صدر قرارًا بالأمس من وزارة التربية و التعليم بإلغاء حسن البنا من منهج التاريخ بمراحل التعليم المختلفة كرسالة تعجبية على ما ينتاب تاريخ مصر من الحذف و الإضافة حسب الهوى و حسب السائد بناءً على السلطة القائمة ليكون الناتج ذاكرة مشوهة تجلب لنا أجيالاً مشوهة النفسية و التفكير. إن التاريخ يحمل تروسًا فعالة يتم تحريكها عبر أشخاص مختلفون في الفكر و الهوى و المنهج لينتج لنا حدث اليوم بوصل الماضي بالمستقبل لينتج لنا يومنا الذي نعيشه بمختلف المشاعر و اللحظات ما بين الإفراح و الأطراح و المدح و القدح و الصعود و الهبوط و الإنتصار و الإنكسار. إن أفة تأرجح مناهج التاريخ ما بين المدارس و الجامعات بمصر بدأت منذ ثورة 23 يوليو من العام 1952 حينما أقرت الثورة بأن تاريخ مصر يبدأ من بزوغ ثورتها لاغيةً مجهودات من سبق تلك الثورة كإفرازات توكيدية لها بعد كفاح طويل لأكثر من سبعين عامًا فلولا زعماء مصر الأبرار ما كان الإنجاز المعروف باسم ثورة 23 يوليو ليُصاب الزعماء ما بين الأحياء و الأموات بأفة نسيان الثورة المتعمد لهم كمصطفى كامل و أحمد عرابي و محمد فريد و سعد زغلول و مصطفى النحاس الذي عاش بين قضبان هذا النسيان حتى وفاته العام 1965 يوم رحيل سعد زغلول يوم 23 أغسطس و على الرغم من هذا لم ينسى المصريون رغم نسيان ثورتهم لهذا الزعيم الكبير ليسير في جنازته الملايين مع التغافل المتعمد للتليفزيون المصري بتغطية هذا الحدث و لكن للقلم مداد الصدق بتدوين هذا في الجرائد و الكتب رغم أنف الإستبداد. ظلت الآفة مستمرة من عهد إلى عهد حتى وصول الإخوان المسلمين للحكم و وضوح نيتهم بإلغاء الكثير و الكثير من الهوية المصرية حيث نقل تاريخ مصر من علمانيته إلى أخونته و لكن لم يتم هذا بسقوط الإخوان يوم 3 يوليه من العام 2013 على الرغم من تغافل وزارة التعليم الإخوانية في منهج التاريخ لزعماء مصر و التركيز على الجماعة و جاء القرار الوزاري بالأمس من وزارة الحكومة الإنتقالية كضربة ثأرية ليكون ضحية هذه الضربة التاريخ ذاته. إن حسن البنا شخصًا مؤثرًا في التاريخ المصري له ما له و عليه ما عليه و ركنًا من أركان الحركة الوطنية التي إكتملت أركانها بدخول الصبغة الدينية حيث وجود نفحات الروحانية الداعمة للكفاح من أجل نيل الاستقلال من الإستعمار البريطاني و لتمتد الجماعة من مصر إلى سوريا إلى فلسطين و غيرها من البلاد المختلفة مع وجود داعمين لها لما تمثله من حركة دعوية تهدف إلى الإصلاح. مع توسع الجماعة توسعت الطموحات و كبرت الأمال لتنتقل من الدعوية إلى الصبغة السياسية ليكون الصراع مع السلطة بأشكالها المختلفة ما بين الملكية و الجمهورية حيث التأرجح ما بين البقاء و الإقصاء و هنا يكون الحكم على حسن البنا بتلك البانوراما الثرية كمقياس عادل للحكم على الشخصيات المؤثرة مهمًا كانت التوجهات و الأفكار. إن حسن البنا أنقذ مدن القناة من الفرنسة و الجلنزة مثلما أنقذ سعد زغلول المناهج المصرية من الجلنزة و هو وزيرًا للمعارف في العقد الثاني من القرن العشرين و لا ننسى أن حزب الوفد أيضًا كان له تنظيمه الخاص تولى مسئوليته كلاً من أحمد ماهر و محمود فهمي النقراشي باسم (جمعية اليد السوداء) و هذا الجانب لم يتم تداوله لتجنب الصراع مع حزب الوفد. إن للبنا أخطاء كثيرة كغيره من القياديين خاصةً بإعطائه قيادة التنظيم السري لعبد الرحمن السندي ذو الفكر المتطرف كخطأ جمال عبد الناصر بتكليفه عبد الحكيم عامر بتولي وزارة الحربية رغم محدودية قدراته العسكرية بشهادة الحبيب قبل العدو و كان المصير للبنا و ناصر بالإقصاء ماديًا و معنويًا حيث النكبة على مصر جراء العمليات الإرهابية في الأربعينات و الهزيمة المدوية لمصر في حرب الأيام الست في الستينات. لابد من تدريس التاريخ بالجامعات و المدارس بشكل حيادي حسب طبيعة المشهد و الحدث و إلا كان من باب أولى بأمريكا حذف مارتن لوثر كنج الزعيم الأسود لزنجيته و حذف اسم مالكولم إكس صاحب الفكر الهجومي للبيض وقت العنصرية و هاريت توبمان المعروفة باسم (موسى قومها) حيث تهجيرها لمئات الزنوج عبر الأنفاق لكندا عبر الحدود الأمريكية للهروب من العبودية الأمريكية ما بين القرن التاسع عشر و القرن العشرون. أعترفت أمريكا بالزنوج وضمهم للتاريخ بعد عقود مديدة من الإقصاء مما دفع الزنوج لعمل جزءًا تاريخيًا خاص بهم عُرف باسم (التاريخ الأسود) للحفاظ على تواجدهم تفاديًا ما أنتاب الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين و بهذه الفكرة كان الدوام للأفروأمريكان لتعترف أمريكا في الثمانينات بأنهم جزء لا يتجزأ من التاريخ الأمريكي عبر فكرتهم العجيبة. إذا ظللنا على تجاهلنا لجزء هام من الحركة الوطنية المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين فإننا نكرر أخطاء الماضي بإقصاء تفاصيل تاريخ مصر مما يجلب لنا ناتجًا مشوهًا موجهًا حسب الهوى و لنا في روسيا خير دليل حيث الإحتفال بلينين و ستالين في ذكراهم على الرغم من سقوط حلم الشيوعية إلا إن ما قدموه للوطن خير دليل على تذكرهم رغم فاشيتهم و ديكتاتوريتهم و بوجود بقايا من يحمل حلم الشيوعية ليظل تراث الزعيمين باقيًا حينما يزورون قبرهما كل عام. هنا سيأتي يوم على البنا بظهور من يريد تذكير الناس به و إنصافه و بلورة مذهبه بإزالة الشوائب عنها ليكتب التاريخ بأكثر من وجهة ليكون الضحية في هذا المأزق التاريخ نفسه و كأن الأفكار تنتقم منه و هنا لابد من وقفة مع كل العصور حتى ننقذ تاريخنا من المجهول و المنسي إما كان جبرًا أو عمدًا حتى نرى أجيالاً تتنسم عن حق أريج حرية ثورتي 25 يناير و 30 يونيه.