"كيف بدأت الثورة المصرية؟ وما الذي حدث فيها حتى تنحى مبارك؟".. يفتتح الكاتب محمد فتحي كتابه "كان في مرة ثورة" بهذه العبارة، ليعيد في البداية سرد وقائع ما سبق قيام الثورة وأدى إلى اشتعالها، بما يسميه "فلاش باك" لأعوام سابقة، مهدت للتحول الكبير الذي جاء على شكل انفجار جماهيري أطاح بنظام مبارك الذي ظل معسكرا لما يزيد عن الثلاثين عاما، انتشر خلالها الفساد، وشاعت المحسوبية، وسيطرة الحزب الواحد، في ظل تقليص وتحجيم دور الأحزاب السياسية الأخرى، وإسكات أي صوت معارض بالتضييق عليه بشتى الطرق، هذا طبعا إلى جانب شيوع الفقر والبطالة، والعشوائيات، وغياب فرص العمل، وانتشار الأمراض، نتيجة الأسمدة المسرطنة، وأكياس الدم الفاسدة، التي أدخلها رجال الأعمال إلى البلد. لكل هذه الأسباب وغيرها بدأت الحركات الاحتجاجية قبل سنوات من الثورة، وعرفت المظاهرات طريقها للشارع المصري، واكتمل التصاعد مع ظهور حركة "كفاية" التي جمعت تيارات عديدة من الوطنيين المصريين الشرفاء، وتواكب مع هذه الأحداث انتفاضة قضاة مصر الشرفاء مطالبين باستقلال القضاء، وبوجوب الاشراف القضائي الكامل على الانتخابات. ويعود الكاتب بالذاكرة الى اضراب 6 أبريل عام 2010، حيث اعتبر أن هذا الإضراب كان الشرارة الأهم التي سبقت الثورة، ففي هذا اليوم تم الاعتداء بعنف شديد على المتظاهرين، مما جعل الجميع في حالة احتقان، وكون رغبة في الثأر والانتقام، ثم أعقب هذه الأحداث موت الشاب "خالد سعيد" تحت التعذيب، حينها خرجت مظاهرات قوية مطالبة بحقه، وثائرة ضد الشرطة الظالمة. تمكنت صورة خالد سعيد، التي انتشرت عبر "فيس بوك" من كشف وحشية التعذيب الذي تعرض له، وفي خلال أيام قليلة تم انشاء صفحة على "فيس بوك" اسمها "كلنا خالد سعيد"، وبلغ عدد المنضمون للصفحة نصف مليون. ثمة حدث آخر مهم جدا في سلسلة أحداث ما قبل الثورة، هو الانتخابات المزورة التي صاعدت من غضب الشعب المصري بكل أطيافه وفئاته. كانت تلك الانتخابات فتيل النار الذي أشعل جمام الغضب، مع فوز الحزب الوطني بنسبة ساحقة أمام اقصاء الأحزاب المستقلة، والإخوان المسلمين، من هنا تشكل غضب عام يشترك فيه الجميع. وتلا هذا الحدث. وفي ليلة رأس السنة عام 2011 حادث انفجار "كنيسة القديسين" في الإسكندرية، التي كشفت عن انفلات أمني متعمد، بهدف إلهاء الشعب عن مسرحية الانتخابات المزيفة، وبهدف زرع الفتنة الطائفية. وكان لتتابع هذه الأحداث التي سبقت يوم 25 يناير 2011، أن أدت لخروج الجماهير الى الشارع، مطالبين بمحاربة الفساد والتعذيب والبطالة، وكان من الممكن لهذا اليوم أن يمر مثل غيره من أيام التظاهرات السابقة، لولا التعامل الوحشي من قبل الأمن مع المتظاهرين، وإطلاق الرصاص الحي، وسقوط قتلى، أدى موتهم لتصاعد الغضب الشعبي واصراره على مواصلة الاعتصام. ويتابع الكاتب سرده لوقائع أيام الثورة، بتسجييل أحداثها الواقعية كما سردتها القنوات الإخبارية، ثم يتوقف عند يوم (الجمعة 11 فبراير 2011)، اليوم الذي تنحى فيه مبارك، بعد ثمانية عشر يوما من المظاهرات والاعتصامات. وفي الجزء الثاني من الكتاب، يحكي محمد فتحي، الحكاية من جديد وبشكل آخر هذه المرة، على اعتبار أنها حكاية يسردها على طفليه (عمر وتقى)، إنها حكاية الثورة التي اشتعلت يوما على أرض مصر، وكان شاهدا عليها، ويرى من باب الأمانة التاريخية أن يحكي ما حصل. يخوض الكاتب في بعض الأحداث التي عايشها في سنوات التسعينيات، ويكشف عن مقدار الألم المخزون في داخل شعب كامل، تعرض للإهانة والأذى، يحكي أيضا عن رجال الأعمال الذين باعوا واشتروا أرض مصر وخيراتها وثرواتها- بيد طليقة - ودون أن يتعرضوا للمحاسبة، وعن سيناريو التوريث الذي كان بمثابة اللعنة. ويرى الكاتب أن "الحق ينتصر مهما تأخر انتصاره، لأن صوته يصم آذان الطغاة". ويمكن وصف كتابة محمد فتحي في " كان فيه مرة ثورة"، بأنها تجربة وليدة الحدث، وابنة الحاضر المعاش، الذي يسجل لما وقع في أيام سجلها التاريخ، وحُفرت في ذاكرة الناس الذين عايشوها. وهذا النوع من الكتابة لا يحمل تحليلا سياسيا، أو قراءات لما بعد الحدث، أكثر مما يدون رؤية خاصة، ناتجة عن التفاعل المعاش الذي حرص "فتحي" على التأكيد عليه في سرده القصة بطريقة الحدوتة التي يرويها لأطفاله، لتكون حدوتة مصرية، مهمة جدا، تحمل دروسا للأمس والغد، ينبغي أن يعرفها الجيل القادم كما جرت ممن كانوا جزءا منها، ربما حفاظا على التاريخ، كي لا يتم ابتساره، وتسجيله من جوانب أخرى تُخفي ما حدث بالفعل، وما ينبغي معرفته. ولعل كل الكتب التي صدرت عن "ثورة يناير"، منذ مرور عام وحتى الآن، وما تعرضت له من نقد لما فيها من صفة التعجل أمام حدث كبير مثل هذا، إلا أنها سجلت بشكل أو بآخر لوقائع الثورة من زوايا، ووجهات نظر مختلفة، وهذا بحد ذاته يمنح قارئ الغد مساحة أوسع للرؤية ولإدراك خلافيات الأحداث. ويظل عامل الزمن هو الأقدر على غربلة هذه الكتب والحفاظ على حياتها من جيل إلى آخر.