فهي بمثابة عدسة كاشفة إذا لم يتم إساءة استخدامها أو أغرق الكاتب في الحديث عن تفاصيل غير ذات دلالة. يقول الناقد ابرهيم فتحي : تكون التجارب الشخصية عدسة كاشفة ، يختبرالمبدع علي أساسها كل ما يجري في العالم، ويضيف: هذا النمط من الكتابة سيتعلق بالتداخل بين الرواية والسيرة الذاتية ، فالروائي لا يصور كل تفاصيل حياته الشخصية ، وإنما يقدم التجارب الحاسمة ، ذات الدلالة التي تسلط ضوءا كاشفا علي الآخرين، وهذا لا يعتبر نقصا أو شعورا بالعظمة ، وإنما حرفية كتابة. ومن الصعب القول أن الذات أو ضمير المتكلم مطابق للمؤلف ، فهناك نقاط تلاقي واختراق ، وتظل عناصر السيرة الذاتية ذات جدوي في العالم الروائي، باعتباره تجربة ذات ألفه وحميمية، وتمتلك آليات الانطباع الثوري ، لذلك أؤكد علي كونها عدسة كاشفة، ومن الممكن أن يسيء المؤلف استخدامها، كأن يركز علي أشياء ثانوية، وعلي تفاصيل تافهة بلا دلالة. ويرفض القاص سعيد الكفراوي هذه الادعاءات، ويؤكد أن وجود الأديب أو الروائي في متن كتاباته أمر طبيعي، لا يمثل نقصاً أو شعورا بالعظمة، بل علي العكس هو يحاول أن يصنع ذلك الجسر الحميمي بين عالمه الخاص كإنسان ، وبين عوالم معظم الناس ، لذلك فالتجارب التي يعرضها الأديب باعتبارها جزءا من حياته الشخصية عادة ما تكون تجارب إنسانية عامة، تمس أكبر قدر من القراء أو النماذج المعايشة للتجربة. ويضيف الكفراوي: إن عالم الروائي في حد ذاته من أغني العوالم ، وبالتالي من حق الكاتب أن يستغل هذا الثراء وأن يوظفه لصالحه، أو علي الأقل يكشفه للقراء بصيغة أدبية تجعل التجربة برمتها تعنيهم ، لذلك لا يمكننا أن نعتبر خوض المبدع في عالمه الخاص وإفرازه بشكل آخر علي الورق نوعا من النقص أو الشعور بالعظمة، فالأديب إنسان يعيش في المجتمع يؤثر ويتأثر، إن لم يكتب مفرداته أولاً ويقنع الناس بأحقية هذه المفردات في الكتابة، إن لم يفعل ذلك، فلن يستطيع الوصول إلي القراء عن طريق عالم وهمي ، أو مجرد خيال أي إنسان قادر علي ابتكاره ، ومن ثم لا يمكننا أن نعتبر كتابات نجيب محفوظ أو توفيق الحكيم أو يحيي حقي نوعا من التعالي ، وإنما هي الواقع الحقيقي، الهم المباشر الذي يتعرض له الأديب من حقه أن يعيد إفرازه بالشكل الذي يراه ملائما، باعتباره جزءاً من تجربته في الكتابة في الواقع لأن الفصل بين هذين العنصرين يؤدي إلي قطيعة أدبية ، الأديب نفسه في غني عنها. وتري الروائية سلوي بكر أن وجود الأديب بين سطور روايته هو نوع من الثراء الذي يحسد عليه ، ليس ثراء التفاصيل، بل الثراء الناتج عن التقاءعالم الروائي بأرض الواقع ، مما يتيح مساحة أكبر لتحرك الروائي يستغلها في وضع أرضية ملائمة لمناقشة عذابات الآخر هو ، وهو أمر في منتهي الخطورة لما يتطلبه من حساسية الكتابة ، لأن أي دخول غير محسوب في هذه المنطقة يؤدي إلي كشف أوراق الكاتب نفسه. وتضيف: هناك أمر يجب ألا نتجاهله أثناء قراءة الأديب في إحدي رواياته ، وهوأنه جزء من الواقع ، يؤثر ويتأثر به، ومن ثم لا يجب أن يتخلي عن هذا الواقع أو يتخلي عن نفسه وحياته باعتباره جزءا مشاركا في منظومة الحياة ، ومن هذه الصيغة يخرج علينا الكاتب بخلاصة تجربته ممتزجة بتجارب آخرين ، ربما يعيد صياغة بعض النقاط فيها ، إلا أنه يظل ملامساً للواقع الذي يعيش فيه ، ويظل محافظا علي تقنيات الكتابة ، بحيث لا يطغي جانب الإعجاب بالمفرادات الخاصة ، علي جانب الكتابة ، أو تقنية الرواية ، وهذا ما حققه كتاب كثيرون بمهارة فائقة ، ولذلك لا أسمي مثل هذا النوع من الكتابة "نقص" أو شعوراً بالعظمة أو ما إلي ذلك من مسميات ، ولكنه وعي بدور الكاتب ووعي أكثر بدوره في المجتمع ووجوده فيه. الناقد د. مجدي توفيق يضيف عدة أسباب أخري تدفع لهذا النوع من الكتابة منها الحيوية ، والتأثر ، والرؤية الخاصة للحياة ، ويضيف: وهذا لا يمنع أن تكون كتابة الروائي التي تدخل تحت هذا المسمي صادقة ، ومعبرة عن حياة عامة مهما كان حيز الخصوصية المغلف للتجربة ، ومن ثم لا أحد يستطيع أن ينكر علي الروائي استخدامه لأية قيمة ، أو تحجيم أدواته ، حتي لو لم يكتب غير مفردا ت حياته فقط ، فلا شك أن مفردات حياة إنسا ن كافية لطرح تجربة هائلة أمام القاريء ، فما الحال إذا كان الإنسان مبدعا وأديبا ، صريحا لدرجة لا تمنعه من كتابة أي شيء عن حياته. ويضيف توفيق: طبعا الجميع يعرف أن الكاتب عندما يحكي عن نفسه في الرواية ، ويتطرق لمفرداته الخاصة ، لا يعدم أن يستخدم بعض الخيال ، أو بعض التفاصيل الوهمية ، وربما تكون هذه التفاصيل هي المتن الحقيقي للرواية، وقد طرحها من خلال شخصيته كروائي ليعطيها المصداقية الكافية وبالتالي لا يصبح لدينا روائي يكتب مفرداته أو سيرته الذاتية علي الورق، إنما حياة أخري يطرحها الروائي من خلال حياته هو وإذا كان هذا النمط من الكتابة يمثل فضاءً واسعاً يمنح الأديب مزيداً من الحيوية والثراء في عالمه الروائي كنوع أدبي، فلا أحد يستطيع أن يعترض عليه أو يحجم استخدام الأديب لهذا النمط ، إلا أنه يجب مراعاة العمل الروائي كنوع أدبي ، وحتي إذا وجد الروائي أو الكاتب في هذا العمل، فهذا لا يعني أنه هو نفس الروائي كاتب العمل ، لكن ربما يكون شخصية وهمية من ابتكار الكاتب نفسه، وهذا هو الغالب.