لم تكن مجرد رسالة صوتية عابرة على العالم، فور إعلان زعيم التنظيم "أبو بكر البغدادي" القول في رسالة صوتية: "لقد آن الأوان لنعلن أمام أهل الشام والعالم بأسره، أن جبهة النصرة ما هي إلا امتداد لدولة العراق الإسلامية، وجزء منها تنظيم القاعدة في بغداد، وهدفها إقامة دولة موحدة تحت اسم واحد تسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام" فور سقوط نظام الرئيس "بشار الأسد"، ومنذ انطلاق الثورة السورية أواخر عام 2011لم تكن جبهة النصرة معروفة إقليميًا أو دوليًا، لكنها اكتسبت دورًا متعاظمًا على الأرض فور تبنيها عددًا من التفجيرات التي استهدفت في غالبيتها مراكز عسكرية وأمنية في "العراق وسوريا"، وهو ما جعل الولاياتالمتحدةالأمريكية تضعها على لائحة المنظمات الإرهابية، وهو الأمر الذي لقي رفضًا من ممثلي المعارضة السورية وقادة الجيش الحر وأطياف واسعة من الثوار، ومن المتوقع بعد هذه الإدانة من مناهضي النظام السوري دخولهم في مأزق سياسي من بعض الدول الداعمة لمعارضي الرئيس السوري، لكن في الوقت ذاته تخشى هذه الدول تزايد نفوذ القاعدة وما تسميه التشدد الإسلامي في سوريا. وجبهة النصرة منظمة سلفية جهادية تم تشكيلها أواخر عام 2011، وسرعان ما نمت قدراتها لتصبح في غضون أشهر من أبرز قوى الثورة وأقساها على جيش نظام "الأسد"؛ لخبرة رجالها وتمرسهم على القتال، ولا يعرف بالضبط ما أصل هذه المنظمة غير أن تقارير استخبارية أمريكية ربطتها بتنظيم القاعدة في العراق، وتقوم بنشر بياناتها وإصداراتها بشكل حصري من خلال "مؤسسة المنارة البيضاء للإنتاج الإعلامي"، عمل بعض عناصر الجبهة عند تأسيسها في ساحات الجهاد داخل بعض الدول مثل: "العراق، أفغانستان، الشيشان.. وغيرها"، ولهم باع طويل في قتال الجيوش المنظمة، كما أنها مُطعمة بمقاتلين "عرب وأتراك وأوزبك وشيشانيين" وقلة من جنسيات مسلمي أوروبا وتحديدًا "بريطانيا وفرنسا" يقدر عددهم بحوالي خمسمائة مقاتل، بينما يصل تعداد الإجمالي ما يقرب من 12 ألف مقاتل داخل صفوف الجبهة. ومؤخرًا بايعت جبهة النصرة السورية زعيم تنظيم القاعدة "أيمن الظواهري"، وفقًا لما جاء في تسجيل صوتي تم بثه على الإنترنت، قال فيه "أبو محمد الجولاني" أحد قيادات الجبهة: "نحن أبناء جبهة النصرة نبايع شيخ الجهاد أيمن الظواهري على السمع والطاعة". وفي الوقت الذي تحاول فيه الجبهة توحيد صفوفها واستقطاب عدد من المقاتلين المحترفين، إلا أنها تضع شروطًا على المتقدم يجب أن يستوفيها مثل: الالتزام بالفروض الدينية، والحصول على تزكية من شخص موثوق داخل الجبهة، وإثبات الجدية والانضباط، وقوته في حمل السلاح والاستشهاد، ومؤخرًا قامت الجبهة بعدة عمليات كبرى ضد نظام قوات "الأسد" أبرزها تفجير واقتحام مبنى قيادة الأركان في ساحة الأمويين بالعاصمة دمشق بثلاث قذائف هاون، وكذلك تفجير مبنى المخابرات الجوية سيئ الصيت والطغيان - حسب قولهم - في "حرستا"، وأيضًا نسف مبنى نادي الضباط في ساحة "سعد الله الجابري" في حلب، فضلًا عن سيطرة الجبهة بمشاركة قوات الجيش السوري على "معرة النعمان"، ومعركة مطار "تفتناز" العسكري بمحافظة إدلب وغيرها من العمليات العسكرية التي هزت تواجد النظام السوري. مأزق للمعارضة د. وحيد عبد المجيد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية قال: إن إعلان تنظيم القاعدة في العراق مد ذراع جهادي له في سوريا يسمى "جبهة النصرة" يضع المعارضة السورية في مأزق، حيث يتناقض ذلك بشكل صارخ مع تأكيدها على إقامة دولة مدنية ديمقراطية بعد الإطاحة بنظام الرئيس السوري "بشار الأسد"، كما أن إدانتها الواضحة ل"واشنطن" فور إدراج المنظمة الجهادية على قوائم المنظمات الإرهابية بالعالم سوف يحدث توابع ومراجعة للمواقف المؤيدة للمعارضة السورية، لافتًا إلى أن تخوف أصدقاء سوريا من تسليح المعارضة السورية التي تحث المجتمع الدولي على تقديم السلاح للجيش السوري الحر سيتوقف تدريجيًا؛ بسبب مخاوفها من وصول هذه الأسلحة إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تتبنى الفكر الجهادي، كما أن السماح لأفراد تنظيم القاعدة بإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار، يقلل من فرص وصول بعض قيادات المعارضة للسلطة، ولن يسمح العالم بتأسيس إمارة إسلامية تسمى "العراق والشام"، ويكون التنظيم الجهادي هو الحاكم الفعلي لها، وبالتالي ستصبح هذه المنطقة من العالم مأوى جديدًا لأفراد الجهاد والتنظيمات الإسلامية المسلحة. ومن جانبه أضاف د. عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية للعلاقات الدولية الأسبق، أن الأيديولوجية الفكرية لقيادات الجيش الحر السوري وأعضاء جبهة النصرة، توحي بتصعيد عسكري واحتكاكات متوقعة بين الطرفين؛ نظرًا لأن المعارضة السورية بأسلحتها تريد إنهاء حكم "الأسد"، بينما الجبهة تريد قيام دولة إسلامية، وهو الأمر الذي يعكس مخاوف كبيرة لدى المعارضة من أن يرتبط اسمها بالمجموعات الجهادية ما يؤثر سلبًا على صورتها في الغرب وعلى مشروعية نضالها ضد الأسد، مؤكدًا أن تنامي المخاوف الدولية من زيادة التوتر المسلح في المنطقة بعد دخول "تنظيم القاعدة" شريكًا داخل أراضي التوتر العربي مثل: "العراق، واليمن، وليبيا" ومؤخراً في "سوريا"، قد يجعل العالم الدولي أو "مجلس الأمن" يقوم بتوجيه ضربة عسكرية لإنهاء الانقسام الحادث في دمشق، أو حدوث اغتيالات لقيادات هذه التنظيمات التي تعتمد على الفرد في تفكيرها، وسيكون من المحتمل نشوب حرب إرهابية قاعدية ستؤدي إلى تنامي نفوذ الإرهابيين في المنطقة، الأمر الذي يوحي بأن "روسيا والصين" لن يوافقا على سياسة دعم الثوار بالأسلحة والمال ضد النظام، وستكون حجتها أمام العالم أن البديل سيكون تنظيم القاعدة ووصول تيار الإسلام الجهادي إلى الحكم. تعاطف دولي وأشار د. محمد السعيد إدريس الباحث في الشئون العربية، إلى أن وجود أيادٍ خفية تحاول وصول القاعدة إلى دائرة العنف لتنفيذ هجمات إرهابية، كما أن تبني قاعدة العراق لجبهة النصرة السورية يصب في صالح بقاء نظام الأسد الدائب على وصف أتباع المعارضة المسلحة بالإرهابيين، وهو ما يؤكد صحة كلامه أمام المجتمع الدولي، وقد ينجح في استقطاب تعاطف دولي ضد المعارضة والجيش الحر، موضحًا أن دخول تنظيم الجبهة إلى ساحة العنف السوري يأتي في وقت يريد فيه نفوذ المعارضة ومكاسبها السياسية على الساحة العربية والدولية، حيث منحت الجامعة العربية مقعد "سوريا" إلى ائتلاف المعارضة، بينما وافقت بعض دول الاتحاد الأوروبي "مثل فرنسا وبريطانيا" على تزويدها بالسلاح لخوض معركة متوازنة مع النظام، ومما لا شك فيه أن ظهور هذا التنظيم القاعدي الجهادي سيعود بخسائر فادحة على المعارضين وبالنفع على النظام. وفي رأي د. عماد جاد، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن دوافع سقوط "دمشق" في مستنقع الحرب الأهلية وتزايد العنف قائمة؛ نظرًا لظهور بعض الحركات الجهادية التي ستتبنى لاحقًا "مبدأ الانفصالية" أو قيام دولة إسلامية شامية موحدة، كما أن استمرار تواجد أفراد تنظيم القاعدة داخل سوريا يهدد أمن إسرائيل من ناحية "الجولان" والتي لن تسمح بالتواجد المسلح في هذه المنطقة وسترد على أية اعتداءات مسلحة، الأمر الذي ينذر بنشوب حرب وتظل الفوضى موجودة ومستمرة داخل البلاد، موضحًا أن التخوف الحقيقي بعد سقوط "بشار الأسد" هو إعادة هيكلة الجيش السوري ومحاولة ضم المقاتلين الإسلاميين، ومن المحتمل حدوث غليان وتوتر وانقسام بين قيادات "الجيش السوري الحر" حول طريقة الهيكلة العسكرية، لافتًا إلى أن ما يقلق المجتمع الدولي من هجمات "جبهة النصرة" في سوريا أنها تنفذ هجمات القاعدة في العراق نفسها، وتستهدف دور العبادة، وأضرحة آل البيت، والمواقع الأثرية والتماثيل واللوحات الفنية، وهذه الأشياء تعتبرها هذه التنظيمات الإسلامية كفرًا وإلحادًا، وهو ما يجعل العالم السياسي والثقافي والإسلامي متخوفًا من انتشار أعضاء الجبهة في دمشق، والذي لن يهدد أمنها فقط بل سيهدد أمن المنطقة برمتها. وفي السياق ذاته أوضح د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن تنظيم القاعدة لا يمكن أن يكون حركة لدعم الثورة والثوار ضد اضطهاد الأنظمة الحاكمة، ولكنها تتعاون مع الحكام بهدف توصيل رسالة إلى العالم الخارجي أن البديل سيكون الجهاديين، ومن المتوقع أن يكون الرئيس السوري وبعض قادة أصدقاء سوريا "روسيا والصين" من أكبر الداعمين والمؤيدين لوجود هذه الحركات الجهادية في دمشق، بل يطلبون منها إعلان انضمامهم وسط الثوار والمعارضة المسلحة، ليظهر النظام أمام العالم أنه يحارب الإرهابيين وتنظيم القاعدة، لافتًا إلى أن قتال "جبهة النصرة" في سوريا لن يكون من أجل إقامة نظام ديموقراطي تعددي حر، ولا يعنيهم بقاء "الأسد" أو سقوطه، بل يحاولون إيجاد دولة جديدة ترعاهم وتأويهم لضمها ضمن سلسلة الدول المدرجة على قوائمهم.