- كارثة تؤكد الإهمال في الصحة . - ارتدي البالطو الأبيض وكشف علي العديد من المرضي ولم يكتشفه أحد . - الأطباء استعانوا به لتشخيص بعض الحالات .
ما يحدث في المستشفيات الحكومية والجامعية أمر يندي له الجبين، ويؤكد ان الصحة المصرية تحتاج الي ثورة حقيقية، وان الاهمال هو عنوان المستشفيات، ومن السهل انتحال صفة طبيب والكشف علي المرضي ولن تجد من يوقف هذه المهازل. "صوت البلد" قامت بعمل مغامرة داخل مستشفي الحسين الجامعي، بعد ان وجدنا الاهمال هو السائد هناك فقررنا عمل هذه المغامرة لتشاهد آلام ودموع الأمهات والآباء على فلذات أكبداهم المرضى كيف يجرى علاجهم؟.. وكيف تتم معاملتهم؟.. وما الذى يجرى داخل عنابر مستشفى الحسين الجامعى؟ وكيف يرقد المرضى وسبل رعايتهم؟.. كل هذه الأسئلة دارت فى ذهنى قبل خوض هذه المغامرة المثيرة؛ لنعرف: هل تغيرت معاملة المرضى داخل المستشفيات بعد الثورة من جانب الأطباء أم أن الإهمال ما زال يسيطر على هذا القطاع الحيوى ولم تمتد اليه يد التطوير ولم تصل اليه ثورة 25 يناير؟ لقد استطعت أن أتنكر فى زى طبيب وعشت التجربة المثيرة داخل أقسام ودهاليز المستشفى.. لبست البالطو الأبيض ووضعت السماعة حول عنقى ودخلت المستشفى ولم يسألنى أحد من أنت؟ حتى وإن كان شكلى غريبًا بين الأطباء فطبيعى أن يسألوا عن زميلهم الجديد. دخلت المستشفى من البوابة الرئيسية فى تمام الساعة 9:30 بصحبة أحد أصدقائى والذي ساعدني علي كشف الإهمال ومعاملة المرضى وتصويرى وأنا أجرى هذا وتنقلنا من قسم الى قسم مع بعض الأطباء، وعرفتهم بنفسى بانني طبيب في المستشفى، ولم يشك أحد فى شخصيتى أو يتصور أننى صحفى متنكرا فى زى طبيب لأرى الحقيقة دون تزييف أو كلام مكرر من رؤساء الأقسام أو مدير المستشفى ولو أننى تماديت فى تمثيل دورى وكشفت على الكثير من المرضى لما اعترض أحد ولو كنت كتبت روشتات خاطئة لما سألنى أحد، ولو كنت اصطحبت أحد من المرضى لغرفة العمليات لأجرى له عمليه وهمية لما سألنى أحد.. وبصراحة شديدة كل شىء ممكن ومتاح داخل مستشفى الحسين الجامعى. وكانت فرصة جيدة لأن أتنقل بين معظم أقسام المستشفى وأقوم بالكشف على حالات كثيرة وبدأت بالعيادات الخارجية مرتديا البالطو الأبيض وتتدلى فوق صدرى السماعة وبعدها ذهبت لقسم الأطفال ثم قسم الباطنة ثم قسم الأنف والأذن والحنجرة وهكذا وأردت وأنا داخل كل قسم أن أكون هادئا وأتعامل بحرية وأحيانا أشخط فى الممرضات عندما تتأخر عن إحضار شىء أطلبه أو عندما أجد مريضًا يحتاج شيئَا ولا توجد بجانبه أى ممرضة وهذا الفعل أثار استحسان بعض زملائى من الأطباء وأقتنعت أننى لن يشك فىّ أحد وسأواصل تجربتى بنجاح. بدأت بقسم الأنف والأذن والحنجرة وهو القسم الأسهل فى تشخيصه وفى أدويته المعروفة والمشهورة وطلب منى احد الاطباء النواب في القسم أن أفحص معه مريضًا كان يشتكى من انسداد فى الأنف وبعد أن أنهى الطبيب أسئلته مع المريض سألنى عن تشخيص الحالة فقلت له إنها حساسيه والتهاب فى الجيوب الأنفية وتضخم فى الغضاريف؛ لأن هذا هو المعتاد دائما عند المريض الذى يشتكى من أنفه، وأراد الدكتور أن يختبرنى: ماذا نعطيه؟ فبادرته على الفور بأن يأخذ بخاخة للأنف و أقراص مضادة للحساسية فهمهم الدكتور وهز رأسه وأضاف بعض الأدوية الأخرى وهذا كان أول اختبار أنجح فيه وهذا أعطانى ثقة أن أكمل تجريتى بكل ثقة. ولم أكد أنتهى من المريض الأول حتى دخلت حالة أخرى تشتكى من إحساس بأن أذنها مفتوحة دايما فقال لى الدكتور: "شوف الحالة"، وأحسست أننى فى مأزق لخوفى أن يكون المريض عنده ثقب فى أذنه، ولكنى أدركت سريعا بأن المريض لو عنده ثقب فى أذنه لكان يتلوى من شدة الألم، جلس المريض أمامى وطمأنته، وقلت له "بسيطه ياراجل إنت قلقان ليه؟.. ماتخافش دى شوية التهابات فى الأذن، لأنك تستخدم أدوات صلبة عند التنظيف"، وأكد المريض لى هذه المعلومة وكتبت له نقط للأذن، وخرجت للدكتور ووصفت له الحالة وجاء الدكتور وشاف المريض وكتب له نوعًا ثانيًا "مضاد حيوى" مع النقط، وكان ستر الله أن اخرج من ثانى مأزق بسلام. بعدها استأذت من النائب بحجة ذهابى للحمام وتوجهت الى قسم الباطنة، لأرى العجب داخل هذا القسم الذى يضم جميع الأمراض الباطنية من كبد وسكر وضغط وغيرها ووضعت يدى على قلبى لأن هذا القسم "مش عايز فزلكة" وقلت فى نفسى "أى حاله أشوفها لن أشخصها وسأتركها للأطباء الأصليين وليس المزيفين أمثالى". وأنا فى القسم وجدت طبيبًا كنت قد تعرفت عليه وقلت له "ابن حلال أنا بدورعليك من الصبح"، وتحاورنا قليلا فى الأمور السياسية التى تمر بها مصر، واصطحبنى إلى حالة تتلوى من شدة الألم ومعلق لها جلوكوز ليخفف عنها الألم وطلب منى أفحصها فقلتله.. "لا دى حالة يا دكتور" وبعد ضغط منه كشفت على الحالة وأخذ يتكلم معى ببعض الكلمات الإنجليزية والمصطلحات التى لا أفهم معظمها، وقال لى: "إنت شاكك فى ايه؟" فقلت له "مش عارف هى حصوة أم مغص كلوى" وبعد مداولات كثيرة بينى وبينه قلت له: "أنا رأيى يا دكتور نعملها مزيد من التحاليل لنرى سبب الشكوى بالضبط"، ووافقنى على هذا الرأى ولكن بتمعض وقال لى "الحالة واضحة يا دكتور دى حصوة بالكلى"، فعالجت الموضوع سريعا وأقنعته أننى أريد أن نجرى لها مزيدًا من التحاليل. وبعد ذلك دخلت حالة تصرخ من شدة الألم، وطلب منى أحد الأطباء أن أرى المريض، ولم تكن مثل الحالة الأولى التى مرت بسلام، ولكنى قلت له "الأفضل أن أشخصها معك وأنت موجود، لأن المريض كان يمسك بطنه من شدة الألم"، وطلب منى الدكتور أن أكشف معه على الحالة، ووضعت السماعة على أماكن متفرقة على جسد المريض وأنا أفكر "ماذا سأقول للدكتور لو سألنى؟"، وكنت فى موقف لا يعلمه الا الله وتمنيت أن يشخص الدكتور الحالة سريعا حتى أوافقه الرأى.. فقال "أشك يادكتور محمد أنها Renal colic، فوافقته على الفور وقلت له بالفعل يادكتور "مغص كلوى" وقلتها بالعربى حتى يتيقن أننى فاهم وبعد أن تم الكشف كتب الدواء للمريض وطلب من الممرضة أن تعطي المريض الدواء اللى معرفوش أساسا. وبصراحة شديدة اكتفيت بهذه الحالات حتى لا يكشفنى أحد، وتجولت فى المستشفى بحرية تامة لأرى وأصور بعض السلبيات داخل المستشفى وأثناء تجولى سمعت الأطباء الجراحة يرفعون أصواتهم وتدخلت فى الموضوع بصفتى طبيبًا وسألت عن السبب؟ ليأكدوا لى بأن الممرضات تركوا غرف العمليات دون أسباب وتم تأجيل بعض العمليات مثل "عمليات اللوز" و"إزالة الحصوات" وغيرها، وتم تأجيل هذه العمليات حتى يحضرن، وأكد الأطباء بأن "المستشفى سايبة واللى عايز يعمل حاجة بيعملها لأن مافيش مسئولين والمدير مش فاضى". وأيضا أثناء تجولى فى المستشفى وجدت إهمالًا كبيرًا من عمال التنظيف، والقطط تنتشر فى عنابر تجهيز طعام الأطباء بكثرة، هذا بخلاف العنبر الذى يأكل فيه الأطباء ويعتبر غير إنسانى وغير آدمى. والسؤال: أين المسئولون؟ ويذكر ان رئيس جامعة الأزهر د. أسامه العبد، لم يقم بأى زيارة للمستشفى منذ توليه الوزارة حتى يتعرف على مشاكل المرضى وطلبات الأطباء.. ومدير المستشفى د. حسين متولي، يجلس فى مكتبه المكيف ولا يكلف نفسه بالمرور على العنابر والأقسام ليتعرف على احتياجات المرضى. التحقيق نهديه الي د. عمرو حلمي وزير الصحة الجديد، ود. معتز خورشد وزير التعليم العالي، ونطالبهما بالتحقيق في هذه الفضيحة.