لتنمية السودان ولصالح استقرار السودان ولصالح الأمن الغذائي والأمن القومي العربي.
الأمر الثالث: هو الأخطر والأهم التنافي العربي الأفريقي واستحالة التعايش بينهما يحول العروبة من مفهوم حضاري ثقافي، أمة تتحدث العربية ويحركها رموز تاريخية وحضارية واحدة، العرب والأفارقة وأكراد، ومسلمون سنة وشيعة، ومسيحيون، وروم، وفرس، وأرمن، قدموا أروع الأدب والعمارة والفنون والموسيقى، نشروها معًا ودافعوا عنها معًا، واختلطت جباههم معًا في سبيلها، فإذا بها تتحول إلى مفهوم عنصري أساسه العرب المسلمون السنة، ولعل انفصال جنوب السودان هو قمة الثلج، ونرى الآن العراق يتشرذم بين جنوب شيعي ووسط سني وشمال كردي وتطالب تركيا بنصيبها التركماني، وتتكرر المأساة في سوريا بين سنة وشيعة وأكراد، وبدأت تطفو على السطح دعوات مزاجية في ليبيا، الأمر الذي ينم عن خطورة، وعلينا في مصر ألا نستهين بدولة في شمال السودان وجنوب مصر أو حتى دعوات استقلال المحلة وبورسعيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.