لكن عندما يتعدي الأمر من مجرد كونه حلما يراود المواطن المصري بل العربي في اللحاق بركب التقدم والتطور لتحقيق بعض الأمان للأجيال القادمة في الحصول علي مصادر نظيفة وآمنة للطاقة إلي كونه مستقبل وطن ومواطن اقتصادياً وأمنياً وعلمياً ، فالأمر جدير بالاهتمام ، ورغم ذلك فعندما تظهر العديد من المعوقات الداخلية والخارجية كلما أطل هذا الحلم برأسه فالأمر جدير بالبحث والتدقيق لمعرفة تلك المعوقات ومن وراءها ، ولماذا الخلاف الآن علي موقع إنشاء المحطات النووية المصرية المزمع إقامتها. فبرغم إعلان د.حسن يونس وزير الكهرباء والطاقة أن البرنامج النووي يسير بخطي ثابتة ، نجد في المقابل مناقشات ومداولات بشأن الموقع الذي تم تحديده واجراء الدراسات اللازمة لاختياره والذي ثبت حسب تلك الدراسات أنه الأنسب علي الإطلاق لإقامة المحطات النووية ونجد اعتراضاً واقتراحاً بتغييره من كل ذي مصلحة ومنتجع في الساحل الشمالي فهل تؤثر الدولة مصالح الأفراد علي مصلحة الأمة، والسؤال الأهم: كيف تتوفر سبل التمويل للمحطات الخمس المزمع إقامتها وتكلفة المحطة الواحدة حوالي 3 مليارات دولار؟ أكد د.حسن يونس وزير الكهرباء والطاقة ، أن القطاع يعمل علي تفعيل جميع الاتفاقيات الخاصة بالبرنامج النووي المصري حيث تم الاتفاق علي تفعيل اتفاقية التعاون المصري الفرنسي التي تم توقيعها عام 1981 والسارية لمدة 30 عاما في مجال التدريب وبناء الكوادر المصرية لإدارة المشروع النووي ، وتم أيضا الاتفاق علي تفعيل التعاون بين مصر وروسيا لتنمية وتطوير الكوادر البشرية في مجال تكنولوجيات المحطات النووية وتنمية مصادر اليورانيوم الخام ، وكذلك تم الاتفاق علي استئناف التعاون المشترك مع الصين في مجال الاستخدام السلمي للطاقة الذرية ، وأعلن الاتحاد الأووربي عن تقديم منحة بقيمة مليون يورو لتدريب الكوادر المصرية في مجال الأمان النووي.. من جانبه أكد د.أكثم أبو العلا وكيل وزارة الكهرباء والطاقة أن عقد إنشاء المحطة النووية سيتم تنفيذه علي مرحلتين ، الأولي تحديث دراسات موقع الضبعة ومواقع أخري مقترحة وإعداد تقرير الأمان النووي الذي يقدم لجهاز الأمن للحصول علي الترخيص وإعداد الاستراتيجيات اللازمة لتقييم التكنولوجيا المتاحة ورفع نسبة المشاركة المحلية في مراحل الإنشاء وطرق تمويلها والتي سوف يحددها استشاري المشروع بعد الانتهاء من اعداد الدراسة اللازمة لبدائل التمويل العالمي والتي ينتهي منها الاستشاري خلال عام 2010 ، مؤكدا أنه لم يتم حتي الآن التقدم إلي أي جهة تمويلية ، ويتوقع عدم حدوث أي مشاكل تمويلية نظرا لأن المشروع يلقي ترحيب عالمي، منوها بنجاح القطاع في تمويل مشروعات بقيمة 35 مليار جنيه خلال عام 2008/2007 عن طريق قروض ميسرة من جهات تمويل عالمية. وأشار أبو العلا إلي التوجه العالمي للطاقة النووية حيث أعلنت 68 دولة توجهها للمحطات النووية ، وأنه يوجد 436 مفاعلاً نووياً يعمل في 31 دولة ، وهناك 45 مفاعلاً تحت الإنشاء جار إقامتها في 14 دولة ،فقد أعقب حادث تشيرنوبل حالة من التخوف انتابت العالم علي أثره ونتج عنها تجميد لكل المشروعات النووية علي مستوي العالم وليس في مصر فقط ، ولكن تناقص مصادر الطاقة دفع الجميع إلي العودة إلي الطاقة النووية. قرار حاسم أما د. علي الصعيدي وزير الكهرباء والطاقة السابق فيري أن الحديث عن إقامة محطات نووية مصرية دائر منذ سنين إلا أن المؤشر يتحرك صعودا وهبوطا بشأن الحوار حوله دون اتخاذ قرار حاسم وواضح بشأنه ، فعلي سبيل المثال لم يتم تحديد موقع الإنشاء حتي الآن فكيف يتم اذا اتخاذ أي خطوة بشأن المشروع أو دراستها دون تحديد الخطوة الأولي وهي تحديد المكان؟.. علي الرغم من أن المكان كان قد تم تحديده من قبل وهو الضبعة التي ثبت بالدراسات التي تمت مسبقا أنها المكان الانسب بكل المقاييس ، إلا أن إقامة المحطات النووية في هذا الموقع يري بعض ملاك الساحل الشمالي أنه ربما يمثل لهم إزعاجا فطالبوا بانشائها في موقع آخر وجار دراسة اقتراحاتهم ولم يتم حسم الموقف حتي الآن. كما طالب الصعيدي بسرعة اتخاذ القرار بهذا الشأن حتي يمكننا اللحاق بالركب الذي سبقنا في المنطقة برغم اننا حسب قوله كنا الأسبق في التفكير والتخطيط والإعداد لهذا الشأن إلا اننا في حالة من التردد في اتخاذ قرار البدء مما جعل الآخرين يسبقوننا بمراحل نظرا لأن هذا النوع من المشروعات يستغرق سنوات في الإعداد والإنشاء ويمكن تصنيفها ضمن المشروعات طويلة الأجل لذا يجب معرفة وإدراك أن أي تردد أو تأجيل فيها يباعد بيننا وبين الحصول علي النتائج التي تستدعي توفير مصادر بديلة للطاقة. وعن مقترحات التمويل أكد وزير الكهرباء السابق أن البنك الدولي مستبعد تماما كجهة تمويل لأن سياسته قائمة علي عدم تمويل محطات نووية منذ قام بتمويل محطة نووية في باكستان وثارت حولها مشاكل عديدة فانتهج سياسة عدم تمويل أي محطات نووية علي مستوي العالم ، وعلي أي حال فافضل اتجاهات التمويل وأكثرها أمانا لمثل هذا المشروع هي الصناد ق العربية مثل الصندوق الكويتي والصندوق الإسلامي والتنمية الإفريقي بالإضافة إلي بنوك التصدير والاستيراد ، وبالنسبة لجزء التمويل المصري فسوف يرتكز علي القطاع المصرفي ، ولا يتوقع مشاركة من الدول المحيطة في التمويل نظرا لإمكانية كل منها إقامة محطة خاصة بها منوها بأن دولة الإمارات تقوم بشراءمحطات نووية في الوقت الحالي.. ويري د.عمرو حمودة ، الخبيرفي شئون الطاقة أن انشاء محطة نووية مصرية سوف يوفر الطاقة اللازمة لتنفيذ خطط التنمية وتعويض نقص الموارد الأخري وعلي رأسها البترول وتوفر أيضا استيراد المازوت والسولار الذين يتم استيرادهما ، ومن المتوقع أن الطاقة النووية سوف تغطي 10 - 15 %من منظومة الطاقة في مصر مما من شأنه أن يحدث توازن حتي لانتعرض لأزمات نتيجة ارتفاع أسعار البترول العالمية ولانظل تحت رحمة الأسعار العالمية..
مشيرا إلي إلي إمكانية توظيف المحطات النووية أيضا لتشغيل محطات تحلية مياه البحر ، ونحن أحوج ما نكون إلي ذلك خلال الفترة المقبلة خاصة مع تناقص حصة مصر من مياه النيل ، لذلك فتلك المحطات ستمثل الحل البديل للكثير من الأزمات التي نحن معرضون لها لذلك يجب الإسراع بإنشائها ولا يحدث تراجع في القرار كما حدث من قبل. من جانبه يؤكد د.محمد قدري سعيد مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن تمويل مشروع المحطات النووية المصرية من المؤكد أنه سيواجه مشاكل ، فتمويل مثل تلك المشروعات يعد حساس جدا خاصة من الجهات الدولية وقد سبق أن تكرر ذلك في تمويل مشروع السد العالي مما دفع مصر إلي تأميم قناة السويس من أجل تمويله ، ويقترح عرض تمويل المشروع علي الدول العربية التي تتعاون وتستفيد من مشروعات الطاقة في مصر وضرورة اتجاه تلك الدول إلي تفعيل قرارات القمة العربية السابقة والخاصة بمستقبل قطاعات الكهرباء والطاقة بالوطن العربي حتي يكون هناك توازن تكنولوجي في المنطقة مع اسرائيل وايران. فيما يري الخبير المصرفي أحمد آدم أن توجه القطاع المصرفي المصري إلي المساهمة في تمويل مشروع المحطات النووية سوف يكون توجهاً جيداً يمتص السيولة المكدسة في البنوك والتي يؤدي عدم تشغيلها إلي خفض الفائدة.. لكن بعد توجيه العديد من الضربات للحلم النووي المصري ومع الإعلان مصر تعتزم إقامة سلسلة محطات نووية كما أعلن وزير الكهرباء والطاقة وأن المحطة الواحدة يستغرق إنشاؤها من 8 - 10 سنوات فإن التساؤل الذي يظل مطروحاً هل مصر تستطيع أن تتحمل مزيداً من التأجيل والتسويف أم أنها ستتخذ خطوات فعالة وإيجابية للنهوض بمشروعها القومي؟