ما زال مقدمو البرامج يتخذون من أسلوب الإثارة في برامجهم الحوارية ولقاءاتهم مع الضيوف طريقًا لجذب المشاهدين دون مراعاة ما يمكن أن يحدث من أثار سلبية نتيجة عدد من التجاوزات التي يرتكبها هؤلاء الضيوف في أسلوب الحوار أو من خلال بعض الألفاظ والإيحاءات غير اللائقة إلا أن مقدمي برامج "التوك شو" يسمحون بذلك من أجل جذب المشاهد. ولعل الواقعتين الأخيرتين فجرا قضية التجاوزات في برامج التوك شو والتي زادت بشكل كبير في الفترة الأخيرة، وهما واقعة خلع "أبو إسلام" حذاءه ووضعه إياه على طاولة الحوار مع الإعلامي "وائل الإبراشي" والناشط "أحمد دومة"، ليأتي بعده دور الداعية "محمود شعبان" الذي خلع حذاءه أيضًا في فقرة ببرنامج الإعلامي "طوني خليفة" ( أجرأ الكلام ) في مواجهة الصحفي "إسلام البحيري"، وهو ما ينذر فيما بعد بسلسلة من التجاوزات غير اللائقة ويشوه أيضًا من صورة الدعاة في مصر. فوسط الأحداث السياسية المتلاحقة وما تشهده مصر حاليًا من انقسامات وتشتت في الآراء، فقد زادت الجهات المعارضة وهو ما بدأ مذيعو برامج التوك شو في استغلاله لصالحهم ليقوموا بالتركيز على وتر التجاوزات الشخصية في الحوار لهؤلاء الضيوف، وهو ما يجعل من حلقاتهم الأقوى وبرامجهم الأجرأ، فهل سيستمر التنافس بين الفضائيات لجذب نسبة مشاهدة أعلى على حساب الجمهور وعلى حساب عدم مراعاة أخلاقيات مهنة الإعلام والتي يجب أن تكون في أفضل صورها، وأن تنقل صورة صحيحة للنقاش والحوار.. وبين الجمهور وتشويه صورة الضيوف وسماح مقدمي البرامج بهذه التجاوزات كان هذا التحقيق. وقد انتقد الإعلامي "وائل الإبراشي" ما فعله الداعية الإسلامي "أبو إسلام" صاحب قناة "الأمة" أثناء وجوده معه في إحدى حلقات برنامجه إهانة للبرنامج وأنه لم يكن سيقوم بعرض هذا المشهد لأن ما فعله يسيء لشيوخ الفتنة ويتناقض مع آداب الإسلام والتعامل في الحوارات والتي تطلب منه الرد على ما يقال وليس التهرب من الرد بوضع حذائه على طاولة الحوار. ورفض "الإبراشي" الاتهام الذي يوجه للإعلاميين بأنهم دائمًا يحاولون الزج بمثل هذه الفقرات أو التجاوزات في برامجهم من أجل جذب الانتباه أكثر لبرنامجهم وتحقيق نسبة مشاهدة عالية، مؤكدًا أنه كان يرفض بث هذا الفيديو؛ لأنه غير لائق للعرض ويتنافى مع أخلاقيات المهنية، وأن من يقصد افتعال مثل هذه التجاوزات لا يمكن أن يطلق عليه "إعلامي"؛ لأن الإعلامي هو من يراعي الدقة والأخلاق في عرضه لقضية ما مهما كان الاختلاف والجدل حولها. وأكد أنه لم يكن يتمنى أن يحدث ذلك في برنامجه رافضًا أسلوب الشيخ "أبو إسلام" والذي بيده يزيد نسبة المعارضة لتيار الإسلام السياسي ويشوه صورة الدعاة ويلحق الضرر بالتيار الذي ينتمي إليه قبل أن يصل الضرر له من المعارضين لاتجاهه. كذلك وصف الإعلامي "عمرو الليثي" ما يحدث حاليًا من تجاوزات في برامج التوك شو من جانب الضيوف بأنه تعدٍ للخطوط الحمراء ولما هو مسموح به أن يقدم للمشاهد الذي يجب أن نحترم ثقافته بل ونقوم بدور التوعية لتوصيل طريقة الحوار الصحيح. وأكد "الليثي" أنه ليس دائمًا ما يكون مقدم البرنامج هو من يفعل ذلك لأنه من الطبيعي أثناء تناول أي قضية أن نأتي بضيوف من جهات سياسية مختلفة لنعرض للمشاهد جميع الآراء ولتكون الحلقة متوازنة وتجمع بين الآراء المؤيدة والمعارضة، ولعل محاولة الإعلامي في خلق هذا التوازن هو ما يعرضه لحدوث مثل هذه التجاوزات والمشادات الكلامية والخلافات بين الضيوف. وأشار "الليثي" أنه على الرغم من نجاح البرامج التي تعتمد على التصريحات المثيرة للجدل أو على استفزاز الضيوف من أجل اللعب على وتر التجاوزات الشخصية في الحوار، إلا أن هذا النجاح يكون مزيفًا لأنه لا يحترم مشاعر الجمهور والمجتمع على الرغم من سخونتها وجاذبيتها. من ناحيته أكد الإعلامي "خيري رمضان" أنه توجد تجاوزات عديدة من الضيوف في برامج التوك شو وخاصة هؤلاء الذين يتعصبون لآرائهم، مؤكدًا أن من يقوم بمثل هذه الأفعال غير اللائقة على الهواء مباشرة فهو ليس عنده من المعرفة ما يكفي ليرد على الكلام المعارض لاتجاهاته وهو ما يضطره للجوء لأي تصرف غير لائق يبرر من خلاله ضعفه في الرد على ما يوجه له من أسئلة. وأضاف أنه على الرغم من أنه من المفترض أن من يدير الحوار هو المذيع إلا أنه بدأ يشعر وكأنه موجود فقط لفض النزاعات والخلافات بين الضيوف، وهو ما يجعله يتخوف من عدم احترام المشاهد والذي يعتبر هو الأساس الذي من أجله نقوم بعرض البرامج لكشف حقيقة ما يدور حولنا، إلا أن البعض يحاول طمس هذه الحقائق من خلال تلك الأفعال والتي تصبح في النهاية هي حديث الجمهور والذي يشغله عن القضية الأساسية. بينما فسر الناقد "طارق الشناوي" ما يحدث حاليًا على الساحة الإعلامية، بأنه حالة من الفوضى وعدم احترام أخلاقيات أي مهنة وعدم دراية لمفاهيم الحوار الصحيح والمناقشة الجدية التي تصلنا في النهاية إلى الحلول. ورفض "الشناوي" أن تكون الأفعال غير اللائقة هي أسلوبنا في الحوار خاصة وأن الشارع المصري حاليًا أصبح حديثه الأول هو ما يجري حاليًا من أوضاع سياسية وما يتابعونه يتم إذاعته في برامج التوك شو هو مادتهم الأساسية التي يأخذون منها معلوماتهم وطريقتهم في النقاش واستمرار حدوث هذه التجاوزات يمكن أن يجعلها تنتقل إلى الواقع. وأكد "الشناوي" أنه لابد أن يكون هناك قوانين وقواعد عامة يشترط على الضيف أن يلتزم بها أثناء إجراء الحوار معه، وأن يكون مقدمو البرامج على قدر من السيطرة على طاولة الحوار وأن يكونوا أساس الدائرة المستديرة التي يدور عليها الحوار، مشيرًا إلى أنه ليس البرنامج الناجح هو البرنامج الذي يثير الجدل بأفعال ضيوفه وتصريحاتهم غير اللائقة، ولكن البرنامج الناجح هو من يطرح حلولًا لقضية ما يقوم بتناولها.