بادئا إهداءه بكلماته إلي الله تعالي قائلا: «يا الله رأيتك في ميدان التحرير» يرصد الكاتب محمد فتحي ثورة يناير في كتابه «كان فيه مرة ثورة»، مؤكدا حقيقية الأحداث التي يرويها في بداية الكتاب وأن أي تشابه بينها وبين ما تم علي أرض الواقع هو من قبيل محاولات الوصف المتواضعة لأن ما حدث أكبر بكثير من أي وصف أو أي كلمات، وكأنه يفترض معنا تناول أحد الشباب في 2050 لهذا الكتاب ليقرأ ما قام به أجداده في ثورة يناير 2011 ونحن نقبل معه كل الاقتراحات ونطلق العنان لخيالنا في هذا. ويصدق محمد فتحي علي هذا قائلا: «هذا الكتاب إلي مصر اللي جاية وولادي فيها وليس برعاية كنتاكي»، الكتاب يروي تفاصيل دقيقة عاشها الكاتب خلال ثورة يناير ومشاركته فيها حتي من قابلهم في الميدان ورصد هتافات وشعارات التحرير وخطب مبارك وعمر سليمان وردود أفعال الناس علي كل حدث في شكل «يوميات ثورية» حتي الراجل اللي واقف ورا عمر سليمان لم يسلم من رصد محمد فتحي الشيق. ليمر الكاتب سريعا علي أحداث مرت بها مصر شاكرا كل من شاركوا فيها مثل القتل في السجون وأقسام الشرطة ظلما وبهتانا، وقتلي الدويقة، ونيران بني سويف، ولشهداء الثورة ومنظريها الذين تحدثوا باسم الشعب وحملوا أكفانهم علي أيديهم مع كل كلمة كتبوها واتخذوا موقفا ضد نظام مبارك ويستخدم بعدها طريقة «الفلاش باك» في استرجاع ما قبل أحداث ثورة يناير بخمس سنوات حتي يعرف الجميع أن الشعوب تمرض لكنها لا تموت أبدا، فبروفة الثورة رآها بعد مسرحية التعديلات الدستورية في 2005 والتي كانت تمهيدا لاستكمال مسلسل «التوريث» وبداية الحركات الاحتجاجية في التصاعد وحركة كفاية التي جمعت تيارات عديدة وانتفاضة قضاة مصر الشرفاء عبر نادي القضاة وحركة استقلال القضاء وتعامل الأمن بالقمع والتعسف مع المحتجين أمام نقابة الصحفيين والاستعانة بالبلطجية لضرب المتظاهرين عند سلالم النقابة وأصبحت المظاهرات شيئا عاديا في مصر حتي ظهرت حركة (6 أبريل) واستجابة الكثير من الناس لدعوات «فيسبوكية» للإضراب العام. وتعرض مدينة المحلة لمجازر واعتقالات منظمة لم يهتم بها الإعلام ثم يمر علي صورة خالد سعيد التي توضح وحشية التعذيب الذي تعرض له وهي الصورة التي أيقظت الجميع للمطالبة بحقوقهم حتي ولدت مجموعة «كلنا خالد سعيد» علي الفيس بوك وهو الجروب الذي وصف صاحبه بالغموض وعدم التعرف عليه وهو يجيد صياغة ما يكتب ويطالب بالثأر لخالد سعيد ومحاكمة من تسببوا في قتله حتي أطلق دعوة التظاهر للمطالبة بالإصلاحات بعد ثورة تونس وعقب انتخابات مجلس الشعب المزيفة وحادث كنيسة القديسين بالإسكندرية، ويعتبرها الكاتب الواعي لحظة تاريخية استجاب لها المصريون. يرصد الكاتب كل تفاصيل الثورة يوما بيوم بدءا من 25 يناير وسقوط قتلي ومحاولة فض اعتصام الميدان بالقوة واستمرارها وتحذيرات وزارة الداخلية للمتظاهرين في 26 يناير رغم ارتفاع الضحايا إلي خمسة قتلي واعتقال المئات بينهم 8 صحفيين حتي قطع الاتصالات تماما عن الهواتف المحمولة والإنترنت وخروج الآلاف من المساجد في جمعة الغضب انتهاء بالفرحة العارمة للمصريين يوم 11 فبراير بعد إعلان مبارك التخلي عن السلطة. «هي دي الحدوتة الحقيقية اللي شوفتها بعيني» هكذا يكتب فتحي مخاطبا أبناءه حتي يعوا جيدا في حالة تشويه ثوار التحرير في الزمن القادم إذا حدث ذلك، ليقدم فتحي رؤية خاصة عن زمنه وميلاده وهو من مواليد الثمانينيات وكيف كان مبارك حلما في البداية تحول إلي كابوس وظهرت حاجات اسمها «الفساد والفقر والقمع»، وظهور شخصيات عصر مبارك «الممنوع الاقتراب منهم أو التصوير مثل أحمد عز» وبعدين «كل الناس خرجت». محمد فتحي يكتب بالعامية ولكنه دقيق التعبير عن عصر عاشه ولم ير خلاله سوي رئيس واحد في 30 سنة انتهي بشعارات دمها خفيف من التحرير ليسجل كل كلمة كتبت علي حائط أو ورقة أو حتي علي الأرض والتي كانت ممزوجة بخفة دم مصرية منها: «أونكل حسني ممكن حضرتك تخلصنا وترحل علشان بابا يغير «الجزيرة» ويفرجني علي كارتون.. توقيع «طفلة مصرية»، و«مبارك يتحدي الملل»، «يا عمر سليمان أنا بطلت الأجندة وجبت كشكول سلك» ينهي فتحي كتابه بأشهر رسالة انتشرت بعد تنحي مبارك تقول «من النهاردة دي بلدك انت، ماترميش زبالة، ما تكسرش إشارة، ماتدفعش رشوة، ماتزورش ورقة، اشتكي أي جهة تقصر في شغلها، ماتمشيش عكسي، ما تدخلش من باب الخروج في المترو، ماتعاكسش بنات ما تقولش وأنا مالي..» وهكذا كان فيه مرة ثورة.