وهذا المشهد لو اختير ضمن عشرة مشاهد في تاريخ السينا العالمية لفاز بأفضل جائزة خاصة وجه محمود المليجي وكفيه المتشبثين بتراب الأرض والخيول تجره من قدميه والدماء تسيل من جسده والخلفية الصوتية تنعي المشهد : الأرض لو عطشانة نرويها بدمانا • هذه مقدمة استهلالية لموضوع الأرض الذي نحن بصدده فلقد ارتبطت نشأة المجتمع المصري ارتباطاً وثيقاً بعوامل البيئة مما مهد لقيام حضارة علي ضفتي نهر النيل والتي أسهمت في استمرار الحياة واستقرار المجتمع ومن ثم أرسيت القواعد والقوانين التي كونت نواة قدسية الدولة • فقد تحول الإنسان المصري من حياة الرعي إلي حياة الزراعة والري، بعد أن واجه نهر النيل وأخذ في تهذيبه •• ولقد أصابته مجاعات كثيرة أصابت سكان هذا الوادي في فترات من العصور واضطر الناس الجائعون إلي أكل القطط والكلاب والبغال وفي بعض المجاعات فقدوا صوابهم وكانوا ينظرون إلي النيل في يأس قاتل وقد غاضت مياهه ومات الحرث والنسل وجفت الأرض ومات الزرع والحيوانات واختفت الاقوات من الأسواق، ولم يكن عدد السكان كبيراً كانوا نحو ثلاثة ملايين في أزهي فترات العصور الوسطي، وقد كان النيل هو صاحب كلمة الحياة والموت سواء في سنوات الجدب أو الفيضان ورغم ذلك لم يتخل الناس عن الأرض بل كان لابد أن يصنع المعجزات للسيطرة علي هذا النيل الذي أثر علي مفاهيمه وسلوكه وتطور نشأته وكان ارتباطه بالنيل قدر ارتباطه بالأرض وهما معاً يشكلان له معني الحياة ومن الادلة التاريخية علي إرتباط الفلاح المصري بأرضه ماحدث في عصر الشهداء عام 682 ميلاديا عندما قتل دقلديانوس آلاف الفلاحين واستشهد الآلاف علي يد المستعمرين من أجل الارض والدين •• فارتباط الفلاح المصري بأرضه يتساوي بارتباطه بحياته ودينه ومن أجلها قام المصري بالتمسك وبزراعتها ومرت بسنوات عجاف كما جاء في القرآن الكريم في سورة يوسف :وقال عنها المؤرخ هيرودوت إنها سلة غلال العالم • ومع النيل ومسيرته في مجري الوادي وتاريخ هذا الشعب العظيم والتسمك بجذوره تم بناء أول سد وهو سد أسوان ثم تم إنشاء القناطر والأهوسة إلي أن جاءت ثورة يوليو وأصدرت قرارات تحديد الملكية الزراعية وقانون الإصلاح الزراعي وقامت ببناء السد العالي •• لقد قامت الثورة بتوزيع ملايين الأفدنة علي الفلاحين المعدمين من خلال مصادرة أراضي كبار الملاك والإقطاعيين أو بالأراضي المستصلحة الجديدة وغيرت مفهوم الملكية عند الفلاح وأصبح مالكا لأرضة •• يزرع مايحلوله دون ضغط أو سخرة أو عذاب وجوع حتي جاء عصر الانفتاح • وهنا يأتي السؤال: ما الذي غيره هذا العصر من مفاهيم عند الفلاحين؟! وأين ذهبت أراضي الإصلاح الزراعي التي تم توزيعها علي الفلاحين؟ والسؤال إجابته معروفة فأراضي الإصلاح الزراعي والتي تم توزيعها علي الفلاحيين تم تجريفها اكثر من مرة ثم تم تبويرها وبعد ذلك جري تسقيعها بعد أن تحولت من أراضي زراعية إلي أراضي بور وتم تحويلها إلي ارض بناء وبعد أن احتلتها الخضرة احتلتها المباني والشركات الاستثمارية وأصبح الفلاحون الذين استفادوا من قانون الإصلاح الزراعي بين ليلة وضحاها من أغني أغنياء مصر بعد أن فرطوا في أراضيهم وتم تقسيمها كأرض بناء وارتفعت أسعارها وتجاوزت ملايين الجنيهات • والمشكلة أن هناك لوبياً خطيراً يساعد الفلاحين في هذه المؤامرة علي الأرض وعلي سبيل المثال ما يحدث في محافظتي القليوبية والمنوفية التي تضم أجود وأخصب الأراضي الزراعية•• فهناك اتفاق غير مكتوب بين أصحاب الأراضي وبعض موظفي الإصلاح الزراعي والجمعيات الزراعية حيث يتم اقتلاع المزروعات في ظلام الليل وتزرع مكانها صبات وأعمدة خرسانية صماء• • وهذا حسب الإتفاق الذي ينص علي أن تتم هذه الجريمة ليلة الخميس ونهار وليلة الجمعة أي وقت أجازة الموظفين فالمار علي طريق مصر الأسكندرية الزراعي سوف يلاحظ تغيراً ثم خلال أسبوع وفي الاسبوع الذي يليه وهكذا كلما مر يوم تآكلت الأرض الزراعيةوظهرت مكان الزراعات بيوت ومصانع وسيجد المباني تزحف بسرعة الصاروخ ورغم ذلك مازلنا نردد الارض لو عطشانة ونترك ما خلفه لنا الأسلاف بل نقوم بتبويرها ونذهب للصحراء لنزرعها ونخضرها •• وأصبح من الطبيعي ألا نجد القمح والقطن وقصب السكر والفول والعدس والبصل بل أصبحنا نستورد التفاح الصيني والقمح الروسي والفلفل الأسباني والطماطم الروماني والبصل الإيطالي كما ان الماشية أصبحت نيوزلندي وصومالي وسوداني والزبد فرنسياً والسمن هولندياً والجبن سويسرياً • وعجبي