على أثر الإنقسام الملحوظ خلال هذا الأسبوع بين معسكرين، المعسكر الأول كامن في جامعة القاهرة للإخوان المسلمين و السلفيين مؤيدين قرار الرئيس محمد مرسي حول إجراء إستفتاء للدستور الجديد علاوةً على تأييد قراراته الأخيرة بالإعلان المكمل للدستور و إعادة محاكمة قتلة المتظاهرين مرةً أخرى، و المعسكر الثاني كامن في القوة الوطنية بالتحرير و قصر الاتحادية و التي تجمعت على كلمة واحدة كالهدف الذي أُحرز تسللاً - أي أحرز بعد فوات الأوان - حيث جاء الإخوان في لحظة هامة عرفوا من أين يتم الدخول في وجدان الشعب المصري، علاوةً على الثقافة القروية التي ساهمت في دعم الإخوان على خلفية دعمهم المستمر من الناحية الغذائية و الكسائية لفقراء تلك البيئة، إضافة إلى السيطرة التامة لمشايخ مساجد القرية على قلوب الفلاحين في أن الإخوان هم من يحملون لواء (لا إله إلا الله محمد رسول الله) و أن من يسير على غير هذا النهج فهو في صف الباطل إما كان ليبراليًا أو علمانيًا أو يساريًا أو شيوعيًا أو ناصريًا. من هنا كان معسكر الإخوان هو الفائز للواء الدين و الكلام المقدس مما أدى إلى أفول شمس القوة الوطنية في أن تحرز الشعبية التي أحرزها الإخوان، و بالتالي بدأت الحرب النفسية منذ صدور الإعلان الدستوري المكمل في نوفمبر 2012 و الذي أدى إلى حدوث إنقسامًا ملحوظًا بين مؤيد و معارض مما ينم على إقتراب إطلاق جرس إنذار حربًا أهلية لم تراها مصر من قبل و بالتالي علينا أن نقدم روشتة للوطن المجروح بسبب لهيب المؤيدين و المعارضين على جبين الوطن الحزين. للتاريخ دورته، و لكي نرى دورة التاريخ فعلينا أن ننظر في مرآته السحرية لنستشف ما يخبئه المستقبل من خلال خبرات الماضي القريب أو البعيد، و هنا أمامنا نموذجان واجها نفس المصير ألا و هو مصير (الإنقسام) المؤدي إلى حرب أهلية محملةً بنيران صديقة، أي بين أبناء الوطن الواحد ، النموذج الأول هو النموذج الإسباني الذي شاهد حربًا أهلية ضروس من عام 1936 حتى عام 1939 بين القوميين بزعامة الجنرال (فرانشيسكو فرانكو) و الجمهوريون؛ حيث قام الجنرال (مولا) بإنقلاب عسكري على شرعية الجمهورية الثانية فانضم إليه الجنرال (فرانكو) الذي أصبح زعيمًا للقوميين و كان يمول من قِبل إيطاليا الفاشية بزعامة موسوليني و ألمانيا النازية بزعامة هتلر أما الجمهوريون فكانوا يُدعمون من الاتحاد السوفيتي لنهجهم المبدأ الشيوعي و كان زعيم الاتحاد السوفيتي في ذاك الوقت هو جوزيف ستالين. كانت قاعدة الجمهوريون قاعدة علمانية مدنية مع ضمهم فئة المشردون و كانت قوية في المناطق الصناعية مثل أستوريا ، كتالونيا ، إقليم الباسك المحافظ الكاثوليكي أملاً في وجود حكم محلي عن طريق الجمهوريين لإحداث الإستقلال عن الحكم المركزي أما القوميون فكان داعمهم القوى المحافظة بشكل أعظمي كاثوليكي الداعمين للحكم المركزي مع إستخدام أساليب تكتيكية إرهابية طالت المدنيين. إنتهت الحرب عام 1939 بإنتصار القوميين على الجمهوريين و أصبح (فرانشيسكو فرانكو) القائد العسكري الذي تولى رئاسة إسبانيا من عام 1939 حتى عام ،1975 و انتصار فرانكو أتى لاستخدامه نبرة الدين الجاذبة للمجتمع الإسباني المتدين المحافظ على التقاليد و العادات، مع نبذهم للفكر الشيوعي النابذ للدين و العقيدة، و هنا كانت حصيلة الحرب إراقة الدماء و إزهاق الأرواح البريئة من الجنسين بإعمار مختلفة جعلت إسبانيا تبكي دمًا. النموذج الثاني هو النموذج الفرنسي عام 1968 في عهد شارل ديجول، أيقونة الحرية الفرنسية في الحرب العالمية الثانية و مؤسس الجمهورية الخامسة عام 1959 و واضع دستور الجمهورية الخامسة لفرنسا، و الذي أدخل فرنسا في حزام الدول النووية عام 1960 و أحدث طفرات اقتصادية في فرنسا وأدخلها في مصاف الدول العالمية، و دعى لإقامة وحدة أوروبية تواجه بها الهيمنة الأمريكية عن طريق القوة الإنجليزية في بداية الستينات، و لكن جاء ديجول عام 1968 ليحدث بسياساته الداخلية صدمات متعددة للشباب الفرنسي الذي ثار بثورته الطلابية عام 1968 قيل أن محرضها هو رئيس وزرائه جورج بومبيدو للإستيلاء على السلطة و كادت الثورة تتحول إلى إنقلابًا شبابيًا على ديجول، و هنا قام حكيم فرنسا بإحداث إستفتاء عام 1969 يستفتي الشعب على (هل يستمر في الرئاسة أم لا؟) و إذا حصل على أقل من 60% فسيترك الحكم. كان الإستفتاء في صالح ديجول و لكن بأقل من 60%، و من هنا قام المقاتل الشجاع بتقديم إستقالته يوم 28/4/1969 ليعتزل الحياة السياسية بقريته (كولمبي ذات الكنيستين) حتى وفاته يوم 9/11/1970. (ثورة الشباب الفرنسي - مايو 1968) على الدكتور مرسي أن يختار بين النموذجين فأمامه النموذج الإسباني القريب من توجه الجماعة من حيث اللجوء للأغلبية الميالة للدين و تقام حروبًا باسم الدفاع عن الدين و ليس الدفاع عن الوطن مما يحدث فتنة كبرى تراق لها الدماء ما بين القومية المصرية و القومية الإسلامية ، أو عليه باختيار النموذج الفرنسي الشجاع المتمثل في ديجول الذي خاف على وطنه من الفتنة و الحرب الأهلية التي حدثت من قبل في الثورة الفرنسية الأولى 1789 و الثورة الفرنسية الثانية 1830 و الثورة الفرنسية الثالثة ،1848 و هنا إستعان ديجول برحيق الماضي - بما أنه عمل كمدرس تاريخ عسكري بالأكاديمية العسكرية الفرنسية بسانت سيير - في ألا يتسبب في إحداث حربًا أهلية رابعة في تاريخ فرنسا الحديث، و أراد أن يجنب الشباب ما ذاقه الأجداد من طعم الدم الحار الذي تسبب في كثرة الأيامى و اليتامى. على الدكتور مرسي أن يختار نموذج ديجول في أن يجري الإستفتاء و إذا تم الإستفتاء على الدستور يوم 15 ديسمبر بإشراف القضاء بمنتهى الدقة و الأمانة و إذا وصلت أغلبية الإستفتاء ب(لا) فهنا عليه أن ينفذ أمرًا من الإثنين إما الرضوخ لأمر الشعب و إجراء دستور جديد يجمع كل القوى الوطنية أو الرحيل بشرف و شجاعة ليدخل التاريخ من أوسع أبوابه، و هنا نتمنى من الله أن يحفظ مصر من كل سوء، و أن يجنبها شرور الحروب و لك الله يا مصر.