في ظل الأجواء المضطربة بمصر تحت لواء شبح الإنقسام السياسي و الأيديولوجي حدثت ظاهرة غريبة يوم الخميس الماضي أمام مكتب إرشاد الإخوان المسلمين كلمحة إعتراضية على السياسة التي ينتهجها جماعة الإخوان المسلمين في البلاد بإقامة المتظاهرين بالإعتراض بالرقص من خلال رقصة (هارليم شيك) و قام أحمد المغير من جماعة الإخوان المسلمين بالرد على تلك الرقصة بنفس الرقصة مرتدي هو و زملائه وجوه حمدين صباحي و البرادعي لرفض معارضة جبهة الإنقاذ كما فعل شباب معارض للإخوان بإرتداء طربوش و ملابس سلفية و من خلال تلك المشاهد الغريبة المثيرة تصيح أجراس الخطر بدوي شديد اللهجة بأن الخطر قادم قادم لا محالة. إن رقصة (الهارلم شيك) هي أمريكية الجنسية تأسست عام 1981 من خلال سكان حي هارلم بولاية نيويورك سيتي كناية على الإعتراض و التمرد للقرارات السياسية التي يتخذها القادة هناك و تصاحب تلك الرقصة أغنية لمغني الراب الأمريكي (دي أب) و تلك الأغنية تم رفعها على اليوتيوب لشباب أسترالي كان يقوم بالرقص عليها و إذ برياح تلك الرقصة تنتقل عبر القارات و الأقاليم الجغرافية لتصل إلى تونس الأربعاء الماضي و إعلان المدارس هناك عن تنظيم رقصة الهارلم شيك مما دفع الجماعات السلفية التونسية بالتعرض بالضرب لطلبة المدارس و الجامعات لممارستهم تلك الرقصة التي فيها بغض و حرمانية شديدة شرعًا و عُرفًا. إذا نظرنا إلى الآراء حول تلك الظاهرة نجد أن الآراء إنقسمت كحال إنقسام الأراء السياسية في المنطقة فهناك التيار المحافظ الذي رأى أن تلك الرقصات المثيرة للغرائز و المهيجة للشهوات من خلال إجراء حركات جنسية ما هي إلا دعوة للموبقات و الإنحراف و هناك الرأي الليبرالي يرى أن تلك الرقصة نوع من أنواع التعبير و التمرد على ممارسات الحكم الإسلامي السياسي الذي دفع الشباب للتمرد و المكابرة لما يقترفوه في حقوقهم باسم الشرع و الدين مما أدى إلى ميلاد تلك النبرة التمردية. هنا عند ظهور تلك الظاهرة نجد أن تلك الرقصة أيقظت ما كان في الماضي القريب من ظهور حالة عارمة من التمرد في ستينيات و سبعينيات القرن الماضي من خلال فئة (الهيبز) و التي ظهرت عام 1967 في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدةالأمريكية كناية على التمرد على القوة المادية و سياسة الرأسمالية ذات قوام النفعية و الإستهلاكية و جعل مذهبهم دعوة لعالم تسوده الحرية والمساواة والحب والسلام. ميزوا أنفسهم بإطالة الشعر ولبس الملابس المهلهلة والفضفاضة والتجول والتنقل على هواهم في مختلف الأنحاء كتعبير عن قربهم من الطبيعة وحبهم لها. (أعضاء فريق البيتلز) لجأت فئة الهيبز إلى الموسيقى و المخدرات و الجنس كأدوات تساهم في إرساء دعوتهم لدرجة وصولها إلى فريق (البيتلز) أو (الخنافس) البريطانية و التي إستقطبت كل شباب الغرب و كانت تلك الحركة دعوة للتأمل حول ما حدث في العالم خلال ثلاثين عامًا من الحروب بين الحربين العالمية الأولى و الثانية إلى جانب حرب فيتنام التي إستمرت حتى عام 1975 و المواطن الأمريكي في حيرة شديدة حول (لماذا نحارب فيتنام و باسم أي مبدأ نحاربهم و ما الذي أقترفوه لكي نشردهم من ديارهم؟!). (الهيبز في السبعينات يرفعون شعار الحب لا الحرب) كان من دعاة الهيبز الشاعر الأمريكي (ألان جينسبرج) و المطرب البريطاني من فريق البيتلز (جون لينون) و المطرب (بوب ديلان) و كانت كتابات جينسبرج و أغاني البيتلز متنفسًا للخروج من براثن الرأسمالية بالتمرد و العودة للطبيعة و رفع شعار (نعم للحب و لا للحرب) و كان مكمن الدعوة في نوادي الجاز حيث كان لموسيقى الجاز دور في تحديد ملامح تلك الحركة. (الهيبز يرفعون شعار أزيحوا الجحيم من فيتنام) كادت تلك الحركة في الإنتشار بالوطن العربي خاصة بعد نكسة 1967 المعروفة ب(حرب الأيام الست) في المراجع الأجنبية بعد إستيقاظ الشباب العربي على أكذوبة سنحطم إسرائيل و كيف تحتل أراضي لأربعة بلاد عربية (مصر – سوريا – الأردن – فلسطين) مع كفر الشباب بمشروع القومية العربية الذي ظهر بعد تلك الأزمة في مظهر الوهم و السراب إلى جانب وضوح أكذوبة الإشتراكية و الشيوعية مما أدى إلى وجود تيارين في الوطن العربي تيار يقبع بالمساجد ليجد سلواه في تضميد جراحه من الأزمة و تيار لجأ لليبرالية الكلية و الحرية الجامحة لعل في إطلاق عنانها الوصول إلى الحل المفقود و لكن بإندلاع معارك الإستنزاف بدأ بعض الشباب يشعر بالهدف المأمول و المسئولية القوية لعبور الأزمة مما أدى إلى إنتشارها فقط في المناطق الراقية على نطاق محدود. (لقطة من فيلم ثرثرة فوق النيل) تلك الجماعة كانت تلجأ للمخدرات و عقاقير (إل سي دي) و هو دواء يؤدي إلى غياب الوعي و التركيز لقلويته الشديدة مع تدخين المارجوانا و هذا ما ظهر في فيلم (ثرثرة فوق النيل) عام 1970 كدعوة لتحذير المجتمع من الهروب من المشكلة بتلك الوسائل المتدنية التي تزيد من تفاقم الأزمة و ظلت تلك الجماعة تنشر أفكارها في كندا و أستراليا و أوروبا إلى جانب عمل فيلم في سوريا من إخراج عاطف سالم بعنوان (زوجتي من الهيبز) عام 1973 بطولة هويدا و دريد لحام و نهاد القلعي و إتضح أن هويدا إبنة الفنانة صباح كانت من الهيبز بالفعل و هذا ما كان واضحًا في رقصات الهيبز بالفيلم إلى جانب رقصتها الشهيرة بأول فيلم لها من إنتاج صباح عام 1970 (نار الشوق). (فيلم زوجتي من الهيبز) بدأت حركة الهيبز في التقلص و الخفوت في الثمانينات من خلال الشعار التنبوئي الذي كان يعلق في المحلات (ليستخدم الهيبز الباب الجانبي) كناية على حتمية إندثار تلك الحركة و هذا ما كان يشعره أنصار الهيبز و الذي حدث بالفعل لكبر سنهم و لإكتشاف الكثير منهم بأن الحل الأمثل في القيم الروحية فلجأوا إلى التبشير بالدين المسيحي مع إنضمام بعضًا منهم إلى منظمات إنسانية و سياسية تحتك بأرض الواقع لخدمة البشرية بالفعل و طرق المعايير المجتمعية لأنصار الهيبز التي نشأوا عليها في طفولتهم و كان يطلق عليهم (أطفال الزهور) لإستقبالهم للناس بالزهور و الإبتسامات. هنا ما حدث بواقعة (الهارلم شيك) يحذر بعودة شبح الهيبز و لكن في ثوب (القرن الحادي و العشرين) و على غرار توابع الربيع العربي الذي أتى بالإسلام السياسي لسدة الحكم بين مصر و تونس بعد الإطاحة بأنظمة قمعية عسكرية لتأتي لنا في صورة أنظمة قمعية جديدة بأيديولوجية سياسية إسلامية و الخوف كل الخوف من التهاون بأخذ إجراءات مشددة ضد تلك الظاهرة التي إنتشرت في تونس و قاربت على الإنتشار في مصر لأن التهاون في قمعها دعوة للرذيلة و التفسخ و خلق جيل جديد يحمل في طياته نبرة اليأس و الهروب. (سلفيو تونس يعتدون على الطلبة أصحاب فكرة الهارليم شيك) من الممكن أن تستغل تلك الرقصة في دعوات إلحادية بإلصاقها ببعض القيم البوذية و الكنفوشية مما يدعو إلى الإلحاد الصريح مع إعطاء الجمعات الإلحادية كارتًا أخضرًا للظهور و الخروج من عششهم الدفينة ليخرج الصراع عن سياقه في الصراع بين أيديولوجيات سياسية إلى صراع أيديولوجيات عقائدية ليأخذ الشرك شكلاً جديدًا و ثوبًا مختلفًا عما كان في بدايات الرسالات السماوية فالحذر كل الحذر من تشويه عقيدتنا الحنيفة المستقيمة بسبب من شوه الدين لأغراض سياسية فعلينا بالتحرك و السرعة في الحزم من أجل إنقاذ جيل قادم من الضياع بمعناه الحقيقي.