كيف يتعامل مع الناس فلا تملك إلا أن تحبه ، وموقفه العظيم من الإذاعة البريطانية أيام حرب السويس1956 معروف لنا جميعا ونفخر به •فقد قدم هو وصديقاه الفنان محمود مرسي والأستاذ حسين أحمد أمين استقالتهم من العمل في الإذاعة استنكارا للهجوم البريطاني الفرنسي علي مصر كنت أسمع عنه ، وأعرف مكانته ، ودوره المهم في كليتي الآداب والتربية في جامعة الإسكندرية ، وأراه في الندوات التي تقام في قصور الثقافة• لكنني لا أقترب منه ، ولا أسعي للتعرف عليه • ولذلك قصة •فقد فاز زميلنا محمود حنفي بجائزة الدولة التشجيعية عن روايته " حقيبة خاوية "، فقررنا( رجب سعد السيد وصبري أبو علم وسعيد سالم وأحمد شبلول وعصمت داوستاشي وأنا ) أن نقيم له حفلا في نقابة العلميين التابع لها رجب سعد • وفوجئت بدخول الدكتور محمد زكي العشماوي مع الدكتور محمد مصطفي هدارة وعبد الله سرور الذي لم يكن قد حصل علي الدكتوراة• تراجعت للخلف لكي لا أصافح الدكتور عشماوي،وتم الاحتفال دون أن اقترب منه أو أحدثه• فقد رأيته في التليفزيون وهو يمنح السيدة جيهان السادات درجة الماجستير ، ساءني ما حدث، وبات في ذهني أنهم فشلوا في إيجاد من يقبل أن يقوم بهذا الدور من أساتذة كليات القاهرة ، ولم يجدوا سواه ليقبل هذا الدور، وكنت قد قرأت مقالة في جريدة الأهالي لدكتور جامعي مصري ، يعملوقتها في السعودية، استضافه دكتور جامعي سعودي في بيته، وقدم إليه مجموعة من شرائط الفيديو، قائلا له: - أكيد أنت مشتاق لمصر ، لذا أقدم إليك مجموعة من الأفلام المصرية التي قد تسعد برؤيتها• لكنه وجد وسط المجموعة شريط مسجل عليه حفل منح السيدة جيهان السادات درجة الماجستير•فحزن لرؤية أستاذ جامعي يقوم بهذا الدور، وعبر عن رأيه في قسوة،•وكنت أتمني أن أعثر علي الجريدة لأكتب ما حدث بالتفصيل• أعرف أن الأستاذ الدكتور محمد زكي العشماوي قد حصل علي مكافأته لما حدث ، بأن عين نائبا لرئيس جامعة الإسكندرية ، بل يحكون بأن الأستاذ ممدوح سالم رئيس الوزراء في ذلك الوقت ? قد أبلغه برغبة الرئيس السادات بتعيينه محافظا للإسكندرية ، لكنه رفض متعللا بأنه رجل ثقافة وليس له في إدارة المحافظات• لمت الأستاذ محمود حنفي لأنه دعا الدكتور عشماوي لهذا الحفل ، فقال لي: - لقد جاء دون دعوة • كنت ومجموعة من الأصدقاء غير معجبين بالدكتور عشماوي، خاصة أنني شهدت مناقشة له في مسرح قصر ثقافة الأنفوشي لرواية كتبتها دكتورة تحكي عن زوجة تزوجت رجلا لا تحبه ، فهربت منه وعاشت مع حبيبها السابق عشرة أيام، علي شاطئ البحر ، لا تفعل فيها سوي الحب والاستحمام علي البحر• صورة مشوهة لرواية " الباب المفتوح " للطيفة الزيات ،وكنت قد قرأت الرواية وضقت بها ، إلا أن الدكتور عشماوي قال فيها كلاما عجيبا ، وجعل الدكتورة المؤلفة في مصاف عظماء الرواية في العالم• فازداد رفضي له• وقد حكت لي الأستاذة فيفيان محمود رئيسة التمثيليات بإذاعة الإسكندرية ، إنه فوجئ بتمثيلية مقدمة مني للجنة الدراما، فقد كان يظنني من القاهرة ،وسألها: - هو مصطفي نصر من الإسكندرية؟! فقد دهش كيف أكون سكندريا ولم نتقابل مرة واحدة • لكنني أحببت الدكتور عشماوي من خلال حب وإعجاب الأصدقاء له• كان صديقي محمد أبو المعاطي المخرج بالقناة الخامسة يحكي لي عنه كثيرا ،فقد زامله في لجنة الدراما بإذاعة وتليفزيون الإسكدرية ، حكي لي عن تواضعه، وثقافته•وعن قدرته علي التعامل مع الأجيال الجديدة وكأنه واحد منهم • وحكي لي الصديق صبري أبو علم عن حياة العشماوي وصداقته للممثل العظيم محمود مرسي واشتراكهما معا في ترجمة كتاب إعداد الممثل تأليف قسطنطين ستانسلافسكي,حكي لي عن موت زوجة عمه وهو طالب في كلية الآداب ، فاجتمعت الأسرة وقررت أن يتزوج أرملة عمه ، فتزوجها وانجب منها ، وكان وفيا لها إلي أن ماتت قبله• ولد محمد زكي محمد الإمام العشماوي، في الثالث من فبراير 1921 بمدينة فارسكور بمحافظة دمياط، وبعد أربعة أعوام أواخر 1925 التحق أبوه بالعمل في تفتيش الأمير عمر طوسون في بلدة طوخ القراموص التابعة لمركز أبي كبير محافظة الشرقية وهناك ألحقه والده بكّتاب القرية، غير أن الأب لم يلبث أن انتقل للعمل في تل حورين بالقرب من مدينة الزقازيق، وهناك التحق الطفل محمد زكي العشماوي، بالمدرسة الأولية بها، ثم تم تعيين عمه خالد العشماوي مدرسا بمدرسة فارسكور الابتدائية فأغري الأسرة أن تنقل الطفل إلي تلك المدرسة لينال الرعاية التعليمية من عمه خالد، وعليه تم حرمان الطفل من رؤية والديه إلا في عطلات المدارس• عمل محمد زكي العشماوي مدرسا بمدرسة الطائفة الإسرائيلية بالإسكندرية • حصل علي درجة الماجستير في الآداب مع مرتبة الشرف الأولي في مايو 1951،وكان موضوعها: النابغة الذبياني•• الشاعر القبلي بإشراف الدكتور إبراهيم مصطفي• أعد رسالة الدكتوراة، وكانت تدور حول نظرية النظم عند عبدالقاهر الجرجاني بإشراف الدكتور محمد خلف الله أحمد• حصل في عام 1952 علي منحة دراسية بلندن ، فسافر ليعد بحثه تحت إشراف المستشرق ألفريد جيوم • حصل في أكتوبر 1954علي درجة الدكتوراة في الفلسفة من جامعة لندن وكانت تدور حول النقد الأدبي العربي حتي القرن الخامس الهجري مع العناية الخاصة بنظرية النظم عند عبدالقاهر الجرجاني• • تم تعيينه مدرسا بقسم اللغة العربية بمجرد حصوله علي الدكتوراه في عام 1961 عين أستاذا للأدب والنقد المساعد • ثم استاذاً عام 1968،فرئيسا لقسم اللغة العربية واللغات الشرقية عام 1971، فوكيلا لكلية الآداب، في أكتوبر 1973 ثم عميدا لكلية الآداب 1974 عين عميدا لكية الآداب جامعة بيروت 1979 1981 فأستاذا متفرغا بكلية الآداب عندما بلغ السن القانونية للمعاش في العام 1981، ويذكر له أنه أول من أنشأ قسما للصوتيات في الجامعات العربية وذلك في كلية الآداب جامعة الإسكندرية عندما كان عميدا لها، كما أنشأ قسمين مستقلين لعلم النفس والأنثربولوجي بالكلية نفسها • الكتب والمؤلفات: 1- النابغة الذبياني- دار المعارف 1958 وأعيد طبعه مرات• 2- الأدب وقيم الحياة المعاصرة- الدار القومية 1968، ودار النهضة العربية ببيروت 1980. 3- قضايا النقد الأدبي بين القديم والحديث، الدار القومية 1967، ودار النهضة العربية ببيروت 1980و 1982. 4- دراسات في النقد المسرحي- الإسكندرية 1968، ودار النهضة العربية ببيروت 1980. 5- فلسفة الجمال في الفكر المعاصر، دار النهضة العربية ببيروت 1980. 6- النابغة الذبياني ودراسة للقصيدة العربية في الجاهلية- ودار النهضة العربية ببيروت 1980. 7- موقف الشعر من الفن والحياة في العصر العباسي، دار النهضة العربية ببيروت 1981. 8- دراسات في الأدب المقارن والنقد المسرحي- ودار النهضة العربية ببيروت 1983. 9- الرؤية المعاصرة في الأدب والنقد- ودار النهضة العربية ببيروت 1983. 10- أشرف وشارك في تأليف كتاب النقد والبلاغة المقرر علي طلبة الثانوية العامة بدولة الكويت 1969. 11- إعداد الممثل تأليف ستانسلافسكي- مترجم بالإشتراك مع الفنان محمود مرسي- مشروع الألف كتاب- دار نهضة مصر 1961- ودار النهضة العربية ببيروت 1982. 12- الحفل السنوي مسرحية لأنطون تشيكوف- الدار القومية الإسكندرية 1966. 13- المسرح أصوله واتجاهاته المعاصرة- ودار النهضة العربية ببيروت 1977. 14- دراسات نقدية في الكتب والشخصيات- تحت الطبع• 15- أعلام معاصرون في الأدب والفكر- سلسلة معارف إنسانية الكتاب الثاني 1993- ندوة الثقافة والعلوم دبي• 16- أعلام الأدب العربي الحديث- الإسكندرية 1995. 17- دراسات في المسرح والقصة- الإسكندرية 1955. -بالإضافة إلي عشرات المقالات والأبحاث والدراسات النقدية التي نشرت بالصحف والمجلات والدوريات المصرية والعربية• يمر الدكتور عشماوي في عام 2002بحادث أليم، إذ يموت ابنه الدكتور أحمد ، وما أقسي أن يمر الأب بمثل هذا الحادث ، فيكتب عن موت ابنه ديوانا كاملا ، نذكر منه: وَلَدِي: لَوْ أَسْعَدَنِي حَظِّي وَطَرَقْتَ الْبَابَ عَلَي•••• فَسَأَمْتَلِكُ مَفَاتيحَ الدُّنْيا ••• أَتَحَوَّلُ مَجْنُوناً وَخُرَافيا ••!! وَأَضُمُّك بَينَ ذِرَاعَي•• وَأُحَدِّقُ فِيكَ ملِيا كَي أَتأكَّدَ أَنَّكَ قَبَسٌ مِنْ عَينَي•!! وَأَقُولُ: أَطِلُّوا هَذَا وَلَدي قَدْ أَرْجَعَهُ اللَّهُ إِلَي••!!! وسَأُطْبِقُ عَيني عَلَيكَ لِكَي لاَ تَخْرُجَ مِنْ بَينِ اْلأَجْفَانْ ••!! وسَتَشْتَعِلُ الْفَرْحَةُ في أَرْجَاءِ الْكَوْنْ ••!! تَتَدَفَّقُ كالطُّوفَانْ ••!! وَسَأَسْجُدُ للَّهِ وَأَشْكُرُهُ كَمْ رَبِّي أَنْصَفَنِي ••!! هزتني هذه القصيدة، فقد عشت هذه التجربة وأدركها تماما، فقد مات ابني الشاب عام 1994، وجال بخاطري وقتها - أن يعود ابني إلي مرة أخري، أن يكون موته كذبا، وتذكرت رواية قرية ظالمة للدكتور محمد كامل حسين، عندما أعاد المسيح شابا لأمه، فكان يتحرك وكأنه ميت يتحرك • شعرت بالخوف من هذه التجربة، وعندما قرأت قصيدة الدكتور العشماوي هذه ، صدقته• وتلقي الدكتور العشماوي ضربة أخري، فقد ماتت زوجته ، رفيقة عمره فاسلم الروح إلي بارئها فجر الأحد 8 مايو 2005 •