يعد ( ياميش ) رمضان من السلع الرائجة ، التي تجد هوى في النفوس ، فحينما يعد رب الأسرة قائمة المشتريات الخاصة بشهر رمضان ، سنجد أن للياميش والمكسرات تقدما ملحوظا في الترتيب لدى قائمة الميسورين ، وتراجعا ملحوظا أيضا في قائمة المعوزين ، ومن هنا تظل حركتا البيع والشراء كالمد والجزر خلال أيام وليالي رمضان ، فأفراد العائلة يطالبون دائما بحضور الياميش ، فيكتفي رب الأسرة بشراء الزبيب مثلا ومعه اللوز أو الجوز ، بينما يشتري آخر من كل صنف ومن كل لون مهما كانت المكابدات والمشاق المالية . أسواق الياميش ويخبرنا التاريخ بتعدد الأسواق ورواجها في شهر رمضان ، خاصة أسواق القاهرة ، فكانت هناك أسواقا للشماعين الذين يبيعون الشموع ، وآخر للحوم والخضروات ، والياميش والمكسرات ، وهي أسواق متجاورة تمركزت إلى جوار الجامع الأزهر وفي رحاب الحسين ، ولا زالت هذه الأسواق في مكانها حتي يومنا هذا ، حيث كان توزيعها على أساس تخصص أصحاب الحرف والصناعات ، وإن كانت أسواق المواد الغذائية ، قد انتشرت في جميع أنحاء القاهرة والمدن والقري المصرية . وهكذا اختصت القاهرة نفسها بأشهر الأسواق ، ومنها سوق ( الياميش ) ، وذلك منذ تأسست في عام 853 ه / 999 م .. وكانت هذه الأسواق تغلق أبوابها ليلا ، ويحرسها حراس يدفع رواتبهم أصحاب الحوانيت في كل منطقة ، وكان على من تضطره الظروف إلى التأخر ليلا معرفة كلمة السر ليتمكن من المرور. وفي سوق الياميش عرف الناس في العهود الفاطمية والمملوكية والعثمانية ، أجود أصنافه بأسعار زهيدة ، مقارنة بأسعار العقود الأخيرة ، فبعد أن كان يباع بملإلىم أو قروش قليلة ، أصبحت الأسعار في تزايد مستمر خاصة في السنوات الأخيرة . ولعل ( الزبيب ) هو أرخص أنواع الياميش التي يقبل علىها عامة الناس ، إذ تتراوح أسعاره بين 21 جنيها للزبيب الأصفر ذي الجودة العالمية ، و 11 جنيهات للزبيب البني اللون ، أو ما يطلق علىه المصريون ( الزبيب الشعبي ) ، والذي يدخل في صناعة الحلويات كالقطايف والكنافة والجلاش ، كما تضاف حباته إلى العصائر وشراب التمر ، لما له من مذاق طيب . أما الأنواع الأخرى كعين الجمل والجوز واللوز ، فهي ذات أسعار متقاربة تتراوح بين العشرين والثلاثين جنيها ، وتتقارب استخداماتها مع جميع أصناف الحلويات ، فضلا عن استخدام البعض منها في حشو الفراريج وطواجن الأرز . سر الإقبال ويكشف صاحب أحد محلات الحلويات الشهيرة في القاهرة ، عن سر تزايد الإقبال على الياميش في رمضان بقوله : إن أنواع الياميش دون استثناء يمكن استخدامها في زخرفة قطع الجاتوه والتورتة ، فضلا عن الكنافة والقطايف ، وقد جرت العادة أن يتزايد الطلب على الحلويات في شهر رمضان ، ومن هنا نشتري كميات مضاعفة من أسواق الجملة ، مما يحقق رواجاٍ مزدوجا للياميش والحلويات في آن واحد ، وهو ما لا يتوافر في أي شهر آخر من شهور العام ، باستثناء المواسم والأعياد . ويلاحظ أن أصحاب المحلات والدكاكين التي تبيع الموائد الغذائية ، تحرص في شهر رمضان على عرض أصناف الياميش والمكسرات لزبائنها ، بل إن البعض منهم يبيعون كميات قليلة منها في أحجام صغيرة ، حتي تكون في متناول العامة قبل الخاصة . تحذيرات الأطباء ورغم تحذيرات الأطباء من الإفراط في تناول بعض أصناف الياميش ، فإن الكثير من الناس ، يضربون عرض الحائط بتلك التحذيرات ، فالياميش عموما غني بالزيوت الدهنية والفيتامينات ، وسعراته الحرارية عإلىة ، وإذا تناوله الأصحاء بكميات معقولة فإنه لا يسبب أية أضرار بل يتحول إلى طاقة وفائدة للجسم ، لتعويض ما فقده أثناء الصوم ، أما من يعانون من أمراض معدية أو سمنة زائدة ، فإن هولاء ممنوعون تماما من الياميش ، لما يسببه من عسر هضم ، وتلبك معوي ،وارتفاع ضغط الدم لمرضي السكر ، كما ينصح الأطباء من يعانون من حب الشباب ، بعدم تناولهم الياميش ، لأنهم أكثر الناس عرضة لتخزين المواد الدهنية الموجودة في الياميش ، فيضاعف ذلك من الالتهابات الجلدية ،ويتغير لون البشرة ، وميلها إلى الاحمرار . وعن تلك العادة الاستهلاكية ، يري العلماء والمشايخ أنها ليست سوي بدعة اختلقها الإنسان ، وداوم عليها ، ولا يوجد مانع ديني لتناول تلك الأطعمة ، ولكن إذا كانت بعيدة عن متناول الفرد ، لضيق ذات إلىد ، وارتفاع ثمنها ، فلا داعي إطلاقا ، أن يحمل الإنسان نفسه أعباء فوق طاقته . ولا يزال سوق الياميش مستمرا ، والمنافسة تشتد ، والإغراءات بالشراء تنسي رب الأسرة الأولويات والضروريات الأخرى ، فجلب الياميش هو نوع من التباهي والتفاخر ، وعادة يمكن الاستغناء عنها ، والانتباه إلى مغزي الصوم وحكمته .