الصفة التي ظلت ملازمة له في كل مراحله (البيضاء والسوداء) هي النحافة،التي رسخت في جسده المتحول ولم تتبدل في أية مرحلة•ظل جاكسون نحيفا،ربما بسبب رقصه العنيف،وحركاته التي تدمج الإنساني بالحيواني في استعراض يذهل عشاقه،وربما بسبب العقاقير أيضا،فلا أحد يعرف سوي أطبائه مدي إيمان جاكسون بالعقاقير واتكاله عليها في تحقيق أسطورته الخاصة•من هنا تبدو النحافة مثل البياض بالنسبة له،جزءا لا يتخلي عنه في الصورة التي طمح إلي تكوينها،ليصير جسده النحيف الذكوري في أصله،الأنثوي أو الخنثوي في تفاصيله إطاراً تسكن في داخله روح معذبة،وجسد من الممكن اعتباره لا واقعي أكثر مما هو واقعي،هذا مع الأخذ في عين الاعتبار أن النحافة هي الشيء الوحيد الأصلي في جسده الذي لم يتعد عليه ويتمني تغييره،ربما لأن النحافة تندرج تحت قائمة المزايا التي وضعها قانون الرجل الأبيض في مقاييس جمال الجسد سواء بالنسبة للمرأة أو للرجل• تعامل جاكسون مع جسده،وربما مع الأجساد المقربة منه علي أنها حقول اختبار• ففي هذا المجال هو لا يخاف ولا يتردد إطلاقا،لا يقلقه أبدا الاستسلام لمبضع جراحي التجميل، كما لا يخاف إطلاقا من ثلة العقاقير التي يتجرعها خلال ساعات يومه•أراد جاكسون تحدي خلايا جسده كلها،أراد أن يثبت لنفسه قدرته علي إخضاعها لرغباته الشخصية شكلا ومضمونا• لا يمكنني تخيل الحوارات التي كان يجريها جاكسون مع أطبائه،كما لا يمكنني تخيل أنه كان يهمه معرفة سيرورة خلاياه الداخلية،حالة كرياته الحمراء والبيضاء،فمن الأرجح أنه كان يبلغ الأطباء بالرغبة التي يريد تحقيقها في هذا الجسد،وهم بدورهم كانوا يوضحون له أن العلم (الطب) قادر علي القيام بالمعجزات مادام أنه مايكل جاكسون• لم يحب جاكسون جسده أبدا،ظل علي خلاف معه طوال حياته،لم يحبه أبدا في أي مرحلة من مراحله،لأن هذا الجسد ظل مكانا غير مريح بالنسبة له ،شيئا يسبب له العذاب فلا هو قادر علي الاستمتاع الجنسي من خلاله،ولا حقق الرضا الشكلي عن تكوينه الخارجي،لذا كان يقوم بتعذيبه باستمرار تحت ستار تحسينه، يندفع في عملية تلو أخري للحصول علي الوجه الذي يريده،ويتناول عقارا تلو آخر ليستفز هذا الجسد حتي مراحله القصوي،التي وصلت في النهاية إلي الجنون،إلي الرفض التام حتي أعطي العقل أوامره بموت كل الخلايا ووضع حدا لهذه السلسلة من العذابات المتواصلة• ولم تكن علاقة جاكسون مع جسده فقط علي هذا الشكل،بل كما يبدو فإنه عاني من هذا الاضطراب الفكري في رؤية أجساد المقربين منه أيضا،فقد ظلت تلاحقه تهمة اغتصاب الأطفال سنوات أمام المحاكم،أما طليقته "ديبي" فقد فجرت مفاجأة في الاعتراف علانية أنها لم تقم بأية علاقة جنسية مع جاكسون،وأن الطفلين اللذين أنجبتهما منه هما نتيجة تلقيح صناعي بحيوانات منوية من أحد المتبرعين،أما مربية الأطفال الذين كان يربيهم في بيته فقد صرحت أنها كانت تمنعهم أحيانا من رؤيته لأنه يكون في حالة يرثي لها نتيجة كم العقاقير الذي يتناوله• فهل حدث هذا كله بسبب عقدة اللون الأسود؟ لا أظن أن اللون فقط كان مشكلة جاكسون، بقدر الخوف القابع في أعماقه، خواء داخلي وفقدان الإحساس بالأمان،هلع مرعب يجعله في حالة غليان مستمر،يهرب منه إلي العقاقير والمسكنات التي منحت جسده في النهاية سكونا أبديا •