يري الفيلسوف الفرنسي شارل دي مونتسكيو، في كتابه الصادر مؤخرًا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، بعنوان "روح الشرائع"، أن "القانون - بشكل عام - هو العقل البشري، المتحكم بكل شعوب الأرض"، وأن العقل الإنساني هو مصدر القوانين والشرائع، التي تحكم العلاقات بين البشر؛ لذا فهي قابلة للتعديل والتغيير بتغير الأزمنة والأمكنة. ويؤكد - خلال كتابه الذي جاء في واحد وثلاثين باباً موزعة بين ستة أجزاء - أن القوانين هي ظواهر طبيعية وسياسية ترتبط بنظام الحكم وأشكال السلطة التي تشرعها؛ فهي تلك القوانين التي تسود في الحكم المطلق؛ وتقوم على مبدأ الخوف والتسلط، بينما القوانين التي يقوم عليها الحكم الملكي تستند إلى الشرف، أما الحكم الجمهوري فيقوم على الفضيلة، والتي تدعو إلي المساواة والقناعة في توزيع الحقوق والواجبات على الأفراد. ومن خلال التحليل التاريخي والسياسي والاجتماعي للقوانين، يركز مونتسكيو على إشكالية "تطور القوانين" عبر مقياس تطورها والذي يعتبر هو المدى الذي تتيحه هذه القوانين لحرية الإنسان الفرد؛ فأفضل نسق للقوانين - بحسب مونتسكيو - هو الذي يحقق الحد الأقصى من الحرية للأفراد؛ فالحرية هي الحق في ممارسة كل ما تبيحه القوانين؛ حيث تصل حرية الأفراد في ظل "الاستبداد" إلى حد التلاشي والزوال؛ نظرًا إلي أن النظم الاستبدادية تتطلب الطاعة السلبية، لهذا فلا يمكن لها أن تبقى وتستمر إلا بإشاعة الخوف وعدم الأمان. وفيما يتعلق بالفصل بين السلطات؛ فأكد مونتسكيو على ضرورة الفصل بينهما؛ شارحًا ثلاثة فروق بين الأنظمة الحاكمة؛ هي: "نظام الحكم الملكي"، و"نظام الحكم الدكتاتوري"، و"نظام الحكم الجمهوري".. مؤكدًا في هذا الصدد علي أن الحرية لا تتحقق إلا بتقييد السلطة؛ أياً كانت، وان جمع السلطة في يد واحدة يعد خطراً على الحرية؛ لذا فالفصل بينها هو الوسيلة الوحيدة الفعلية لتأمين الحرية.. مفندًا في هذا الإطار عددًا من الأسباب؛ منها: أن تجارب البشرية أثبتت أن من يتمتع بسلطات واسعة وغير محددة سيسيء استعمالها.. وأن مبدأ فصل السلطات هو الوسيلة الوحيدة التي تكفل احترام القوانين وتطبيقها بصورة جدية. ولم يغفل مونتسكيو الإشارة إلي أن الهدف الأساسي من كتابه، هو سقوط الحكم المطلق من اجل قيام حكم "الملكية المنورة" على النمط الإنجليزي. والذي تبدي تأثيره واضحا وكبيرا في الثورة الفرنسية، ناهيك عن أثره في حركات توحيد الولاياتالمتحدةالأمريكية. الجدير بالإشارة، أن "روح الشرائع" يضم ستة أجزاء، يشتمل الأول منها على ثمانية أبواب؛ بحاول المؤلف من خلالها بحث طرق معالجة القوانين وأشكال الحكومة، فيما يشتمل الجزء الثاني على خمسة أبواب تعالج التدابير العسكرية مع أمور الجباية، أما الثالث فجاء في ستة أبواب تعالج الأوضاع والطبائع واتباعهما لأحوال الأقاليم.. بينما يقع الجزء الرابع في أربعة أبواب تعالج المسائل الاقتصادية.. وأخيرًا الجزءان الخامس والسادس في ثلاثة أبواب تعالج القوانين الرومانية والفرنسية والإقطاعية.