مولانا فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب.. قدر لك الله أن تقف موقفك الحالي كشيخ للأزهر الشريف، في وقت صعد فيه منابرنا أنصاف المتعلمين، بل وذوو التعليم المدني، الذين أخذوا علوم الدين من مراجع سلفية وهابية، لا ننكر فضلها في العقيدة، ولكننا نشك في قدرتها على الإبداع الفقهي، والمرونة المناسبة لصلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان، فحصرونا في غلق باب الاجتهاد مع مرسوم الاعتقاد القادري، أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد بن الفراء قال: أخرج الإمام القائم بأمر الله أمير المؤمنين أبو جعفر ابن القادر بالله في سنة نيف وثلاثين وأربعمائة "الاعتقاد القادري" الذي ذكره القادر، فقرئ في الديوان، وحضر الزهاد والعلماء، وممن حضر: الشيخ (أبو الحسن علي بن عمر القزويني)، فكتب خطه تحته قبل أن يكتب الفقهاء، وكتب الفقهاء خطوطهم فيه: إن هذا اعتقاد المسلمين، ومن خالفه فقد فسق وكفر. وهذا المرسوم ببنوده الواحد والخمسين، يشبه مرسوم الاعتقاد الكنسي الأرثوذكسي، والأخطر من ذلك فقد تم حصر اعتقادات المسلمين فيه، وكأنه أغلق باب الاجتهاد السني أو السلفي في وجه عقول المسلمين، وقد أبدعت قريحة علمائنا الأفاضل ما يتفوق عليه، وتجاوزه بمئات السنين، والأخطر أنه بيان تكفير سياسي مغلف بغشاوة عصره، ومصره، والآن في القرن الحادي والعشرين نحن بحاجة ماسة إلى استعادة الدور المرجعي لأزهرنا الشريف، الذي بات بيت الوسطية الإسلامية، وقلعة الإسلام الحصينة، حتى وإن خرج عليه، من تخرجوا منه، وتحرجوا من تعليمه، وسلموا سلاس أمرهم إلى فقه بدوي لا مدني ولا حضري، ادعى احتكار الإسلام، وهو في الأصل يختطفه من عصرنا ومصرنا، وتراجع دور الأزهر كمرجعية إسلامية سنية، تحتاط في تكفير أهل القبلة، ولا تقيم محاكم تفتيش لمن قال لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ولا يتعسف في فرض رأيه على المسلمين. مولاي الطيب.. يحتاج المواطن المسلم العادي إلى مرجعية وسطية، تقارب بين عصرنة الإسلام، وأسلمة العصر، ومن لها غير الأزهر، الذي استلبت دوره الفضائيات السلفية، ومنابر السياسة الشرعية بمرجعيات لا تقبلها الروح المصرية التواقة إلى معادلة الدين الذي يجعل الدنيا أجمل، وإذا كان عز وجل قال في كتابه العزيز: "طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى" (1-3)، فكيف تحول الدين على يد من لا تتجاوز قراءتهم له آذانهم، إلى شقاء في الدنيا، وهو في الأصل جاء به الروح الأمين على رسولنا الكريم، لإسعاد البشر، وتسهيل عبورهم من دار الفناء إلى دار البقاء؟! أين الإبداعات الروحية الكبرى من مناهج الدراسة الشرعية في الأزهر؟ وكيف استطاعت السلطة المدنية أن تدجِّن علماء الأزهر الشريف، وتحوله من منارة للعلوم الشرعية، إلى جامعة مدنية وفقط، مع قانون تنظيم الأزهر، وكيف تركتنا في مصرنا الغالية نستورد إسلامنا الوضعي من صحراء الحجاز، بدعوى العودة إلى الأصول، وحكر هذه الأصول على العقيدة الوهابية، ونحن الذين نورد فهمنا لإسلامنا إلى دول العالم برؤية شرعية لا تخشى الانفتاح على العالم، وكيف لم نتعلم في مصر أن أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، ليسوا من علماء الأزهر الشريف، ولماذا قبلنا التنازل عن مرجعيتنا الأزهرية، لصالح فقه الصحراء! فضيلة الإمام الأكبر.. إنني ونفر غير قليل من مسلمي مصر، السلفيون على الطريقة الأزهرية، التي لا تنكر التصوف السني كمرجعية، وتجيز مع فتوى الشيخ محمود شلتوت التعبد على المذهب الجعفري الشيعي الاثنا عشري، وتقبل بتعددية دينية لا سياسية، نهيب بفضيلتك أن نستعيد دور علماء الأزهر الشريف في الوقوف بوجه سلفية جهادية غاشمة، تتصف بصفات الخوارج، وتشارك الشيعة الدمج بين الإمامة والسياسة، وترى تغيير المنكر من وجهة نظرهم المختلة باليد، وتهدر دم مخالفيهم، وتستخدم منابرنا للدعاء عليهم، والدعاية السياسية، لنموذجهم المستورد من خارج مصر، وتوسع دوائر التحريم التي شرع لها الإسلام حدودًا معروفة، أهمها أن لا تحريم إلا بنص، وأن الأصل في الأشياء الإباحة (لا الأباحة) في فرض ما يرونه دين الله على عباد الله! وفي النهاية أطالبكم بممارسة دوركم التاريخي، في قيادة روحية وسطية، تعيد للإسلام المختطف من مصر، روح البهجة، وتزيل آثار العدوان السلفي الجهادي الغاشم على إسلامنا المصري السمح.. أرجوكم بحق ما تعلمتموه من كتاب الله، أن تتكلموا بالحق في وجوه من يرون الدين جهلاً، أو من يرون الجهل والتعصب والإرهاب دينًا.. أغيثونا أغاثكم الله، فصمتكم عن ممارسات تيار الإسلام السياسي في مصر.. للأسف يقتلنا! وفي الختام: الله أكبر من دعاة الزيف ومن عقولنا لو تدور بينا الله أكبر م اللي ماسك سيف لو حتى نصله فوق رقابينا!