لعل صدور ترجمة عربية لكتاب "تاريخ الفكر الصيني" الذي وضعه الباحث الصيني المشهور آن شنغ عن المنظمة العربية للترجمة يساهم في ملء الفراغ الذي تعانيه المكتبة العربية في مضمار الأدب والفكر الصينيين. والكتاب نقله إلى العربية محمد حمود وراجع الترجمة جمال شحيّد. ويرى المترجم في مقدمته أنّ غالباً ما يتجه فكر الشباب العربي المثقف منذ بدايات تحصيله العلمي نحو الغرب وثقافته، ونادراً ما يهتم بالالتفات نحو الشرق وثقافته، والمعني هنا بالتحديد ثقافة الهند والصين واليابان... ترى هل لأن العرب يعتبرون أنفسهم هم من يمثلون ثقافة الشرق؟ أم ترى لأن الحضارة الغربية المعاصرة قد بهرت العرب بإنجازاتها كما بهرت سائر بلدان الشرق؟...أم للسببين معاً! أما اليوم، بعد أن فرضت بعض دول الشرق الأقصى نفسها كقوى اقتصادية قادرة على مقارعة الدول الغربية في عقر دارها، وبات يحسب لها ألف حساب، رغم بقائها محافظة على موروثاتها وتقاليدها، وبعد أن باتت محط أنظار الغرب واهتمامه، بات العالم العربي أيضاً يلتفت إلى هذه البلدان، ويتطلع إلى فكرها وتاريخها وحضاراتها، ليلاحظ أن ما يجمعه بها أكثر مما يفرقه عنها. لا يعرف العرب الكثير عن الصين، رغم الاهتمام الكبير الذي أولوه مؤخراً بهذا البلد - وبخاصة على الصعيد التجاري- فيأتي هذا الكتاب ليقدم صورة شاملة دقيقة - عن تطور الفكر الصيني منذ حكم سلالة شانغ في الألفية الثانية قبل الميلاد وصولاً إلى حركة 4 أيار(مايو) 1919، التي تشكل بداية قطع مع ماضٍ - لا يزال حاضراً بشكل أو آخر - ومحاولة تجديد فكر لا يزال يثبت كل يوم قدرة لافتة على التفوق. أما الكاتب يقول في مقدمته: "ما الذي نتصوره عن الصين اليوم؟ إن الصورة مشوشة تختلط فيها معلومات مدهشة عن اقتصادها، وأخبار مقلقة عن سياساتها، وتفسيرات وشروحات غير مستندة إلى واقع، أحياناً، في ما يتعلق بثقافته " في الوقت الذي ظهرت فيه كل مخاوف وإغراءات اللاعقلانية التي جعلتنا نتأرجح بين الخوف من "الخطر الأصفر". والشغف "بالحكمة الشرقية"، بتنا بحاجة أكثر من أي وقت مضى، إلى إرساء قواعد لمعرفة أصيلة، مبنية على الاحترام والنزاهة العقلية، لا على صورة مشوهة غالباً ما تخفي رغبة بالتعويض. في مرحلة تشهد انطلاقة الهويات واليقينيات، نحن إزاء فرصة نادرة تسمح لنا بالكشف عن المصادر الشديدة التنوع للفكر البشري وتطلعاته. فبعد انقضاء قرن من الضجيج والسخط، وصلت الثقافة الصينية إلى منعطف تاريخ متواصل يرجع إلى أربعة آلاف سنة. وأكثر من أي وقت مضى، آن لها الأوان أن تبني تصوراً لمستقبلها: هل لا تزال قادرة على أن تتغذى من موروثها الخاص؟ ما المهم الذي تستطيع أن تقوله لنا نحن الذين نعيش في "الغرب الحديث؟".