الجرام يسجل أقل من 3900 جنيها.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    بعد إعلان المجاعة.. الهلال الأحمر الفلسطيني: لم نعد نتوقع شيئا من المجتمع الدولي    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    استخراج القيد العائلي 2025 أون لاين.. الخطوات والشروط والأوراق المطلوبة    محمد النمكي: الطرق والغاز جعلت العبور مدينة صناعية جاذبة للاستثمار| فيديو    أهداف إنشاء صندوق دعم العمالة غير المنتظمة بقانون العمل الجديد    عصابات الإتجار بالبشر| كشافون لاستدراج الضحايا واحتجازهم بشقق سكنية    بورسعيد.. أجمل شاطئ وأرخص مصيف| كيف كانت الحياة في المدينة الباسلة عام 1960؟    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    «الشمس هتغيب قبل المغرب».. كسوف الشمس الكلي يظهر في سماء 9 دول بهذا التوقيت    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    أبطال فيلم "وتر واحد" يشاركون ويجز تألقه على مسرح العلمين    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    طريقة عمل الملبن الأحمر في المنزل ل المولد النبوي (خطوة بخطوة)    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    الإنتاج الحربي يستهل مشواره بالفوز على راية الرياضي في دوري المحترفين    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    في ظهوره الأول مع تشيلسي، إستيفاو ويليان يدخل التاريخ في الدوري الإنجليزي (فيديو)    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    رياضة ½ الليل| إيقاف تدريبات الزمالك.. كشف منشطات بالدوري.. تعديلات بالمباريات.. وتألق الفراعنة بالإمارات    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    أول تعليق من النني بعد فوز الجزيرة على الشارقة بالدوري الإماراتي    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توم وجيري.. 80 عامًا من المطاردات
نشر في صوت البلد يوم 11 - 02 - 2020

قط يعاني من وجود فأر مزعج يشاركه منزله، ويحيك خططًا لا تنتهي للتخلص منه، لكن حين يضع القط مصيدة فئران مفخخة بقطعة شهية من الجبن، يتمكن الفأر الماكر من خداع المصيدة، وبمعدة ممتلئة يهرب منتصرًا ليلوذ بوكره الآمن.
لا بد أنكم عرفتم بطلي القصة، بل وتكهنتم بالشكل الذي تنتهي به دائمًا: القط، توم يصرخ بغضب، أما مصير خطته الجديدة للتخلص من خصمه اللدود الفأر جيري، فلن تنتهي إلا بنتائج عكسية، تمامًا مثل سابقتها.
قد تكون قصص مغامرات توم وجيري معروفة للجميع، ولكن الحكاية الحقيقية لكواليس إنتاجها ليست كذلك، ولعلها لا تقل إثارة: من الفوز بجوائز الأوسكار إلى الإنتاج السري خلف الستارة الحديدية خلال فترة الحرب الباردة، هكذا أصبح توم وجيري اللذان أتمّا هذا الأسبوع 80 عامًا من المطاردات المتواصلة، أحد الثنائيات الأشهر في العالم، وربما ليس في عالم الرسوم المتحركة فقط.
كان فنانا الرسوم المتحركة الشريكان بيل هانا وجوزيف باربيرا يعانيان من حالة إحباط في قسم الرسوم المتحركة في استديو ميترو غولدن ماير، ويشعران بحاجة ملحة لابتكار شخصيات قادرة على منافسة الشخصيات الكرتونية الناجحة مثل ميكي ماوس، وبوركي بيغ والتي تنتجها استديوهات أخرى.
وحاول الشريكان الشابان، اللذان لم يكونا حينها قد بلغا الثلاثين من العمر، تطوير أفكارهما، وكان باربيرا يميل إلى فكرة بسيطة لعمل كارتون عن قط وفأر تجري بينهما صراعات ومطاردات مستمرة، برغم كون الفكرة معروفة وسبق استخدامها.
وكان فيلم "Puss Gets the Boot"( قط يُطرد من المنزل) قد عرض في عام 1940، وحقق نجاحًا كبيرًا، وفاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة قصير، ولكن بالرغم من جهدهما في صنعه، فإن هانا وباربيرا لم يذكر اسميهما عند إعلان الفوز، وكان ذلك الفيلم هو النواة التي تطورت منها فكرة توم وجيري.
في البداية، لم يكن مدراء استديو ميترو غولدن ماير متحمسين لفكرة القط والفأر، وحذروهما من مغبة وضع كل البيض في سلة واحدة، لكن تغير الموقف حين وصلت رسالة من شخصية مؤثرة في عالم صناعة الرسوم المتحركة في تكساس تطالب بقصة أخرى من "الرسوم المتحركة الرائعة عن القط والفأر".
ومع تبلور الفكرة، تحول جاسبار القط إلى توم، وجينكس الفأر، إلى جيري.
ووفقًا لباربيرا، لم يكن هناك نقاش حقيقي حول كون الشخصيات صامتة، وبوجود أفلام تشارلي شابلن الصامتة تأكد المبدعان من قدرة الشخصيات على إضحاك المشاهدين في غياب أي حوار، ولعبت الموسيقى التي ألفها سكوت برادلي دورًا مهمًّا في تصعيد المواقف، في حين أدى هانا بنفسه صرخات توم الشهيرة، التي أصبحت بشبهها بصراخ البشر، علامة مميزة لشخصية القط الأحمق الغاضب.
وخلال عقدين من الزمن، أنتج هانا وباربيرا أكثر من 100 حلقة من هذه المغامرات، وكان العمل على كل منها يستغرق عدة أسابيع، وبكلفة تصل إلى 50 ألف دولار أمريكي، ما يعني أن سنة كاملة لا يمكن أن ينتج فيها سوى بضع حلقات فقط.
واعتبرت الرسوم المتحركة توم جيري من الأنجح في العالم، وبفضل الرسم اليدوي الدقيق لشخصياتها وخلفياتها الغنية بالتفاصيل، نالت سبع جوائز أوسكار، كما ظهرت في أفلام هوليوودية عديدة.
ويقول جيري بيك، الخبير بتاريخ أفلام الكارتون "أراهن أنك حين شاهدت حلقات توم وجيري سواء عندما كنت طفلاً، أو الآن، فستشعر برغبة كبيرة بمعرفة تاريخ صنعها".
ويضيف "هناك شيء خاص يميز الرسوم المتحركة. إنها مزدهرة دائمًا، لا تتلاشى أبدًا، الرسم هو رسم. الأمر يشبه شعورك عندما تشاهد لوحة في متحف. نعم، نحن نعرف أنها تعود إلى القرن التاسع عشر، أو القرن الثامن عشر. لكن لا يهم، إنها لا تزال موجودة، وتؤثر بك حتى اليوم".
ويضيف بيك قائلاً إن الرسوم المتحركة "فن رائع. وهي ليست تسلية مؤقتة على الإطلاق بحيث يمكن رميها لاحقًا".
في عام 1957 أسس باربيرا وهانا شركتهما الخاصة عقب إغلاق قسم الرسوم المتحركة في شركة ميترو غولدن ماير وذلك بعد صعود شعبية التلفزيون، وإدراك مدراء الشركة أن بيع الحلقات القديمة يمكنه أن يحقق لهم مكاسب مماثلة للحلقات الجديدة.
إلا أن ميترو غولدن ماير قررت عقب ذلك بعدة سنوات إحياء توم وجيري، ولكن من دون التعاون مع مبدعيّ الشخصيات الأصليين. وفي عام 1961 أسست الشركة استديو في مدينة براغ لتوفير التكاليف، وكُلف جين ديتش، فنان الرسوم المتحركة المولود في شيكاغو، بالإشراف على إنتاج حلقات جديدة، لكنه عانى من ضيق الميزانية، إضافة إلى أن فريق العمل لم تكن لديه أي معرفة بالشخصيات الأصلية.
وبسبب وجود الستارة الحديدية الشيوعية في ذلك الوقت، فإن أيًّا من رسامي الكارتون في استديو براغ، لم يسبق له أن شاهد حلقات توم وجيري على الإطلاق، بحسب ديتش.
كما أنتج الاستديو الذي يشرف عليه ديتش، وبشكل سري حلقات من رسوم متحركة أخرى، ولكن تم تحويل أسماء الرسامين وفريق العمل لتبدو أمريكية بدل أصلها التشيكي، لكي لا يربط المشاهدون هذه الحلقات مع الحكم الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا.
كان ديتش يعلم أنه باعتباره أول فنان يحاول تقليد الأصل، سيكون في مرمى النار من قبل معجبي توم وجيري. ولطالما اعتبرت الحلقات ال 13 التي انتجت في براغ بإشرافه هي الأسوأ على الإطلاق في تاريخ الشخصيتين الشهيرتين، بل وفي مقابلة معه كشف ديتش أن الأمر وصل إلى تلقيه تهديدًا بالقتل.
بعد ديتش، أوكلت المهمة للفنان تشاك جونز، الذي اشتهر بعمله على الرسوم المتحركة "لوني تيون" مع استديوهات وورنر براذارز. وفي عهده أصبح حاجبا توم أثخن، كما تغير شكل وجهه.
لكن هانا وباربيرا، لم يلبثا أن عادا إلى الواجهة في متروغولدن ماير. ومع حلقات أطول وميزانيات أقل، قاما بتكييف أسلوبهما في الرسوم المتحركة، واستخدما حيلاً ذكية لتوفير الوقت والمال.
وسيطرت الرسوم المتحركة التي صنعاها على حصة الأطفال من البرامج التلفزيونية طوال عقود، وحققا النجاح في ستينيات القرن الماضي مع مسلسلات وشخصيات كارتونية شهيرة من بينها "المتحجرون"، و"سكوبي دوو".
في السبعينات عاد الثنائي إلى توم وجيري. وفي ذلك الوقت، كان العديد من الحلقات المبكرة تعتبر "عنيفة للغاية" بموجب توجيهات جديدة خاصة بالبث التلفزيوني. إلا أن الحلقات الجديدة التي أنتجت حينها عن الثنائي اللدود توم وجيري، وصورتهما كصديقين، لم ترقَ أبدًا إلى مستوى نجاح الحلقات الأصلية الأولى.
وكحال بقية إنتاجات الرسوم المتحركة في ذلك الزمن، تعرضت حلقات توم وجيري، لكثير من الانتقادات، واتهمت بالعنصرية، خصوصًا بوجود شخصية "مامي تو شوز"، مدبرة المنزل السوداء السمينة التي لا يظهر منها سوى القسم السفلي وساقيها الغليظتين وحذائها الأسود الكبير. إضافة إلى تضمنها نكاتًا تسخر أحيانًا من آسيويين أو من سكان أمريكا الأصليين.
عندما عرضت الحلقات الأصلية الأولى على التلفزيون الأمريكي في ستينيات القرن الماضي، تم تعديل بعض المشاهد، واستبدلت شخصية مدبرة المنزل مامي بشخصيات أخرى من إبداع فريق تشاك جونز. أما اليوم فقد أزيلت الحلقات التي اعتبرت مسيئة من المجموعة التي يعاد بثها. وتم تدارك ذلك بعد أن وجهت "أمازون برايم إنستانت فيديو" تحذيرات من عنصرية ظهرت في الحلقات.
لكن رسوم توم وجيري المتحركة، بما تتضمنه من عنف هزلي، وكوميديا سوداء في بعض الأحيان، لا تزال اليوم تتمتع بشعبية هائلة في كافة أرجاء العالم، وهي تعرض على التلفزيونات ضمن برامج الأطفال في كل مكان من اليابان إلى باكستان. وفي الصين استقطبت لعبة "توم وجيري" على تطبيق خاص بالهواتف المحمولة أكثر من 100 مليون مستخدم.
وفي عام 2016 ظهر اسم توم وجيري بشكل مفاجئ ضمن عناوين الأخبار في مصر بعد أن حمل مسؤول بارز هذه الرسوم المتحركة المسؤولية في تصاعد العنف في الشرق الأوسط، في حين قارن المرشد الأعلى الإيراني علاقات بلاده بالولايات المتحدة بعلاقة توم وجيري مرتين على الأقل.
أما في المملكة المتحدة، فأظهرت نتائج استطلاع عام 2015 أن توم وجيري هي الرسوم المتحركة الأكثر شعبية في بريطانيا بين البالغين.
وخلال الثمانين عامًا التي مرت على ابتكار توم وجيري، ظهر القط والفأر في كل أنواع الإنتاجات تقريبًا، من الحلقات الصامتة المخصصة للأطفال، إلى فيلم غنائي أنتج عام 1992 يتحدث فيه الثنائي اللدود بل، ويغني أيضًا.
توفي بيل هانا عام 2001، وتبعه جوزيف باربيرا عام 2006. وقبل عام من وفاته، ظهر اسم باربيرا على آخر حلقة له من توم وجيري، وكانت المرة الأولى من دون شريكه السابق.
وقد قال عن شراكتهما "فهمنا بعض بشكل رائع، وكان كل منا يكن احترامًا عميقًا لعمل الآخر".
وفي نهاية هذه السنة ستصدر استديوهات وورنر براذرز، التي تمتلك حقوق توم وجيري الآن، فيلمًا جديدًا، منفذًا بتقنية التصوير الحي، ولا يعرف الكثير عن المشروع حتى الآن، باستثناء أنه سيضم ممثلين معروفين منهم كلويه غراس مورتيز وكين جيون.
أما سر استمرار جاذبية توم وجيري، كما يعتقد جيري بيك، فيكمن جزء منه في أن الناس في أنحاء العالم يمكن أن يروا شيئًا من أنفسهم في الشخصيتين.
ويضيف "أعتقد أن معظم الناس يمكنهم التعاطف مع جيري صغير الحجم، فنحن جميعًا نعاني من وجود شخص يضطهدنا. هناك دائمًا شخص ما، رئيس العمل، صاحب البيت، سياسي، أو أي كان. نحاول أن نعيش حياتنا، في حين أن شخصًا ما يحاول تعكيرها".
قط يعاني من وجود فأر مزعج يشاركه منزله، ويحيك خططًا لا تنتهي للتخلص منه، لكن حين يضع القط مصيدة فئران مفخخة بقطعة شهية من الجبن، يتمكن الفأر الماكر من خداع المصيدة، وبمعدة ممتلئة يهرب منتصرًا ليلوذ بوكره الآمن.
لا بد أنكم عرفتم بطلي القصة، بل وتكهنتم بالشكل الذي تنتهي به دائمًا: القط، توم يصرخ بغضب، أما مصير خطته الجديدة للتخلص من خصمه اللدود الفأر جيري، فلن تنتهي إلا بنتائج عكسية، تمامًا مثل سابقتها.
قد تكون قصص مغامرات توم وجيري معروفة للجميع، ولكن الحكاية الحقيقية لكواليس إنتاجها ليست كذلك، ولعلها لا تقل إثارة: من الفوز بجوائز الأوسكار إلى الإنتاج السري خلف الستارة الحديدية خلال فترة الحرب الباردة، هكذا أصبح توم وجيري اللذان أتمّا هذا الأسبوع 80 عامًا من المطاردات المتواصلة، أحد الثنائيات الأشهر في العالم، وربما ليس في عالم الرسوم المتحركة فقط.
كان فنانا الرسوم المتحركة الشريكان بيل هانا وجوزيف باربيرا يعانيان من حالة إحباط في قسم الرسوم المتحركة في استديو ميترو غولدن ماير، ويشعران بحاجة ملحة لابتكار شخصيات قادرة على منافسة الشخصيات الكرتونية الناجحة مثل ميكي ماوس، وبوركي بيغ والتي تنتجها استديوهات أخرى.
وحاول الشريكان الشابان، اللذان لم يكونا حينها قد بلغا الثلاثين من العمر، تطوير أفكارهما، وكان باربيرا يميل إلى فكرة بسيطة لعمل كارتون عن قط وفأر تجري بينهما صراعات ومطاردات مستمرة، برغم كون الفكرة معروفة وسبق استخدامها.
وكان فيلم "Puss Gets the Boot"( قط يُطرد من المنزل) قد عرض في عام 1940، وحقق نجاحًا كبيرًا، وفاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة قصير، ولكن بالرغم من جهدهما في صنعه، فإن هانا وباربيرا لم يذكر اسميهما عند إعلان الفوز، وكان ذلك الفيلم هو النواة التي تطورت منها فكرة توم وجيري.
في البداية، لم يكن مدراء استديو ميترو غولدن ماير متحمسين لفكرة القط والفأر، وحذروهما من مغبة وضع كل البيض في سلة واحدة، لكن تغير الموقف حين وصلت رسالة من شخصية مؤثرة في عالم صناعة الرسوم المتحركة في تكساس تطالب بقصة أخرى من "الرسوم المتحركة الرائعة عن القط والفأر".
ومع تبلور الفكرة، تحول جاسبار القط إلى توم، وجينكس الفأر، إلى جيري.
ووفقًا لباربيرا، لم يكن هناك نقاش حقيقي حول كون الشخصيات صامتة، وبوجود أفلام تشارلي شابلن الصامتة تأكد المبدعان من قدرة الشخصيات على إضحاك المشاهدين في غياب أي حوار، ولعبت الموسيقى التي ألفها سكوت برادلي دورًا مهمًّا في تصعيد المواقف، في حين أدى هانا بنفسه صرخات توم الشهيرة، التي أصبحت بشبهها بصراخ البشر، علامة مميزة لشخصية القط الأحمق الغاضب.
وخلال عقدين من الزمن، أنتج هانا وباربيرا أكثر من 100 حلقة من هذه المغامرات، وكان العمل على كل منها يستغرق عدة أسابيع، وبكلفة تصل إلى 50 ألف دولار أمريكي، ما يعني أن سنة كاملة لا يمكن أن ينتج فيها سوى بضع حلقات فقط.
واعتبرت الرسوم المتحركة توم جيري من الأنجح في العالم، وبفضل الرسم اليدوي الدقيق لشخصياتها وخلفياتها الغنية بالتفاصيل، نالت سبع جوائز أوسكار، كما ظهرت في أفلام هوليوودية عديدة.
ويقول جيري بيك، الخبير بتاريخ أفلام الكارتون "أراهن أنك حين شاهدت حلقات توم وجيري سواء عندما كنت طفلاً، أو الآن، فستشعر برغبة كبيرة بمعرفة تاريخ صنعها".
ويضيف "هناك شيء خاص يميز الرسوم المتحركة. إنها مزدهرة دائمًا، لا تتلاشى أبدًا، الرسم هو رسم. الأمر يشبه شعورك عندما تشاهد لوحة في متحف. نعم، نحن نعرف أنها تعود إلى القرن التاسع عشر، أو القرن الثامن عشر. لكن لا يهم، إنها لا تزال موجودة، وتؤثر بك حتى اليوم".
ويضيف بيك قائلاً إن الرسوم المتحركة "فن رائع. وهي ليست تسلية مؤقتة على الإطلاق بحيث يمكن رميها لاحقًا".
في عام 1957 أسس باربيرا وهانا شركتهما الخاصة عقب إغلاق قسم الرسوم المتحركة في شركة ميترو غولدن ماير وذلك بعد صعود شعبية التلفزيون، وإدراك مدراء الشركة أن بيع الحلقات القديمة يمكنه أن يحقق لهم مكاسب مماثلة للحلقات الجديدة.
إلا أن ميترو غولدن ماير قررت عقب ذلك بعدة سنوات إحياء توم وجيري، ولكن من دون التعاون مع مبدعيّ الشخصيات الأصليين. وفي عام 1961 أسست الشركة استديو في مدينة براغ لتوفير التكاليف، وكُلف جين ديتش، فنان الرسوم المتحركة المولود في شيكاغو، بالإشراف على إنتاج حلقات جديدة، لكنه عانى من ضيق الميزانية، إضافة إلى أن فريق العمل لم تكن لديه أي معرفة بالشخصيات الأصلية.
وبسبب وجود الستارة الحديدية الشيوعية في ذلك الوقت، فإن أيًّا من رسامي الكارتون في استديو براغ، لم يسبق له أن شاهد حلقات توم وجيري على الإطلاق، بحسب ديتش.
كما أنتج الاستديو الذي يشرف عليه ديتش، وبشكل سري حلقات من رسوم متحركة أخرى، ولكن تم تحويل أسماء الرسامين وفريق العمل لتبدو أمريكية بدل أصلها التشيكي، لكي لا يربط المشاهدون هذه الحلقات مع الحكم الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا.
كان ديتش يعلم أنه باعتباره أول فنان يحاول تقليد الأصل، سيكون في مرمى النار من قبل معجبي توم وجيري. ولطالما اعتبرت الحلقات ال 13 التي انتجت في براغ بإشرافه هي الأسوأ على الإطلاق في تاريخ الشخصيتين الشهيرتين، بل وفي مقابلة معه كشف ديتش أن الأمر وصل إلى تلقيه تهديدًا بالقتل.
بعد ديتش، أوكلت المهمة للفنان تشاك جونز، الذي اشتهر بعمله على الرسوم المتحركة "لوني تيون" مع استديوهات وورنر براذارز. وفي عهده أصبح حاجبا توم أثخن، كما تغير شكل وجهه.
لكن هانا وباربيرا، لم يلبثا أن عادا إلى الواجهة في متروغولدن ماير. ومع حلقات أطول وميزانيات أقل، قاما بتكييف أسلوبهما في الرسوم المتحركة، واستخدما حيلاً ذكية لتوفير الوقت والمال.
وسيطرت الرسوم المتحركة التي صنعاها على حصة الأطفال من البرامج التلفزيونية طوال عقود، وحققا النجاح في ستينيات القرن الماضي مع مسلسلات وشخصيات كارتونية شهيرة من بينها "المتحجرون"، و"سكوبي دوو".
في السبعينات عاد الثنائي إلى توم وجيري. وفي ذلك الوقت، كان العديد من الحلقات المبكرة تعتبر "عنيفة للغاية" بموجب توجيهات جديدة خاصة بالبث التلفزيوني. إلا أن الحلقات الجديدة التي أنتجت حينها عن الثنائي اللدود توم وجيري، وصورتهما كصديقين، لم ترقَ أبدًا إلى مستوى نجاح الحلقات الأصلية الأولى.
وكحال بقية إنتاجات الرسوم المتحركة في ذلك الزمن، تعرضت حلقات توم وجيري، لكثير من الانتقادات، واتهمت بالعنصرية، خصوصًا بوجود شخصية "مامي تو شوز"، مدبرة المنزل السوداء السمينة التي لا يظهر منها سوى القسم السفلي وساقيها الغليظتين وحذائها الأسود الكبير. إضافة إلى تضمنها نكاتًا تسخر أحيانًا من آسيويين أو من سكان أمريكا الأصليين.
عندما عرضت الحلقات الأصلية الأولى على التلفزيون الأمريكي في ستينيات القرن الماضي، تم تعديل بعض المشاهد، واستبدلت شخصية مدبرة المنزل مامي بشخصيات أخرى من إبداع فريق تشاك جونز. أما اليوم فقد أزيلت الحلقات التي اعتبرت مسيئة من المجموعة التي يعاد بثها. وتم تدارك ذلك بعد أن وجهت "أمازون برايم إنستانت فيديو" تحذيرات من عنصرية ظهرت في الحلقات.
لكن رسوم توم وجيري المتحركة، بما تتضمنه من عنف هزلي، وكوميديا سوداء في بعض الأحيان، لا تزال اليوم تتمتع بشعبية هائلة في كافة أرجاء العالم، وهي تعرض على التلفزيونات ضمن برامج الأطفال في كل مكان من اليابان إلى باكستان. وفي الصين استقطبت لعبة "توم وجيري" على تطبيق خاص بالهواتف المحمولة أكثر من 100 مليون مستخدم.
وفي عام 2016 ظهر اسم توم وجيري بشكل مفاجئ ضمن عناوين الأخبار في مصر بعد أن حمل مسؤول بارز هذه الرسوم المتحركة المسؤولية في تصاعد العنف في الشرق الأوسط، في حين قارن المرشد الأعلى الإيراني علاقات بلاده بالولايات المتحدة بعلاقة توم وجيري مرتين على الأقل.
أما في المملكة المتحدة، فأظهرت نتائج استطلاع عام 2015 أن توم وجيري هي الرسوم المتحركة الأكثر شعبية في بريطانيا بين البالغين.
وخلال الثمانين عامًا التي مرت على ابتكار توم وجيري، ظهر القط والفأر في كل أنواع الإنتاجات تقريبًا، من الحلقات الصامتة المخصصة للأطفال، إلى فيلم غنائي أنتج عام 1992 يتحدث فيه الثنائي اللدود بل، ويغني أيضًا.
توفي بيل هانا عام 2001، وتبعه جوزيف باربيرا عام 2006. وقبل عام من وفاته، ظهر اسم باربيرا على آخر حلقة له من توم وجيري، وكانت المرة الأولى من دون شريكه السابق.
وقد قال عن شراكتهما "فهمنا بعض بشكل رائع، وكان كل منا يكن احترامًا عميقًا لعمل الآخر".
وفي نهاية هذه السنة ستصدر استديوهات وورنر براذرز، التي تمتلك حقوق توم وجيري الآن، فيلمًا جديدًا، منفذًا بتقنية التصوير الحي، ولا يعرف الكثير عن المشروع حتى الآن، باستثناء أنه سيضم ممثلين معروفين منهم كلويه غراس مورتيز وكين جيون.
أما سر استمرار جاذبية توم وجيري، كما يعتقد جيري بيك، فيكمن جزء منه في أن الناس في أنحاء العالم يمكن أن يروا شيئًا من أنفسهم في الشخصيتين.
ويضيف "أعتقد أن معظم الناس يمكنهم التعاطف مع جيري صغير الحجم، فنحن جميعًا نعاني من وجود شخص يضطهدنا. هناك دائمًا شخص ما، رئيس العمل، صاحب البيت، سياسي، أو أي كان. نحاول أن نعيش حياتنا، في حين أن شخصًا ما يحاول تعكيرها".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.