يستمر الإنترنت في زحفه يوما بعد يوم،ليسحب البساط ويكسب أراض جديدة كانت تحت بصر الصحافة الورقية.فقد أصبح واضحاً عزوف القراء عن شراء المطبوعات الورقية،وتحولهم نحو نمط جديد من المعرفة يتمثل بالقراءة الإلكترونية،خاصة وأن الحصول على المعلومات الخبرية والمستجدات العالمية ينتشر بسرعة أكبر من خلال الإنترنت والمحطات الفضائية،فضلاً على أنه أقل كلفة. ومع أزمة ظهور فايروس كورونا، توقفت العديد من المطبوعات الورقية في أكثر من بلد، وعانى قطاع نشر الكتب من أزمة بسبب غياب المعارض الدولية، وعدم القدرة على توزيع الكتب، الأمر الذي شجع أيضا ازدهار الكتاب الإلكتروني. مؤخرا أعلنت أكثر من صحيفة عالمية أنها تعاني من ارتفاع تكلفة الطباعة نتيجة الأزمة الأقتصادية عقب كورونا ،وانخفاض منسوب الإعلانات،وبالتالي فإنها تعتزم إلغاء عدة ملاحق من أعدادها الأسبوعية مكتفية بالاحتفاظ بالملاحق عبر الإنترنت،لأن هذا الإ جراء سيوفر ملايين الدولارات من خلال توفير الورق،والاستغناء عن المحررين العاملين بالقطعة. ربما يُبهج هذا الخبر الأشخاص المناصرين للبيئة،اذ ستُترك غابات شاسعة من الأشجار سليمة ومعافاة من دون أن يتم قطعها للحصول على الورق،لكنه لن يُبهج العاملين في الصحافة على الإطلاق. وبعيدا عن الغوص في الحديث عن البيئة، وإذا كانت الصحافة العالمية تعاني من هذه النتائج،ولم توارب في الكشف عن أوضاعها المالية غير المستقرة،فمما لا شك فيه أيضا أن الصحافة العربية لن تكون أفضل حالا.لكن في حسبة بسيطة ومع الأخذ بعين الاعتبار أيضا الأزمة المالية التي طالت الاقتصاد العالمي كله جراء أزمة كورونا ،فإن التكلفة التي تتطلبها المطبوعات الورقية هي أعلى بكثير من التكلفة الإلكترونية،وهذا بدوره سيؤدي تدريجيا إلى القضاء على الصحف الورقية وتحولها إلى إصدارات إلكترونية. أما بالنسبة للمواطن العربي المتوسط الدخل تحديدا- وعلى الرغم من أن خطوة التحول هذه من الورقي إلى الإلكتروني قد تأخذ زمناً أطول بسبب "الأمية التكنولوجية" في العالم العربي – فإن هذا التحول سيزيد من عزلته الثقافية أكثر وأكثر،فإذا كان المواطن العربي يعاني في الحصول على المعرفة الورقية البسيطة عبر الجرائد،بسبب تدني مستوى الدخل،فكيف سيكون حاله لو أن الإنترنت صار الطريق الوحيد للحصول على المعلومات. صراع البقاء بين الصحافة المطبوعة التقليدية والإلكترونية الحديثة والمتغيرة مضمونا وأسلوبا قد بدأ من دون شك، من هنا ينبغي أيضاً على العاملين بالصحف الورقية التنبه إلى أنهم يعملون في مهنة تسير في سبيلها إلى الإنقراض،لأنهم سيصبحون مثل صُناع لطرابيش، الذين عفى الزمن وولى عن مهنتهم.إذ تشير احدى الدراسات إلى أن اختفاء الصحافة الورقية قد يحدث خلال أربعين عاماً،لأسباب أهمها :منافسة وسائل الأعلام الأخرى،وارتفاع نفقات الطباعة، ويمكننا أن نضيف وباء كورونا ، لذا يبدو أنه لن يمر وقت طويل حتى نقول:وداعا للورق.