لم تحظ شخصية اقتصادية باحترام وتقدير سواء من المتخصصين أو المواطنين مثلما حظى بها الدكتور فاروق العقدة.. محافظ البنك المركزى.. هذا الرجل لا أغالى إذا قلت إنه حدوتة مصرية سيسجلها التاريخ المصرفى فى مصر بحب وإجلال. أى متابع للدكتور العقدة منذ توليه مسئولية البنك المركزى وحتى الآن سيكتشف أن هذا الرجل نجح فى مواجهة التحديات الصعبة التى كادت تعصف بالاقتصاد المصرى والجهاز المصرفى، واستطاع أن يحمى البنوك سواء من الأزمات الخارجية والداخلية وكان آخرها تداعيات آخرها تداعيات أحداث ثورة يناير. ومن هنا قوبل قرار المشير محمد حسين طنطاوى.. القائد العام للقوات المسلحة ورئيس المجلس العسكرى بالتجديد للدكتور فاروق العقدة محافظًا للبنك المركزى لفترة جديدة مدتها 4 سنوات بترحاب شديد وإشادة قوية من المواطنين والمصرفيين على حد سواء، فهم يدركون قيمة هذا الرجل من سياساته الذى قاد بها الجهاز المصرفى خلال 8 سنوات عجاف، ونجح أن يرسو بسفينته بر الأمان فى بحر تموج فيه الأمواج العاتية من مشكلات اقتصادية حادة ومزمنة وأوضاع مصرفية شديدة السوء هددت بعض البنوك بالإفلاس. ومن الأسرار التى لا يعرفها الكثيرون أن الدكتور العقدة لم تكن لديه رغبة فى الاستمرار فى منصبه كمحافظ للبنك المركزى، إلا أنه قبل المسئولية بعد لقاءات مع أعضاء بالمجلس العسكرى ليستكمل مشوار الإصلاح والنجاح الذى بدأه فى ديسمبر 2003. نجاح الدكتور العقدة فى مهمته لإنقاذ الجهاز المصرفى والتى لم تأت من فراغ أو من ضربة حظ، ولكنه جاء كما يقول المنطق "المقدمات الصحيحة تقودنا إلى النتيجة السليمة" لقد حصل على الماجستير والدكتوراة من جامعة بنسلفانيا الأمريكية وكان أول دفعته فى الجامعة وقضى نحو 20 عامًا فى أكبر البنوك الأمريكية حتى تولى منصب نائب رئيس بنك أوف نيويورك، ثم عمل رئيسًا لمجلس إدارة البنك الأهلى. هذه الخبرة الواسعة الممزوجة بالدراسة والتفوق فتحت له أبواب النجاح للتعامل مع ظروف اقتصادية تتسم بالخلل الشديد، سواء أكان فى ميزانى المدفوعات والتجارى، فضلاً عن معدلات تضم غير مسبوقة وسوق سوداء مزمن للصرف. لقد استطاع "العقدة" أن يحقق وينجز ما لم يستطع آخرون أن يحققوه، وأعاد الاستقرار إلى سوق الصرف وينهى إلى الأبد السوق السوداء للدولار، وأوقف عمليات استنزاف الاقتصاد المصرى والتى كانت تتم عبر الارتفاع الجنونى للعملة الأمريكية، وقاد خطة إصلاح البنوك ودمج بنوكًا صغيرة لإنقاذها من الإفلاس. وأعاد للبنك المركزى هيبته وقوته الرقابية على البنوك ووضع قواعد ائتمان محددة لحماية ودائع المودعين ونجح فى إنهاء أزمة القروض المتعثرة التى قدرت بنحو 100 مليار جنيه، ونجح أيضًا فى تغطية عجز المخصصات فى البنوك العامة، واستطاع أن يصل بالاحتياطى النقدى إلى 35 مليار دولار. هذا الرجل الذى يتسم بالحزم والاحترام يشهد له الجميع بالتواضع الشديد، فعندما تم تكريمه فى لبنان مرتين عامى 2005 و2009 نظرًا لاختياره المحافظ العربى.. أهدى هذا التكريم لزملائه العاملين بالبنك المركزى ولجميع العاملين بالجهاز المصرفى فى مصر، وقال بالحرف الواحد: "إن جهودكم هى التى أدت إلى هذه النتائج الكبيرة". ويحسب للدكتور فاروق العقدة أنه حمى البنوك المصرية من تأثيرات وتداعيات الأزمة المالية العالمية فى عام 2009، وذلك بإجراءات احترازية حيث وضع سقفًا للقروض العقارية فى أى بنك بحيث لا تزيد على 5% من محفظة البنك. ويحسب أيضًا لمحافظ البنك المركزى أنه نجح فى وقف حملة تسريح العمالة المصرية من البنوك الأجنبية العاملة فى مصر، والتى أعقبت الأزمة المالية، محذرًا من استخدام صلاحياته فى إصدار قرارات بحل مجالس إدارات البنوك المخالفة، وفى هذا السياق يذكر أيضًا أن الدكتور العقدة رفض عودة بنك الرافدين العراقى للعمل فى مصر قبل أن تسدد بلاده ديونها للعمالة المصرية والتى تقدر بنحو 913 مليون دولار. لقد استحق الدكتور فاروق العقدة وباقتدار أن ينال جائزة أفضل محافظ فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى حفل كبير أقيم فى واشنطن على هامش اجتماعات البنك وصندوق النقد الدوليين خلال الشهر الماضى وحضره عدد كبير من وزراء المالية ومحافظى البنوك المركزية من مختلف دول العالم. الملف الشخصى "السى فى" لمحافظ البنك المركزى يتضمن العديد من الجوائز التى تؤكد أنه مصرفى غير عادى يملك أدواته ويوظف قراراته، مستفيدًا من خبرته الواسعة فى إدارة الجهاز المصرفى باقتدار ونجاح. لقد حصل على جائزة أحسن شخصية مصرفية عربية لعام 2005، يومها قال عنها جوزيف طربية.. رئيس اتحاد المصارف العربية آنذاك: لقد تمكن فاروق العقدة بسلامة سياساته من تحقيق الاستقرار لسعر الصرف وإلغاء جميع القيود على النقد الأجنبى وامتصاص الصدمات وزيادة الاحتياطى النقدى لأكثر من 23 مليار دولار وتطوير أسلوب إدارة الاحتياطيات الأجنبية. كما اختارته مؤسسة اليورومنى كأفضل محافظ فى منطقة الشرق الأوسط، ومنحته حركة "مواطنون ضد الغلاء" لقب "محامى الشعب". ورغم كل هذه النجاحات إلا أن الدكتور فاروق العقدة يواجه تحديات صعبة أفرزتها تداعيات أحداث ثورة 25 يناير، ولعل أهمها ما كشف عنه تقرير البنك المركزى عن الفترة من يوليو – سبتمبر من السنة المالية 2011-2012 من عجز كلى بميزان المدفوعات بلغ نحو 2.4 مليار دولار، وهو ما انعكس على تناقص صافى الاحتياطياتت الدولية للبنك المركزى، حيث نتج هذا العجز بتراجع الإيرادات السياحية وتدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى مصر. وإن كان هذا يفسر تراجع الاحتياطى النقدى الأجنبى إلى 22 مليار دولار والذى صاحبته مخاوف من أن هذا الاحتياطى يغطى 5 أشهر فقط من الواردات السلعية، إلا أن الدكتور فاروق العقدة أكد منذ أيام قليلة عقب لقائه بالدكتور كمال الجنزورى.. رئيس مجلس الوزراء أن الاحتياطى النقدى فى وضع آمن، ونحن نثق فيما يقوله محافظ البنك المركزى.