مؤكداً أن مصر حققت الاكتفاء الذاتي من المخدرات، ولم تعد في حاجة لاستيراده.. كما كشف تقرير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات عن عام 2008 ارتفاع عدد قضايا المخدرات إلي 45 ألفًا و184 قضية، اتهم فيها 48 ألفًا و280 متهمًا بزيادة 8% عن العام السابق. وأوضح التقرير احتفاظ مخدر "البانجو" بموقعه بين المواد المخدرة، حيث تم ضبط 81 طنًا و5.429 كيلو جرام بانجو بزيادة عن العام السابق بنسبة 72%، كما قدر التقرير مساحات الأراضي المزروعة بنباتات غير مشروعة ب313 فدانًا مزروعة بالقنب، و288 فدانًا مزروعة بالخشاش، وقال إن القاهرة تعد أكثر الأماكن التي يتم فيها ترويج المخدرات بكل أنواعها، حيث يتم فيها بيع أكثر من 60 في المائة من المخدرات في مصر. وجاءت منطقة سيناء في المرتبة الأولي من حيث زراعة المخدرات سواء البانجو أو الأفيون، وبعدها مناطق الصعيد، حيث احتلت قرية نجع عبد الرسول المركز الأول في تجارة البانجو والأفيون، هذه الأرقام تؤكدها أيضًا التقارير الصادرة عن لجنة المخدرات العالمية في دورتها الخمسين التي عقدت في فيينا، حيث جاءت مصر في المركز الثاني بعد جنوب أفريقيا، كأهم مصادر تصنيع واتجار الحشيش في أفريقيا. لكن لماذا يجرم قانون العقوبات التعاطي والاتجار في المخدرات، في حين لا يبدي ساكنًا تجاه تعاطي وتجارة الخمور، رغم اتفاق الضرر؟.. تقول: د. عزة كريم الخبيرة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: يكشف قانون العقوبات المصري عن ازدواجية أخلاقية في هذه الجزئية، وإذا انطلقنا من أساس ديني شرعي، فإننا سنجد أن نصوص الشريعة الإسلامية تنص صراحة علي تحريم الخمور من حيث تعاطيها والاتجار فيها، بل امتد اللعن لحاملها، وفي الوقت الذي نجد فيه قانون العقوبات يصل بجريمة الاتجار في المخدرات إلي حد الإعدام، نجد علي العكس من ذلك أن الدولة تشجع علي الاستثمار في مجال تصنيع الخمور بدعوي تشجيع التنمية الاقتصادية، وتشجيع المناخ السياحي بحجة أن الأجانب يتعاطون الخمور، وهي حجة واهية تدفعنا للتساؤل عن مدي احترام الآخر لتقاليدنا وعاداتنا. وتضيف كريم: إن الخمور لا يقل تأثيرها الصحي والاجتماعي عن المخدرات في أية حال من الأحوال، فهي تصيب الكبد والكلي وتسبب ارتفاع ضغط الدم، كما أن أضرارها الاجتماعية من حيث تفتت الكبد والكلي وتسبب ارتفاع ضغط الدم، كما أن أضرارها الاجتماعية من حيث تفتت الأسرة والخيانات الزوجية وعدم اللامبالاة والسرقة وخلافه من أشد آثار الخمور الاجتماعية، وتكشف كريم أن تجارة الخمور يقف وراءها للأسف أباطرة المال والأعمال في مصر وهذا ما جعلها إلي اليوم فوق التحريم القانوني، نظرًا لوجود مصالح كبار المستثمرين في المجال السياحي الذين يقفون بالمرصاد ضد أي قانون قد يحرم الاتجار في الخمور.. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا هذا الإقبال الكبير علي زراعة المخدرات، رغم المخاطر؟ وما مراحل زراعته وإنتاجه وتصنيعه وتوزيعه؟ في البداية فإن أنواع الحشيش الشهيرة الحشيش المغربي بين 70 و90 جنيهًا.. أما البلدي فلا يقل سعره عن 120 جنيهًا ويصل أحيانًا إلي 160 جنيهًا، وظهر في مدينة نصر بالتحديد في الآونة الأخيرة نوع من الحشيش لا يتعدي سعر الصباع منه (الصباع = قرشين) 50 جنيهًا، ويعتبر الحشيش المغربي والأفغاني (تورا بورا) من أكثر الأنواع التي تتعرض للخلط بكميات كبيرة من عقار الماكس فورت، وبرشام الرهبانول (أبو صليبة) والبوتمين، هذا بجانب المواد الطبيعية مثل الحنة ولبان الدكر. كما يلجأ التجار إلي خلط الحشيش المغربي والأفغاني، لأن تلك الأصناف يتم تهريبها عبر الحدود مما يزيد من تكاليفها بشكل خيالي، وغالبًا ما يتم خلطها بأنواع عديدة من المستحضرات الكيميائية شديدة الخطورة علي صحة الإنسان، مثل الماكس فورت وبرشام أبو صليبة بنسبة قد تصل إلي أكثر من 40% من الحنة ولبان الدكر والعسل الأسود التي تصل نسبتها إلي 30% وذلك بالإضافة إلي نسبة البوتمين (مادة مطاطية شديدة الخطورة) وتضاف بنسبة 5% حتي تسهل فرد وقطع الحشيش، وبتلك الحسبة يصبح ما يتعطاه المحشش لا يتعدي ال20 أو 25% علي أكثر تقدير من الحشيش، بينما باقي ما تتلقاه رئتاه مواد كيميائية. النوع الأخير الذي ظهر في بعض المناطق الراقية أسوأها، وهو بلا رائحة، لذلك فإن كميته كبيرة جدًا وسعره رخيص وهو عبارة عن حنة، لكن البعض يستخدمه كمجاملة والبعض الآخر قد يضيفه علي الخلطة الأصلية التي يتعاطاها. يستخرج الحشيش من نبات القنب الذي تتركز زراعته في شبه جزيرة سيناء ومناطق متعددة من صعيد مصر، والقنب كلمة لاتينية معناها ضوضاء، وقد سمي الحشيش بهذا الاسم لأن متعاطيه يحدث ضوضاء بعد وصول المادة المخدرة إلي ذروة مفعولها، ومن المادة الفعالة في نبات القنب هذا يصنع الحشيش، ومعناه في اللغة العربية "العشب" والنبات البري، ويري بعض الباحثين أن كلمة حشيش مشتقة من الكلمة العبرية "شيش" التي تعني الفرح، انطلاقًا مما يشعر به المتعاطي من نشوة وفرح عند تعاطيه الحشيش، وقد بلغت المساحات المزروعة بنبات القنب نحو 273 فدانًا في 2007 مقارنة ب352 فدانًا في 2006، أما بذور القنب فبلغت 75.37 كيلو في 2007، بينما بلغت 25.2 في 2006، وبلغت المساحات المزروعة بنبات الخشخاش 120 فدانًا في 2006، ارتفعت في 2007 لتصل إلي 233 فدانًا، في حين ارتفعت كميات بذور الخشخاش المصادرة إلي 117.7 كيلو في 2006 مقارنة ب11.24 كيلو في 2007. يقول الريس ش. عبد الكريم أحد المزارعين: الحشيش يستخرج عن طريق الضغط القوي علي رأس نبات القنب، بعد دورة تأخذ حوالي 5 أشهر إلي سبعة أشهر، وشجرة القنب طولها حوالي مترين، وبعد استخراج الرؤوس يتم أولاً ربطه وتعريضه للشمس حتي يجف، لأنه يكون لزجًا ثم بعد ذلك يتم ضربها علي الحيطان بالعصي حتي ينفصل الهبو عن الرايش ويتم استخراج الحشيش، ويتم جمع الهش من كل مكان في الغرفة التي تغطي حوائطها وجدرانها بقماش أبيض، ولا يجوز لأحد من العاملين أن يغادر الغرفة دون تنفيض ثيابه بشكل جيد لضمان عدم تعلق شيء من ملابسه، وغالبًا ما نعمل عرايا من نصفنا العلوي نظرًا لشدة الحرارة في المعمل، بعد ذلك تأتي مرحلة "الغربلة" في عيون ضيقة ينزل فيها الحشيش الأعلي جودة، وعيون واسعة ينزل فيها الحشيش الأقل جودة، ثم بعد ذلك تتم مرحلة تكبيسه ووضعه في الترب، والتربة تزن من 3 كيلو جرامات إلي نصف كيلو جرام. وهنا ينتهي دور المزارع، ويبدأ بعد ذلك التاجر في التقطيع والتوزيع. ويضيف عبد الكريم أنه أقل العاملين في هذه العملية الإنتاجية أجرًا وغالبًا ما يستعين بأولاده في جني المحصول ولا يتحصل علي أكثر من 50 أو 60 جنيهًا عن اليوم الواحد. ويقول أحد المزارعين، رفض ذكر اسمه: إن زراعة الحشيش تمر بأربعة مراحل رئيسية، أولها تقليب الأرض ولابد أن يكون هذا في فصل الشتاء، وتستمر تلك العملية لمدة شهر علي الأقل، وفي أواخر الشتاء تبدأ المرحلة الثانية وهي زرع البذور، ثم المرحلة الثالثة وهي تنقية البذرة وترك أنثي نبات القنب تنمو، ثم تأتي أخيرًا مرحلة الحصاد وغالبًا ما تكون في فصل الصيف. ويقول سمير مشرف عمال عن عملية التحويل: يتم تجميع المحصول في أتواب شفافة وتوضع فوق عيون كبيرة، ثم يقوم العمال بضربها بالعصي حتي ينفصل الهبو عن العيدان في مادة بنية اللون، ويحصل كل عامل علي حوالي 50 جنيهًا عن اليوم الواحد، بعد ذلك تضاف مادة البوتمين بنسب متفاوتة حسب جودة الصنف لتعطي تماسكًا للحشيش السائب، ثم تأتي مرحلة التقطيع لإعداد المنتج للتوزيع في السوق وهي مرحلة ليست سهلة كما قد يتخيل البعض أن من يؤدي هذه العملية لابد أن يكون متمتعًا بحساسية شديد حتي لا يهدر من الكيف أن الخطأ في تقدير الجرام الواحد قد يسبب خسارة، ويصل أجر الفرد ل150 جنيهًا في اليوم الواحد، وآخر تلك العمليات هي عملية النقل للمخازن وإعداد المنتج في ترب جاهزة للترويج المباشر وتتكلف النقلة الواحدة من 200 إلي 300 جنيه. وعن التكلفة التقريبية لقرش الحشيش يتحدث سلام وهو شاب في الثانية والعشرين من عمره يعمل في كربجة الحشيش (ضرب النبات بالعصا): إن القرش الذي قد يصل للمستهلك بحوالي 70 جنيهًا لا تتعدي تكلفته أكثر من 15 إلي 20 جنيهًا. توزع بمعدل 3 جنيهات زراعة وريا، خصوصًا أننا لا نحتاج تقاوي أو أسمدة أو ما شابه ذلك، 4 جنيهات لجني المحصول وضربه وحوالي 9 جنيهات للقرش في عمليات التقطيع والتخزين والتكييس، وأخيرًا 2 جنيه لكل قرش تقريبًا عن نقلة، طبعًا كل هذا محسوب بالنسبة للقرش الواحد، لكن هذا ليس معناه أن التاجر يكسب كل هذا الفرق، وذلك بسبب الهدر الذي قد يصل ل10% من الكمية.