بورسعيد تحت الحصار.. هذا مشهد الحياة في المدينة الباسلة التي كانت تتمتع بأكبر سوق حرة للتجارة فى جميع المحافظات المصرية، خصوصًا عقب سقوط أكثر من سبعين قتيل في ليلة دامية شهدها الاستاد الرياضي الذي جمع فريقي الثأر (النادي الأهلي والمصري البورسعيدي) من مشجعي ألتراس النادي الأهلي الرياضي، حيث تحول الاهتمام الإعلامي والشعبي في مصر من جريمة القتل للانقسام حول المدينة ما بين أصوات تتحدث عن مؤامرة تستهدف الزج ببورسعيد وفرض حصار اقتصادي عليها، وما بين مشكك في صحة هذا الحصار ومعتبرًا إياه تهويل وكذبة إعلامية. بداية ينفي مدير أمن بورسعيد اللواء سامح رضوان ما يتردد إعلاميًا عن حصار مدينة بورسعيد، مؤكدًا أن كل احتياجات المدينة من السلع الاستهلاكية والتموينية مؤمنة، وأن شعب بورسعيد يساعد جهات التحقيق في سرعة الكشف عن الجناة المتورطين في الحادث. ويتفق معه في الرأي أبو العز الحريري نائب مجلس الشعب (الغرفة الأولى من البرلمان) أن حصار بورسعيد هو كذبة إعلامية كبيرة، مضيفًا إن قرار الحصار جاء بقرار شخصي من بعض الأفراد الذين أحجموا عن زيارة المدينة بعد الحادث تأثرًا بالجريمة التي حصدت أرواح أكثر من سبعين شابًا من مشجعي النادي الأهلي، منتقدًا المسيرة الإعلامية التي توجهت إلى مدينة بورسعيد لكسر الحصار عنها، مؤكدًا أنها "تمثيلية" كبيرة وأن بورسعيد ستظل مدانة إلى أبد الدهر بعد الحادث الأليم الذي حدث على أراضيها، مهاجمًا فى الوقت ذاته حملة فك الحصار عن بورسعيد متهمًا الحملة بالمتاجرة بالمدينة وبدماء الشهداء، لافتًا إلى أهمية الاهتمام بأحوال أهالي الشهداء الذين فقدوا أبناءهم في عمر الشباب. في الوقت الذي ناشد فيه مجدي الشامي رئيس ائتلاف تجار بورسعيد الشعب المصري لزيارة المدينة وتنشيط حركة البيع داخلها بعد حالة الكساد والبطالة التي عانت منها مدينة بورسعيد منذ حادث الاستاد الأليم، مضيفًا إن شعب بورسعيد كان من أكثر المحافظات التي عانت في عهد الرئيس السابق حسني مبارك بعد إصدار مبارك لقرار إلغاء المنطقة الحرة عام 2002 وإصدار قانون الوارد 2005 والذي أتاح لكل الموانئ المصرية استيراد الملابس الجاهزة بعد أن كانت بورسعيد وحدها تتمتع بهذه الميزة. أما البدري فرغلي عضو مجلس الشعب عن مدينة بورسعيد الذي كان أول من حذر من عقاب المدينة ووجود حصار عليها بعد الحادث واختفاء رجال الشرطة والجيش هناك، فأكد أن فكرة قبول بورسعيد لمساعدات هو أمر مهين وليس له معنى، مضيفًا إن ما تردد في بعض وسائل الإعلام عن وجود مجاعة في المدينة ومأساة إنسانية هو أمر عار من الصحة، فالأمر لا يعدو سوى تراجع في عملية النقل بين بورسعيد والقاهرة والمحافظات الأخرى خوفًا من حالة الاحتقان الموجودة بعد الحادث. ودافعت الكاتبة سكينة فؤاد بدورها عن بلدها مدينة بورسعيد، مؤكدة أن الشعب المصري سيظل نسيجًا واحدًا مهما حدث من مؤامرات وفتن، لافتةً إلى أن بورسعيد بلد الأبطال التي تصدت للعدوان الثلاثي 1956 ستكشف حلقات المؤامرة التي تمت على شعب مصر بالكامل وستكون بورسعيد مقبرة لمن احتلوا مصر ثلاثين عامًا مثلما كانت على مر التاريخ مقبرة للغزاة، مضيفةً إن ما حدث في بورسعيد هو حلقة ضمن سلسلة لتمزيق وحدة المصريين وإشعال فتن وحروب أهلية فيما بينهم بداية مما حدث في ماسبيرو وشارعي محمد محمود ومجلس الوزراء بوسط القاهرة. ويشير محمد المصري رئيس غرفة بورسعيد التجارية إلى الدور السلبي للإعلام في تكثيف الحديث عن وجود حصار اقتصادي مفروض على المدينة وخلق فزاعات للناس من زيارة المدينة، مضيفًا إنه في حال توقف حركة التجارة في بورسعيد التي تضم على أراضيها أهم ميناء في مصر ستصيب الاقتصاد المصري كله في مقتل في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري منذ اندلاع الثورة العام الماضي، مؤكدًا أن ما تتعرض له مدينة بورسعيد من حصار هو عار في حق كل المصريين بمعاقبة المدينة الباسلة التي حارب شعبها على مر التاريخ دفاعًا عن أرض مصر، مضيفًا إن الحديث عن الشعب البورسعيدي هو كارثة قد تجر إلى الحديث عن الشعب السكندري والشعب المحلاوي وإحداث مزيد من الانقسامات بين المصريين. جدير بالذكر أن بورسعيد هي مدينة ساحلية مصرية تقع في شمال مصر، وتطل على البحر المتوسط عند مدخل قناة السويس، وقد بدأ إنشاء مدينة بورسعيد على يد الخديو سعيد وسميت المدينة على اسمه عام 1859، وذلك عندما حفر فرديناند دي لسبس قناة السويس، وقد تفاعلت مدينة بورسعيد مع الأحداث التاريخية والوطنية في تاريخ مصر الحديث حيث اشتعلت المظاهرات الرافضة لمعاهدة 1936 من داخل بورسعيد، بجانب دور المدينة الباسلة الذي لا ينساه التاريخ في مقاومة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حيث اتخذت المحافظة من يوم الثالث والعشرين من ديسمبر من كل عام عيدًا قوميًا للمحافظة وهو تاريخ جلاء آخر جندي من المدينة عام 1956، ومع قرار الرئيس الراحل محمد أنور السادات بتحويل بورسعيد إلى منطقة حرة أصبحت المدينة جاذبة للسكان والتجار من شتى أنحاء مصر، إلى أن جاء الرئيس السابق حسني مبارك وأصدر قرارًا بإلغاء المنطقة الحرة عام 2002 والذي اعتبره أهل بورسعيد عقابًا جماعيًا لهم على محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس السابق حسنى مبارك داخل المدينة.