الكاتب والمخرج والسيناريست اسعد الهلالي واحد من الوجوه الثقافية العراقية التي جمعت بين كتابة الرواية والسيناريو والاخراج, وهو من مواليد 1960 في بغداد، درس في قسم السينما بأكاديمية الفنون الجميلة وتخرج منها عام 1986, وعمل في الإخراج لسنوات طويلة داخل وخارج العراق، وله ست مسلسلات، وروايته "الميتة الثالثة والأخيرة" الرواية الثانية بعد روايته البكر "يوميات غياب الندى" فضلا عن اعمال مسرحية وسينمائية كان اخرها فيلمه الروائي القصير "انترفيو" الذي اخرجه لحساب دائرة السينما والمسرح, ويجيء بعد تجارب ناجحة ومشهود لها اهلته ليكون في بؤرة المشهد الابداعي العراقي الذي يشهد حراكا جيدا على الرغم من التحديات الصعبة التي يواجهها. وبرغم ذلك فإن أسعد الهلالي لا يطرح نفسه متخصصا في هذه المفاصل الابداعية مؤكدا:" جل ما أخشاه أن لا كون أيا من هؤلاء.. فأنا في الأساس إنسان بسيط، تورط في لعبة الأدب والفن دون أن يدرك خطورة ما اقترفه من ذنب كبير آذى به نفسه أول الأمر"، مواصلا "ففي البدء تعلمت الموسيقى وعزفت على آلة الكمان التي قادتني إلى أكاديمية الفنون الجميلة في عام 1979 ولم أكن أعلم بأن لا قسم للموسيقى فيها فدرست المسرح، وبهرني ما درست، لكني ولخصلة ما زلت أراها سيئة وهي الخجل، اضطررت إلى ترك المسرح لدراسة السينما، التي لا أجدني فيها مضطرا إلى الصعود على خشبة المسرح، وسأكون دوما خلف الكاميرا.." ويستطرد الهلالي وهو يستعرض بداياته: ما زلت وقد اجتزت الخمسين من العمر أخشى الظهور أمام الكاميرا، وخلال سنوات الدراسة في المرحلة المتوسطة تلمس الشاعر الراحل صاحب الشاهر موهبة أدبية رأى أن أوجهها لكتابة القصة، وقد كتبت قصصي الأولى آنذاك بالفعل، كنت أدرس السينما وأكتب القصة التي أحرص على أن لا أنشرها لأني أشعر بالخجل حين أقرأ قصة عالمية أو عربية وأجدها عصية علي.. كنت أعمل على أن أكتب أفضل، عملت في السينما حين كنت طالبا واشتركت في بعض الأفلام التسجيلية والروائية لشركة بابل منها فيلم "حمد وحمود" لمخرجه الراحل ابراهيم جلال. وقد آمن بي الدكتور محمد ابراهيم عادل وهو مصري الجنسية عمل مديرا لتصوير فيلم "حمد وحمود"، وهو مدير لتصوير بعض الأفلام المصرية منها "رابعة العدوية"، كان يعتقد بأني سأكون مصورا سينمائيا جيدا، لكن التصوير لم يكن مبتغاي.. والمشكلة أن لا سينما في العراق. لماذا تقول ذلك وقد شاهدنا الكثير من الأفلام السينمائية الجيدة التي أنتجتها دائرة السينما والمسرح في الثمانينيات؟ سألته فقال موضحا: "يحمل سؤالك في طياته الجواب، فقد كنت في الثمانينيات طالبا في أكاديمية الفنون الجميلة ولم يحدث أن كلفت دائرة السينما والمسرح طالبا بإنجاز فيلم، حتى إن كان بارعا، وفي النصف الثاني من الثمانينيات كنت جنديا في الحرب ومن المستحيل أن أحظى بفرصة للعمل في مجال السينما، وحين لفظتني الملابس الكاكية في عام 1991 كنت أسترد أنفاسي مع الإشارات الأولى للحصار حيث لفظت السينما العراقية آخر أنفاسها. وجذبني اللهاث اليومي وراء لقمة العيش من أذني لأركض وأركض كي أحصل على ما يسد رمق أسرتي فصارت الكتابة حلما بائدا، والسينما مستحيلا". اسعد الهلالي عمل في التلفزيون وكانت له تجارب عدة, مخرجا ومعدا, وهنا يوضح "نعم التلفزيون عملت فيه مخرجا لكن ما الذي يقدمه ستديو الأخبار بمعداته الخردة للمخرج، كنت أزجي الوقت في مبنى تلفزيون العراق كي أحظى بفرصة لأقدم شيئا مما أحلم به لكن أية فرصة؟"، فقد عمل الهلالي مع بعض الشركات التلفزيونية في إنجاز بعض الكليبات والإعلانات واشتغل مساعدا في اخراج مسلسلات تلفزيونية لكنها لم تخرج عن إطار اللهاث اليومي إذ لم يكن ثمة إبداع - كما يؤكد - بل تواصل في ممارسة مهنية لا براعة فيها. وامام انسداد الافق امامه فقد كان السفر ومغادرة العراق المحطة الأكثر أهمية بالنسبة لاسعد الهلالي، وعندها حصل على الفرصة الهائلة "لا أنكر ذلك.. فقد سافرت في عام 1997 لأعمل في الفضائية اليمنية، لقد حصلت على فرصة هائلة تتناسب مع ما لدي من طاقات، فقد طلبوا مني كتابة أعمال درامية بدأتها بثلاثين تمثيلية منفصلة عرضت في رمضان 1998، وأثارت انتباههم إلى استثمار متميز للواقع اليمني، وكنت قد قضيت أربعة أشهر قبل أن أكتب حرفا في معايشة دقيقة مع بسطاء الناس في مجالسهم ولوكانداتهم (مقاهيهم) وشاركتهم حتى في (مقايل القات) لأدرك همومهم وأحلل آلية تفكيرهم ولهجاتهم المختلفة الثرية". وبسبب نجاح التمثيليات المذكورة كلفته إدارة الفضائية اليمنية بكتابة مسلسل قام بإنجازه وعرض عام 1999 بعنوان "الثأر". وعن هذا المسلسل قال الهلالي: "لقد نجح نجاحا مذهلا في الأوساط الشعبية والفنية اليمنية، واشتركت به الفضائية اليمنية في مهرجان القاهرة الدولي عام 2000 لتحصل على جائزة أطارت لب الإدارة التي لم يحدث أن حصلت على جائزة في مجال الدراما التي كانت شبه ميتة. فكلفت بأعمال أخرى أنجزت منها خمسا. حصل أحدها (القارب) في عام 2001 على الجائزة البرونزية في مهرجان القاهرة الدولي فاعتمدت خبيرا للدراما لأشرف على الأعمال الدرامية منذ مرحلة الكتابة حتى العرض على الشاشة، واعترف الكثير منهم بأن الأعمال التي أنجزتها أو أشرفت عليها كانت نوعية. وكلفت آخر الأمر بكتابة عمل تلفزيوني وطني منحته اسم (يسك) يغطي فترة مهمة من التاريخ اليمني، لكن عودتي إلى العراق في عام 2006 عطلت مشروع انجازه". اذا فاليمن أيقظت فيه التلفزيوني لانه مارس العمل التلفزيوني "بجميع مفاصله بحرية كبيرة، وقد حرص اليمنيون على منحي هذه الحرية لأنهم أدركوا بأنها تعطي ثمارا طيبة، لذا لم أكن مطالبا بدوام رسمي، ما يربطني بالفضائية هو العمل فقط، وهذا أعطاني فسحة من الوقت استثمرتها في الكتابة". ونستطيع القول إن اليمن أيقظت فيه الكاتب أيضا، فقد كتب روايته الأولى "الميتة الثالثة والأخيرة لعبد شويخ البدوي" التي قام الإتحاد العام لأدباء اليمن بطبعها في عام 2001، وقبل ذاك كان قد نشر عبر اتحاد الأدباء أيضا مجموعة قصصية حملت عنوان "صفحات من ذاكرة محتضرة". وفي هذه المرحلة من ابداعه يشير الهلالي: كنت أنشر القصص بشكل أسبوعي تقريبا، فقد تفجرت الأحداث والرؤى والأفكار والفضاءات لأنجز قصصا كثيرة نشرتها في صحف يمنية وعربية كثيرة، وحصلت على بعض الجوائز العربية عن قصصي واحدى الجوائز عن مسرحية لي حملت عنوان "القشاتلة قادمون"، وكنت قد كتبت روايتي "يوميات غياب الندى" التي نشرت عبر وزارة الثقافة اليمنية عام 2004، وكانت الوزارة قد نشرت كتابا لي حمل عنوان "قلوب بيضاء"، ثم كتبت روايتي الثالثة "أسفل خاص" التي ستنشر قريبا عبر دار شمس بالقاهرة. ربما سيتزامن نشرها مع نشر مجموعتي القصصية "فالس أخير لغريبين" عبر دار الشؤون الثقافية العامة في العراق. وعلى ذكر العراق سألته ما أهم منجزاتك بعد عودتك اليه؟ فقال: إن سؤالك هذا يؤلمني فقد عشت تفاصيل وتجارب مهمة جعلتني قريبا من نبض الشارع العراقي، واختزنت ذاكرتي ومخيلتي الكثير من الأفكار لروايات وضعت مخططات لثلاث منها لكن أين الوقت الذي سأكتب فيه هذه الروايات، لقد عملت بعد عودتي إلى العراق في قناة السومرية الفضائية، أنجزت الكثير من البرامج. وكان من بينها برنامج "تكوين" الذي أنجز منه ما يناهز المائة وعشرين حلقة عن فنانين تشكيليين عراقيين بارزين، ويواصل عمله الان في قناة الرشيد الفضائية، وحصل على جائزة الدولة للإبداع عن برنامج "مجلة الرشيد" الثقافي، إضافة إلى جوائز أخرى آخرها جائزة العنقاء الدولية، هذه النجاحات لكنها برغم ذلك لم تشعره بالزهو أو الفرح لأي، "فلم يكن اخراج أو اعداد البرامج طموحا لي يوما، فأنا مهووس بالكتابة، لكني سأموت جوعا إن تفرغت لها. هذا هو الواقع الذي يدفعني دفعا للعمل في التلفزيون". وكانت محطته الاخرى أفلاما سينمائية انجزها لدائرة السينما والمسرح لكنه لا يعدها سينمائية، لانه يراها "أفلام أنجزت بتقنيات الديجتال البسيطة وليست المتطورة، فإذا صورنا أفلامنا بكاميرا (أس أكس) فواقع جودة الصورة يقول بأنها متواضعة جدا أمام كاميرا مثل (ريد)، وإذا كنا نقوم بمونتاج أفلامنا عبر برنامج أدوبي بريمير مقرصن، فإن المونتاج بأجهزة ماك أو أفيد تعطي جودة متميزة، وإذا عرفنا بأن فيلما مثل (أبو كالبتو) لميل جبسن قد أنجز بكاميرا ديجتال، كما الكثير من الأفلام العالمية والمصرية لأدركنا بأن معدات ممتازة ستعطينا أفلاما نعتز بإنجازها، أفلام نتمكن من نقلها ألى أشرطة موجبة (بوزتيف) سينمائية لنعرضها كأفلام سينمائية فنختزل كلفة الخام والتحميض والطبع والهيزالتين والمونتاج بالموفيولا وتقطيع السالب وتسجيل الصوت على أشرطة الربع إنتش ثم نقلها إلى أشرطة المغناتيك... الخ.. عمليات غدت سقيمة ومعقدة في واقع سينمائي "مضيفا: "لا بد أن نعترف بأننا فقدنا المعدات السينمائية والخبرات كذلك، فحتى إن توفرت معدات السينما لن نجد من يعمل بها بتميز كما كان الأمر في الثمانينيات، سنضطر أن نحبو ثانية.. لنعد كوادر ثم نحلم بأفلام جيدة، فما الداعي لذلك إن كانت التقنيات الحديثة تخلصنا من هذا العبء المادي والبشري والإبداعي.." وبرغم ذلك فقد انجز الهلالي أفلاما منها: (تحدي)، (واحد من 28 مليون)، (الوردة والفحام)، وأخيرا (انترفيو) وجميعها بكاميرا ديجتال لكنها غير متطورة وبتقنيات مونتاج عادية. وعلى صعيد المحصلة المرئية هذه يعتقد "بأن محدودية الانتاج تعتبر عائقا آخر.. فدائرة السينما والمسرح تعاني من مشكلة شحة التمويل لإنتاج الأفلام السينمائية، في ظل لعبة سياسية ترى أن السينما تفاهة لا تستحق أن نخسر لأجلها فلسا.. بل ربما يراها البعض رجسا من عمل الشيطان، تصور إني أنجزت فيلم (انترفيو) وهو دراما تستمر بزمن عرض ساعة كاملة بمبلغ خمسة ملايين دينار فقط، وهو كلفة انتاج مشهد واحد لفيلم جيد الانتاج، فما بالك بفيلم بأكثر من ثمانين مشهدا.." وبرغم كل هذه المرارة فإنه يعبر عن امتنانه لحماسة الدكتور شفيق المهدي المدير العام لدائرة السينما والمسرح والسيد قاسم محمد سلمان مدير السينما" اللذين ذللا الكثير من المشكلات، وتحايلا ليرتفع سقف الميزانية إلى حوالي تسعة ملايين دينار لتوقف إنجاز الفيلم لا أشعر أنا لوحدي بمرارة تعثر الفيلم العراقي، ربما يشعر بها السيدان المهدي ومحمد بما هو أشد مرارة، فهما يتحدثان دوما عن خطة حافلة بالانجازات السينمائية، لا ضير من الحلم بالطبع، فهو الخطوة الأولى باتجاه الواقع.." آخر أفلامه "انترفيو" ينطوي على قصة غير تقليدية لكنها انعكاس لواقع مرير انه "يتحدث عن بلقيس، الفنانة التشكيلية ذات الخمسين عاما، يجري فريق تلفزيوني مقابلة معها كرسامة، لكن هذا يتزامن مع إخطار الطبيبة لها بأن سبب توقف دورتها الشهرية هو بلوغها سن اليأس، فينفجر غضبها ونقمتها على ثلاثين سنة مضت في انتظار حاتم، زوجها الذي هرب من العراق بعد ثلاثين يوما من زواجهما لينقذ نفسه من الإعدام حين كان النظام يقتل معارضيه في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن المنصرم.. ثلاثون سنة دونما أطفال، دونما دفء، حلم متواصل وكبت دمر أنوثتها.. حتى انها صارت تحاول أن تعوض حاجتها للرجل باتصالات هاتفية تشعر من خلالها بفحولة الآخر عبر الهاتف فقط، دون أن يحدث أي لقاء مباشر بينهما.. كانت تحب زوجها وقد أخلصت له ثلاثين سنة، كان يرسل لها رسائل دون أن يذكر عنوانه ولا يرسل صورا له خشية أن يصلوا إليه ويغتالوه.. لذا شعرت بالاختناق لفرط الهذيان الصامت.. تقرأ رسائل مكررة ولا تستطيع الرد.. كان (الانترفيو) أو المقابلة التلفزيونية سببا لطرح ذاتها قبل أن تتحدث عن فنها.." عن فيلمه الروائي القصير هذا يؤكد: "أراه فيلما بسيطا أردت من خلاله أن أجرب العبث بالزمن عبر انتقالات مباشرة من الماضي إلى الحاضر وبالعكس، أو التنقل من مشهد إلى آخر متغاض عن الاشتراطات الزمكانية، وأشعر اني وفقت إلى حد ما..". وهو يراه محطة لمشروع أكبر "نعم.. فقد تحمس الدكتور شفيق المهدي المدير العام لدائرة السينما والمسرح والسيد قاسم محمد سلمان مدير السينما لإنتاج فيلم عن روايتي (البدوي) وربما ستكون ضمن خارطة الأفلام السينمائية التي ستعرض في عام 2013 لبغداد عاصمة الثقافة العربية.. وأحب أن تكون النتائج البصرية والفكرية التي أحققها عبره أكثر نضجا وإثارة...".