مازال قطاع المقاولات في مصر يعاني من الأزمات السياسية التي لا تنتهي، لكن يأمل مقاولو القطاع تحسن الأوضاع لاستعادته جزءًا من نشاطه المعهود قبل قيام الثورة، إلا أن هذه الأمنيات اصطدمت بعدد من المشاكل ليست بالجديدة، لكنها غالبًا ستسود العام الجديد متعلقة بتراجع حجم الأعمال وانتشار ظاهرة حرق الأسعار ونقص السيولة وغياب الأسواق الخارجية الجادة. وتناقضت توقعات المتعاملين بالقطاع إزاء مساراته ومدى قوته ونشاطه خلال العام الجديد، فمنهم من توقع أن تزداد حالة الركود وتضاؤل حجم الإيرادات مدفوعة بغياب أي مشروعات جديدة على الساحة خلال الفترة السابقة بما جعل شركات المقاولات حاليًا دون أي أعمال، وفي المقابل أكد البعض أن القطاع اجتاز أخطر ما في الركود وسيبدأ منحنى الصعود، لاسيما بعد الاستقرار النسبي في الأوضاع الأمنية والسياسية وبدء عودة الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وألمحوا إلى أن القطاع بحاجة إلى دفعة من حكومة د. هشام قنديل متمثلة في طرح مزيد من مشروعات البنية التحتية، وكان حجم الأعمال المتاحة بسوق المقاولات قد تراجع في العام الماضي، بنسبة 25 و30% في المتوسط. وقال المهندس عمرو علوبة، رئيس مجلس إدارة جمعية المهندسين الاستشاريين "ECG": إن القطاع العقاري سيعاني مزيدًا من الركود خلال العام الجديد، لاسيما في النصف الأول منه، وستتجلى آثار هذا الركود على السلبية داخل قطاعي المقاولات والاستشارات الهندسية بصورة أكبر من ركود حركة المبيعات والتسويق؛ لأن الشركات العقارية يمكنها تحقيق الأرباح بمجرد عودة الرواج واستعادة الثقة المفتقدة بين العملاء والقطاع، ممثلة في التعاقدات ودفعات الحجز التي تمثل التدفقات النقدية للشركات العقارية.. وفيما يخص قطاعي المقاولات والاستشارات الهندسية، فأوضح علوبة أن طبيعة عملهما تعتمد على العقود الآجلة، حيث تتعاقد الشركة مع جهة الإسناد على المشروعات وتبدأ في تنفيذها على فترات كبيرة بما يوقف أي إيرادات لهذين القطاعين المهمين والضروريين لدفع عجلة التنمية الاقتصادية في مصر. وفرق علوبة بين قطاعي المقاولات والاستشارات الهندسية في الأثر السلبي للركود الحالي، فبالنسبة لقطاع الاستشارات الهندسية سيكون الوضع أقل خطورة مقارنة بالمقاولات؛ لأن فترة عمل المكتب الاستشاري تتراوح بين 4 و6 أشهر، إلا أن توقف الإيرادات سيظهر في الربعين الأول والثاني فقط، بشرط بدء رواج القطاع العقاري خلال العام الجديد وشروع المستثمرين في طرح مشروعاتهم المؤجلة، وفي المقابل تتراوح فترة تنفيذ شركة المقاولات للمشروع بين عام وعامين بما يؤكد أن العام الجديد بأكمله سيكون امتدادًا للعام المنصرم، بل إن عام 2012 قد يكون أفضل حالًا من العام الجديد؛ لأنه كان يحوي عددًا من المشروعات المتعاقد عليها قبل قيام الثورة. وألمح إلى أن أهم الأسباب التي ستزيد من ركود القطاع العقاري بصفة عامة يتمثل في استمرار ضبابية الموقف المستقبلي سياسيًا، والحكومة وحدها تملك كلمة السر للعبور من هذه الأزمة، من خلال التأكيد على التزام الدولة بكافة الاتفاقيات والتعاقدات التي قامت بها حكومة د. أحمد نظيف، فنسبة كبيرة من المستثمرين تنتظر مثل هذا التأكيد وألا يقتصر الأمر على مجرد التصريحات الكلامية. وفي السياق نفسه أوضح المهندس سامح السيد الرئيس التنفيذي لشركة دار المقاولات والتجارة "ديتاك"، أن العام الجديد سيشهد مزيدًا من تراجع حجم الأعمال المطروحة وعلى الدولة ضرورة الانتباه لهذه الجزئية، والعمل على طرح مزيد من مشروعات البنية الأساسية والتحتية عن طريق زيادة الموازنة المخصصة لهذا البند في الموازنة الجديدة بعدما انخفض بنسبة 30%. وأضاف أن مثل هذا الإجراء سيعطي الأمل لشركات المقاولات حجم أعمال خلال منتصف العام، بالإضافة إلى محاربة الركود في النصف الثاني من العام، لاسيما أن ذلك سيتزامن مع دخول بعض الشركات العقارية حلبة طرح المشروعات الجديدة، بما سيوفر حجمًا لا بأس به من المشروعات المطروحة والمتنوعة إلى حد ما، ناصحًا شركات المقاولات التي تعمل على شريحة المشروعات الخاصة بأهمية إنشاء إدارات متخصصة في مشروعات البنية التحتية والأساسية، استعدادًا لأي مشروعات يتم طرحها خلال الفترة المقبلة. وأوضح السيد أن الحل الأمثل للخروج من مأزق الركود المسيطر على القطاع خلال العام الجديد تمتلكه الحكومة الحالية من خلال طمأنة رجال الأعمال وتشجيعهم وتذليل العقبات التي تعوقهم، لاسيما أن التغلب على هذه المعوقات لا يحتاج إلى أموال طائلة بقدر ما يحتاج إلى تعديلات تشريعية وحوافز استثمارية. وفي المقابل أشار المهندس أسامة هاشم مدير إدارة تطوير الأعمال بشركة سياك للمقاولات، إلى أن قطاع المقاولات اجتاز المنعطف الأخير من أزمة الركود بعد ظهور تحسن طفيف فيما يتعلق بوضع الاستثمارات والتي يتبعها نشاط في قطاع الإنشاء والتشييد. وأكد بأن شركات المقاولات الكبرى تستطيع الصمود لعام آخر من الركود، لاسيما في ظل امتلاكها حجم أعمال يضمن لها تغطية مصروفاتها الإدارية وتحقيق صافي الربح، مشددًا على ضرورة انتباه الجهات المعنية لأوضاع القطاع العقاري والاتجاه نحو طرح مزيد من المشروعات التي تمتلك الدولة الحق في طرحها، مثل مشروعات البنية التحتية والأساسية، ومن هذا المنطلق توقع أن تستمر مشروعات البنية التحتية وهي المحرك الأساسي لقطاع المقاولات خلال العام الجديد، وهو ما يعني عودة السيولة مرة أخرى، وتخفيف وطأة المنافسة على المشروعات التي سيتم طرحها مستقبلًا وهو ما يؤدي إلى القضاء على ظاهرة حرق الأسعار. وبدوره أكد د. حسن عبد العزيز رئيس الاتحاد المصري لمقاولي البناء والتشييد، أن صناعة التشييد والبناء بعناصرها المتعددة تعتبر مركزاً استراتيجياً مهماً في خطط التنمية الإقتصادية والإجتماعية للدولة، بالإضافة الى أن قطاع التشييد يمثل 50% من إجمالى الاستثمار القومي لمصر، وكذلك يمثل 80% من مجموع عدد القوى العاملة والتى تصل إلى 4 ملايين عامل في أكثر من 90 صناعة وحرفة مرتبطة بالقطاع. وأضاف أن قطاع التشييد والبناء يعد أكثر القطاعات تأثراً بحالة الركود الاقتصادي التى تمر بها البلاد، حتى ما قبل الثورة بسنوات لأن التحديات بالغة القسوة، وأهمها عقود المقاولات المتداولة؛ لأن غالبيتها "عقود إذعان" غير متوازنة، كما أن تعنت الجهات المتعاقدة في عدم الالتزام بصرف المستحقات المتأخرة مما ترتب عليه اختلال الهياكل التمويلية للشركات واللجوء إلى الاقتراض من البنوك. وأوضح بأن القطاع تعرض لمشكلة ارتفاع أسعار مواد البناء بدرجات متفاوتة خلال السنوات الأخيرة؛ نتيجة لتحرير سعر الصرف عام 2003، وفي الوقت ذاته لم تهتم أجهزة الدولة بمساندة شركات المقاولات لمواجهة هذه الكارثة التي أدت بدورها إلى وقف وتقلص عدد شركات المقاولات في مصر من 28 ألف شركة إلى أقل من 5 آلاف عام 2005، موضحًا أن الوضع الحالي لا يختلف كثيرًا مما كان عليه الحال منذ سنوات، فهناك عدد كبير من الشركات مدينة للبنوك وعليها غرامات تأخير، وسحب الأعمال، وتسييل خطابات الضمان أو الضرائب ما يهدد بتسريح وتشريد العمال.